آخر تحديث يوم الثلاثاء 13 - 05 - 2003م

.....

برق الشرق

الغزل السوري والمغزل الأمريكي

يحاول القائمون على الأمر في سورية أن يغزلوا غزلهم على المغزل الأمريكي، ولكن رغم أن الغزالة تغزل على عود كما يقولون إلا أن الغزالين هؤلاء قد عجزوا حتى الآن عن توليف غزلهم مع المغزل الأمريكي رغم الغَزَل الذي تجاوز العذري إلى الحسي!!

والخطاب السوري في استعطاف الولايات المتحدة واسترضائها لا ينقطع، وقد رق حتى انخرق، ولم يستطع أن يسترجع صداه.

فباول الذي يغازله الرئيس السوري واصفاً إياه بأنه (الجناح العقلاني في الإدارة الأمريكية) قد مرّ على دمشق ليترك فيها مذكرة غير ديبلوماسية تشبه كثيراً إنذار غورو. وليخبر السوريين بأنه ليس مستعجلاً على سماع الجواب، ولا يريد أن يسمعه، وإنما يريد أن يراه !!

القائمون على الأمر في سورية، من جهتهم، تعاملوا مع الموقف بلغتين، لغة للاستهلاك المحلي، تحدثت في إطار العلاقة مع الأمريكان عن حوار، واهتمام، واحترام، كما تتحدث الجدات عن (الغول والعنقاء والخل الوفي..) !! ولغة أخذت المذكرة الأمريكية على محمل الجد، بل تفاعلت معها أكثر مما يريد الأمريكيون أنفسهم، وبدأت الأوكسترا السورية التابعة للجهاز الرسمي تصدح في الإشادة بالإيجابية الأمريكية، وتتحدث عن عشق المفؤود للمفقود العائد إلى الشرق الأوسط، والموسوم (بالدور الأمريكي) الإيجابي، الذي حل هذه الأيام محل الغائب المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، تقول البعث وهي الصحيفة الرسمية في افتتاحيتها، وهو المقال الرسمي صبيحة الأحد 11/5/2003 ما يلي: (كما كان الأمر في زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط قبل أسبوعين فإن الزيارة الثانية لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول التي بدأها أمس سبقتها سلسلة من التصريحات لعدد من كبار المسؤولين الأمريكيين في مقدمتهم الرئيس بوش حول عزم الولايات المتحدة على بذل جهودها من أجل تهدئة الأوضاع في المنطقة في ضوء تداعيات الحرب التي تعرض لها العراق من جهة والسعي لإيجاد حل عادل ودائم لقضية الشرق الأوسط من جهة أخرى.

وإذا كان ثمة توجه إيجابي ملحوظ في تلك التصريحات ولاسيما من حيث أنها تهيئ الظروف المناسبة لتستعيد الولايات المتحدة الأمريكية دورها المفترض باعتبارها الراعي الرئيسي لعملية السلام في المنطقة فإن هناك مخاوف حقيقية ومشروعة من أن يصطدم هذا التوجه كالعادة بمواقف إسرائيل المتعنتة..).

المطلوب أن يلحظ القارئ هذه الرقة والدماثة في الخطاب السوري تجاه الولايات المتحدة، حتى أن الكاتب الأكثر دماثة يتحدث عن (الحرب التي تعرض لها العراق) لا عن العدوان الأمريكي على العراق، ولا، على الأقل، عن الحرب الأمريكية على العراق. والدور المفترض الذي تريد الولايات المتحدة أن تستعيده هو لإيجاد حل عادل ودائم لقضية الشرق الأوسط.

الاستفزاز الأمريكي أو الاستصغار الأمريكي لسورية بلغ ذروته في لقاء الرئيس الأسد مع صحيفتي الواشنطن بوست، ومجلة النيوزويك.

كانت كل الأسئلة تحاصر الرئيس، مستدعية الماضي والحاضر والمستقبل، كانت الصحفية الأمريكية (ايليزا بيث غراهام ويموث..) ممثلاً رسمياً للمنتصر.. تتساءل بخبث فيما إذا كان السيد الرئيس (يرغب في أكل اللحم) ؟!!

فلم يعد لسورية قضية حضارية ولا قضية قومية، لا هي معنية بالعراق المحتل ولا بالمشروع الثقافي الأمريكي الذي يتصدى لهوية الأمة والفرد، قضية سورية هذه الأيام مختزلة في (الجولان) و(الجولان) فقط.

ففي غضون المقابلة يتساءل السيد الرئيس ببراءة (ما هي الأمور التي نختلف مع الولايات المتحدة عليها.. هي الأمور المتعلقة بإسرائيل فقط !!) وعند فقط هذه نتساءل، هل كفت الولايات المتحدة من كونها مشروعاً إمبريالياً رأسمالياً تسلطياً ؟ (فقط هذه) نتمنى أن تحال إلى القيادة القومية أو القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وإلى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية لتقول رأيها في هذا الغَزْل والغَزَل.

13 / 5 / 2003