آخر تحديث يوم الأربعاء 22 - 10 - 2003م

.....

برق الشرق

الهولوكست اليهودي في غزة هاشم

لا أحد منا يرى سيل الدم في شوارع رفح وغزة، وفي بيوتها، وفوق أسرة أطفالها. لا أحد يرى طبق الدم الذي أصبح حساء يحتسيه شارون وزمرته، لا أحد يرى كأس الدم الذي غدا رائباً يتلذذ شارون بارتشافه !!

لا أحد يشم رائحة اللحم البشري المشوي تحرقه النار الأمريكية، وينهشه ويمضغه إرهابي بشع يعمر قلبه الحقد والضغينة والكراهية لكل بني البشر !!

لا أحد في عالمنا يحس، لا أحد يسمع، لا أحد يرى، لا أحد يشم، جردنا الخوف من الولايات المتحدة من الأحاسيس والحواس ومن القدرة على التفكير والتمييز والتدبير والتصرف.

لسان عجزنا يردد باستسلام مهين (لا حول ولا قوة إلا بأمريكا..) ثم نرى في الاستسلام لهذا العجز أبهى زينتنا وأجمل حليينا، نزخرف به خطابنا، ونتفيهق به بين العالمين.

هدايا شارون الرمضانية لأهلنا في غزة ما كانت لتكون، لو أنه علم أن هؤلاء العُزْلِ المستضعفين يأوون إلى ركن شديد، إلى أمة تنافح عنهم، ويأتزرون بروابط عقيدة، ووشائج رحم تجعل مليار ونصف مليار إنسان، أي خمس سكان المعمورة، يألمون لألمهم ويغضبون لغضبهم !!

يتمادى شارون، وحُق له، لأنه لا يرى أمامه إلا رؤوساً منكسة، وقلوباً خاوية، وجبال غثاء تغدو وتروح جفاء.

الأنظمة التي أقامت استراتيجيتها على استرضاء الولايات المتحدة، تلقي العبء على من يعكر صفو هذا الاسترضاء. والشعوب بدورها تلقي عبء عجزها على الحكام في دائرة للمهانة محكمة الإغلاق. تنسى الشعوب أو نتناسى أن زمن مقاومة الأنظمة أو الجيوش قد ولى، فالأنظمة التي اختارت أن تحبس نفسها في خيارها المسدود لم تعد تملك خياراً. ننسى أو نتناسى أن زمن معارك المواجهة المباشرة في عصر القوة الطاغية المكتسحة للعالم قد ولى، ومع ذلك مانزال نصطنع من يبالغ في قهرنا وإذلالانا..

وأموالها منكم ومنكم جنودها..

هذا الزمن هو زمن الشعوب الحية التي تتفنن في اختيار أساليب مقاومتها. فهل حقاً أننا، نحن الذي نذبح في كل يوم في رفح وغزة وكل فلسطين وبغداد وأفغانستان، لا نملك خياراً غير التوسل والاستجداء ؟!

هل حقاً أن (الفزاعة) الأمريكية قد سحقت كل نبض حياة في خلايانا ؟! ألا نستطيع في عواصم عالمنا الكبرى في الرباط والقاهرة والرياض ودمشق واستانبول وطهران وكراتشي أن نخرج جميعاً إلى الشوارع رجالاً و نساء وأطفالاً لنرابط فيها ليل نهار نصرخ في وجه المتغطرس الأمريكي: لا

ألا يستطيع العاملون في الموانئ والمطارات الإسلامية والعربية أن يعلنوا مقاطعتهم لكل طائرة أو باخرة أمريكية ؟!

ألا يملك طلاب جامعات القاهرة ودمشق والمدينة المنورة وطهران وحيثما وجدت جامعة عربية أو إسلامية طريقة يتضامنون بها مع طلاب جامعة النجاح وبير زيت ؟!

ألا يستطيع طلاب المدارس من (تطوان ـ جاكرتا) أن يغلقوا دفاترهم حتى يرتفع السكين (الشاروني ـ الأمريكي) عن عنق الرضيع الفلسطيني والأم الفلسطينية والإنسان الفلسطيني، وحتى يفتح إخوانهم في غزة ورفح وخان يونس وكل فلسطين دفاترهم ؟!

ألا يمتلك رجال الأعمال في الأسواق المالية والبنوك والأسواق العامة القدرة على الوقوف إلى جانب إخوانهم في الأرض المحتلة، فلا تمر معاملة تجارية لا بيع ولا شراء ولا تحويل حتى يبيع أولئك ويشترون ويتصرفون في حياتهم في ظلال الأمن والأمان ؟! أم أن كسب الرغيف غدا أولى من حقن الدم ؟!

رحم الله زماناً شهدت فيه سورية إضرابها الستيني. يوم لم يكن في سورية الكثير من (الثوريين) ولا الكثير من أصحاب الرتب والنياشين ولا الكثير من (المثقفين !!) ولا الكثير من (رجال الأعمال) ؛ ولكنها كانت تملك الإرادة والعزم. كانت في معركتها المصيرية تسقط كل الحسابات الصغيرة، وتسقط أصحاب هذه الحسابات. كانت تقاوم فرنسا وفرنسا دولة عظمى، وكانت تعلم أن فرنسا التي تقاومها قوية وكبيرة، ولكنها كانت تؤمن أن الله أقوى وأكبر..

إلى أهلنا في أرض الرباط أظلكم شهر عظيم هو شهر الصوم والصبر والجهاد فأروا الله من أنفسكم خيراً. وتقبل الله جهادكم وسدد رميكم.

22 / 10 / 2003