صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 13 - 05 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى مركز الشرق العربي :

مذهب " من ينتظر " !

مصباح الغفري

اعلم، سدد الله خطاك إلى الوقوف على الأطلال، وحماك من تهمة مقاومة الاحتلال، أن كلمة " مذهب " مشتقة من الذهاب لا من الذهب. ومنه قولك : ذهاب العقل، أو الذهاب إلى المفاوضات أو الذهاب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ! نسأل الباري عز وجل أن يتغمدها برحمته التي وسعت كل شيء.

على أن بين الذهب والمذهب صلة، هي أدق من الشعرة وأحدٌ من السيف، فلكي تملك الذهب، لابد لك من الذهاب بعيداً في مذهب أولي الأمر، الذين ينضوون أيضاً في مذهبنا العتيد " مذهب من ينتظر " !

والمذهب، أذهب الله عنك الغمة، فرع من الدين كما هو متعارف عليه عند السلف الصالح، غير أنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الحكام، وفي ظل هذا العالم النظامي الجديد، فإن المذاهب أضحت هي الأساس، والدين والإيديولوجيا والفلسفة فروع منها، وإذا كنت في شك من هذه البديهية البدهاء، فما عليك سوى التمعن والصفن فيما آل إليه كوكبنا الأرضي في زمن الحرب على الإرهاب. ألا ترى معي أيها القاريء الكريم، أن هناك مذهباً واحداً لا غير، هو الذي تتفرع عنه، وتتفرعنٌ به جميع السياسات والأديان والفلسفات؟

هذا المذهب الأم هو مذهب من ينتظر، الذي كان لنا نحن العرب فضل السبق إلى اكتشافه قبل قرون، ألا تذكرون الكسائي والمبرد وسيبويه والخلاف بين مدرستي البصرة والكوفة ؟ تلك قضية قديمة لم أعد أذكر تفاصيلها، فإحدى المدرستين مثلاً، تُعمل الفاعل أو تنصب المفعول به، في حين تنتظر المدرسة الأخرى عودة الفاعل إلى ضميره المستتر دائماً أبداً !  وكما تعرفون، فإن الفاعل لا يعود إلى ضميره إلا بعد العزل أو الوفاة، أيهما أقرب !

لكن التجربة التاريخية أثبتت أن الفاعل في لغتنا العربية الشريفة، يبقى دائماً مجهولاً، أما نحن، المفعول بنا وفينا منذ بدء التاريخ، فعلينا الحضور إلى الكركون لتثبيت نسبة الفعل إلى المجهول الذي لا يجهله أحد ! والذي هو أشهر من نار على علم!

لاعلينا، تلك مسألة اختلفت فيها مدارس فقهاء القمع، بفروعها المختلفة، ابتداء من مدرسة زيت الكاز، وانتهاء بمدرسة تعديل الجرة الدستورية وتركيب أذنيها أنى وحيثما وكيفما شاء من بيده الأمر كله! ولا يزال الخلاف محتدماً بين هذه الفرق حتى لحظة كتابة هذه السطور، لكنني ألتمس العذر منكم وقليلاً من الصبر الذي أدمنتموه منذ معركة صفين، وسترون معي أن ليس في الوطن العربي اليوم فرد واحد خارج مذهبنا العتيد، مذهب من ينتظر !

لنبدأ من رأس الهرم الاجتماعي، أو من رأس الهرم السلطوي، من الرؤساء والملوك ، نزولاً حتى آخر صعلوك، وسترون أن الوحدة العربية لم تتحقق قبل اليوم مثلما تحققت يوم أصبحنا جميعاً على مذهب من ينتظر.

فالرئيس المفدى على مذهب من ينتظر، إنه ينتظر إشارة رضى من مختار المخاتير في واشنطن، والوزير الأول ينتظر رمشة عين من الرئيس المفدى أو إشارة من إصبعه الكريمة، حتى لو كانت الإصبع الوسطى، والوزير ينتظر الفجر، على أحر من الجمر، للتوقيع على ترسية مناقصة يحقق فيها الأمن الغذائي والسكني والمرسيدسي لأطفاله وأحفاده، قبل أن تتغير التشكيلة الوزارية، والمدير العام يدعو الله آناء الليل وأطراف النهار أن يبقيه في المنصب إلى أن يتم ما بدأه من بناء، وما ينتوي إنجازه من مزارع دواجن وفيلات على البحر ومطاعم، والموظف دائماً في حالة تربص، هو متربص في حالة استنفار، يده على الزناد متحيناً الفرصة لقبض مبلغ من مراجع، يساعده في حل العجز المزمن بين الأجور والأسعار. والمراجع أيضاً على مذهب من ينتظر، إنه ينتظر أن يلهم الله سيادة الموظف، ويحنّن قلبه فيقبل بأقل ما يمكن لقاء " عدم تعطيل المعاملة" أو تأخيرها إلى أقرب الأجلين!

في اللهجة التونسية، يطلقون كلمة " تربّص " على المقاولة، ذلك أن المقاول، مثله مثل المناضل، دائماً في حالة تربّص بانتظار اللحظة الحاسمة، لحظة رسو المقاولة عليه، أو لحظة استلام موافقة من بيدهم الأمر كله !

الإنسان حيوان ناطق، هكذا قال العلماء قبل مئات السنين، واليوم أضيف إلى هذا التعريف ما يجعله مانعاً جامعاً ولو إلى حين، الإنسان حيوان ناطق متربص منتظر!

إذا ضاقت منكم الصدور، فعليكم بزيارة القبور،وسترون أن جميع سكان المقابر ماتوا وهم ينتظرون شيئاً ما . البعض ينتظر الفرج عن طريق الربح السريع في اللوتو لحل أزمة يعجز الدكتور شاخت شخصياً عن حلها، ومنهم من ينتظر خروج من يحبهم من سجون أصحاب السيادة والسمو والجلالة، ومنهم من ينتظر الديموقراطية والحرية والتعددية واحترام حقوق الانسان، والحاكمون ماتوا وهم ينتظرون عند كل منعطف تاريخي" فرمان" الباب العالي بتثبيت ولايتهم للسنة الجديدة، والمتفق عليه بين جميع الخبراء، أن سبب اختيار الباري عز وجلّ لهم ولجميع سكان القبور هو سبب واحد : أنهم كانوا على مذهب من ينتظر ينتظرون !

هل لاحظتم الشبه بين كلمة " انتظر " العربية، وكلمة " ATTAND" الفرنسية ؟ أليست الكلمتان من جذر واحد ؟ لاحظوا الجرس والحروف، إنتظر.. أتاند ، سبحان الذي أكرمنا بمذهب الانتظار، وجعلنا خير أمة أخرجت للمنتظرين، ننتظر غودو الذي لا ينتظر قدومه في هذه الظروف التاريخية التي تمر بها أمة الفياغرا.

وانتظروا إني معكم من المنتظرين، ولا حول ولا قوّة إلا بالله !  

السابق

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ