صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 04 - 12 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

صنع في أمريكا

رجاء الناصر

قد لا يكون من الأهداف المستعجلة  للولايات المتحدة الأمريكية إجراء تغيرات بالسلطة السياسية الحاكمة في سورية ، وفق تصريحات لمحللين سياسيين أمريكيين ، والاكتفاء بالمرحلة الراهنة بممارسة ضغوط من أجل تغيير سياسات الحكومة السورية الحالية ، وذلك ضمن الخطوط العامة للاستراتيجية السياسية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط , والتي قال الرئيس جورج بوش قبل أكثر من عام أنها تشمل تغيير دول وحكومات وسياسات في المنطقة , فالولايات المتحدة غارقة في المستنقع العراقي ، والمسرح الدولي لا يساعد على ارتكاب حماقة جديدة بشكل عاجل ، لكن هذا لا يمنع من أن تخطط الإدارة الأمريكية لسياسة تنفذ على مراحل .

المرحلة الأولى: منها قصيرة أو متوسطة الأجل , عنوانها " الضغط على حافة الهاوية " من أجل إجبار سورية على إجراء تغييرات في سياساتها لصالح الإدارة الأمريكية ، أو منعها من اتخاذ سياسات لا تتوافق معها وخصوصاً فيما يتعلق بالعراق ، وبالكيان الصهيوني .

المرحلة الثانية: متوسطة أو طويلة الأجل تهدف إلى تغيير النظام السياسي الراهن ، بعيداً عن مدى التجاوب أو عدمه مع متطلبات المرحلة الأولى ، حيث أن هذا التغيير يأتي لتحقيق هدفين معاً :

الأول : إنهاء النظام القائم في حال عدم قدرته على تنفيذ كامل المطالب المطروحة عليه ، والثاني : إظهار الإدارة الأمريكية باعتبارها المنقذ للشعب السوري من حكومته " المستبدة " ، وإقامة نظام يأخذ على عاتقه منع ولادة عوامل مقاومة الولايات المتحدة الأمريكية ومعها "إسرائيل" ، ونزع ما تسميه بمولدات التطرف والإرهاب .

المرحلة الثالثة : إجراء تغيرات جغرافية في سورية والمنطقة تغير جذرياً هويتها الوطنية والجغرافية لحساب كيانات طائفية ومذهبية وعرقية ضمن متحد جغرافي " شرق أوسطي " يضم بلاد الشام والجزيرة ومصر ، ويكون "لإسرائيل" دور مهيمن وقائد فيه .

العمل لتحقيق الأبعاد الثلاثة بصورة متكاملة خرج من دائرة التخطيط إلى دائرة التنفيذ ، ولعل في الترويج لما تسميه بخطة تحرير سورية مؤشراً عن التداخل في الأبعاد الثلاثة للمخطط الأمريكي – الصهيوني ، ذلك المخطط الذي شمل إطلاق يد " إسرائيل " لتوجيه رسائل عسكرية حامية لسورية والتهديد بالمزيد من التصعيد  من أجل الإجهاز على معنوية القيادة السورية ، كما شمل الإعلان الرسمي عن خطأ السياسة الأمريكية السابقة بالتعاون مع الأنظمة الديكتاتورية ورغبتها بتصحيح ذلك الخطأ على طريق إيجاد قواسم مشتركة مع الأغلبية الشعبية المعارضة لأنظمتها القمعية والديكتاتورية ، وصولاً إلى إطلاق ما يسمى بالمعارضة السورية المتواجدة على الساحة الأمريكية ، وإعطاءها زخماً إعلامياً يغطي على ضعفها الشديد وهزالها وعزلتها عن الداخل السوري بما فيه المعارضة الوطنية الديمقراطية .

قد يجد البعض في هذه " المعارضة الأمريكية " مجرد صورة كاريكاتورية هزلية لكونها صناعة أمريكية مشبوهة ولا تملك رصيداً تاريخياً في الداخل السوري ، إضافة إلى افتقار عناصرها للخبرات السياسية والمعرفية ، إلا أنه لا يجوز تناول هذه المسألة بالاستخفاف على طريقة بعض قيادات النظام السوري  ، فيكفي أن نعرف أن كرازاي أفغانستان لم يكن يملك من رصيد سوى سلسلة متاجر ( مطاعم ) في الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقات متينة مع جهاز المخابرات "سي آي آيه" ، وأن نعلم أن السيد أحمد الجلبي لم يكن سوى رجل أعمال مطارد في المنطقة بسبب سرقته ملايين الدولارات من أحد البنوك الأردنية أدت إلى إصدار حكم عليه بالسجن وصدرت مذكرات ملاحقة دولية عن طريق " الانتربول " بحقه ، ومع ذلك أصبح عضواً رئيسياً في مجلس الحكم الانتقالي في العراق بعد الاحتلال . من المؤكد أن لهذه الخطوة ما وراءها وإن كنا نستطيع أن نجزم بأنها لا تصب في خانة المعارضة الوطنية الديمقراطية ولا في مصلحة الوطن فهي تؤسس لـ :

أولاً : شق صورة المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية ، عبر تصوير وجود معارضات مختلفة بالجوهر وخصوصاً فيما يتعلق بالمسالة الوطنية حيث يجري إظهار جزءاً من المعارضة يقبل  بالتعامل مع الخارج الأمريكي وربما الصهيوني تحت شعارات " الديمقراطية " على عكس آخرين بينما المعارضة الديمقراطية في سورية موحدة حول هذه المسألة ، وهناك توافق كامل بين جميع أطيافها القومية والوطنية والإسلامية واليسارية على وحدة الموقف مع العدو الخارجي المتمثل أساسات بالتحالف الأمريكي – الصهيوني وهي ترى في التبعية لهذا التحالف شكلاً أخطر من أشكال الاستبداد لا يغير من ذلك بعض الدعوات والأصوات الضعيفة التي تتجاهل خطر الاستعمار وتضعه في زاوية أقل من خطر الاستبداد الداخلي

ثانياً : فتح جبهة صراع وتناقضات بين أطراف المعارضة على أساس مواقفها من العلمانية أو من الإسلام ، وهو ما يتعارض مع الاتجاه العام للمعارضة الذي يعلي من شأن الديمقراطية والوطنية باعتبارها أداة توحيد وتلاقي وليس مدخلاً للتنافر في سعي لتوحيد الطيف الديمقراطي الوطني وراء مبادئ عريضة ينضوي فيها الإجماع الوطني والشعبي .

ثالثاً : الدخول في متاهات الصراعات الدولية المتنافرة وزج أشخاص في الخارج يعملون تحت اسم المعارضة لهذه الصراعات، حيث يتبنى البعض مؤسسات وهيئات أمريكية ، ويتبنى آخرين هيئات ومؤسسات أوروبية ضمن لعبة تنافس المصالح الأوروبية – الأمريكية .

رابعاً : وهي الأخطر التقليل من شان المعارضة الوطنية الديمقراطية في الداخل ، وهذا يعود إلى أن المعارضة الوطنية الديمقراطية تحمل عدائية مطلقة للمشروع الأمريكي – الصهيوني وبالتالي لا يمكن أن تشكل البديل للنظام الراهن في المنظور الأمريكي الصهيوني ، وهذا ما لعب عليه النظام كثيراً في السنتين الأخيرتين حيث بدا على استعداد لتقديم نفسه باعتباره الأكثر خدمة للمصالح الأمريكية – رغم كل ما يظهر من تعارضات – من جميع البدائل المحتملة التي تمثلها أطياف المعارضة .

لقد ساهم إلى حد كبير وعي المعارضة الديمقراطية السورية ووطنيتها ورفضها الإغراءات الأمريكية بدفع الإدارة الأمريكية إلى البحث عن بديل يخدم مصالحها على المدى البعيد والمتوسط الأجل ، فلم تجد أمامها سوى تلك النماذج " .. " التي قدمتها وباعتبارها رمزاً لمعارضة مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية دون أن تملك أي رصيد شعبي أو سياسي لها في الداخل السوري  ، وهي نماذج لا تملك من القدرة على التأثير في الواقع السوري إلا في حال استمرار السياسة الرسمية السورية ، وممارستها الداخلية في الرهان على الوقت الذي لم يعد في صالحها ولا في صالح الوطن ، وتجاهلها لمطالب التغيير والإصلاح الديمقراطي ، ودفعها للتسابق على نيل الرضى الأمريكي من خلال استعدادها لتقديم التنازلات للإدارة الأمريكية ، ورفضها تقديم أي تنازلات عن احتكارها للسلطة والثروة لصالح مواطنيها .  

* كاتب وباحث سوري

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ