صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم السبت 18 - 10 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى برق الشرق :

بسم الله الرحمن الرحيم

رسائل المراقب العام – الرسالة الثامنة عشرة

19 من شعبان 1424 الموافق 15 من تشرين الأول 2003

بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك

من المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية إلى إخوته وأخواته أبناء الجماعة وأنصارها وأصدقائها، حَمَلَة رسالة الإسلام العظيم، داخلَ بلدنا الحبيب وخارجَه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله إليكم، وأصلّي وأسلّم على حبيبنا وقدوتنا سيدنا محمدٍ الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، ومن سار على دربهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.. وأسأل الله عز وجل أن يفرّج كروبَ أمتنا، ويحفظها من كيد أعدائها، وأن يُلهمَنا رشدَنا، ويعيذَنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ويرزقَنا صدقَ التوجّه إليه والاعتصامَ بحبله، إنه سميعٌ مجيب.

أما بعدُ أيها الإخوة الأحبة والأخوات: فها هو ذا شهرُ رمضانَ يُطِلّ علينا من جديد، وها هي ذي بُشرَياتُه تلوحُ في الأفق، تدعونا إلى التهيّؤ لاستقباله، والاستعداد للتعرّض لنفحاته، في وقتٍ تواجهُ فيه أمتُنا أكبرَ التحدّيات، ويتعرّض أهلنا في فلسطين لأبشع الجرائم والاعتداءات، وتحيطُ ببلدنا وأبناء شعبنا الأخطارُ والتهديدات.. فما أحرانا - أيها الأحبة - أن نوطّنَ أنفسَنا على حُسْنِ استقباله، والاستفادةِ من دروسه وتوجيهاته، ليكونَ عوناً لنا على تطوير أدائنا، وتحمّل مسئولياتنا تجاه أنفسنا، وأسَرِنا، وإخواننا، وجماعتنا، وأبناء شعبنا، وأمتنا، والناس أجمعين.. فرمضانُ – كما تعلمون أيها الأحبة - مدرسةٌ متعدّدةُ الفصول، متنوّعةُ الدروس، عظيمةُ الفوائد.. ولكلّ فردٍ حظّه من هذا الخير العميم، بمقدار استعدادِه واجتهادِه وتوفيقِ الله تعالى إيّاه، ولكلّ مجتهدٍ فيه نصيب، وإنّ الشقيّ من حُرِمَ فيه رحمةَ الله عزّ وجلّ.

ما أحرانا أيها الأحبة – ونحن نستعدّ لاستقبال هذا الشهر الكريم – أن نستحضرَ المعانيَ العظيمةَ التي يحملها معه شهرُ رمضان، فهو شهرُ الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهو شهرُ الإخلاص والتقوى والعبادة، وهو شهرُ التلاوة والضراعة والدعاء، وهو شهرُ الخير والجود والتراحم والتكافل، وهو شهرُ الأخوّة والمحبة والتآلف والتعاون، كما هو شهرُ الصبر والجهاد جهادِ النفس وجهادِ الأعداء، وهو فرصةٌ للمراجعة والتغيير والتصحيح والارتقاء، كما هو مناسبةٌ لاستنهاض الهمم وشحذ العزائم والتنافس في الخير، للانطلاق نحو المستقبل المنشود.. مستذكرين وصية الرسول الكريم لأصحابه وقد حضر رمضان: ((أتاكم رمضانُ شهرُ بَرَكة، يغشاكم الله فيه، فيُنزِلُ الرحمة، ويَحُطّ الخطايا، ويستجيبُ فيه الدعاء، ينظرُ الله تعالى إلى تنافُسِكم فيه، ويُباهي بكم ملائكتَه، فأرُوا الله من أنفسِكم خيراً، فإنّ الشقيّ من حُرِمَ فيه رحمةَ الله عزّ وجلّ.))

أيها الإخوة الأحبة والأخوات، لنتذكّر في هذا الشهر الكريم:

أننا أبناءُ جماعةٍ ربّانيةٍ، اللهُ غايتُنا، والرسولُ قُدوتُنا، وأنّ صلتَنا بالله عز وجلّ هي مصدرُ قوّتنا وعزّتنا، وأنّ اتباعَنا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو مقياسُ صحّة سَيْرِنا. وأنه كلّما تقرّبنا إلى الله عز وجل بأداء الفرائض والنوافل، واجتناب المعاصي والمحرّمات، واقتربنا من مرتبة أحباب الله الذين يحبّهم ويحبّونه.. كان عونُنا من الله أكبر، وكان توفيقُه لنا أعمّ وأعظم، وإنّ رمضانَ فرصةٌ عظيمةٌ لمن أراد تحقيق ذلك، فلنتعرّضْ لنَفَحاته، ولنُقبِلْ على الله فيه ، نصومُ أيامَه حقّ الصيام، ونقومُ لياليَه حقّ القيام، إيماناً واحتسابا، ندعوه تضرّعاً وخُفْيَة، ونبتهلُ إليه خوفاً وطمعا، نرجوه أن يسدّدَ مسيرتَنا، ويفرّجَ كروبنا وكروبَ إخوتنا وأبناء شعبنا وأمتنا. ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون)).

وأننا دعاةٌ إلى الله عزّ وجلّ بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، في أنفسنا وأهلينا ومجتمعاتنا، بأعمالنا وسلوكنا ومواقفنا، قبل ألسنتنا وبياناتنا وأقوالنا، فنكون القدوةَ الحسنةَ لمن حولَنا، لنشر هذه الدعوة المباركة، وتوريثها لأبنائنا والأجيال القادمة من شبابنا. ((ومن أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى الله وعملَ صالحاً وقال إنني من المسلمين!.)).

وأنّنا إخوةٌ متحابّون في الله عزّ وجلّ، ربطَ اللهُ بين قلوبنا فألّفَ بينها، فأصبحنا بنعمته إخوانا، وأنّ أخوّتَنا هي أساسُ بناء جماعتنا، وأنّ وحدةَ صفّنا هي سرّ نجاحنا وتقدّمنا، فلنجعلْ من هذا الشهر الكريم مناسبةً لتعميق هذه الوحدة بين القلوب، حتى إذا اطّلع الله على قلوبنا – وهو مطّلعٌ دائماً – وجدَها ملأى بالحب وحسن الظنّ وسلامة الصدر تجاه الجميع، وعندئذٍ تغمرُنا رحمةُ الله وتشملُنا مغفرتُه.

وأننا أصحابُ قضيةٍ إسلاميةٍ وطنيةٍ إنسانيةٍ عادلة، لا يجوز نسيانُها أو التهاونُ في نُصرتها، مهما طال عليها الزمن، لأنها قضيةُ الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، في مواجهة القمع والتسلّط والاستبداد، قضيةُ الشهداء والسجناء والمهجّرين، قضيةُ معاناة الملايين المقهورة من إخوتنا وأهلنا وأبناء شعبنا، في أعماق السجون وخارجَها، داخلَ الوطن الحبيب وخارجَه، وإنّ العملَ لنصرتهم واجبٌ شرعيّ ووطنيّ وإنسانيّ، ، وهي قضيةٌ ذاتُ أبعادٍ إنسانيةٍ واجتماعيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ، تحتاج إلى جهود الجميع، واستنهاض الهمم، واستنفار الطاقات. وهي ليست قضيتَنا وحدَنا، بل هي قضيةُ كلّ المواطنين على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم، ولا بدّ أن نتعاونَ جميعاً على القيام بأعبائها، في مختلف الميادين والمجالات والساحات.

وأننا في تعاملنا مع مختلف جوانب الحياة ومستجدّاتها، نتبنّى الوسطيةَ والاعتدالَ والتيسيرَ والتبشير، والتدرّجَ في الخطوات، ومنهجَ الحوار مع الآخر بالتي هي أحسن، بعيداً عن التشنّج والغلوّ والتطرّف والتكفير والعنف.. هذا النهج الإسلاميّ الوسطيّ المعتدل، الذي ارتضاه للجماعة مؤسّسُها الإمامُ الشهيدُ حسن البنّا رحمه الله، وأرسى دعائمَه مؤسّسُ الجماعة في سورية الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، ويتبنّاه العلاّمةُ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله، وغيرُه من علماء الأمة العاملين.

أيها الإخوة الأحبة والأخوات: إنّ ما يموجُ حولَنا من أحداث، في مختلف الساحات، يقتضينا – أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى – أن نكون على أعلى درجات الوعي وبُعدِ النظر واستشعار المسئولية، والتعامل مع هذه الأحداث وفق رؤيةٍ شرعيةٍ استراتيجية، تعتمد فقه الأولويّات المرتبط بفقه الموازنات، وتميّز بين ما هو قطعيّ وثابتٌ لا يقبل الاختلاف، وبين ما هو ظنيّ محتملٌ قابلٌ للاجتهاد.

وإنّ من مُسَلّمات العمل الجماعيّ لدينا، التثبّتَ من الأحكام الشرعية، والتشاورَ داخلَ المؤسّسات وخارجَها، والاستماعَ إلى وجهات النظر المختلفة والاجتهادات المتعدّدة، ثم لا بدّ – بعد ذلك وفي ضوء ذلك – أن تحسِمَ المؤسّسةُ أمرَها، وتتخذَ قرارَها، وَفْقَ مبدأ الشورى المعتمَد، وقاعدةِ الأكثرية الملزمة، ولا يسَعُنا جميعاً بعد ذلك إلاّ الالتزام، ولو خالفَ القرارُ رأيَنا واجتهادَنا، وليس لأحدٍ – مهما كان موقعه أو اختصاصه – أن يجعلَ من نفسه وصيّاً على الجماعة يفرضُ فهمَه واجتهادَه على مؤسّساتها.

ولا يفوتُنا – ونحن نجتهدُ في الوصول إلى القرار الأمثل – أن نراعيَ أدبَ الاختلاف، ونحافظَ على دفء الأخوّة وحسن الظنّ، ونختارَ ألطفَ الكلام في التعبير عن آرائنا واجتهاداتنا، متمثّلين نهجَ سلفنا الصالح: (رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأ، والرأيُ الآخر خطأ يحتملُ الصواب)، مؤكّدين على أهمية صفاء القلوب، وأنّ اختلافَ الرأي لا يُفسدُ للودّ قضية. وحتى عندما يخطئُ أحدُهم فيعبّرُ عن رأيه واجتهاده، بعيداً عن الأساليب الأخوية والقواعد التنظيمية، ينبغي ألاّ يدفعُنا مَسْلَكُهُ الخاطئ إلى الإعراض عن مضمون خطابه، بل نستفيدُ من كلّ نصيحةٍ مهما كان مصدرُها وباعثُها وأسلوبُها.

أيها الإخوة الأحبة والأخوات: إنّ العالم اليومَ أحوجُ ما يكونُ إلى الإسلام ودعاته، وإنّ أمتنا أحوجُ ما تكونُ إلى العودة الصادقة إلى ربها ودينها، ونحن أبناءَ جماعة الإخوان المسلمين نحملُ لواءَ هذه الدعوة المباركة، مع غيرنا من العاملين للإسلام، فلنستشعرْ عِظَمَ المسئولية وثِقَلَ الأمانة، ولنتابع الطريقَ مستعينين بالصبر والصلاة والصيام، متعاونين مع كلّ الصادقين من أبناء شعبنا وأمتنا، متجاوزين كلّ الصعوبات والعقبات، فهذا هو قدَرُنا ومَبعَثُ فخرنا واعتزازنا، وسبيلُ نجاتنا وسعادتنا، ولن يتحقّق لنا ذلك إلاّ أن نكونَ إخواناً مسلمين حقّاً، فمجرّدُ الانتماء دونَ أن يصدّقَه العمل، لا يُغني من الحقّ شيئا. وشهرُ رمضان - أيها الأحبة – فرصةٌ عظيمةٌ للتجديد والتطوير والارتقاء، وحتى يكونَ لنا كذلك، لا بدّ أن نستقبلَه ونتعاملَ معه كما أمَرَنا ربّنا عزّ وجلّ، وكما أرادَ لنا قائدُنا وقُدوتُنا سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فنصومَه ونقومَه إيماناً واحتسابا، مؤدّينَ حقّ الله فيه، مُدرِكين حقيقةَ الصوم المطلوب، وطبيعةَ القيام المندوب، مؤدّين حقوقَ العباد من التحابب والتآلف والتعاطف والتكافل والتراحم، ليكونَ مجتمعُنا هو المجتمعَ الإنسانيّ الأمثل، ونحيى حياةً طيبةً في الدنيا، ونسعدَ سعادةً أبديّةً في الآخرة. ((والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلَنا، وإنّ الله لمع المحسنين)).

وإلى رسالةٍ قادمةٍ بإذن الله، أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه. وكلّ عامٍ وأنتم بخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم: أبو أنس

لندن في 19 من شعبان 1424 الموافق 15 من تشرين الأول 2003السابق

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ