صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 21 - 04 - 2004م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

قراءة أولية للانتفاضة العراقية

رجاء الناصر*

 "لم أتصور أن تجري الأمور هكذا .. فقد شهدت قواتنا اسبوعاً صعباً في العراق " هذا ما قاله رئيس الدبلوماسية الأمريكية كولن باول قي تعليق له عن الانتفاضة الشعبية المسلحة التي عمت المناطق العراقية المختلفة عشية الذكرى السنوية الأولى للاحتلال , ولم يكن وزير الخارجية الأمريكي وحده من تفاجأ بهذه الانتفاضة , بل شاركه فيها الكثيرون ومن بينهم أكثر المراهنين على انتشار عمليات المقاومة واتساعها , فقد استكان أكثر المحللين والمراقبين إلى صعوبة التحالف بين القوى الرافضة للاحتلال في المناطق العراقية المختلفة من جهة, وإلى عدم فعالية القوى الجهادية في مناطق الجنوب من جهة ثانية . رغم وجود مؤشرات لم تجر قراءتها بشكل جيد .

المؤشر الأول : تصاعد عمليات المقاومة المسلحة في محافظة الأنبار وإيقاعها خسائر كبيرة في صفوف قوات الاحتلال , ومشاركة الأهالي في استكمال تلك العمليات عبر القضاء على الجنود المصابين في أرض المعركة , وحرق الآليات المعطوبة , وتوجت تلك المشاركة بعملية سحل لجثث أربعة من عناصر الاستخبارات الأمريكية في عمليات انتقام لعمليات القتل اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد المدنين , ويعتقد بعض المحللين الأمريكيين أن عملية السحل التي جرت تحت أضواء التلفزة الفضائية والتي نشرت في أرجاء العالم , كانت رسالة مقصودة موجهة إلى الشعب الأمريكي للضغط على حكومته للخروج من المستنقع العراقي ,  و إسقاط الرئيس جورج بوش في الانتخابات القادمة .

المؤشر الثاني : إعلان الزعيم الشاب مقتدى الصدر أنه سيقف مع أنصاره إلى جانب حركتي حماس وحزب الله اللبناني في محاربة الأمريكيين والصهاينة كرد على اغتيال قوات الاحتلال الصهيوني القائد الروحي لحركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة , هذا الإعلان الذي حمل بعدين هامين .

أولهما : استعداد الصدر وأنصاره  للانتقال إلى الجهاد المسلح بعدما اقتصر رفضه للاحتلال طوال العام الماضي على العمل السياسي والتظاهر السلمي.

ثانيهما : تخطيه للبعد المذهبي في نضاله ضد الاحتلال من خلال إشارته إلى حركة حماس وتعاونه معها رغم الاختلاف المذهبي بينهما .

في مواجهة تلك المؤشرات ونتيجة للتحليل الخاطئ لراسمي السياسة الأمريكية , وتحت ضغط الانتخابات الأمريكية والرغبة بعدم حدوث انعطافات دراماتيكية , عشية الانتخابات , قررت الولايات المتحدة استخدام العنف الوحشي ( المفرط ) ضد أهالي الفلوجة التي قدّمت الخزان الأكبر لمجاهدي مثلث الوسط , والتضييق القوي على أنصار الصدر وعليه شخصياً من أجل إخراجه من الحياة السياسية العراقية , فأعلن عن حصار الفلوجة تحت شعار إجبار الأهالي على تسليم المقاومين , والذين ساهموا في سحل جثث عناصر الاستخبارات الأمريكية , وقامت في الوقت نفسه باعتقال أحد مساعدي الصدر الرئيسيين , وأغلقت صحيفة الحوزة التي يصدرها أنصاره , ولوحت بإصدار مذكرة اعتقال بحق مقتدى الصدر نفسه بتهمة التحريض على اغتيال الإمام الخوئي في الأيام الأولى التي أعقبت الاحتلال , ومن المعروف أن الإمام الخوئي كان من أهم مناصري قوات الاحتلال وأنه كلف من قبل المحتلين بترتيب ( البيت الشيعي ) لمصلحة المحتلين .

عملية العنف المفرط أعطت نتائج عكسية , ففي الفلوجة تحولت المعركة من صراع بين مقاومين ينتمون إلى جهات ومنظمات جهادية وبين قوات الاحتلال , إلى معركة مقاومة شعبية اختلطت فيها المشاعر الوطنية والدينية , ودواعي المروءة والشجاعة , كما أن قدرة المدينة المحاصرة على الصمود أعطاها بعداً رمزياً , ودفع المقاومين والمجاهدين في المناطق المختلفة إلى تكثيف عملياتهم ضد المحتلين , والتركيز على ضرب الصفوف الخلفية لقوات الاحتلال التي تحاصر المدينة الصامدة , وقطع طرق الإمداد عن القوات الغازية من خلال استهداف قوافل التموين وصهاريج الوقود , وإجبار العدو على تجميع قواته التي تحاصر المدينة في نقاط معينة مما أوجد ثغرات لإيصال الإمداد إلى المحاصرين , وانتقل جيش المهدي , وهو المليشيا المسلحة لأنصار الصدر من العمل السلمي الذي تمثل بالتظاهرات والمسيرات المطالبة بإعادة صحيفة الحوزة وإطلاق سراح مساعدي الصدر إلى ثورة مسلحة بعدما أعطيت الأوامر لقوات الاحتلال بإطلاق النار على المتظاهرين وهو ما أدى إلى استشهاد العشرات منهم , تلك الثورة التي تمكنت من فرض سيطرتها بسهولة على مناطق واسعة ممتدة من بعض إحياء بغداد وجنوبها إلى مدينة البصرة في أقصى الجنوب , وتمت محاصرة قوات الاحتلال في ثكناتها وسقطت كل مظاهر الدولة التي أقامها المحتلون من جيش وشرطة ودفاع مدني , حتى أن بعض هؤلاء أنضم إلى المقاومين  وبعيداً عن سير العمليات العسكرية على الأرض , فإن هذه الانتفاضة حققت مجموعة من القضايا الأساسية التي ترسم مصير العراق لفترة طويلة .

أولها : تجاوز قطوع الانقسام المذهبي والحرب الأهلية , فقد خطط المحتلون لاعتماد أسلوب التفرقة والانقسام المذهبي والعنصري لحكم العراق على الطريقة الاستعمارية التقليدية ( فرق تسد ) , وعملوا على تأليب عناصر الأمة , والسعي لإعادة صياغة الدولة العراقية على أسس مذهبية وأثنية , فشكلت مجلس الحكم المحلي على أساس طوائفي وأثني , وكذلك الحكومة , وفرضت دستوراً مؤقتاً يحمي هذا التشكيل , ويلغي الهوية الوطنية العربية والإسلامية الجامعة للعراقيين , وحاولت تحييد المرجعيات الدينية في الجنوب عبر إثارة مخزون الحقد على مناطق الوسط التي اعتبرت مؤيدة للنظام السابق الذي جرى تصويره باعتباره ممثلاً للأقلية المحتكة تاريخاً بالعراق على حساب الأغلبية , وأطلقت حملة دعائية ضخمة عبر ( الاكتشافات المعلنة ) لمقابر جماعية , ومن خلال تصوير عمليات المقاومة بأنها تهدف إلى استعادة النظام السابق وإعادة إنتاجه , وأنها تشمل أيضاً أنصار القاعدة من ( الوهابيين ) الذين يكفّرون الشيعة ويستحلون دماءهم , وقدمت رسالة منسوبة للزرقاوي أحد القادة المحسوبين على القاعدة تتضمن إثارة طوائف الأمة وقتل بعض العلماء كمدخل للصراع ضد أعوان الاستعمار , وعززت هذا التصوير الدعائي من خلال الجرائم الوحشية التي تعرضت لها حشود الحجاج في ذكرى كربلاء , عند بعض العتبات المقدسة والتي نجم عنها سقوط عدد كبير من الشهداء , والتي جرى تقديمها بأنها من فعل قوى المقاومة في محاولة منظمة لتشويه صورة المقاومة لكن الانتفاضة قطعت الطريق على تلك الإثارة والانقسام المذهبي فقد شعر العراقيون أنهم في خندق واحد , وأن عدوهم واحد , فأرسل الصدر بعضاً من مجاهديه ليقاتلوا في الفلوجة , كما ساهم أنصاره في مناوشة قوات الاحتلال التي تحاصر المدينة , كما أعلنت رموز المقاومة وبياناتها على ترحيبها بانضمام جيش المهدي إلى المقاومة ورفعت صوره في المظاهرات التي عمت مدن الشمال والوسط ,هذا التحول الذي خلقته الانتفاضة أفشل الاحتياطي الاستراتيجي في مخطط قوات الاحتلال بالتلويح بحرب أهلية داخلية اعتقدت باستمرار بأنها مدخلها الأخير لجعل مطلب الإبقاء على قوات الاحتلال مطلبا شعبياً من أجل توفير الأمن .

ثانيها : سقوط الرهان على محاصرة المقاومة المسلحة في ( مثلث الوسط ) ووضع العمل السياسي في مواجهة المقاومة , وهو رهان جرى ترويجه عبر الكثير من القوى التي رافقت القوات المسلحة الغازية بعد سقوط بغداد , والسقوط المعنوي للهيئات والتشريعات التي نصّبها وأقرها المحتل , حيث شكل انضمام جيش المهدي إلى صفوف المقاومة المسلحة نقلة نوعية بعيداً عن التطورات الحالية والتي سيشهدها العراق في الأيام القادمة القريبة .فقد باتت المقاومة المسلحة خياراً آنياً , وأضحت الوحدة الوطنية من الناحية العملية , هي وحدة حول المقاومة المسلحة وليس ضدها , وتزعزعت قواعد الذين قالوا بالعمل السياسي وحده وبمواجهة العمل المقاوم , فظهرت انهيارات كبيرة في مواقف القوى المشاركة في مجلس الحكم المحلي واستقال بعضهم , وانكمش آخرون وغابوا عن الساحة , وشهدت أحزابهم وفصائلهم تسربات كبرى إلى صفوف المقاومين وشمل ذلك جماعات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة والجماعة الإسلامية والحزب الشيوعي وامتد إلى أنصار حزبي الوفاق والمؤتمر اللذين يقودهما غلاة المرتبطين بالأجنبي كالعلاوي والجلبي , وبات أنصار خيار المقاومة السلمية وحدها أقلية أمام الأغلبية الشاملة لداعمي المقاومة المسلحة .

ثالثها : سقوط وهم الديمقراطية عن طريق الاحتلال , فقد جاءت الصور   المفزعة عن جرائم الاحتلال والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد المدنيين في الفلوجة وإطلاق النار على التظاهرات السلمية, لتكون المقابل المطابق والتام لكل ما جرى ترويجه عن جرائم النظام السابق من مجازر حلبجة والمقابر الجماعية في الجنوب , واستخدم المحتلون تماماً نفس المبررات التي استخدمت من قبل الأنظمة الديكتاتورية , ( فرض الأمن ) و( معاقبة الخارجين على القانون ) و( القضاء على المخربين ) , ورافق سقوط الكثير من الأوهام عن الأمن والرخاء وسيادة القانون الخ

رابعها : خلخلة التحالف المشارك في احتلال العراق عبر انسحاب قوات بعض الدول من ميدان القتال , كما جرت مع القوات الكورية التي انسحبت من الكوت , والقوات البولندية و البلغارية التي بقيت في ثكناتها , وإعلان بعض الدول عن عزمها الانسحاب من العراق , مثل قازا خستان التي نفت هذا القرار بعد ضغط الأمريكي , واليابان التي تتعرض لضغوط شعبية وأمريكية متعاكسة .

خامسها : تخفيف الضغط عن الدول المجاورة للعراق , وتكثيف العراقيل أمام المشروع الأمريكي – الصهيوني لإعادة صياغة المنطقة وفق مشروعها الشرق الأوسطي الكبير , وقد أعلن الرئيس الإيراني الأسبق والرجل القوي في إيران هاشمي رفسنجاني صراحة عن تفاؤله بتخفيف الضغط عن بلاده وعن دول أخرى في الشرق الأوسط , حيث قال : أن ما يجري في العراق سيمنع أمريكا من التفكير بإعادة تجربة احتلال العرق في دولة أخرى.

إلا أنه ورغم هذا التحول فإن معظم الدول العربية لا تبدو أنها قادرة على استثمار هذه الأحداث والتقاط الفرصة الملائمة لدعم الانتفاضة عبر انتظار تراجع الإدارة الأمريكية تلقائياً دون أي تحرك منها خوفاً من مغامرة غير محسوبة ليست قادرة على تحمل نتائجها , بل أن بعض هذه الدول بدت في موقف الداعم للإجراءات والسياسات الأمريكية في محاولة يائسة لكسب الرضى الأمريكي . فعمدت إلى منع التحرك الشعبي المتضامن مع الانتفاضة العراقية , وحولت إعلامها الرسمي للدعوة إلى إيقاف الانتفاضة عبر ( الدعوة للتهدئة ) كما أن معظم الإعلام العربي تجاهل نقل التظاهرات والمسيرات التي نظمتها القوى الشعبية المؤيدة للانتفاضة والمقاومة في محاولة منه لعدم إثارة الحكومة الأمريكية !

*رئيس مجلس إدارة الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية وأمين سر تجمع لجان نصرة العراق في سورية .

السابق

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ