صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 24 - 08 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

مسيرة بائسة . . . وطريق مسدود

بقلم عبد الحميد حاج خضر الحسيني / ألمانيا

لا بد من عود على بدء ، لفهم تاريخ مسيرة  الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في سوريه ، كما أن  المضارعة السليمة ومواكبة الأحداث بحصافة يتطلب الوقوف طويلاً على محطات بعينها ، ولكن ليس كوقوف امرؤ  القيس على الأطلال ، لنبكي حبيب ومنزل ، وإن كان  حقاً لمئات الألوف من أبناء الوطن أن يبكوا حبيباً ومنزل ،شردهم عنه بنو اللقيطة من أحلاس الأمن وصرافة الذهب . كما لا نريد أن ننظر إلى الأمر بعين حنطتها أصول البحث الأكاديمي . سننظر للأمر بعين المعانات بعين الخوف والرجاء ، نعم بعين الخوف أن يستباح الوطن كما استبح العراق ، وبعين الرجاء ، أن يمكن الله أهل الحق والخير من إعادة الأمور إلى نصابها  . بعد أن نصب الدكتور بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية . كتبت مقالاً بلغة أعجمية ،وكان بعنوان : " الشعب السوري بين مطرقة الشمولية وسندان الصهيونية ونيران العولمة .أضفت ،ببساطة ، نيران العولمة إلى المقولة المشهورة " بين المطرقة والسندان " لا للتفلسف والحذلقة ، ولكن لأن نيران العولمة كانت ولا تزال تأكل الأخضر واليابس .

بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد ، كنت أنظر مراسيم التشيع الملوكية ،بتركيز شديد ،تنقلها العديد من القنوات العربية . لم يكن الأمر بالنسبة لي مجرد " مات الملك .. . عاش الملك " كنت أرقب الحضور من أهل الميت وأشياعه وأعوانه وأهل المراسم ،وأتفقد الغائب منهم ، وخاصة أصحاب المصالح  وأهل النفاق ، وفعلاً فقد حضر القوم من أهل السلطة وكهنة التتويج ، وكان ،كبيرهم الذي علمهم السحر ،  سيدة تكاد أن تصل إلى أرذل العمر ، ومما أضنى قلبي آنذاك أنها كانت تتصابى . دخلت الكاهنة مع ولي العهد إلى حجرة ، لعلها حجزت خصيصاً لهذا الغرض ، ومكثت معه نصف ساعة ، على رواية ، وعلى رواية أخرى 40 دقيقة ، وللحقيقة : لا ندري أكانت على انفراد مع ولي العهد ، أم كان معهما كاتب عدل وشهود . الثابت والصحيح لقد خرجت وسائل الإعلام "تزف " للعالم وللشعب السوري المسكين نبأ تتويج ملكاً ، عفواً ، رئساً جديداً للجمهورية العربية السورية . شاباً في مقتبل العمر ، وفي الأعراف السورية يعتبر "غلاماً " كما وصفه الأستاذ أحمد أبو صالح ، ولكن أهل "الصنعة"  من الأمريكان لهم رأي آخر . قبل وفاة   فرانكو دكتاتور إسبانيا الشهير ، بعد حكم دام أيضاً أربعين عاماً . ضاق الشعب الإسباني به والمومياء من صحبه ممن كانوا يتكأكأون من حوله . فرأى أهل الاختصاص أن يكون خليفته في الحكم ووريثه في الملك شابان وسيمان في مقتبل العمر، وكان ذلك ، فقد جعل(سوريث )للحكم (وخوان كارلس ) للملك . ولا أكتمكم سراً ، لقد كنت وأنا أرقب مراسم التشيع ليس متشائماً فحسب بل ومتطيراً . متشائماً لأن ما رأيته من " مات الملك. . .  عاش الملك " على الطريقة الحزبوأمريكية  لا تدع إلى التفاؤل . وكيف تدعوا للتفاؤل والسيد الرئيس الراحل ، سافر قبل موته إلى جنيف الهادئة الوديعة ليلتقي مع الرئيس الأمريكي كلنتن ، حيث أعلن آنذاك أن الرئيس الأمريكي يحمل معه حل شامل للنزاع الإسرائيلي _ السوري ؛ أي إعادة الجولان المحتلة منذ حزيران عام 1967 إلى سوريا . قيل أن الرئيس كلينتن كان  لديه خطة كاملة متكاملة وتفويض إسرائيلي مطلق لحل القضية وترسيم الحدود . خلال الزيارة نشرت جريدة (نوبه تسوريخ تسايكونج ) السويسرية " أن الحالة الصحية للرئيس الأسد متدهورة جداً وإن لقاء كلينتن أسد ذا صلة وثيقة بالخلافة على السلطة ، فليس من المعقول أن تحل قضية كالجولان بدون حضور إسرائيلي رسمي وعلى هذه العجالة " . وعلى طريقة حافظ الأسد في التورية ، رجع أسد ليعلن أن المحادثات مع كلينتن في سويسرا قد فشلت ، لأن إسرائيل كانت تصر على عدم العودة إلى حدود 4 حزيران عام 1967 وإن الحدود الإسرائيلية المقترحة هي 50 متراً إلى الشمال الشرقي من سواحل بحيرة طبريا وهذا ما ترفضه القيادة السورية وخاصة الرئيس حافظ الأسد ، الذي لن يفرط بذرة واحدة من تراب الوطن ! ! .  وهكذا أغلق الستار على مسرحية أسد  كلينتن . إني على يقين لا يتزعزع أن موضوع اللقاء بين أسد وكلينتن لم يكن إلا لترتيب انتقال السلطة إلى ابنه بشار الأسد الذي أشرف  للتو على  تدمير رأس الجسر الذي بناه عمه رفعت الأسد  لغرض الزحف  على السلطة في دمشق ، على طريقة فرنكو ، وعرف رأس الجسر  بالمرفأ الخاص . قد يقول من أخذ بالمدرسة الأمريكية ( إن هذا تاريخ ) . لكن لندع رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق (أمين جميل ) يرد على سؤال الجزيرة الاستفزازي . لماذا تستعدون أمريكا على سوريا ؟  الجواب بتصرف دون الإخلال بالمعنى : نحن لسنا سذج لهذه الدرجة كما تعتقد . كيف لنا أن نستعدي أمريكا على سوريا ، وسوريا لها علاقات متشعبة وعميقة مع أمريكا ، وفي كل المجالات ، بدأً من قمة السلطة وحتى أدق المسائل الأمنية ، فمن نحن حتى نستطيع أن نفسد هذه العلاقة ؟ ؟، وما هي إمكانياتنا لاستعداء أمريكا على سوريا ؟ ، هذا حديث السيد أمين جميل منذ بضعة أسابيع . أما التطير فكان بسب وزير خارجية ألمانيا ( يوشكا فيشر ) وهو من أهل المصلحة والنفاق معاً ، كما عرفته في الستينيات والسبعينيات ، فعندما دخل بوابة قصر "الشعب " وتوجه إلى تابوت الرئيس ،حيث كان يقف إلى جانب التابوت ضابط صف ببزة المراسم العسكرية المزركشة ، وقبل أن يقف السيد فيشر أمام التابوت لينحني أمامه على الطريقة الغربية ، تقدم إلى ذلك الجندي ليصافحه بوقار وخشوع مصطنع وبطأطأة رأس خفيفة إجلالاً واحتراماً ، وكما خبرت أهل السياسة من الغرب ، لم يفعلها احتراماً لذلك الجندي على صبره وجلده ،لوقوفه ساعات طويلة بجانب جثة هامدة ، وإنما ضناً منه أن ذلك الجندي الوسيم  والممشوق القامة جنرال أو كبير (الياور) كما في الدولة العثمانية . رحم الله ابن خلدون ، لقد قال في مقدمته " إن الأتراك والعجم والفرنجة لا يأنفون العبودية إذا كان في ذلك ما يقود إلى الملك أو المصلحة " . لقد أدركت أن عودة سوريا إلى المسار المعقول والأخذ بآليات الديمقراطية لا يقع في سلم الأولويات ، لا عند أهل السلطة ولا عند أهل السياسة في الغرب . أجهزت الإعلام العربية والعالمية ركزت وبشكل خاص على أضحوكة تعديل المادة الدستورية المتعلقة بالسن ، الذي يجب أن يكون عليه رأس الدولة عند انتخابه لهذا المنصب ، حيث تمت العملية ببضع دقائق . قضية السن كانت عند العرب خاصة قضية صورية ، فقد تقدم أحد الوفود غلام لمقابلة عبد الملك بن مروان ولما طلب الخليفة أن يتقدم من هو أكبر منه سنناً ، قال له الغلام : يا أمير المؤمنين : "إن المرء كبير بعقله ولسانه" ؛ وذهبت مقولته مثلاً . إلا  أن فعلة مجلس الشعب السوري لن تذهب مثلاً ، بإذن الله . . .

كانت العرب قبل الإسلام تعبد الأصنام ، لتقربهم إلى الله زلفة ، وكان البعض يصطحب معه صنمه في رحله وترحاله . وبينا كان أحد الأعراب على سفر ومعه صنمه إذ حل به التعب ، فوضع صنمه على مقربة منه ونام ، فلما أفاق من نومه ونظر صنمه فرأى ثعلب يبول للتو على الصنم ، حزم أمتعته وركل الصنم بقدمه وقال : أ إله تبول عليه الثعالب ؟ ! يا أهل السلطة أما يأخذكم الخجل عندما تحتكمون إلى دستور غيرتم أحد مواده ببضع دقائق . أما لديكم من الغيرة والمروءة ما يجعلكم تركلون بأقدامكم دستوراً فصل على مقاس رجل لم يملك لنفسه شيئاً ،  عندما أزفت الآزفة . ولكن لهذا الخنوع والتذلل ،  عند البعض ، من الطبقة السياسية السورية تاريخ لا بد من سرده :

   أهم ما يميز التاريخ السياسي ، لسورية الدولة والحكومة ، منذ الاستقلال في  17/4 1946وحتى قيام انقلاب 8/3/ 1963هيمنة القيادات العسكرية نيابة عن ، العصبيات الحزبية ،أو الطائفية أو عصبية المناطق  ،  الذي أدى إلى إجهاض مسيرة الشعب العربي في سوريا في معركة تحقيق الذات ، التي بدأها بعد الاستقلال مباشرة . قامت القيادات العسكرية بالهيمنة على القرار السياسي في البلاد ، مباشرة عبر الانقلابات العسكرية ، أو بصورة غير مباشرة من خلال مراكز القوى التي يحتلونها أو يصطنعونها . ففي هذه الحقبة ، عاشت سوريه ثمانية انقلابات عسكرية . دشنها الجنرال حسني الزعيم في 30 مارس عام 1949 وكان الدافع لهذه الانقلابات ذا صلة وثيقة بالصراع العربي الإسرائيلي سلباً أو إيجاباً . فقائد الانقلاب الأول مثلاً :  سارع إلى توقيع معاهد الهدنة مع إسرائيل ومعاهدة التابلاين المتعلقة بمرور أنابيب النفط عبر الأراضي السورية إلى لبنان وكلا المعاهدتين رفضت من قبل المجلس النيابي  السوري آنذاك ، لتعارض بعض بنودها مع مبدأ السيادة للجمهورية الفتيه .

  وبعد سلسلة من الانقلابات عادة الحياة السياسة والديمقراطية إلى سوريه وذلك ، بعد الإطاحة بالجنرال أديب الشيشكلي في 25 فبراير 1954.   بعد هذا التاريخ ، أصبحت البلاد تحكم من  قبل حكومة حازت الثقة من مجلس نيابي منتخب . كان أعظم إنجاز قام به المجلس النيابي  السوري إصدار دستور رائد في احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطنة دون تميز ديني أو عرقي ،كما ألزم ، بمواد دستورية ، مؤسسات الدولة العمل على تربية جيل مؤمن بالله والقيم ، وإقامة مجتمع الرعاية والتكافل الاجتماعي . كانت اللجنة المؤسسة للدستور  التي أعدت مسودة الدستور تضم النخبة القانونية والفكرية في سوريه حيث كان الاتجاه الإسلامي بارز الحضور فقد مثله : الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين ، والأستاذ العلامة محمد البارك ، ذو الأصول الجزائرية ، والعلامة الأستاذ مصطفى الزرقا . يقابل هذا الفريق  الإسلامي ، فريق من المثقفين ذوي التوجه العلماني في السياسة والحياة ومع ذلك ،توصلت الهيئة المؤسسة للدستور  إلى صيغ مقبولة عند الأطراف المتحاورة . لقد تمحور الخلاف حول مادة دستورية  كان الفريق الإسلامي يطالب بها وهي : " دين الدولة الرسمي الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر أساس من مصادر التشريع " لقد تنكر المثقفون العلمانيون للتراث الفقي للأمة والمرجعية الفكرية والروحية لغالبية أبناء الشعب . وكانت حجهم سفسطائية ، متذرعين بوجود أقلية غير مسلمة كالمسيحيين ، علماً أن الأغلبية المسيحية لا تعارض هذا التوجه ، وذلك وفق استفتاء سري أجرته السلطات الفرنسية أيام الانتداب الفرنسي قبيل الاستقلال . وتحول الحوار الفكري الأكاديمي إلى حوار سياسي شعبي ومادة خطابات الجمعة في المساجد . عند ذلك تقدم رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي بصيغة توفيقية تقول إن :دين رئيس الجمهورية  الإسلام وأن من أهداف الدستور : بناء جيل يؤمن بالله . وقد قبل غالبية الإسلاميون هذه الصيغة حسماً للجدل .إلا أن فريق أخر تمسك برأيه ، وكان أكثرهم شهرة الأستاذ محمد المبارك الذي خرج من جماعة الإخوان المسلمين متمسكاً بالصيغة الأولى ، دون أن يقطع أواصر الود مع جماعة الإخوان ، رغم  التباين في الرأي في موضوع على جانب كبير من  الأهمية ، ألا  أن ذلك لم يمنع الإخوان المسلمين من دعم الأستاذ محمد المبارك للفوز بمقعد نيابي على منافسه في الجولة الثانية .

 من المعروف ، وخاصة في العالم الثالث ، أن العسكر قد يفقدون سلطانهم السياسي ولكن لا يفقدون أمل الرجوع إليه . وفعلاً فقد قبع كبار الضباط ذوي العزوة السياسية في مبنى الأركان العامة ليشكلوا من  بينهم ما عرف ( بالجنة العسكرية ) التي كانت تمارس السيادة الفعلية في البلاد .لم يكن لهذه اللجنة أي غطاء قانوني أو ما يبرر قيامها من اللوائح الداخلية للقوات المسلحة المعمول بها آنذاك . أي فرضت نفسها بالقوة المستمدة من الجيش والعزوة السياسية التي يضفيها عليهم انتمائهم الحزبي  أو الطائفي أو المناطق التي ينتمون إليها .

وفي عام 1955 قام ضابط صف من الطائفة العلوية ينتمي ( للحزب القومي السوري الاجتماعي) باغتيال العقيد عدنان المالكي ،رئيس الشعبة الثانية ( المخابرات العسكرية ) الذي كان يعارض انتساب أعضاء هذا الحزب إلى الكلية العسكرية والجيش ، وخاصة من أبناء الطائفة العلوية . إذن أدرك الحزب القومي السوري أيضاً أهمية الجيش للوصول إلى السلطة .بعد جريمة الاغتيال هذه ، شنت الدولة والحكومة حملة شعواء على الحزب القومي الاجتماعي وكوادره العسكرية والمدنية . أبعد الضباط وصف الضباط من الجيش و سرح بعض كوادر  الحزب من الوظائف العامة . كما وقعت تصفيات جسدية لأعضاء الحزب من المدنين والعسكريين . منهم المقدم غسان جديد ( شقيق العقيد صلاح جديد ) الذي لعب ما بين عام 1961 ـ 1970 دوراً بارزاً ومهماً في الجيش والحزب . كما قتل أحد أعضاء الحزب القومي السوري من قبل أحد البعثيين في مدينة دير الزور . بعد هذه الحادثة تحول معظم كوادر الحزب القومي السوري من أبناء الطائفة العلوية إلى حزب البعث العربي الاشتراكي . هذا التحول المريب لم يكن له ما يماثله في الطوائف الأخرى ، سواء عند السنة أو المسيحيين .

 بعد العدوان الثلاثي على مصر في أواخر عام 1956 ، بروز نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر كزعيم عربي لا ينازع ، وكان الرجل يحكم مصر بما عرف آنذاك بمجموعة الضباط  "الأحرار ". ولعل شكل الحكم في مصر هو الذي أغرى ذلك اللفيف من الضباط القوميين التقدميين الاشتراكيين  من أبناء المحافظات لتشكيل (اللجنة عسكرية) ليحدث التناغم الصوري بين القيادة العسكرية في مصر والقيادة السياسية في سوريا ، ومع مرور الزمن وتلاقح الأحداث وتتابعها ، وسّعت الجنة العسكرية من صلاحياتها السياسية الواسعة أصلا . لقد كان بوسع الجنة العسكرية  أن تفرض الخط السياسي الخارجي للبلاد وحتى شكل الحكومة .مع أن الجنة العسكرية لم يكن لديها غطا برلماني معتبر . فالكتلة البرلمانية التي كانت تقف وراء الجنة العسكرية كان لا يزيد عددها عن 30 نائباً من أصل 169 نائب .ومع ذلك فقد فرضت ، من خلال الكواليس وعبر ما كان يطلق عليه العصيان العسكري ، حكومة التجمع الوطني حيث كان معظم وزارت السيادة من البرلمانين الذين كانوا من المؤيدين للجنة العسكرية . تمكنت الجنة من فرض الأستاذ أكرم الحوراني كرئيس للمجلس النيابي . رغم أن عدد نواب حزب البعث لا يزد عن 17 نائباً .

لا بد من طرح السؤال التالي : من هم أعضاء اللجنة العسكرية وما هي توجهاتهم السياسية والعقائدية ؟

تتكون الجنة العسكرية من حوالي 17 ضابط من رتبة رائد إلى رتبة عقيد يجمع بينهم رغبة سلطوية جامحة وينحدر معظمهم من أسر متوسطة الدخل . سمحت آليات الضبط والربط العسكرية في جيوش العالم الثالث أن يكتسبوا عزوة سياسة أكبر من حجمهم الحقيقي . إذا أضفنا إلى ذلك التهديد المستمر من قبل دولة الاستيطان العدواني "إسرائيل " الذي يضفي على أبناء القوات المسلحة نوع من الاحترام الوطني ، كما أن الاستعراضات العسكرية ، التي كانت تقام بمناسبة أو بغير مناسبة ، كانت تضفي هالة من القدسية على الجيش وضباطه ، وإن كانت مفتعلة ومصنعة أحياناً ، وقد توسع نظام عبد الناصر بالاستعراضات وأيام الزينة كنوع من أنواع التعبئة الشمولية ، وقد برعت النظم الشمولية بهذه الصنعة منذ فرعون وحتى صدام ، ولعلها الصنعة اللطيفة الوحيدة التي يجيدها الاستبداد   . كما ساهمت الضغوط السياسة والاقتصادية والعسكرية التي كانت تمارسها الدول الاستعمارية القديمة فرنسا وانكلترا ، والدول الاستعمارية الجديد ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية في( توثين )الهالة العسكرية وتحجيم دولة القانون ، بالتدخل غير المباشر في الشؤون الداخلية للوطن عبر آليات معقدة بعض الشيء .

 إن جماهير الشعب لم تكن على خطأ عندما قبلت بحياة متواضعة من أجل تأمين ما تحتاجه القوات المسلحة  . خاصة بعد أن تجسدت وأصبحت حسية إرادة القهر والهيمنة الغربية ، بعد طرح الرئيس ازنهاور مشروعه ، ذو النقاط الأربعة ، لتسوية مسائل المياه والتنمية الاقتصادية للمنطقة كديكو لمشروع عسكري يعتبر منطقة الشرق الأوسط منطقة فراغ عسكري يجب ملأه لمواجهة خطر التوسع السوفيتي ، وهذا يعني إدخال سوريه في منظومة الدفاع الغربية أي حلف بغداد السّيئ الصيت . أصبح الخطر أكثر تجسيداً وحسية عندما وقفت سوريه ،كبقية الدول العربية ،التي تملك بعض الإرادة السياسية ، إلى جانب مصر ضد العدوان الثلاثي فأوعزت أمريكا لحليفتها تركيا لحشد قواتها على الحدود الشمالية لسوريه ،لتهدد سوريه في حالة دخول القوات المسلحة السورية إلى جانب مصر في معركتها ضد إسرائيل وحلفائها . بعض الساسة السورين  كانوا يشككون في هذا السيناريو لأن أمريكا نفسها كانت غير مقتنعة بجدوى العدوان الثلاثي كما فرضت على الدول المشتركة في العدوان ، بريطانيا  فرنسا وإسرائيل ، الانسحاب من مصر . وأن عبد الناصر طلب من القيادة السورية عدم الدخول في عمليات عسكرية ضد إسرائيل . ولكن القيادة السورية أوعزت إلى بعض ضباط المخابرات العسكرية بتفجير أنابيب النفط التي تمر عبر الأراضي السورية وأعلن آنذاك : أن عمال النفط السوريون قاموا بتفجير أنابيب النفط التابعة لشركة نفط العراق البريطانية وقت إذن . كان لهذه العميلة وقع مؤثر على الرأي العام العالمي ، خاصة في انكلترا وذلك لأهمية النفط العراقي على الاقتصاد الغربي ، من جهة ،ولأن المنفذين كانوا عمالاً كما أذيع . بعد هذه الأحداث المتسارعة ، التي أسهمت بشكل فعال في تعميق الوعي السياسي القومي وإلى حد ما الوعي الطبقي عند بعض الشرائح الشعبية . أصبح الطريق معبداً  أمام الدعوة إلى شكل من أشكال الوحدة العربية .

كان للطبقة السياسية في سوريه التي تنحدر من الكتلة الوطنية ، التي قادت النضال الوطني في سوريا في أربعينيات القرن الماضي تصور محدد في إدارة البلاد تتلخص في النقاط التالية 1- عدم استفزاز الغرب أو استعدائه والاستفادة من الفرص المتاحة لتنمية البلاد اقتصادياً عن طريق جلب الاستثمارات الأجنبية . 2 -كان غالبية الكتلة الوطنية تسعى إلى نوع من الاتحاد أو الوحدة مع الدول العربية المجاورة ، على قاعدة الأقربون أولى بالمعروف ، ومراعاة لحقائق الجغرافيا السياسية والتكامل الاقتصادي .3 لم تكن الطبقة السياسية السورية ذات الخلفية الإسلامية أو القبلية أو الطائفية تثق بالسياسات الخارجية للاتحاد السوفيتي فضلاً عن رفضها البنية الاديولوجية الشيوعية جملة وتفصيلاً ،كما أن هناك عامل نفسي يقف حاجز بين الشعوب العربية الإسلامية والشعوب الاسلافية يمتد لبضعة قرون .إذن كانت الطبقة السياسية  في سوريا منقسمة إلى  معسكرين متنافسين ، الأول يملك أغلبية برلمانية معتبرة ولكن لا يملك خطة سياسية موحدة والثاني يكاد يهيمن على القوات المسلحة مع تبني (لسياسة الشعارات ) المعادية للصهيونية و الاستعمار . لقد كانت الساحة السياسية السورية مسرحاً لكل مفردات الحرب الباردة ، وأكاد أجزم أن خبراء الإعلام في كلا المعسكرين قد جند أفضل خبرائه لكسب المعركة . وتبنت اللجنة العسكرية مشرع الوحدة مع مصر ، ليس فقط لأنهم أخذوا ، على حين غرة ، كبقية أفراد الشعب السوري بصنعة الإعلام "الجديدة " التي اتخذت من الراديو ثم الترنسزتر وسيلة ، والخطابة وزخرف القول مادة . فاخترقت جدار الأمية ومزقت صمت الأكثرية ، فلاكت الألسن أسماء أجنبية ، وثارت مع الريس وأحمد سعيد على الاستعمار والإمبريالية ، ونادت بصوت واحد " من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر " .

وفعلاً وفي النصف الأخير من عام 1957 حطت طائرة الجنة العسكرية في مطار القاهرة حيث كان المشير عبد الحكيم عامر في استقبالهم ثم انتقلوا إلى المكان الذي أعد"خصيصاً " لهم . القيادة المصرية على علم بتوجهات الضيوف السياسية والعقائدية ، وربما أعدت عن كل منهم إضبارة خاصة من قبل أهل الاختصاص في السفارة المصرية التي كان على رأسها السيد محمود رياض . كان الرئيس عبد الناصر يتشاغل عنهم بمتطلبات زيارة الرئيس الأندونوسي أحمد  سوكارنو . ولكن لم يكن هناك تقصير في أصول الضيافة " العربية " والترحيب " الحار " بالزائرين من ذوي البزات الأنيقة ممن يتقنون "الصنعة والمجاملة " جيداً . وفوق ذلك كله كان المشير عامر يتردد عليهم أحياناً . وبعد الاجتماع بعبد الناصر والاتفاق معه على الخطوط العريضة للوحدة الاندماجية وموافقة الجنة العسكرية على حل الأحزاب ـ قبل إعلان الوحدة رسمياً . عادة اللجنة إلى سورية وقلوب أعضائها شتى .ففريق لم يكن مرتاح لنتائج المفوضات واعتبرها بدء العد التنازلي له ولفريقه من المدنين ، خاصة أكرم الحوراني السياسي الطموح والحزبي المناور وكان العقيد مصطفى حمدون يمثل هذا الفريق في الجنة العسكرية . وفريق أحسن الظن بعبد الناصر واعتقد ، بدون دليل ، أن عبد الناصر لن يحل الحزب إلا صورياً ومؤقتاً . وسيعاود الحزب( البعث العربي الاشتراكي) نشاطه بعد أن تستتب الأمور . وهؤلاء أطلق عليهم اسم " المغفلون النافعون " وفريق كان مسلماً طائعاً  على قاعدة " ليس بالإمكان أحسن مما كان " وهم الأغلبية ، وفريقاً رفض الوحدة غير القائمة على أساس طبقي، وكأن سوريا مهد الكادحين ، وهم الشيوعيون ، وكان لسانهم في اللجنة العسكرية  الفريق عفيف البزري كما كان  السيد خالد بكداش سكريتير الحزب الشيوعي يمثلهم في المجلس النيابي  . وقع على الوحدة في 22 فبراير_ شباط عام 1958 وأعلنت رسمياً 28 شباط عام 1958. بالنسبة لحزب البعث  العربي الاشتراكي فقد كان شهر عسل ، لزواج إكراه .أو كما يقول المثل  ( لقد جنت على نفسها براقش ) لقد عين عبد الناصر نائب له السيد أكرم الحوراني وعدد آخر من الرفاق كوزراء في غير وزارات السيادة ، فهي محجوزة "للخلص " من أهل المطبخ السياسي والأمني  . أخذ الرئيس يجمع الأعوان من حوله من البروقراطيين غير البعثيين أو البعثين الذين تركوا الحزب طوعاً ؛ بناءً على تقارير السفارة المصرية والمتعاونين معها فيما أطلق عليهم فيما بعد " قادة الناصرية " . وبسرعة وصل عبد الناصر وأجهزته الأمنية إلى يقن ، أن حزب البعث لا يملك شعبية أكبر مما كانت تعطيه إياه صناديق الاقتراع قبل الوحدة وهي 17 نائب في ضل قانون للانتخابات يراعي الجهوية إلى حد بعيد . وقد تدنت هذه النسبة إلى النصف بعد انتخابات الاتحاد القومي حيث كان قانون الانتخاب أكثر سبراً وقرباً من الإرادة الشعبية . لم يعد عند عبد الناصر مبرراً لإبقاء البعثيين  في السلطة ؛ بل لم يعد لهم سلطة أصلاً . فخرجوا من السلطة . فستبدل الرئيس بهم ضباطاً تكنوقراطيين  كان  البعض منهم في اللجنة العسكرية من أمثال أحمد حنيدي ، وأكرم ديري ، وجادو عز الدين .

كان إعلان الوحدة ، بين سوريا ومصر ، المرحلة ما قبل الأخيرة للقمة السياسية التي وصل إليها الرئيس عبد الناصر مع إعلان الثورة على المكية في العراق وخروج العراق من حلف بغداد ونهاية الاتحاد الهاشمي الذي أعلن بين المملكة الأردنية الهاشمية والملكة العراقية الهاشمية أيضاً.وهنا لابد من وقفت على أطلال هذا الحدث الجلل ! !

إن من شخصية عبد الناصر أنه يبدي زهداً مصطنعاً وعجيباً بالهدف والغاية التي يسعى إليهما ، فقبل الثورة أو الانقلاب على الملكية في مصر ، كان يبدي مثل هذا الزهد ، وكلما تمكن من زمام السلطة ، كلما أبدى مزيداً من الزهد ومزيد من الحجج التي تعزز القناعة عند مريديه وأعوانه بأنه الزاهد بأمر الله  . لقد نجح هذا التكتيك إلى حد بعيد أمام أعضاء  اللجة العسكرية السورية ، حيث كانت الغالبية من مريديه ، ففرض عليهم حل الأحزاب وإلغاء المسار الديمقراطي بما في ذلك حل المجلس النيابي ، والتسليم له بالسلطة المطلقة ، وتسويق كل ذلك على أنه الحل الأمثل . وبمثل هذا التكتيك نجح من قبل في الاستحواذ على السلطة في مصر ، حيث نجح في استقطاب معظم الضباط الذين شاركوا في الثورة وإقناع الأجهزة الأمنية " البوليس السياسي " الحاكم الفعلي لمصر الملكية بأنه (عبد الناصر ) البدل الأفضل لهم (البوليس السياسي ) بين القوى السياسية المتصارعة على السلطة بعد الثورة على الملكية . وكان البوليس السياسي هو الأداة التي تمكن بها من التحكم بمقاليد الأمور ، وأكاد أجزم أن البوليس السياسي كمؤسسة قمعية ،بعد أن غير أسمها بما تقتضيه أحكام الصنعة ، هي الحاكم الفعلي لمصر حتى اليوم .

بعد ثورة 14 من تموز " الخالدة " بقيادة اللواء  عبد الكريم قاسم ، شيعي المذهب ، كردي فليلي ، وعسكري شجاع شديد الانضباط أما القطب الثاني للثورة فكان العميد عبد السلام عارف مسلم سني ، ينحدر من قبيلة عربية أصيلة ، قومي التوجه ، متهور .

حاول عبد الناصر إن يطبق نفس التكتيك ، الذي اتبعه مع اللجنة العسكرية السورية ، مع قادة الثورة في بغداد أيضاً ، بإظهار الزهد بالسلطة والنصح بالتروي والحذر أملاً منه أن يسلم له الجميع بالسمع والطاعة ، ولكن هيهات فالعراق عصبيات وأحزاب  ومصر رعية والسلطان ، وقد تعلم الرفاق الشيوعيين ، الذين كانوا شركاء بالثورة ، مما حل برفاقهم في سوريا بعد الوحدة من قتل وتنكيل وتشريد على يد المخابرات السورية المستحدثة . ولآن يرتد السلاح الذي طالما استعمله عبد الناصر في ابتزاز مريديه إلى نحره . عبد الكريم قاسم يكبح جماح عبد السلام عارف ويبدأ بالتسويف والمناورة ويؤلب الملل والنحل والفرق والأحزاب ضد مشروع الوحدة الناصري . فاجتمع عليه كل شعوبي وشيوعي ونادوا به زعيم أوحد وقال شاعرهم : عاش الزعيم الأوحد    فيه الشفاء المؤكد !

وفشلت الوحدة بين الجمهورية العربية المتحدة وبين الجمهورية العراق . لقد وصل عبد الناصر إلى القمة بعد أن أعلن دعمه للثورة في العراق . لقد أحسن العرب عندما قالوا : لكل مقام مقال . فالتكتيك الذي اتبعه عبد الناصر للانفراد بالسلطة والاستحواذ عليها وحتى اندلاع ثورة 14 من تموز ،لم يعد صالحاً لإقناع الشعوبيين والشيوعيين الذين حشدوا كل ما هب ودب لحماية أنفسهم ، حيث كانوا يعتبرون الوحدة مع عبد الناصر خطراً مباشراً عليهم .عبد الناصر لم يكن يملك الصراحة والشجاعة الكافية لمطالبة مريديه والشعب العربي في العراق وعلى امتداد الوطن العربي ، بأن الوحدة الفورية وفي تلك الظروف الدولية وموازين القوى العالمية هي الرد الأمثل على التحديات الدولية . لقد فشل عبد الناصر في مد مشروعه الوحدوي إلى بلاد ما بين النهرين ليكون أول  عربي صعيدي يحكم مهد الحضارات .  إنه التردد في اللحظة الحاسمة ، سمة أخرى للرئيس عبد الناصر ، خلّقها حب الهيمنة والابتزاز ونرجسية السلطة ، التي أصبح يحاكيها الكثير ممن قفزوا على السلطة على ظهر دبابة . إن عبد الناصر يتحمل نصف وزر الفشل ويتحمل وزر النصف الثاني الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم ومن آزره وولاه . لقد كان قاسم شعوبياً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى فستقطب من هم على شاكلته من النحل والفرق ، لم يعرف عنه ميل للعروبة أو للإسلام ، لقد كان عيياً لا يحسن البيان ، ولا يرى في الدين شريعة أو أحكام

لقد أفسد ذلك العتل الزنيم فرصة تاريخية قد لا يجود الزمان بها مرة ثانية ، قد يقال أنه قد دفع إلى هذا الموقف دفعاً من قبل الشيوعيين

الذين كانوا يريدون العراق " وطن حر وشعب سعيد " على طريقة المهداوي ، وماجد أمين الذين أعدموا الأكبر وأمموا المقابر ، وسيروا قطارات " السلام " إلى الموصل وكركوك لترويع الآمنين وقتل أهل الملة وصلبهم وتعليقهم على أعمدة الكهرباء وبلغة السياب " عاد التتار ". لم يكن عبد الكريم قاسم ضالة الشيوعيين المنشودة بل كان كبير الشعوبية ورأس الظلال . واليوم نجد في مجلس الحكم الذي عينه السفير ( بيمر ) الكثير من أشياع ذلك العتل الزنيم ، وأكثر من هذا أن الطابور الشعوبي المنتشر في أصقاع العالم يضع نفسه في خدمة الاحتلال فيصبح يد الاحتلال وعينه ولسانه ، ينطق بما ينطق به الصهيوني فولفوفتس بلسان عربي فصيح ، والعياذ بالله . 

حاول عبد الناصر أن يعيد الكرة ويأخذ بزمام المبادرة ، فكانت ثورة عبد الوهاب الشواف في الموصل آذار 1959 التي حظيت بدعم إعلامي من الجمهورية العربية المتحدة . ومرة أخرى يكون التردد وعدم الحزم سبباً في فشل المشروع الوحدوي في العراق ، وكان للشيوعين والشعوبيين الدولة . وكانت  الاعدامات في أم الطبول وكذلك أعمال القتل والسحل والتعليق على أعمدة الكهرباء في الموصل ثم في كركوك استفزاز لغالبية الشعب العربي في العراق . قرر حزب البعث العربي الاشتراكي أن يدخل المعركة ، فقام بمحاولة اغتيال فاشلة للزعيم عبد الكريم في شارع الرشيد في بغداد ، كان أحد المنفذين صدام حسين . بعد هذا التاريخ دخل العراق تحت المضلة الشعوبية المعادية للعربة والإسلام . بعد ثورة 14 من رمضان 8 من شباط عام 1963 تم الإفراج عن 92 ألف معتقل كانوا جميعاً من العرب وأهل السنة بالذات ، هذا ما ذكره اللواء محمود شيت خطاب أحد المشاركين بالثورة ، وقال أن السجلات والوثائق حول هذه الحقيقة موجودة في وزارة الدفاع العراقية . أذن : الصورة الوردية التي تحاول الشعوبية المتعاونة مع الأمريكان رسمها لنظام قاسم اليوم ، هي ليس أكذوبة فحسب ، بل محاولة جديدة وخطيرة لاستفزاز العرب من سنة وشيعة . أعتقد أني قد ذكرت في هذا المقال  معظم مثالب وسلبيات الحقبة ، التي عاشها الشعب السوري ما بين الاستقلال والانقلاب الذي أطاح بالوحدة في 28/9/1961 .                                                    

كيف يقيم الناس الذين عاشوا هذه الحقبة وكانوا شباباً أو في مقتبل العمر وهم اليوم في خريف العمر أو في أرذله .

لندع جانباً ، الذين تقطع الغربة نياط قلوبهم ؛ ونسأل فقط الركبان القادمين للتوّ من البلاد ولم يأكلوا على موائد الاستبداد أو ممن ألهبت ظهورهم سياطه . الإجابة بكل بساطة وعفوية : سقى  الله تلك الأيام ؛ لم نكن أغنياء ولكن كان متوسط دخل الفرد 6 7 أضعاف ما عليه اليوم ( رغم منابع النفط الغزيرة في دير الزور الكئيبة والقامشلي النائية  ) لم نكن نملك ربما حتى مذياعاً ولكن كنا أكثر دراية بشؤون أمتنا . وكان الآباء والأمهات يودعون  أبنائهم  وهم يصعدون إلى الباص ليؤدوا الخدمة العسكرية على أمل أن يعودوا إليهم وقد تعلموا صناعة الدفاع عن الوطن ، واليوم ندفع بهم إلى السعودية والخليج لخمس سنوات أو أكثر ليجمعوا بعض المال ليفدي به نفسه من حياة الذل والخنوع والسخرة لثلاث سنوات عجاف كحاجب أو خادم أو فلاح في مزارع الإقطاعية الجديدة من كبار الضباط……متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا

إن سوريا التي كان يبلغ  عدد سكانها حوالي 4 ملاين نسمة عاشت أفضل فترة في تاريخها السياسي المعاصر فقد كانت تعيش في ظل دستور قد استوفى كل الشروط التي تجعل منه دستوراً عصرياً ديمقراطياً نيابياً ، فالمجلس النيابي ينتخب كل خمس سنوات بالاقتراع السري وينتخب المجلس بالاقتراع السري أيضاً رئيس الدولة ليقوم بتمثل الدولة وهو رمز سيادتها بينا يتولى رئاسة السلطة التنفيذية رئيس الوزراء ، أما القضاء فيكاد يذكر أبناء سوريا بماضيهم القضائي

الذي أدهش الفرنجة عندما جاءوا بحملاتهم البربرية ، والتي أطلقوا عليها الحروب الصليبية ، ما لمسوه من عدل في القضاء ، ومضاء في التنفيذ ، لا تأخذهم في الله لومة لائم . لقد كنت فخوراً عندما سمعت لأول مرة بالغة الألمانية مثلاً دارجاً يذكر بصرامة المفتي ، حيث يفتي فيطاع ، ولو كان المدعى علية أميراً أو وزيراً ، فالمفتي كان يقابل المدعي العام في الدولة العصرية العادلة . كما أن هناك مثل بالألمانية يهدد صاحب الظلامة برفع ظلامته إلى القاضي ليقتص له ، والسامع لكلا المثلين يلحظ كلمة مفتي العربية كما يلحظ كلمة قاضي العربية أيضاً .لقد كان القضاء مستقل استقلالاً تاماً عن السلطة التشريعية ،والتنفيذية . ولم نعرف من قوى الأمن إلا الشرطة في المدن والدرك والهجانة في القرى والبوادي . أما المباحث والمخابرات الخاصة والعامة فلاوجود لها البتة . كنا نسمع عن الشعبة الثانية كعين على العدو ولا نحس بوجودها مطلقاً . كنا شعب مسيس وفضولي لمعرفة ما يجد على الساحة العربية والعالمية ونتفاعل معها وننظم الظاهرات والمسيرات لنصرة الحق وشجب الظلم وأذكر أني ألقيت كلمة حماسية في جمع غفير من التلاميذ والأباء ،وكنت في الصف الثاني الابتدائي ،لحض الناس للتبرع لنصرة المجاهدين على قناة السوس ضد الانكليز . لقد كان الناس في نشاط وحيوية لتدبير شؤونهم المعيشة . لقد وفرت وزارة الصحة العناية والتوعية الصحية ووفرت للفقراء العلاج المجاني في المصحات والمشافي مجاناً .

حيث كان من حق ذوي الدخل المحدود الحصول على البطاقة الصحية بخمس ليرات سوريه تمكنه من دخول المستشفيات مجاناً . لقد بلغت معدلات زيادة الإنتاج 25 %  أحياناً وهي أعلى نسبة في العالم . أما التعليم فقد كان يسير بخطوات حثيثة وراسخة ،رغم ضعف الإمكانيات المادية ، حتى وصلت إلى القرى النائية . لقد كان لجهد بعض الأحزاب في محو الأمية الأثر الطيب والفعال ، وبفضلهم تمكن العديد من العمال ممن حرموا نعمة التعليم أن يستدركوا بعض ما فاتهم ويحصلون على الشهادة الابتدائية ، وأذكر عندما تقدمت إلى امتحان الشهادة الابتدائية كان في قاعة الامتحان عن يمني رجلاً في الخامس والعشرين من عمره ويعمل حمالاً وقد قال لي بأنه كان يذهب بعد العمل إلى مدرسة محو الأمية لجماعة الإخوان المسلمين ، ودعاني لزيارة المركز حيث قال أن هناك الكثير من الأطفال والشباب من ذوي الأخلاق الحسنة  ، كما أن هناك فريق لكرة القدم .   كان المسجد والمركز الإخواني مدرسة لتحسين أداء المؤسسات التعليمية بدأً بالجامعة مروراً بالمدارس الثانوية والابتدائية وحلقات أو فصول محو الأمية عند العمال وصغار الكسبة . كان المسجد نقطة اللقاء لنسبة عالية ، من التلاميذ والطلاب وحتى أساتذة الجامعات والمدرسين ، بعد الانصراف من المدرسة حيث يلتقي الطلاب والتلاميذ من جديد بعد أن جددوا نشاطهم بستراحة قصيرة ووجبة طعام متواضة أعدتها أم حنون أو جدة رؤوم . وإني على ثقة لو كان الحاسوب أو الانترنت معروفة آنذاك لكانت زوايا مساجد سوريه ، مليئة بهذه الآلة المفيدة . وكيف لا ؟ وكل مرفق من مرافق الدولة يدعوا إلى العلم والمعرفة ، حتى أن الشهادات المدرسية كان تعنوّن بالحديث النبوي الشريف " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم يرضي بما يصنع " . لقد كانت الصناعة الثقيلة التي يضطلع بها الشعب السوري المؤمن بعيداً عن المهاترات الحزبية . هل تنبهت الحركة الإسلامية إلى خطورة هذه الصناعة الثقيلة بشكل عفوي أم هو من فعل الناموس الإلهي الذي فطر الله الناس عليه ؟ ؟ " لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا " ، يجب أن لا ننسى أن الدول الاستعمارية والبعثات التبشيرية كانت تعد لمثل هذه الصناعة الثقيلة ، منذ وطأت أقدام المستعمر أرض البلاد المستعمرة ، بغرس المداس التبشيرية أو المدارس العلمانية (الدنيوية ) ؛ ففي كل مدينة سورية كبرى كان  مدرسة تبشيرية أو دنيوية تستقبل أبناء النخبة لإعدادهم ليوم الكريهة ، عندما يضطر المستعمر أو يرغب في حزم أمتعته للرحيل عن البلد . حتى الرئيس الراحل حافظ الأسد نال شهادته الثانوية في مدرسة فرنسية ، ليلتحق بعدها بالكلية العسكرية التي وضبت على غرار الكليات الحربية الأوربية كذلك ،  ووريثه على العرش الجمهوري تلقى تعليمه  الثانوي في مدرسة أجنبية ، وكذلك معظم أبناء النخبة الحاكمة أو الحرس القديم  .

بعد أن أفسدت النظم الشمولية نظام التعليم بتأميمه ، وحاربت وبسوء نية الرديف الشعبي الإسلامي ، تحت شعار محاربة  الأصولية والتطرف وتجفيف منابع الإرهاب ، وذلك بإغلاق أبواب المساجد بعد أداء فريضة الصلاة مباشرة ، وحرمت الجماهير المتعطشة للعلم والمعرفة من مرفق حيوي كان بوسعه لو استمر أن يعدل موازين القوى ،غير المتكافئة ،لصالح حركة التعلم العربي الإسلامي . لقد أثبتت تجربة التعليم في سوريا في خمسينيات وحتى منتصف الستينيات  مشفوعة بمدرسة المسجد أنها خير رد على تحديات المدارس الأجنبية وظاهرة تردي التعليم الحكومي . إن تردي التعليم الرسمي في كل مراحله وزحف المدارس والمعاهد الأجنبية ، وعجز الحكومات عن حل المشكلة ، حتى وان توفر المال للحكومة ، تحد حضاري يجب الرد عليه بتفعيل دور المسجد العلمي كرديف للتعلم الحكومي وتجربة سوريه في الخمسينيات  جديرة بالمحاكاة وخطوة على الطريق الصحيح . إن فتح أبواب المساجد من جديد للعلم والمعرفة ضرورة قومية وواجب إنساني وديني . وهذا هو أحد أسرار قوة (حماس ) كما اكتشف ذلك بعض الصحفيين الأجانب وأشاروا إليه في تقاريرهم الصحفية . وهو ليس كشفاً جديداً بل أشار إليه خالد بكداش في لقاء حزبي عندما قال " لو أتيحت لنا نفس الفرص المتاحة للإخوان المسلمين ، وأعني المساجد، لقمنا بالثورة ببضع سنوات . إني لا أدع إلى تأميم أو إغلاق المداس والجامعات الأجنبية ، ولكن من حقي أن أطالب في مجتمع تعددي  بتكافؤ الفرص كقاعدة أساس في المجتمع الديمقراطي . إن الإنسان الذي يعيش أسير معرفته وعلمه وأفكاره وتصوراته دون الاطلاع على معرفة وعلم وأفكار وتصورات الآخرين هو حكماً وبالضرورة إنسان متعصب ضيق الأفق ، ولهذا خلقنا الله بعينين وأذنين  ولسان وشفتين وهدانا النجدي .

 لا بد أن أنفض غبار التاريخ عن ملف سياسي إنساني عاشته سوريه في الفترة المنصرمة والتي عرفت عند الصحافة الشمولية بعهد الانقلابات وعدم الاستقرار ، وكما يحلو لبعض الإعلاميين تصويره ، لإبراز "نعمة " الاستقرار الشمولي الآسن : أنه ملف الحريات لغير السورين من أبناء الدول العربية والإسلامية الذين فروا بدينهم من البانيا  أو الشيشان وجاءوا ينشدون الأمان في سوريا فوجدوه ، رغم العلاقة الحمية التي تربط سوريه بالاتحاد اليوغسلافي أو الاتحاد السوفيتي ، وقدمت الحكومة السورية لهم ، وبدون خوف أو وجل حق اللجوء السياسي حسب الأعراف الدولية ووثيقة حقوق الإنسان ، وأمنت لهم العمل الشريف في التعليم أو في الوزارات الأخرى ومكثوا في سوريه حتى قضوا نحبهم ، حيث لم تتمكن الأجهزة الأمنية من ترصدهم وتقديمهم هدية إلى تيتو وخروتشوف أصدقاء الجمهورية العربية المتحدة المزعومين . الشعب السوري ، قبل الوحدة بل وحتى في عهد حكومة الاتحاد والترقي ، رفض  المشاركة بالجرائم  النكراء التي كانت السلطة ترتكبها  واشمأز من مرتكبها كجريمة  أنور باشا وجمال باشا وجاويد باشا ضد الأرمن الذين أصبحوا كلأً مباحاً لآلة القتل الماسونية التي تديرها حكومة الاتحاد والترقي من يهود الدونمة الأوباش ، وانسجاماً مع هذه التقاليد العريقة هبت الفصائل الشعبية لتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته وهو يصارع الغول الاستيطاني وجور الاستعمار الإنكليزي الذي أخذ على عاتقه مهمة التصفية العرقية التي مارسها الصرب لاحقاً ضد المسلمين في البوسنه والهرسك  ، وهم أي الإنكليز خبراء في هذا المضمار . بعد النكبة فتح الشعب السوري وديمقراطيته الوليدة صدريهما للاخوة من فلسطين ، الذين أخرجوا من ديارهم وأقتسم معهم مأساتهم ونال شرف احتضانهم ، وحبانا  الاخوة بعلم كنا بأمس الحاجة إليه ، لقد كان الفلسطينيون متقدمين علينا في بعض الاختصاصات العلمية كاللغات ، فقد كان أستاذي بالغة الانكليزية والفيزياء من فلسطين  ، وبالصبر والجلد الفلسطيني المعروفين والمعاملة غير البروقراطية استطاع الاخوة أن ينهضوا من كبوتهم وننهض معم لنصرتهم ، لقد منحت الحكومة السورية كافة حقوق المواطنة بل راعت الظروف الصعبة التي يعشها شعب أخرج من دياره ومرتع صباه . فمنحت تسهيلات خاصة للالتحاق بوظائف الدولة والجامعة ، مع الحفاظ على الهوية الفلسطينية التي اتفقت الحكومات العربية عليها . كجوازات السفر والتسجيل في هيئة اللاجئين التي أنشأتها هيئة الأمم المتحدة . لقد اعترفت الحكومة السورية بعجزها عن نصر الاخوة الفلسطينيين عسكرياً ولاقت الويلات من ألسن المثقفين والمفكرين وقادة الأحزاب والشعراء من أمثال المرحوم عمر أبو ريشة حيث لا تزال قصيدته العصماء يرددها بمرارة كل غيور على أمته ودينه .ولصدق اللهجة وبعد الأثر لمعانيها نستشهد ببعض أبياتها :

رب وا معتصماه انطلقت         ملأ أفواه الصبايا اليتــم

لامست أسماعهم لكنهـا           لم تلامس نخوة المعتصم

 والمندوحة التي تسجل للحكومة الديمقراطية هي أنها لم تلوث يدها بتوقيع معاهد الهدنة مع العدو الغاصب لتبقي المجال مفتوحاً أمام المجاهدين للعمل الفدائي ( هكذا كان أسمهم قبل أن تتسرب أدبيات الشمولية إلى مفردات العمل الفلسطيني ، لما لكلمة الجهاد من بعد إسلامي تاريخي ومعنوي على الكينونة الحضارية للإنسان العربي المسلم )

وهذا ما يريده العدو الإسرائيلي الآن ومن ورائه مجلس الأمن ، الذي أصبح لسان صدق لأمريكا وإسرائيل ، من الحكومة اللبنانية عندما يطلب منها نشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية ليقوم بحراسة إسرائيل من أصحاب الحق المغتصب . نعم لم توقع الحكومة الديمقراطية معاهدة الهدنة إلا أن جاء الزعيم حسني الزعيم على رأس السلطة بعد الانقلاب الأول في تاريخ سوريه ، وهذا ما أشرت إليه سابقاً . وما دمنا ضمن الملف السياسي الإنساني فلا بد من الإشارة إلى التعامل الشعبي والرسمي . وأعني بالموقف الرسمي موقف الحكومة المنبثقة عن مجلس نيابي أنتخب وفق آليات الديمقراطية المعتمدة . وأعني بالموقف الشعبي موقف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الثقافية والفكرية والأدبية والفنية تعبر عنهم صحافة حرة طليقة . ففي قضية الإخوان المسلمين التي أشعل حب الاستئثار بالسلطة أوار حربها الضروس كانت من القضايا الهامة في العالمين العربي والإسلامي . ووقف غالبية الشعب العربي السوري إلى جانب الإخوان ضد إجراءات القمع والتنكيل المعلنة من قبل حكومة الثورة والتي كانت غيظ من فيض مما جرى فعلاً من قتل وتصفية معنوية وجسدية تعتبر وصمة عار ولعنة ستلاحق مرتكبيها ومبرريها وحتى الذين اثروا السلامة فسكتوا عنها . وأثناء هذه الحملة الشعواء الظالمة والملفقة . كان عدد غير يسير من قيادة الجماعة في زيارة عمل لإخوانهم في سوريه وكان على رأسهم المرشد العام المستشار حسن الهضيببي والدكتور سعيد رمضان ولأستاذ عبد الحكيم عابدين  وغيرهم من رجال الدعوة . وقد عرض الساسة  السوريون على ضيوفهم البقاء في سوريه ريثما تنجلي  الأمور ولكن لم يروا في طلب السلامة في هذه الظروف حكمة وآثروا الرجوع إلى مصر ومجابهة الواقع السياسي المكفهر . وقد كان ذلك . ما يهمنا هنا هو الموقف الذي وقفته معظم الطبقة السياسية في سوريه من مسألة سياسية قد تجلب متاعب لهم ، وكان يمكن  تجاهلها كما فعل بعض زملائهم من القوميين أو اليساريين . لقد ذكر الأستاذ أحمد أبو صالح في قناة الجزيرة ، أن تلويث سمعة الإخوان واتهامهم بأنهم " عملاء للإنكليز " كانت سياسة معتمدة عند بعض الأحزاب وأجهزة المخابرات في عدد من الدول العربية . هذه التهمة لا تنسجم مع المحسوس والمعقول ، فالإخوان هم أول من تصدى للإنكليز بشكل جدي في القناة وهم أول من نبه أبناء الأمة إلى خطر الصهيونية بل هي المنظمة الوحيدة ، على امتداد الساحة العربية والإسلامية ، التي قدمت جهد عسكرياً يذكر في مواجهة الصهيونية على أرض فلسطين .أقول من خلال تجربتي مع  التيارات السياسية الدينية والقومية واليسارية أن هذه التيارات لم تكف عن سجية حب الانتقام والتشفي من خصومهم السياسيين إلا بعد أن دفعت ومعها الشعب ثمناً باهظاً في سجون ومعتقلات الأنظمة الشمولية قتلا وتعذيباً وسجناً ولسنوات عديدة . وقد عبر عن هذه الظاهرة بمرارة كاهن بروتستنتي : عندما اعتقلته السلطات النازية وساقته إلى معتقلاتها الظالمة بمقولته التي أشهرت فيما بعد " عندما بدأ النازيون باعتقال الشيوعيون قلت لنفسي ، مالي وشأنهم فإني والحمد لله لست شيوعياً ، ولما جاء دور الاشتراكيين الديمقراطيين لم أكترث بالأمر فلم أكن اشتراكياً ديمقراطياً ولما القي القبض على بعض الكهنة من الكاثوليك حمدت الله أن لم أكن كاثوليكياً ، ولما القي القبض علي لم أجد من يقف معي . إن أعظم حاجز يقف ضد الاستبداد هو تمالؤ الأمة وتكاتفها على نصرة الحق . بالنسبة للمسلم فان نصرة الحق من فروض الدين واجبة الاتباع ، والعدل هدف وغاية الشريعة فأينما وجد فثمة شرع الله

والقرآن صريح واضح  " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون " المائدة 8 وقد سئل الشهيد سيد قطب رحمه الله عن رأيه في الحرب الفيتنامية فقال إن الحق مع الفيتكونج واستشهد بهذه لآية الكريمة . كما أمرنا الله تعالى بالحيطة والحذر من أهل الفسوق الذين يرمون الناس بالتهم الملفقة قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا عل ما فعلتم نادمين " الحجرات 6 وأي فسق وفجور أكبر من الفجور والفسوق الذي تمارسه السلطة المستبدة التي تلفق التهم وتنشر العداوة والبغضاء بين الناس . يذهب الإسلام مذهباً حضارياً فريداً في تقرير حق اللجوء السياسي حتى للذين يناصبونه العداوة والبغضاء فيأمر الله سبحانه الرسول ( ص) والمؤمنين معه ومن بعده بشيء ثقيل على النفس الإنسانية " إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " فيوجب القرآن الأمان للأعداء الذين يلتمسونه عند المسلمين الأمان " وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه "

والديمقراطية منشأ وصيرورة ليس إلا مجموعة من آليات التي يجب أن تخضع للتطوير لما يتلائم  ومتطلبات تطوير الواقع السياسي القائم إلى واقع أفضل ، ولهذا تصبح مقولة أيتام الشمولية المحرجين أمام تعالي أصوات المطالبين بالديمقراطية ، بأن هناك خصوصية حضارية يجب مراعاتها عند استييراد الديمقراطية ، مقولة صورية المبنى سوفسطائية المعنى . فكونها صورية المعنى فهم لا يتورعون باستيراد كل ما يعزز آلة القمع والتنكيل ، دون مراعاة أي خصوصية ، سواء من  الشرق أو الغرب من الشمال أو الجنوب المهم أنها فعالة للبطش أو ( تصفية ) خصومهم الحقيقيين ، وهو عادة ما يكون الشعب ومؤسساته المدنية ، أو خصومهم المفترضين رفاق الأمس التي أتت الآلة الشمولية عليهم ولا يزالون يحلمون بالرجوع إليها خاصة ، وأن البعض يملك المال الحرام الذي سلبوه قي غياب سلطة الشعب والقانون ، السلب والنهب أهم سمات النظم الشمولية والعولميه . لقد وضعت :كلمة تصفية بين قوسين لأنها من مفردات المعجم النازية ولكن ألفتها ومارستها كل النظم الشمولية بدرجات متفاوتة . إن الخصوم المفترضون يشكلون الهاجس الأعظم لرجال الشمولية.أما الخصوم الحقيقيون الشعب ، فهم هاجس السلطة الشمولية من الدرجة الثانية لأنهم لا يزالون يطمئنون إلى فاعلية الأجهزة القمعية واستمرارية جدار الخوف من جهة ،ولأن نشوء ونمو ونضج وأكتساب الخبرات الضرورية في التصدي السلمي للاستبداد يحتاج إلى الوقت والصبر والمصابرة والتغلب على إغراءت السلطة وابتزازاتها اليومية المتنوعة . علينا أن نراعي قاعدتين أساسيتن في هذا المضار القاعد الأولى . إن الله سبحانه خلق كل شيء بقدر .والثانية أن الله جعل كل شيء  ميسر لما خلق له .             

 من خلال دراسة تاريخ الانقلابات في سوريه يبدوا لنا أنه قد تولدت قناعة راسخة لدى دول الهيمنة وعلى رأسها أمريكة أن الانقلابات العسكرية الطريق الأقصر لتمرير السياسات التي تهمها .ولكن لابد من تطوير في المضمون وتحسين في الأداء !!.. والحقيقة أن قوى الهيمنة لا تملك عبقرية خاصة ولكن تملك إمكانيات هائلة . لقد اكتشف بن خلدون ، قانون قيام الملك والحفاظ عليه . فأوجب العصبية كشرط لابد منه لقيام الملك وهو ما يعرف عند المنظرين الألمان ( بالجسم السياسي ) .ولبقاء  الملك واستمراره لا بد من الدعاية الدينة ، وابن خلدون كمسلم اشترط العدل كسمة أساس في الدعوة الدينة . الإديولوجية هي البديل العصري لمفهوم الدعاية الدينية التي قال بها ابن خلدون . لهذا كان أهل السلطة في سوريا يتشبثون بحزب البعث العربي الاشتراكي ليس إيماناً بمبادئ الحزب ولكن لتأمين الإديولوجية لعصبية السلطة .

كيف نشأ الاستبداد ؟ ما هي فلسفة الاستبداد ؟ عند العرب و الغرب بعد الإسلام : يتفق المفكرون على أن الإسلام كان ولا يزال الباعث الأساس إلى التحرر من العبودية والاستبداد . وأفضل تعبير عن رسالة الإسلام في هذا المضمار مقالة ربعي بن عامر عندما وقف أمام هرمز قائد الفرس مجيباً على سؤاله . من الذي جاء بكم إلينا ؟ فأجاب ربعي ( رضي الله عنه ) : (جئنا لنخرجكم من عبادة العباد إلى عبدة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ) . إذن كيف جثم الاستبداد على صدر الأمة ولقرون طويلة . سأعرض فقط بعض الأسباب الموضوعية باختصار شديد . أهم الأسباب الموضوعية يرجع إلى أن فقهاء السلطة والسلطان كانوا حديثي عهد بالرق أو العبودية ، الذي كان يعتبر الإنسان وسيلة الإنتاج الوحيدة ، لذلك لم يكن بمقدورهم  إدراك أهمية تلك اللطيفة القرآنية التي تجعل الحرية والفطرة ، التي فطر الله الناس عليها ، وجهان لعملة واحدة ، وعودة الإنسان إلى الفطرة شرط أساس لبلوغ الإيمان، أما منع الإنسان من حرية الاختيار فهو على الأقل تشويه لفطرة الإنسان إن لم يكن مسخها .  كما أن الشورى ( وشاورهم بالأمر )  ( وأمرهم شورى بينهم ) آلية لا مناص منها لممارسة الحرية السياسية  . إن صلة الشورى بالحرية السياسة كصلة الوضوء بالصلاة . فكما لا تصح الصلاة إلا بالوضوء : كذلك لا تستقيم الحرية السياسية إلا بالشورى . ذلك العجز أو ذلك التقصير أو قل ،ذلك الجهل بطبيعة الأشياء ، من فقهاء الأمة ، تدفع اليوم الشعوب العربية والإسلامية ثمنه تخلفاً وجهلاً وإذلالاً وفقراً وعجزاً .  العجز عن إجلاء هذه اللطيفة القرآنية أورثنا الاستبداد بل وقابلية الاستبداد والاستعمار . لم يكن  المثقفون الغربيون أو فلاسفتهم أحسن حظاً في هذا المضمار من فقهاء المسلمون ، بل كان البعض يصب الزيت ،ولا يزال ، على نار الاستبداد . هذا ماكيافلي ، الذي عرف ،بكل تأكيد ، ما كتب ابن خلدون ،  يكتب ، وهو بحل من قيم العدل والرحمة ، التي ضارعها ابن خلدون ، كتاب الأمير ، ويجعل الحفاظ على الملك والسلطة الهدف والغاية المقدسة التي لا ترتقى إليهما أي غاية أو قيمة أخرى .وينصح ماكيافيلي الأمير ووزراءه بآليات هي من فطرة الوحوش الكاسرة للحفاظ على قدس  الأقداس ( السلطة ) نعم السلطة ولا شيء غير السلطة . لقد اكتفى كل الطغاة في العالم العربي والإسلامي بتقليد الغرب عند هذا الحد . أما طغاة الغرب ، وما أكثرهم ، فقد هذبوا وطوروا هذه النظرية الشرسة دون المساس بجوهرها . هيجل واحد من الذين اهتموا بفلسفة السلطة وعاش في كنفها وقال بالجدلية المثالية ليصل إلى تبرير يلغي فيه كل مسؤولية أخلاقية عن المرؤوسين وخاصة من رجال المؤسسة العسكرية الذين يضطلعون بمهمة تنفيذ الأوامر السياسية  ، كما يعطي السلطة السياسية العصمة والقدسية التي تجعل كل خارج عنها كلأً مباحاً لجوارح السلطة . لقد تلقفت العسكرية البروسية نظرية العصمة هذه وصاغت على هديها الجيش البرويسي ، والعسكرية البروسية المعروفة عند أهل الاختصاص في الكليات العسكرية . إن كتاب " من الحرب " ل (كلاوزوفتس ) أصبح كراس المحفوظات لكل ضابط يقوم بدورة أركان حرب . ما هو هدف وغاية الحرب يتساءل هذا الجنرال ا لبروسي ؟ إن الهدف والغاية من الحرب تدمير العدو فيزيائياً ووضعه في موضع لا يستطيع الدفاع به عن نفسه وإملاء أرادتنا السياسة عليه . ولحسن الحظ لقد اعترف الرجل أن الوصول إلى هذا  الهدف أمر صعب المنال حتى ولو قطع المنتصر مراحل عدة على طريق الهدف المنشود ، فالهزيمة تولد إرادة المقاومة عند المهزوم وهي مصدر الخوف وهاجس الأمن عند المنتصر . لقد تلقف الطغيان العربي هذه النظريات وصاغ الجيوش العربية على هديها . لا ليسترد حقاً مغتصباً ولكن ليقهر شعبه وأمته بها ، فالطغاة أعجز وأبعد  عن فضيلة رد المظالم إلى أهلها . علينا أن ندرك العلاقة الجدلية بين الحرية والتحرير وقاعدة فاقد الشيء لا يعطيه . لقد هزم الجيش العربي الإسلامي في اليرموك جحافل الروم وكان لا يزيد على ثلث جيش الروم عدداً . لأن جيش العرب المسلمين ،كان جيش أحرار ، وجيش الروم جيش مرتزقة وعبيد . لقد عاد كارل ماركس ، بعد أن لفظ الدين والقيم أنفاسهم الأخير في وجدان وضمير الإنسان الغربي ، يدرس تاريخ الحضارة والإنسان على ضوء النظرية الجدلية التي أحسن سبكها هيجل بعد أن جعل هيجل يسير  على قدميه ،  وكان يسير على رأسه . فعرفت نظريته هذه بالجدلية المادية وخرج على العالم من المتحف البريطاني بنظرية المادية الجدلية للتاريخ . وبعد ن أنجز موسوعته المعرفية المعروفة " برأس المال " ولشدة فرحه بهذا الإنجاز العظيم كتب إلى والدته العجوز يزف إليها النبأ بقوله "لقد انتهيت اليوم من كتابة رأ س المال " فأجابته : ولدي العزيز أتمنى لو كان لك نصيب من رأس المال . لقد أصابت العجوز وأخطأ كارل  ماركس . لقد بشر الطبقة العاملة بالتحرر من الأغلال التي ترزح تحتها في ظل الرأسمالية الجائرة، والعياذ بالله ، وفتح شهيتها إلى جنة تجري فيها أنهار  من لبن وعسل مصفى . ماذا حصدت الطبقة العاملة بعد أن تولى تلميذه النجيب مهمة التنفيذ ؟ لينين الذي كان يعيش في برن في سويسرا حزم أمتعته القلية ، فقد كان الرجل متقشفاً ، ومعه بعض من رفاقه ، لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد ،وركبت القيادة الروسية الجديدة لينين وصحبه ، عربة قطار خاصة هيئت من قبل أعدائهم الألمان لينقلوا عبر أرض العدو وتحت حراسته وبأمان يصلون إلى السويد ومنها إلى سانت بيترسبوغ ليعلن لينين من هناك الثورة الكبرى . وللذكرى فقط نقول : للقارئ الكريم أن الوسيط بين لينين الثائر والرجعية الألمانية كان رجل أعمال يهودي العقيدة ، عظيم الكرش قميء الخلق والخلقة وكان لينين ،الذي لم يكن أحسن صورة منه يتأفف عند مقابلته ، ماذا نريد بهذا مثلاً ؟ لينين وعد الألمان بإيقاف الحرب على الجبهة الروسية ورسم الحدود وفق مطامع الرجعية الألمانية التي مكنته من السلطة أو على الأقل اكتشفت عبقريته وطموحه للسلطة ، ولكن لينين كان أسعد حظاً من تلاميذه ،  فقد خسرت ألمانيا الحرب ونسي الناس جريمة الخيانة الوطنية ، وبأعلى صوته الجهور صرخ لينين يعد العمال وكوادر الحزب بأن السلطة كل السلطة " للسوفيت " والكلمة تعني بالعربية المجالس العمالية . وما هي إلى بضع شهور حتى أصبحت السلطة كل السلطة للحزب المعصوم الذي لا يخطئ ولا ينسى ، هكذا  قال الرفاق- ؛ وما هي إلا سنوات حتى أختزل الحزب المعصوم بملاينه إلى ثلة قليلة أطلق عليها  "اللجنة المركزية " صاحبة الحول والطول والعصمة . وما هي إلا بضع سنوات حتى أختزلت اللجنة المركزية للحزب العظيم إلى عظيم الاستبداد وآمر الجلادين والوشاة السكرتير الأول للحزب القائد، ولكن الشعوب السوفيتية . لم تأخذ بتعاليم النرفانا الشرقية ولهذا لم تفتدي عظيم الطغاة بالروح بالدم ، ولم ترهق قطرة دم واحد لتكتب وثائق الولاء وصكوك الانصياع . وسقطت الشمولية بقضها وقضيضها ، وكان بيتها أوهى من بيت العنكبوت ، ولكن مقلديها ومنافسيها كانوا أمر منها عوداً وأصلب منها مكسراً ، فرميت الأمم بهم . أن مقلديها لم يكفيهم منذ البداية نظام الحزب الواحد وآليات الضبط والربط الحزبية اللينية ، كتهميش النقابات وتعظيم الأجهزة السرية ،  بل كان لهم إضافة رهيبة هي " العصبية " ، نحلة كانت أم قبلية والأفضل الاثنين معاً ،وهكذا كان .فالحزب هو العصبية والعصبية هي الحزب تماماً كالمسألة الزنبورية في النحو ( فإذا هو هي أو فإذا هو إياها )التي قتلت سيبويه . أما خصوم الشمولية التقليدين فقد خلعوا عنهم رداء التواضع المزعوم ، ونفضوا عنهم مسوح الرهبان .

 واحتكروا صناعة حقوق الإنسان ، وبرعوا في تلفيق التهم للإسلام ؛ لقد أصبحت بلاد العرب كلأً مباحاً . لقد فرضوا عليهم شراء السلاح نقدا وبالتقسيط . وبعثوا بهم حروب داحس والغبراء والبسوس . وحرموا عليهم الاحتكام إلى صناديق الانتخاب .وأطلقوا شعار للديموقراطية والحرية ولكن ، لا حرية لأعداء الحرية ولا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية . كما أطلقوا  شعار العولمة ، وهو لا يعنى عند أصحاب القرار تعميم تقنيات الإنترنت وحرية انتقال المعلومات والتكنولوجيا _ فهذه  أمور لا علاقة لها بفلسفة وسياسة الهيمنة . فالعولمة تعنى للدول الصناعية وذات الغنى ، إنهاء العمل بآليات دولة الرعاية الاجتماعية ، وإيقاف العمل بالمعاهدات الجمعية النقابية ، وجعل عقود العمل عقود إكراه فردية ، وفرض أد اء معيناً للعمل يستعبد الإنسان نفسه بنفسه ويستعبد العمال بعضهم بعضاً لمصلحة رأس المال ، وهذا يعني بالضرورة ، تهميش المؤسسات الديموقراطية والنقابية وكل مؤسسات المجتمع المدني ، فالإنسان الفرد هو عبد وسيد نفسه في آن واحد . أما إنسان العالم الثالث فهو ، بكل بساطة ، للزرع والصنع وللأسياد ، الذين يفرضهم صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي كملوك ورؤساء ، فهم لجمع فضل القيمة وتحويلها للبنوك الدولية لتعيد توزيعها من جديد قروضاً واستثمارات وفق آليات الهيمنة . فالعولة ترفض مجتمع الدولة كما ترفض مجتمع المواطنة دون أن تلزم نفسها بتقديم البديل . كما تلح أن تكون آليات الديموقراطية آليات تبرير لا تقرير . فالعولمة جاءت إلى سدة القيادة دون تفويض شعبي أو قرار ديمقراطي . هل للعولمة فلسفة ؟ نعم لها فلسفة ولكن في هذه الحالة لا تعني  الحكمة بل العبثية . لقد بعثت العولمة نيتشه من الأجداث ليعمل على صناعة السوبرمان رافضاً كل معقول أو محسوس أما الشرائع والأحكام فقد أعلن ذلك السوفسطائي في كتابه "هكذا تكلم زردشت " موت الآلة وعبثية القيم . أن هناك على الأقل أربع  دول عربية ينتظرها مصير أسود كالح السواد ، عند انتقالها من رمضاء الشمولية القاتل إلى " نعيم " العولمة المميت . من هذه الدول الأربعة سوريا بكل تأكيد .

24 / 08 / 2003

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ