صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 01 - 06 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى مركز الشرق العربي :

المجازر الجماعية ترفع رأسها

بقلم : محمد المحمود*

نعم إن المقابر الجماعية أخذت ترفع رأسها مؤخراً ! وهل ينهض الميت من قبره بعد أن يموت ، ويشبع موتاً ؟ إن الله تعالى قادر على أن يحيى الموتى ، وأن ينتقم للأبرياء في الحياة الدنيا قبل الآخرة .

آخر الأخبار الجماعية أن دولة الكويت طلبت من الجامعة العربية فتح تحقيق بالمقابر الجماعية في العراق ، بعد أن غسلت الكويت يدها – كما يبدو – من الأسرى الكويتيين في العراق ، وبعد نبش المواطنين العراقيين لعدد من المواقع التي تضم مقابر جماعية ، كالتي عثر عليها بجوار مدينة الحلة ، وتم عرض مشاهدها على شاشات القنوات الفضائية كالجزيرة ، فتجددت الأحزان في نفوس ذوي الضحايا ومعارفهم ، وإن لم تكن منسية في ضمائر أصحاب الضمائر!

كان أول رد فعل للأستاذ عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية على طلب الكويت : أنه لم يسمع من قبل بهذه المجازر ، ولو سمع بها ، لكان له موقف منها . إذن سمع الرجل الآن ، فما هو  فاعل ، وما هي الجامعة معه فاعلة ؟

وسؤال آخر : هل انفرد العراق وحده بهذه المقابر ؟

وآخر : ولماذا الحديث عنها في هذا التوقيت ؟

وآخر : هل يغطي الحديث عن المقابر الجماعية عندنا على أخبار المجازر والمقابر الجماعية التي اقترفتها ، وما تزال تقترفها قوات الاحتلال الصهيوني في الأرض المحتلة ؟

إن المقابر والمجازر الجماعية لا يخفف من وقعها وبشاعتها ، أنها ارتكبت بأيد عربية أو غير عربية . فهي تظل مجازر ومقابر في أي زمان ومكان ، وعلى أيدي أيّ كان . كما لا يخفف من  فظاعتها أنها شاعت ، وعمّت كالبلاء ، لأن الضحايا الأبرياء ذهبوا فيها بلا محاكمة ولا تحقيق ولا أدنى صورة من صور التثبت المنصوص عليه في الوثائق الدولية وشرعة حقوق الإنسان فضلا عن شريعة السماء .

ليتصور أحدنا أنه كان أحد هؤلاء الضحايا أو ابنه أو أخاه أو أحد أقربائه أو معارفه ، وأنا أذكر الاحتمال مع علمي أن كثيراً من القراء لا يحتاجون للتصور، لأن الأمر واقع في الكثيرين منا ، ولماذا لا نعدّ الضحايا إخوتنا في الإنسانية أو القومية أو الدين : ( ..ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها ، فكأنما أحيى الناس جميعا..) .

يقول أحد الناجين من مجزرة/مقبرة ( سريحين) ضاحية قرب مدينة حماة كانون الثاني عام 1982م : (كنت ضمن أعداد كبيرة بازدحام شديد حتى كادت تنقطع أنفاسنا ، وسيق بنا إلى ( سريحين ) حيث أمرنا بالنزول فنزلنا ، وكان أول ما رأيناه  مئات الأحذية المتناثرة على الأرض ، وأدرك الجميع أنها تعني مقتل مئات المواطنين من أبناء بلدنا ، وأننا على الموت مقبلون ! فُتشنا بعد ذلك، وأخذت منا الأموال القليلة التي معنا ، وجردنا من ساعاتنا ثُم أمرتنا السلطة بالتقدم نحو الخندق العميق الذي يمتد أمامنا على مسافة طويلة ، وأُمر قسم آخر منا ( بالنزول) إلى خندق مجاور . وعندما تقدمت إلى موقعي أمام الخندق ، رأيت الجثث المتراكمة على بعضها يلطخها الدم الحار ، وكان مشهداً رهيباً لم أستطع تحمله ، فأغمضت عيني ، وتحاملت على نفسي خشية الوقوع على الأرض . وحدث ما كان متوقعاً ، وانهال علينا الرصاص الغزير ، وهوى الجميع إلى الخنادق مضرجين بدمائهم . أما القسم الذي أُنزل إلى الخنادق فقد أُطلقت عليهم النار داخله! كانت إصاباتي خفيفة ، وقدّر الله أن أنجو بأن صبرت حتى خلا المكان من الجزارين ، وهربت متحاملاً على جراحي ، وأنقذني الله من ذلك المصير ، حيث يموت الجريح تحت الجثث الأخرى ). ( كتاب: حماة مأساة العصر – ص 286 )

هل سعت بمقبرة سريحين الجماعية من قبل ؟ ولكيلا تسمع بها نهائياً ، قامت آليات بقلب الخنادق المذكورة في سريحين منذ أيام ،  لنبش العظام ، ثم طحنها بمدحلة ضخمة ، لسحقها ومحو آثارها ، على أثر الحديث عن المقابر الجماعية في العراق وسورية في قناة الجزيرة ، واحتمال عرض موضوع العراق على الجامعة العربية .

إليك ما قاله الجندي عيسى إبراهيم فياض أحد المشتركين في تنفيذ مجزرة/مقبرة ( تدمر) الجماعية في 27/6/1980م ، بعد إلقاء القبض عليه مع مجموعة حاولت اغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق ، وأذيع اعترافه عبر التلفزيون الأردني وتم التقاطه في دمشق : ( وصلت حاملة ( دودج) لتقلنا إلى السجن حيث تم توزيعنا على سبع حضائر . كان معي في حضيرتي أحد عشر جندياً تقريباً بإمرة الملازم منير درويش.. فتحوا لنا باب زنزانة سجناء جماعية ، اقتحم ستة أو سبعة جنود من صفوفنا الزنزانة ، وقتلنا كل من كان فيها . كان عددهم ( 60) شخصاً أو (70) ، بالنسبة إليّ ، فأنا أحمل بندقية سريعة الإطلاقات ، وقد قتلت برصاص سلاحي (15) شخصاً أو ما يقرب من ذلك ، أما مجموع من كان علينا قتلهم فقد أقدره بحدود ( 550) شخصاً ... مات أحد أفراد سرايا الدفاع وجرح اثنان فقط ، بعد ذلك غادرنا السجن ، ذهب الملازم رائف عبد الله ليغسل يديه ورجليه من آثار الدماء التي غطتها . لم تستغرق العملية أكثر من نصف ساعة ، كانت حالتنا النفسية أشدّ ما تكون رعباً . كانت أصوات انفجارات القنابل اليدوية تمتزج مع صيحات ( الله أكبر ) ، وأخيراً غادرنا عائدين بطائرات الهيلوكبتر .. وفي المزة رحّب بنا الرائد ناصيف ، وشكرنا على حسن أدائنا .) ( تقرير منظمة رقيب الشرق الأوسط عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية الصادر عام 1990م- الطبعة العربية – ص 35-36 .) ويميل كاتب التقرير والمستشرق الفرنسي ميشيل سيرو إلى أن عدد الضحايا بلغ ( 1181) .

وقس على ذلك ما حدث في حي المشارقة بحلب وفي جسر الشغور وسرمدا وبقية المدن والسجون السورية في الثمانينات ، مع العلم أن سجن ( تدمر ) العسكري شهد إعدامات جماعية أسبوعياً طوال أعوام منذ الثمانين ، وأصبح عدد المفقودين يزيد على خمسة عشر ألفاً . فهل بلغ السيد أمين عام الجامعة العربية علم بذلك ، وإذا علم ، فما عساه يصنع ؟

إذا كانت الظروف الجديدة في العراق قد أتاحت المجال للكشف عن المقابر الجماعية فيه ، وإذا كان وزن الكويت الدولي ( عضواً في الجامعة العربية وفي دول مجلس التعاون الخليجي وهيئة الأمم المتحدة ) يساعدها على الضغط للتحقيق في هذه المقابر ، فإن العدل والإنصاف وقيم الأخوة والإنسانية تقضي أيضاً بأن يتم التحقيق بالمقابر الجماعية التي حصلت في سورية . ولا يقولن أحد : إن فتح الملفات الأمنية العربية ، يصرف الانتباه عن المجازر والمقابر الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في الأرض المحتلة على مدار الساعة ، أو يخفف من وطأتها . هذه دعوى مردودة ، لأن السكوت عن هذه المقابر لا يلغيها ، ولا يلغي ما يقترفه الأعداء ، بل يفاقم المأساة ، ويتيح المجال لتكرارها ، كما يزيد من الاحتقان وردود الفعل التي قد تؤدي إلى شيوع العنف وشرعنته على كل صعيد . وإلا ما معنى الدعوة العربية إلى إعادة تعريف ( الإرهاب) الذي يسوّق له الأمريكان والصهاينة ؟ وما معنى تمييزنا بين الدفاع عن النفس أو الوطن وحركات التحرر الوطني ، وبين عنف الدولة والاحتلال والمظالم التي لا خلاف عليها ؟

كان بإمكان النظام السوري الذي هزّه الزلزال العراقي والحديث عن التحقيق بالمقابر الجماعية أكثر من خيار ، كأن يبرأ من ارتكابات العهد الذي سبقه ، لا أن يساعده في طمس ارتكاباته ! كان بإمكانه بدلاً من أن يرسل الجرافات إلى مقبرة سريحين وصحراء تدمر .. أن يدعو لمؤتمر مصالحة وطنية حقيقية تتجاوز الإشكالات الداخلية بعهد ديموقراطي متين ، يواجه الاستحقاقات الخارجية . كان بإمكانه ومازال إصدار عفو عام عن سجناء الرأي وعن الملاحقين خارج البلاد ، وعن المحرومين من وثائق السفر ثلاثة أجيال ومن مختلف أطراف الطيف السوري الوطني ، لا لشيء إلا للاختلاف في الرأي !

وإذا لم يفعل النظام ما يجب فعله إنقاذاً لنفسه أولاً وللوطن والشعب ثانياً وثالثاُ ورابعاً  ، فإن هذه المعالجة للمقابر الجماعية متخلفة جداً ، وتصنفه شاء أم أبى مع من اقترفوها .

وبالمناسبة أدعو السيد أمين عام الجامعة العربية ، كما أدعو كل ذي ضمير إنساني إلى فتح التحقيق بالمقابر الجماعية السورية أسوة بالتحقيق بالمقابر العراقية ، كما أدعو المواطنين السوريين ومنظمات حقوق الإنسان السورية والعربية والدولية للإسهام في تقديم الطلبات والثبوتيات اللازمة حول مقابرنا الجماعية للجامعة العربية ممثلة بشخص أمينها العام .

* كاتب سوري - لندن        السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ