صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الجمعة 26 - 09 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى برق الشرق :

السيد  : زهير سالم المحترم

تحية وبعد .

لقد اطّلعت على صفحة "رجال الشرق " في موقعكم "الشرق العربي" وقرأت ماكتبتموه عن المرحوم : صلاح جديد الذي استشهد في سجون النظام السوري بتاريخ 19/8/1993بعد23سنة سجنا دون محاكمة , وقبل التعليق على محتوى ماكتبتم , لابدّمن الإشارة الى أن فكرة إنشاء الصفحة جيّدة ومفيدة اذا تمّ توظيفها في الاتجاه الصحيح الذي يخدم الأجيال العربية والاسلامية , وخاصّة في ظل الهجمة  الامبريالية الصهيونية المتصاعدة الراهنة , غير أن الكتابة عن رجالات لعبوا دورا بارزا في مسيرة الحياة السياسية في وطننا العربي ليس مقالا سياسيا عابرا , وإنّما هو تسطير صفحة لتاريخ رجل لتصبح نافذة على الماضي , وهذا العمل حتى يكتسب الثقة والاحترام يجب أن يتمّ إنجازه بشكل موضوعي ونزاهة بعيدا عن تصفية حسابات سياسية أو طائفية أو قومية ... الخ   ولهذا يعتبر مسؤولية كبيرة , وخاصة بعد أن يكون ذلك الرجل قد أصبح في ذمّة التاريخ , وغير قادر على الدفاع عن نفسه ولذلك , ونظرا لوجود الكثير من الآخطاء والافتراءات الظالمة والمشوّهة بحقّ المرحوم صلاح جديد , ولكوني من أقربائه ورفاقه وعايشت تلك الفترة التي تحدّثت عنها جعلني أطّلع على الكثير من القضايا التي تناولتها الصفحة المكتوبة عنه , وبما أنني قرأت اسمك أكثر من مرّة في بيانات المعارضة السورية وجدت من المفيد أن لاأردّ في الصحافة على ما كتبت , بل أكتب إليك مباشرة لأوصّح النقاط الخاطئة المكتوبة عنه ,وإعطاء رأيي في منهجية ما كتب من أجل تصحيح تلك الصفحة , وإنني على يقين أن هذا  يخدم موقعكم ,ويبعد عنه أيّة شبهة طائفية أو سياسية ظالمة ...لأن من يقف ضد الظلم من المفروض أن لايمارسه عن عمد ضدّ أحد  , وآمل أن لاتكون من هذا الصنف من الرجال .....

    وعلى كل حال , سألقي الضوء على النقاط الخاطئة والظالمة الموجودة في صفحة " رجال الشرق" ,أو بالأحرى المجمّعة بشكل مجتزأ من مصادرعديدة , وبشكل اقتصرفيه على ذكر المسالب المنسوبة اليه بشكل ظالم  ...

-1 – ولد صلاح جديد في عام 1930 في قرية "الحديدية" التابعة لمدينة تل الكلخ – محافظة حمص / لأن والده كان مدير ناحية هناك وقتذاك / وليس كما ورد في صفحتكم , كما أنه انتسب الى الكلية العسكرية في عام 1948 (وكان له ثلاثة أخوة يجهادون في فلسطين آنذاك) وتخرّج في عام 1950 .

2 – لم ينتسب صلاح جديد الى الحزب القومي السوري على الإطلاق , وانتسب الى حزب البعث في مدينة دمشق التي كان يدرس فيها قبل ذهابه الى الجيش , غير أنّه من الغرابة وعدم الموضوعية أن تعتبروا انتسابه الى حزب البعث وأخيه غسان الى الحزب القومي "تأكيد على البعد الطائفي في المراهنة على الحزبين ( القومي السوري والبعث), فما هو المعيار الذي اعتمد للوصول الى هذا التأكيد ؟ وهل محرّم على مواطن سوري من الانتساب الى هذا الحزب أوذاك ؟ أم المطلوب أن يشكّل كل مذهب أوطائفة وقومية حزبا خاصا به ؟ وهل من المفروض أن ينتسب الأخ الأصغر الى الحزب الذي ينتسب اليه الأخ الأكبر ؟ ثم ماهو الذنب الذي يقترفه هذا المواطن الذي يخلق في أسرة من هذه الطائفة أو تلك ؟ فلا يوجد أحد قادر على اختيار الأسرة أو الطائفة التي يولد فيها , بينما من المفروض أن يكون المعيار الوحيد هو عمله وسلوكه  اللذين يحاسب ويقوّم على أساسهما ...

3 – أشارت صفحتكم على أن صلاح  جديد " كان إبّان الوحدة السورية المصرية رائدا في سرب الطيران الليلي , وقد نقل هذا السرب أواخر عام 1959 الى مصر " وهنا تظهر المصادر والمعلومات الخاطئة في أجلى صورها , لأن صلاح جديد لم يكن طيّارا في يوم من الأيام بل كان ضابط مدفعية ميدان , وقد نقل الى مصر بعد الوحدة كغيره من الضباط البعثيين , وخدم في منطقة / فايد / التابعة لمدينة الاسماعيلية ,ثم في القاهرة ضمن اختصاصه ...وهكذا فإن من يخطىء بهذا الشكل الفاقع في تسجيل وقائع ملموسة معاشة سيخطىْ بشكل أكبر في تقييم امور سياسية وفكرية    ... 

4- حول اللجنة العسكرية :   لقد جرى تركيز غير عادي على دور للجنة العسكرية وتشكيلتها , وإبراز وتضخيم ذلك الدور عن عمد أومن غير قصد , وأحيانا عن قصور في الفهم السياسي لتطوّر الأحداث في سورية منذ قيام الوحدة المصرية السورية وحتى قيام حركة 23 شباط عام 1966 ,وذلك بهدف خلق مشجب تحمّل عليه مشاكل القطر السوري كلما عجز الكاتب أوالسياسي عن فهم طبيعة الأحداث الداخلية وتطوّرها , فكيف  تشكّلت هذه اللجنة , وما هي أهدافها ؟  

فور قيام الوحدة بين سوريا ومصر أعطى العقيد مصطفى حمدون أسماء الضباط الحزبيين الى المشير عبد الحكيم عامر بحسن نيّة مستهدفا الأعتماد عليهم في الجيش لحماية الوحدة , ولكن المشير نقل معظمهم للعمل داخل الجيش المصري في الاقليم الجنوبي , وأحال قسما منهم للعمل في وزارة الخارجية .... وبعد أن أخذت ظروف الوحدة تسوء بسبب سوء تسييرها في سورية , ونظرا لتجمّع عدد من الضباط البعثيين في مصر , وتعيينهم في أماكن ثانوية توفّر لهم الوقت الكافي للآلتقاء والتفاعل حول أوضاع الوحدة والتردّي الذي وصلت اليه , والمخاطر المحيقة بها , وحول الفراغ الحزبي في سورية وغياب دور حزب البعث بسبب حلّه وتشرذمه , وابتلاع أجهزة الوحدة الأمنية والسياسية قسما كبيرا من مناضليه وكوادره ... وكان هؤلاء الضباط يرصدون أخبار الإقليم الشمالي أولا بأوّل , ويلحظون المنعرج  الخطير الذي دخل به المشير عامر , والعناصر السورية التي اعتمدها في إدارة القطر السوري , ونتيجة لذلك كلّه توصّلوا الى قناعة بضرودة إعادة  إحياء التنظيم العسكري في الجيش من أجل حماية الوحدة , والمحافظة على مصلحة الوطن والحزب , وخاصّة في ظلّ غياب دور قيادته السياسية بعد حلّ الحزب كشرط لقيام الوحدة  ... وإنني أستطيع الجزم بأنّه في ذلك الوقت لم يفكّر أحد في لحظة من اللحظات بأيّة منطلقات طائفية بمن فيهم / حافظ الأسد/ , وإنّما كانت المعايير والمنطلقات حزبية وسياسية ووطنية ....وكأي ّعمل جديد كان لابدّ من بداية ونواة , وكان المتواجدون في القاهرة تلك النواة التي شكّلت البداية مع قلّة كانت متواجدة في سورية ومن بين الأسماء : محمد عمران, صلاح جديد , غبد الكريم الجندي , حافظ الأسد , محمد  رباح الطويل ,  حسين ملحم ,عثمان كنعان , ولاحقا في سورية : أحمد سويداني , سليم حاطوم , موسى الزعبي , حمد عبيد ...الخ

وفور تشكّلها توجّهوا الى أمين الحافظ الذي نقل الى القاهرة أيضا ودعوه للانضمام اليها وترؤسها باعتباره الأعلى رتبة , كما اتصلوا مع العقيد بشير صادق ودعوه لقيادتها , ولكن الحافظ وصادق لم يقبلا العمل التنظسمي . وبذلك بقي عمران رئيسا للجنة باعتباره الأقدم من بين الذين وافقوا على العمل فيها .

وعلى كل حال , ولتوضيح الصورة نقول : إنه لم يزد عدد الذين خلقوا من أبوين ينتميان الى أسرة علوية عن  ثلاثة في كافّة مراحل عمل اللجنة علما أن عددها فاق الحمسةعشر عضوا ... ثم أن كلا من هؤلاء الثلاثة أخذ منحى خاصّا به , ولو كان المنطلق طائفيا لبقوا كتلة واحدة ولما صفّي عمران جسديّا وهو مقيم في لبنان  غلى يد النظام السوري  عام 1972, ولما تخلّى صلاح جديد طواعية عن رئاسة الأركان ليتفرّغ للعمل الحزبي .. ولما قضّى 23 سنة في سجون حافظ الأسد , ثم أغتيل بإبرة مسمومة داخل السجن قبيل مؤتمر مدريد , وسرّح رفاقه وشرّدوا , وكان بإمكان كل منهم أن يختار طريقا آخر لوقبل التضحية بماضيه المشرّف نضاليا ووطنيا وشخصيّا ...

5-  ذكرتم في صفحتكم أنه بعد الانفصال ( 28 أيلول 1961)  أودع صلاح جديد وزملاؤه السجن في مصر ثم أطلق سراحه في عملية مبادلة    ...الخ  وهنا نلاحظ تكرارارتكاب الأخطاء في سرد الوقائع , فصلاح لم يعتقل هو ورفاقه في مصر باستثناء حافظ الأسد الذي اعتقل لأيام عديدة ... مع العلم أنني كنت ضابطا وأعمل في مصر , وموجودا هناك , وعشت تلك الأحداث ساعة بساعة

 – صحيح أن صلاح جديد قد رقّي الى رتبة لواء في الجيش ولكن  لاستلام منصب رئاسة أركان الجيش الذي تخلّى عنه طواعية ليتفرّغ الى العمل الحزبي بهدف بناء الحزب وتطويره بشكل أفضل ,وهذا الاختيار يعتبر خطوة فريدة من نوعها في العالم الثالث , ودحض لأيّة أفكار خاطئة أو مضلّلة , أوحتى مشبوهة بالنسبة للبعض الذين اتهموه بالسعي لاحتكار السلطة , وخدمة الطائفة ...الخ ,فلو كانت له نوايا من هذا القبيل لتمسّك بقوّة برئاسة الأركان أطول فترة ممكنة   , امّا العبارة الواردة " وأطلق عليه اسم الرفيق صلاح جديد " فتدعو للابتسام قليلا , لأنّها ليست منحة أو مزيّة مكتسبة خاصّة به وإنّما تستخدم كلمة " رفيق " على أي بعثي كان , كما تستخدمها أحزاب يسارية كثيرة في العالم .. .

أما اعتباره أول عسكري يصل الى القيادة في حزب البعث فهذا غير دقيق أيضا , لأنه دخل آخرون في قيادة الحزب منذ المؤتمر القومي السادس  للحزب الذي انعقد في خريف 1963 وبمشاركة عراقية قوية ..

6 – ورد في صفحتكم " كان صلاح جديد يمثّل التيّار الماركسي المتطرف في قيادة الحزب , ويطلق الشعارات اليسارية المتطرّفة وقد مهّد لصدور قرارات التأميم عام 1965 ... وكان ينادي بالاشتراكية العلمية والجيش العقائدي "

إن تقييم صلاح جديد بأنه يساري ماركسي متطرّف غير دقيق على الإطلاق , فطبيعته وتكوينه الشخصي أبعد مايمكن عن التطرّف

حتى أن البعض اتهمه باليمينية ...وإنّما هو في الحقيقة كان يساريا تقدميا ووطنيّا قوميا , ومناداته بالاشتراكية العلمية والجيش العقائدي والتأميم التي أشرتم اليها فهي مسائل مقرّة من قبل المؤتمر القومي السادس عام 1963 وقد لعب الجناح اليساري العراقي في حزب البعث دورا بارزا في إقرارها , ولكن لاأدّعي  أن صلاح جديد كان ضدّها ولو تمّ تطبيقها بشكل صحيح لشكّلت نقلة نوعية بتاريخ الحزب والقطر .... أمّا شعار حرب التحرير الشعبية فقد ترك بصماته عليه , وسعى جاهدا من أجل تطبيقه بكل عزم  وتصميم بعد قيام حركة 23 شباط , وفي هذا السياق صدرت قرارات حزبية لإلزام كافة الحزبيين في سنّ معيّن لاتباع دورات عمل فدائي ودخول الأرض المحتلّة  و قد بوشر بتطبيقها , وفصل البعض لا متناعهم عن اللحاق بها , وقد أثبتت الحياة والتجربة المعاشة صحتها ليس في الجزائر وفيتنام فحسب وإنّما أيضا في جنوب لبنان وفلسطين والعراق , ولا  خيار آخر متاحا أمام أمتنا غير هذا الطريق لتحرير أرضها المغتصبة , والدفاع عن عزّتها وكرامته وقيمها ...

7 – إن زجّ المرحوم الأستاذ زكي الأرسوذي في السيطرة على الحزب والسلطة يدعو للرثاء , فالأرسوذي كان مفكّرا وفيلسوفا  , وهو صاحب فكرة البعث فعلا عندما كان في لواء اسكندرون السليب في بداية الأربعينات , وبعد هجرته منها مع رفاقه الى سورية بسبب الظلم التركي ومقاومة التتريك  نشروا هذه الأفكار  , ولكن تأسيس الحزب تم ّعلى يد المرحوم ميشيل عفلق , والمرحوم البيطار وغيرهما في عام 1947 , ولم يشارك الأرسوذي في عمليّة التأسيس ,أو في أيّ عمل تنظيمي أو سياسي داخل الحزب على الاطلاق , وعمل مدرّسا ,وعاش فقيرا ومات فقيرا , وكان يسكن في غرفة واحدة متواضعة , ويتقاضى راتبا تقاعديا قدره / 150 / ليرة سورية , بينما شارك رفاقه الآخرون في تأسيس الحزب ومسيرته منذ عام 1947 ولفترات لاحقة , ولم يكن لهم أيّ دور حزبي  بعد قيام حركة 23 شباط  , ولاأظن أن صلاح جديد والأرسوذي قد تقابلا طيلة وجود الحزب في السلطة .

أمّا ما ذكرتموه حول المرحوم ميشيل عفلق بقرار حزبي فهو غير دقيق أيضا , ففي المؤتمر القومي الثامن عام 1965 تمّ انتخاب قيادة قوميّة جديدة , وكان هو منها غير أنّها انتخبت الدكتور منيف الرزّاز أمينا عامّا للحزب و أطلقت على عفلق اسم   "القائد المؤسس " , وبقي في الحزب , ولم يتخلّص منه أحد حتى قامت حركة 23 شباط عام 1966  وتم ّالطلاق معه نهائيا ...

وبخصوص فصل المرحوم صلاح البيطار فلم يكن لصلاح جديد أيّ دور  على الإطلاق , فالقيادة القطرية التي فصلته كان يسيطر عليها حمّود الشوفي ومجموعته اليسارية , ولم يكن صلاح جديد عضوا في تلك القيادة , وأصبح هذا الموضوع معترفا فيه على شاشات التلفزيون من قبل من قاموا بهذا العمل .

8 – ورد في صفحتكم " كما تمّ بترتيبه قصف مدينة حماه واجتياح المسجد الأموي " , وهنا يتلمّس كل منصف التصميم على تعمّد إشراك صلاح جديد وتحميله مسؤولية كل شاردة وواردة حدثت في سورية , وأيّ خطأ ارتكب في سورية منذ عام 963 وحتى عام 970 , لابل قد يحمّله بعض الحاقدين والموتورين والمشبوهين مسؤوليات لاحقة تمّت بعد استشهاده .... فموضوع حماه ذكره الفريق أمين الحافظ في برنامج " شاهد على العصر " على شاشة تلفزيون الجزيرة , وبالرغم من أنه يعتبر صلاح جديد  مهندس حركة 23 شباط التي أطاحت به فقد أنصفه , وأشار إلى أنّ  صلاح وقف الى جانبه في تهدئة الأمور وتطويقها , كما أن وجهاء حماه يعرفون الحقيقة , وقد لمست عرفانهم بالجميل لصلاح من خلال وجودي بالصدفة في منزله عندما قدم اليه شخصان منهم لزيارته وتقديم الشكر لدوره الإيجابي الذي أنقذ المدينة من مجزرة ....

أمّا بالنسبة لمهاجمة الجامع الأموي فنفّذت من قبل  المرحوم اللواء أحمد سويداني وسليم حاطوم , وقد جرت في إطار متابعة عناصر استخدمت السلاح واستغلّت حرمة الجامع لأغراضها السياسية البعيدة عن الدين , ويمكن أن تحدث في أي دولة , وقد جرى في السعودية أضخم وأخطر منها , وفي أقدس الأماكن الاسلامية .

ذكرتم في صفحتكم :" في كل أيّام سيطرته كان صلاح جديد يعمل من وراء ستار سنّي , أمين الحافظ في البداية , ثم نور الدين الأتاسي " .. وهنا يظهر التناقض واضحا , فمن جهة تذكر أنّه كان مسيطرا , ثم تقول أنّه كان يعمل من وراء الستار ... فما دام كما تدّعي مسيطرا فما هي حاجته لفلان وفلان لأن يقدّم غطاء سنيّا له ؟ , وقد أثبتت الأيام أن من يمتلك السيطرة يتهافت الكثيرون ليحشروا أنفسهم تحت جناخيه ليحصلوا على حصّة من الكعكة , كما فعل الآخرون من ساسة وأدباء وكتّاب وكبار رجال الدين من كل الطوائف في الفترة التي حكم فيها حافظ الأسد , وكما يجري الآن في ظل حكم ابنه , وفي بلدان  عربية واسلامية كثيرة , هذا من جهة , ومن جهة أخرى فان السلطة وقتذاك لم تكن محصورة فقط في شخص واحد بل في مؤسسات وقيادات أخرى حكومية وحزبية , وما أظنّ أنّهم كانوا يتفرجون على السلوك المزعوم لصلاح جديد أوغيره , إضافة الى ذلك فإنّ الجميع لم يكونوا نكرات , بل للكثيرين منهم تاريخ سياسي ونضالي وحزبي معروف وبارز , وعلى رأسهم الحافظ والأتاسي وزعيّن , ولم يكونوا من الشخصيات الضعيفة التي يسهل استغلالها وتوظيفها ,,,  هذا مع العلم و وللتاريخ أقولها بأن صلاح جديد كان أبعد السياسيين عن التدخل في صلاحيات وشؤون الآخرين , احتراما للأسس والقوانين التي تنظّم الحزب والدولة .....

9 – ورد في صفحتكم : " إن صلاح جديد كان سيّد القرار في الشؤون السورية منذ آواخر صيف 1965 حيث استطاع أن يبني لنفسه قاعدة شخصية هامّة , عندما قام بمراقبة الجهاز الحكومي من خلال صديقه / يوسف زعيّن / الذي عيّنه رئيسا للوزراء , وكذلك التنقلات والترفيعات العسكرية بواسطة وزير الدفاع حمد عبيد , وأخيرا من خلال رفيقه في اللجنة العسكرية حافظ الأسد وجهازه الحزبي في القوات المسلّحة ...وهكذا كان جديد يحكم الجيش باسم الحزب ويتسلّط على الحزب باسم الجيش " ...." وانّه استطاع بمهارته أن يخفي هويّته الطائفية عن طريق استغلاله لجميع الخلافات القيادية , ليوظّف كل ذلك في مصلحته .. "

وهنا يظهر الأمر جليّا نقص الخبرة الشخصية والمعلومات الموثوقة وربّما خلفية سياسية تستهدف الاساءة   لصلاح جديد جعلكم تعتمدون تجميع نتف سلبية  ظالمة من هنا وهناك , لأن الكتابة  التاريخية الموضوعية كانت تستوجب عليكم سماع وجهات نظر أخرى عايشت حقبته ومن رفاقه  , وبعد ذلك يصبح بامكانكم الحكم عليه بنزاهة وتجرّد ...ودحضا لما كتبتموه أفيدكم هنا وبشكل مؤكّد بأن صلاح جديد كان منذ خريف 1965 وحتى 23 شباط 1966 بدون أيّة مسؤولية حزبية أو حكومية على الإطلاق , وذلك بعد قرارات " القفزة النوعيّة" التي أقدم عليها البيطار وعفلق بالتحالف مع أمين الحافظ ومحمد عمران . , ومن ضمنها حلّ القيادة القطرية التي كان يشغل فيها جديد الأمين القطري المساعد وهنا نلاحظ ونتلمّس السطحيّة والقفز فوق الحقائق في عرض أفكار صفحتكم , فالدكتور يوسف زعيّن عيّن بقرار القيادة القطرية / حوالي 15 عضوا / , ولم يمتلك صلاح جديد طيلة حياته المسؤولية الفردية باتخاذ القرار , ولم يرغب و  لم يسعى الى ذلك في يوم من الأيام , لابل كان يتجنّبه بقوّة بهدف ترسيخ فعلي وجاد لأسلوب القيادة الجماعية التي كان يؤمن بها ويلتزم التزاما كاملا بقراراتها حتى ولو تناقضت مع رأيه الشخصي ...كما أن الدكتور زعيّن لم يكن من أصدقاء ولا حتى من معارف صلاح جديد قبل عام 1963 , وهو معروف بنضاله ونزاهته , أما بالنسبة لوزير الدفاع حمد عبيد فماهي الأسباب والدوافع التي تجعله ينحاز الى صف صلاح جديد المجرّد من أي منصب هام سوى صدق وإخلاص ووطنية هذا الرجل الذي فرض احنرامه وتقديره على رؤسائه ومرؤوسيه في أيّ مكان شغله , علما أنّ التقرّب منه , والاصطفاف معه كانا يشكّلان مسؤولية ثقيلة تتطلب من صاحبها التضحية والإيثار والجهد , ومحاسبة النفس بصرامة , ولم يكن يمتلك ثروة ولاجاها يصلحان لإغراء أو توريط أحد , كما أن ذلك ليس من شيمه التي عرف بها ....

- إنّ  ما ورد في صفحتكم يذكّرني بعبارة يكرّرها الأخوة في مصر عند وصف شطارة شخص "فهلوي " لايستعصي عليه أمر بقولهم إنّه "جنّي " وذلك عندما أشرتم إلى :" إخفاء صلاح هويّته الطائفية , واستغلاله الخلافات القيادية وتوظيفها لمصلحته " , وكأنّ ساسة البلد وقادته بيادق شطرنج بدون دماغ وكرامة وطموح ووطنية يلعب فيهم رجل واحد مجرد  من أي سلطة تنفيذية , وكأنّهم صبية صغار , ومن أجل ماذا ؟ فصلاح جديد كان أبعد الناس عن الطائفية , وإلا لما استشهد في سجون النظام السوري بعد 23 سنة بدون محاكمة , قضاها أشدّصلابة وصمودا , وهاهي كلماته بخطّ يده قبل عدّة أيام من رحيله مغتالا , كان قد كتبها الى ابنته على حاشية كتاب أهداها إيّاه عند  زيارة أسرته له و,كانت الأخيرة : " لاأدري ياحبيبتي .. قد نلتقي يوما بدون رقابة وبدون سجن فنتحدّث ...ونتحدّث طويلا .. ولكن هذا حلم .. حلم بعيد .. قد لايتحقق أبدا إذن فليس لي الآن الاّ الصمت , والأحلام والصمود ... على طريق الرسالة التي نذرت نفسي لها .. وسأموت من أجلها .. فهل سنلتقي ياوفاء على هذا الطريق ..؟ أبوك صلاح في 7/8 /1993 "  أي قبل 11 يوما من استشهاده ....

وعلى كل حال فصلاح جديد كان بريئا من التهم الظالمة المذكورة والقائلة إنّه كان يوظّف كل شيْ لمصلحته ولطائفته دون تحديد ملموس لأيّ من هذه التهم , وتقديم البرهان المادّي , وإنّما الاكتفاء بإلقاء التهم جزافا وهو في السجن , أو في مثواه الأخير , ولذلك سأحاول إثبات عكسها بالحجّة والمنطق والدليل , ولو أطلت قليلا ...

لقد كان صلاح جديد متقشّفا زاهدا بمفاتن الحياة ومباهجها(  جاه , مال , سلطة , نساء ) , فهو من طليعة الذين أصدروا قرارا حزبيا بحرم أيّ موظّف أو ضابط يرفّع ترفيعا استثنائيا في عمله أو رتبته من أيّة زيادة مادّية في راتبه الشهري , ويبقى يتقاضى ما كان يأخذه في وظيفته السابقة, وقد طبّق هذا القرار على نفسه قبل الجميع حين رفّع من رتبة عقيد الى رتبة لواء لاستلام رئاسة أركان الجيش , وعندما أحيل الى التقاعد وتفرّغ للعمل الحزبي أمينا عامّا قطريا مساعدا , ثم أمينا عامّا مساعدا للحزب بقي يتقاضى راتبه التقاعدي فقط , علما أنّ راتبه الرسمي  منذ 23 شباط / 1966 وحتى 13 تشرين الثاني 1970كان يلي راتب رئيس الدولة والذي لم يستلمه على الإطلاق ...ولهذا كانت زوجته تلجأ للاستدانة من البقّاليّة  حتى آخر الشهر في كثير من الأحيان , كما حارب الشهيد أبو اسام الوساطة واستغلال السلطة والمسؤولية , وكان أحد أخوته من الذين حاسبهم في هذا المجال عندما حاول التوسّط لدى أطبّاء  عسكريين لاعفائه من الخدمة العسكرية (ظافر بيطار – محمود زغيبي ) , ولمّا أعلمته بالموضوع أمر المباحث الجنائية بإحضاره فورا , واقتياده مخفورا الى مركز تدريب حلب ... وفي إحدى إجازاتي رغبت بالتوجّه الى اللاذقية وقبيل سفري سألته اذا كان يريد شيئا من هناك , فكان طلبه الوحيد أن أزور رئيس فرع المخابرات العسكرية ورئيس الشعبة السياسية , وأطلب منهما باسمه عدم إفساح المجال لأي مخلوق من أقربائه  أو أصدقائه أو رفاقه أن يستغلّوا اسمه ومحاسبتهم على ذلك ... وقد نفّذت مارغب به .

بعد حصول أخيه الأصغر على شهادة الثانوية العامّة انتسب الى جامعة دمشق – كلية الحقوق وأقام في منزل أخيه , ولمّا كانت  كليّة الحقوق لاتتطلب حضورا دائما فإن أخاه فكّر في العمل وسعى لذلك فوجد وظيفة صغيرة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون , وعندما سمع الشهيد بالأمر اتصل بالمدير المسؤول وطلب منه تسريح أخيه , لأنّه لايحتاج لهذه الوظيفة , وبرّر ذلك بأن أخاه يسكن ويعيش عنده , ويتقاضى منه 25 ليرة سورية ( مصروف جيبه)بينما هذه الوظيفة قد تنقذ حياة أسر ة محتاجة ... وقد سمعت هذه الحادثة بعد سنين طويلة من المدير المسؤول نفسه إثر لقاء عام بالصدفة . وبالرغم من أواصر القرابة المركّبة , والصداقة المتينة التي تربطني به , ومن انتسابي المبكّر للحزب / عام 1952/ , ومن دوراتي العسكرية التي اتبعتها في مصر وسورية والتي أعتزّ بالنتائج التي حصلت عليها فقد أمضيت خدمتي منذ عودتي من مصر عقب الانفصال 1961 وحتى بداية 1970 في كتيبة مشاة واحدة في قطنا مبتدئا بقائد سريّة ثم رئيس أركان كتيبة , فقائد كتيبة .. ولم يفكّر الشهيد بنقلي لأستلم منصبا أوقطعة عسكرية ذات أهميّة خاصّة تعزّز موقعه السياسي , كما هو مألوف في بلدان العالم الثالث , وفي الوقت نفسه لم أسع الى ذلك أبدا , لابل كنت مجحف الحق في أحيان كثيرة , وكنت أسكت على ذلك منعا لأيّ قيل وقال ... وكذلك كان أخوه بسّام ملازما يخدم في الجبهة على الحدّ الأمامي  بعيدا عن دمشق وكأيّ قائد فصيلة آخر .

- كان صلاح جديد يعرف جيّدا كيف يفرّق بين ما يخصّه وبين ممتلكات الشعب والدولة , فعلى سبيل المثال كان يرفض استعمال سيارة الدولة التي كانت موضوعة تحت تصرّفه خلال مشاركته في السلطة لصالح أسرته ,( علما أنّه لم يمتلك سيّارة خاصة في حياته ), وإذا  أحبّ الانتقال مع أحد أفرادها يستدعي سيارة أجرة ليذهب بها ... وقد أثارأحد تصرفاته البسيطة دهشة العائلة : فعندما كانت زوجتي في منزله ( وهي أخته ) شاهد ابنتي مريضة / التي كان عمرها عامين , ويومها كنت في شمال العراق ضمن قوات اليرموك / أمر سائقه بنقلها الى المستشفى العسكري في المزّة الذي لايبعد عن منزله سوى   200 م فقط , وربما تكون المرّة الوحيدة التي يستخدم سيارته الحكومية لأغراض خاصة .

10- ذكرتم في صفحتكم "  أنّ صلاح جديد رجل غامض ,قليل الكلام , ولايتحدّث إلاّ نادرا , وكان دوما في صفوف المستمعين كي لايخوض في النقاشات ,إلاّ أنّه كان يزن كلام الآخرين بعصبية هادئة ..... وكان سلاحه الهدوء والسكينة , ولايظهر على وجهه أيّ انفعال "

إنّني أستطيع الجزم  أنّك لاتعرفه عن قرب , وما أظن أنّك كنت ستظلمه لوعايشت هذا الرجل , ولكن على مايبدو أن المصادر الذي اعتمدتها ككثيرين غيرك كانت لعناصر حاقدة على صلاح جديد لأهداف شتّى غير نظيفة ,( ولا ألومك هنا , أو ألوم غيرك , لعدم وجود غيرها في المكتبات ) فهؤلاء كانوا يلجؤون الى عكس صفاته ومناقبه , فتحوّلت رصانته الى غموض , وهدوء سكينته الى التهرّب  من الكلام , والتزامه بآداب الحديث والنقاش الى عصبية هادئة , وسداد رأيه وقوّة الاقناع الى تحريك اللعبة بالخفاء , وأصبح الهدوء والسكينة والصبر وسعة الصدر تهمة وشتيمة .

أمّا ّ حول عدم وجود مؤلّفات وأفكار حزبية مطبوعة , أو أبعاد سياسية متداولة باسمه فهذا صحيح نظريا , ولكن من الجانب العملي فكانت موجودة من خلال النشرات والتعاميم والتقارير والمقررات الحزبية التي صدرت عن الحزب بعد قيام حركة 23 شباط , وشكّلت أفكاره وآراؤه حيّزا هامّا من رأسماله السياسي , وبخصوص عدم مقابلة الصحفيين وتفسيركم الخاطىء لها , فهذا جهل واضح في معرفة طبيعة وشخصية هذا الرجل , لأنه كان يكره البهرجة الصحفية والإعلامية وحب الظهور , إضافة لذلك فلم يستلم عملا تنفيذيا حكوميا / وزير خارجية – وزير إعلام – رئيس وزراء – رئيس دولة ...الخ/ يتطلب الالتقاء والاحتكاك بالصحفيين والكتّاب . وبالمقابل فإنّه كان يلتقي مع طلاب الجامعة , الشريحة الأكثر جرأة وحب استطلاع وسعي وراء فهم الأمور السياسية والفكرية والتفاعل معها , وكانت مدرجات الجامعة تغصّ بهم , وسعة صدره كانت تستوعب كافّة أسئلتهم , حتى أنّ بعضا منها كان استفزازيا , لابل أن ّ بعض الطلاب كانوا يحضرون بهدف إحراجه بأسئلة معقّدة وصعبة , وكعادته , لم يترك  سؤالا بدون جواب في يوم من الأيّام , كما شكّلت مداخلاته المطوّلة في المؤتمرات الحزبية تراثا فكريا وسياسيا غنيّا يشهد له فيها كلّ ذي بصيرة ووجدان وضمير حيّ ....يضاف الى هذا كلّه , أنّه كان على تماس مباشر بالاتحادات العمّالية والفلاّحية , وقواعد العمل الفدائي في لبنان وسورية , وكذلك مع الجماهير السورية عند حدوث كوارث طبيعية أو عدوان خارجي ......وكان يقابل الكثير من الوفود الحزبية والحكومية العربية والأجنبية , ويترك انطباعا إيجابيا كبيرا في نفوسهم .

11 -  ذكرتم في صفحتكم :" في فترة /966-970 / بدأ الكلام عن الحرب الشعبية الطويلة الأمد , والتهيئة لإلغاء دور الجيش النظامي , ومنح الحرية المطلقة للمقاومة , فأخذت سورية تعيش كابوسا أمنيا لايرحم وأخذت ترقية الضبّاط العلويين وتيرة متعاظمة , وبلا حسيب فيما سرّح غير العلويين , أوأحيلوا على مهام إدارية لاقيمة لها "

لم تطرح على الإطلاق فكرة إلغاء دور الجيش النظامي ,و لم تتخذ أيّة خطوة على هذا الطريق كما تدّعون , والكابوس الأمني المذكور  الذي لايرحم  غير مطابق للحقيقة , فعلى سبيل المثال كان صلاح جديد يذهب أحيانا من منزله في حيّ المهاجرين الى مبنى القيادة القومية في شارع المهدي بن بركة سيرا على الأقدام بدون حراسة , كما لم يرافقه في سيّارة العمل سوى سائقه , ولكن حجم التآمر زاد من قبل دوائر خارجية , وجهات داخلية مشبوهة كردّ فعل على الاستراتيجية الثورية التي اعتمدتها قيادة 23 شباط بهدف إجهاضها قبل أن يشتّد عودها وتشكّل خطرا حقيقيا على الكيان الصهيوني والمصالح الامبريالية في المنطقة .

أمّا بخصوص ترقية الضبّاط العلويين فهذا ادّعاء باطل وهل وجدت في المصادر التي جمعتها اسما واحدا يثبت ذلك , أو هل تعرف ضابطا واحدا رفّع بشكل استثنائي في هذه الفترة , ولكن تمّ تسريح عدد من الضباط كما هو مألوف عقب كل حركة انقلابية منذ الاستقلال  ومن بينهم ضبّاط علويين أمثال العقيد مصطفى عمران , والمقدّم علي مصطفى , والرائد هلال الراهب و والرائد أحمد صقر ...الخ , وسرّح آخرون بعد قيامهم بتآمر غادر وضح النهار أمثال سليم حاطوم ومجموعته ...

12- ذكرتم أنّه " بعد 23 شباط 966 توالت التأميمات في سورية حتى كادت أن تفرغ من كل مايمكن تأميمه .... وبأنّ الموظّفين وجدوا دخولهم تتآكل من دون أن تتوقّف مطالبتهم بالتقشّف عند حدّ " . وهذا غير دقيق أيضا , فلم تنفّذ أيّة تأميمات جديدة في هذه الفترة على الإطلاق , ومن عنده عكس ذلك فليقدّمه بشكل محدّد , أمّا سياسة التقشّف فقد انحصرت في مجال تقليص النفقات الإدارية الحكومية , وحركة الوفود  الى الخارج وتعدادها ومدّتها , ومحاربة السرقات والرشاوى , ولذلك لم يكن على سورية من ديون خارجية سوى 150 مليون روبل بسبب إتمام عقد إنشاء سدّ الفرات مع الاتحاد السوفييتي وقتذاك ..

كما أعدتم سبب عقد  المؤتمر القومي الطارىء بعد التدخل العسكري السوري في الأردن لنجدة المقاومة عام 1970 لمحاسبة حافظ الأسد على عدم تقديم الغطاء الجوّي للقوات ... وهذا غير دقيق أيضا , لأنّ الهدف من عقد المؤتمر كان معالجة أزمة الحزب المستفحلة بين قيادة الحزب ووزير الدفاع التي نجم عنها ازدواجية في السلطة  ... ومقررات المؤتمر وثيقة حيّة  تؤكد ّ ذلك ...

13-  ورد في آخر فقرة من صفحتكم : " اعتبر صلاح جديد لفترة طويلة مهندس التحرّ ك الطائفي في سوريّة "

     إنّ هذا الاتّهام الظالم منك أومن غيرك لايستند على أيّة براهين ملموسة , وكلّها ادّعاءات افتراضية ’ فصلاح جديد لم يزر محافظة اللاذقية طيلة وجوده في السلطة , ولم يقابل شيخا أو وجيه عشيرة , ولم يسع لاقامة مشاريع استثنائية خاصّة بها , حتى أنّ قريته لم تستفد من أيّ شيء خلال وجوده في الحكم ...فصلاح جديد ينشد مشروعا وطنيا قوميّا تقدميّا يعتبر الطائفية والعشائرية والعائلية والجهوية أمراضا اجتماعية خطيرة يجب مكافحتها حتى تتوحّد جهود الأمة و وتقوى شوكتها لتصبح قادرة على إشادة ذلك المشروع , وقد اشرت سابقا الى أنه لم يكن منحازا لشخصه ولأسرته و وقدّمت بعض البراهين التي تثبت هذا الحكم , وبالتالي يستحيل أن يكون منحازا للطائفة التي خلق فيها , وإنّما للوطن والآمّة .....وفي الوقت نفسه فإنّ مستهدفي صلاح جديد لم يجدوا ثغرة في سلوكه ومناقبه يتسللون منا لمهاجمته , وتحقيق مآربهم , وعجزوا عن إيجاد أيّة وثيقة صحيحة تدين هذا الرجل , ولذلك تمسّكوا وبالغوا بموضوع استدعاء ضبّاط الاحتياط عقب انقلاب آذار 1963 , ولهذا أريد توضيح هذه النقطة جيّدا :

  بعد تسريح الضبّاط الانفصاليين عام 963 , وبالرغم من أنّه كان موافقا على المبدأ , إلاّ أنّه لم يكن يمتلك قرار تسريحهم , حيث كان يعمل معاونا لمدير إدارة شؤون الضبّاط , وكانت قيادة الجيش والمخابرات العسكرية  جميعها غير بعثيّة / لؤي الأتاسي – زياد الحريري – راشد قطيني وغيرهم / , وكذلك الأمر ينسحب على موضوع استدعاء ضبّاط الاحتياط , غير أن القيادة الحزبية البعثية اعتمدت الفكرة , وأصبح الضبّاط الحزبيّون يقدّمون أسماء الحزبيين من الضبّاط الاحتياط الى الرفيق صلاح جديد لكونه يعمل في إدارة شؤون الضباط / وليس لأنّه خلق في أسرة علوية / , ولو وجد شخص حزبي آخر من أيّ طائفة لسارت الأمور بنفس الآليّة ,

هذا مع العلم أنّ عدد الضباط الاحتياط الذين ينتمون الى الطائفة العلوية واستدعوا للخدمة العسكرية , وثبّتوا لاحقا في الجيش كضبّاط عاملين لايزيدون من حيث العدد على اولئك الذين تمّ استدعاؤهم من محافظة درعا أو جبل العرب , أوسلمية أو ادلب , أو دير الزور , أو منطقة القلمون ...الخ اذا أخذنا بعين الاعتبار تعداد سكان كل منطقة ... وأنا متأكّد أنّ صلاح جديد لم يستدع ضابطا واحدا بترشيحه الخاص ,ولكن دفاعي هنا لاينفي حدوث أخطاء أرتكبت في هذا المجال من قبل البعض من خلال ترشيحاتهم وفي معظم المحافظات , هذا من جهة ومن جهة أخرى , فلو ألقينا نظرة فاحصة على أسماء  المجلس الوطني لقيلدة الثورة و  المحافظين والوزراء , وأعضاء القيادتين القطرية والقومية منذ الثامن من آذار 1963 وحتى عام 970 لوجدنا أنّ الذين يطلق عليهم علويون كانوا قلّة اذا أخذنا بالحصص الطائفية البغيضة . هذا مع العلم أنّ صلاح جديد ورفاقه بعد قيام حركة 23 شباط وضعوا أسسا موضوعيّة للانتساب الى الكليات العسكرية , واختيار البعثات الدراسية , وقد تمّ التقيّد فيها خلال مايزيد عن سنتين , ولكن بروز ظاهرة الازدواجية بين سلطة الحزب , ووزارة الدفاع أخلّ بهذه الأسس , وبدأت مؤشّرات طائفية تطفو على ا لسطح ممّا حدا بالمرحوم صلاح جديد الى المبادرةبإلقاء الضوء على هذه الظاهرة في اجتماع مشترك للقيادتين القطرية والقومي’ , وطلب ضرورة معالجتها بالسرعة القصوى / وكان ذلك في شهر آ ذار 1969 ...

وعل كل حال فان الملاحظ وبوضوح الروحيّة الطائفيّة التي كتب فيها المقال عن صلاح جديد , والانتقائية الظالمة من المراجع التي اعتمد عليها , حيث تمّ الاقتصار  على كل ما هو سلبي كتب عنه , وإغفال الايجابيات , فعلى سبيل المثال ما كتبه / باتريك سيل / فبالرغم من اعتماده على معلومات مغلوطة عن الهويّة الطائفية للضبّاط الذين اعتمد عليهم صلاح جديد ونسبهم للطائفة العلوية , واستقاء الكثير من الأمور عن طريق حافظ الأسد وحاشيته , إلاّ  أنّه  أنصفه بعض الشيء وفيما يلي ماكتبه حرفيّا / في كتابه: الأسد – الصراع على الشرق الأوسط –طبعة عام 1988 –دار الساقي الصفحات : 108 – 175 –179 –204 – 205 / :

" كان صلاح جديد ذكيّا ... ذا مبادىء وله آراء و اضحة اليسارية ... وكان معروفا بأنّ له أخلاقا شخصيّة عالية ,ولم يكن مهتمّا بالثروة , ولا حتى بالراحة والتنعّم , بل كان يعيش في شقّة بسيطة قيل إن أثاثها كانت قيمته تعادل أقل ّ من مائة جنيه استرليني ... فهذا الزعيم الجديد لم يشاهده أحد يلعب النرد , أو يرتشف فنجانا من القهوة التركية في مقاهي دمشق الظليلة في الهواء الطلق كبعض زملائه ... كان يأتي الى مكتبه مبكرا ... ويغادره في وقت متأخر ... كان طبع حكومة جديد وشعورها الوطني والقومي ساخنا , وكان إحساسها بالقضية الفلسطينية عميقا , وقد احنلّ تلك القضية مكانا مركزيا في عقيدة البعث ... وعندما ظهر المقاومون الفلسطينيون رأى فيهم نظام جديد رجالا ثوريين ورحّب بهم ... فصلاح  جديد وفريقه كانوا على وجه العموم شرفاء نزيهين , ولم تكن منجزاتهم سيّئة أو ضارّة بالسمعة .." ولكن كلاما كهذا يغيب عن صفحتكم التي ركّزت على المسألة الطائفية بشكل ظالم , ولم تهتم بالجوانب الوطنية والمسلكية من شخصيته , أو التطورات والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عاشها القطر السوري , كما حاولت و حاول الكثيرون على إبراز صلاح جديد أنّه كان الآمر الناهي الوحيد , والمتحكّم بكل شاردة وواردة في سورية منذ 1963 , وهذا حكم غير عادل , فهو لم يستلم أيّ منصب تنفيذي مثل : رئيس جهاز أمن ,- وزير – رئيس وزراء – رئيس دولة – حتى يصدر قرارات ومراسم وفق هواه , كما أن آراءه  ومقترحاته داخل القيادة الحزبية في بعض الأحيان لاتنال الموافقة ¸وفيما يلي أمثلة على بعضها : 

    لم يوافق على تنحية  اللواء زياد الحريري  , والتنكّر لصداقته للحزب , ولدوره الإيجابي في تنفيذانقلاب الثامن من آذار ... وكان ضدّ ترفيع حافظ الأسد الى رتبة لواء من قبل الفريق أمين الحافظ , لعدم وجود مبرّر لها ... وفي عام 1967 , وأثناء العدوان الاسرائيلي على الجبهة السورية , واختراق القوات الاسرائيلية القطاع الشمالي من جنوب غرب مدينة بانياس باتجاه بلدة مسعدة , اقترح المرحوم صلاح جديد أن تقوم مجموعة اللواء 70 المدرّع المتمركزة في بلدة الصرمان جنوب شرق القنيطرة بهجوم معاكس على القوات المعادية المخترقة بهدف إيقاف تقدّم العدوّ وإجباره على الانسحاب , ولكن القيادة العسكرية لم تأبه لرأيه ... وبعد الهزيمة العسكرية في الخامس من حزيران طرح اللواء صلاح في الإجتماع المشترك للقيادتين القطرية والقومية ضرورة تبديل قيادة الجيش ( وزير الدفاع ورئيس الأركان ), باعتبار أنّ تجارب التاريخ علّمتنا أنّ القيادة العسكرية المنتصرة أو المنهزمة يجب أن تتبدّل منعا لغرورها , أو لعجزالقيادة المهزومة عن بناء جيش وتحرير أرض , وقد سقط الاقتراح بفارق صوت واحد ...

وفي عام 1968 سعى جاهدا لإصدار قيادة الحزب قرارا بتبديل مراكز القوى داخل الحزب والدولة , وبعد صدوره كان يرى وجوب تنفيذه على الجميع مهما كلّف الأمر , ونبّه الى خطأ التراجع عن تنفيذه بالنسبة لقيادة الجيش ... وهو الذي طرح مسألة الطائفية / كما أشرت سابقا / ولم يتمكّن من جعل الآخرين يولون هذا الأمر الاهتمام الكافي ... , غير أنّ التزامه الصارم بمبدأ القيادة الجماعية كان يمنعه من الانفراد برأيه , بعكس ما كان يصوّره الجاهلون أو المتجاهلون بطبيعته ومنطلقاته السياسية والعقائدية , غير أنّ دفاعي عن صلاح جديد لايعني بشكل من الأشكال إعفائه من تحمّل المسؤولية الجماعية داخل قيادة الحزب , أو أنّ هذه القيادة ومن ضمنهم صلاح جديد معصومون عن الخطأ , فهم بشر ... ولكن المسائل التي يثيرها الحاقدون على صلاح جديد لأسباب طائفية  ,أو  سياسية , أو حزبية وشخصية ثم يتناقلها الآخرون عن حسن نيّة أو سوء نيّة هي مسائل ظالمة أو كاذبة ’ أو مفبركة لتشويه سمعته ونضاله ودوره باعتباره كان يشكّل انموذجا لقائد كفوء جدير بالاحترام والتقدير , ويتمتعّ بمواصفات فكرية وسياسية ووطنية وأخلاقية من طراز رفيع ... ولهذاالسبب بالذات تمّ التركيز عليه  في حياته ومماته  وشنّت  الحملات الظالمة ضدّه سواء داخل أجنحة البعث المتصارعة ,أم في صفوف القوى السياسية الحاقدة على حزبه وشخصه , أم في الدوائر والأجهزة الغربية والصهيونية التي تستهدف رجالا بمواصفاته ’ وعرقلة وصولهم الى القيادة والريادة في وطننا العربي وتشويه تاريخهم , ورسم صورة شيطانية عنهم في أعين الأجيال العربية الجديدة ....

- وختاما أرجو وآمل أن تأخذ بعين الاعتبار ما ذكرته من حقائق لتصحيح ما ورد في صفحتكم بخصوص المرحوم صلاح جديد , واذا  تعذّر ذلك أرجو إلغاء ما كتب عنه نظرا لعدم تطابقه مع الحقيقة , وهذا يشكّل في جوهره خدمة لمصلحة موقعكم وصفحتكم/ رجال الشرق/ ... كما أرجو أن ترسل عنوانك البريدي لأرسل لكم ما يصدر عنّا  , ونبقى على صلة ديمقراطية وطنية حيّة خدمة لوطننا وأمّتنا التي بحاجة ماسّة لجهود الجميع دون استثناء حتى تتمكّن من درء وإيقاف المخاطر التي تحيق بها في ظل هذا الاستهداف الامبريالي الصهيوني المسعور   .

الجزائر : في  18/ 9 / 2003

محمود  جديد

 

السابق

 

الملحوظات أعلاه تعبر عن رأي كاتبها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ