صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 30 - 11 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

المسألة الكردية :

واقع جغرافي وتاريخي سياسي وحقوقي....

أم تلفيق وأدبيات استعمارية وصهيونية. !؟

الجزء الثاني

بقلم عبد الحميد حاج خضر الحسيني

الكرد كأمة وشعب حقيقة وواقع مشهود ،  ولكن هذه الأمة موزعة ، كما هو معلوم ، إلى عصبيات مختلفة ومتنوعة وتعيش هذا التنوع تحت سلطات غير كردية متباينة  ومختلفة ؛ مما يجعل قيام الملك الذي يجمع شتات أمة الكرد أمراً عسيرًا، إن لم يكن مستحيلاً . فلو أخذنا أكثر النظريات التصاقاً بالواقع ، في تفسير قيام الملك ورتقائة ثم زواله ، وهو ماذهب إلية ابن خلدون ، حيث واقع الكرد في الماضي والحاضر يعتبرحالة نموذجية لما نّظر له العلامة الجليل . إن صعوبة  قيام الملك  على الساحة الكردية أمراً متعذراً ، حسب ابن خلدون ، لخالو السحة الكردية  من العصبية القادرة على الاستبداد بالعصبيات الأخرى ومن الدعاية الدينية التي توحد عصبياتها ، لتقيم الملك المنشود للكرد، في الماضي أو في الحاضر على أرض تتراوح مساحتها مابين 400-500 كم مربع . ولو طبقنا المنهج العلمي الحديث ، كما عرّفه الفليسوف الانكليزي  راسل ، بأنه : العمل الدؤوب في رصد الظواهر الموضوعية  ، وأطروحة حصيفة تمكننا من استثمار مفرط لتراكم الملاحظات  الموضوعية . فسنجد أن البون شاسع جداً بين ماتطمح إليه النخب القومية واليسارية من الكرد  والواقع الكردي المعاش ، القوميون واليساريون من الكرد لا يملكون كم كافي من المعارف الموضوعية عن التجمعات الكردية المختلفة والعلاقة العضوية  بين هذه التجمعات ، أما الادعاء بامتلاك اطروحة حصيفة ( الماركسية الليتينية ) أو نظرة ( قومية طموحة ) فهو محض وهم وعنجهية قد تدفع بأصحابها إلى التبعية الذليلة للأجنبي عقيدة وحضارة .  وأعتقد أن الساسة العرب المخلصين لأوطانهم أول من يرحب بل ويدعم قيام دولة كردية مستقلة إذا توفرت الضمانات الكافية ؛ التي تمنع أن  يوظّف هذا الكيان في خدمة الصهيونية العالمية . أما كيف يقف الآيرانيون أو الأتراك من دولة ذات سيادة للكرد فلدي تصور أحتفظ به لوقت آخر . منذ الستينات ونحن نتابع أدبيادت  الحركة الكردية السياسية و"نضال" الكرد من أجل حقوقهم المشروعة . لقد سالت دماء غزيرة من جميع الأطراف المتنازعة وارتكبت فواحش وموبقات لا حصر لها وأسهمنا بأيدنا في دفع عجلة التقدم والإرتقاء بعيداً إلى الوراء ، عرباً كنا أم كرداً أم تركاً أم إيرانين . والسؤال كيف حدث هذا أمام سمعنا وبصرنا وبأيدينا ؟ - لقد أصيبت المنطقة بوباء الفكرالقومي الوافد من الغرب ، والفكر القومي ، في حقيقة الحال ، فكر  رومنسي ، من نوع فكر الصبوة والتوثين . وهو أيضاً فكر صوري لا يناقش ماهية الأشياء وحقيقة الأمور وأقصى ما يصل إليه القومي تقرير طبائع الأشياء وتحدد أبعادها كماً وكيفاً . لقد كانت الاستجابت لهذا الفكر الوافد من قبل النخب ذات العزوة في  قلب الدولة العثمانية فظيعاً ، حتى يخيل ، للمهتم بالشأن العام ، أن مؤامرة حبكت خيوطها ودبرت دقائق فصولها تدبيرا. فكانت الدولة الأتاتوركية الفظة الغليظة التي كان العسكر سادتها وسراتها . ويجب أن لاننسى أن النحل والفرق أول من استجاب لهذا الفكر الخبيث وفتكوا بالأمة بقسوة منقطعة النظير ، وقد أصاب الكرد ما أصابهم من القتل والتنكيل . وحتى يومنا هذا والفرق والنحل تشكل تقريباً 70% من كبار الضباط ورجال الأمن والقضاة في الدولة الأتاتوركية ، ويملون على الساسة وأهل الفكر والدراية أفكارهم وتصوراتهم وتحلفاتهم مع الصهيونية العالمية . والخلاف بين أوجلان والطغمة العسكرية الأتاتوركية  وحافظ الأسد هو خلاف داخل البيت الواحد .  في العالم العربي وايران كانت محاولات التقليد للنموذج الأتاتوركي متعثرة ، والحمد لله ، ولكن محاولات التقليد لم تخلو من أعمال تنكيل وأذى للأمة  ، وأقرب النماذج العربية إلى النموذج الأتاتوكي البغيض كان ولا يزال النظام في سوريا ، حافظ الأسد وبنيه . الذي يهمنا هو البحث عن الأسباب والآليات التي دفعت بالكرد غير الإسلامين تبني الطرح القومي اليساري . ذلك ا الطرح غير العقلاني  وغير العلمي ، وإن تشدق بالعلمانية والجدلية المادية ، لأنه لا يقوم على كم معتبر من الملاحظات الموضوعية المستقات من واقع الشعب الكردي . كما أن الطرح الماركسي يزيد فظاظةً  وغلاظة ً على الطرح الأتاتوركي ،  وذاقت منهما الشعوب الاسلامية الويلات . إن الشعوب العربية والإسلامية لا تحتاج  إلي الزعيم العبقري الملهم الفذ ، وهي في قرارات نفسها ترفض التوثين ، وإن صاح دهماؤها بالدم بالروح نفديك يا ......  ، كل ماتحتاج هو تفعيل قيمها  ، في الحق العدل والحرية والإثرة والتسامح ...

في نهاية الخمسينيات وعلى امتداد عقود الستنيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي كانت الأحزاب الشيوعية العربية والكردية في العراق وسوريا تدلل أعضاءها من الكرد وتحابيهم على بقية أعضاء الحزب الواحد ، مما فسح المجال لكثير من الشباب الكرد في الحصول على منح دراسية في الإتحاد السوفيتي ودول المنظومة الأشتراكية ليعودوا إلى بلادهم ليسو شيوعيون بالضرورة ، ولكن لايعرفون منهج للبحث العلمي وخاصة في العلوم الإنساني ، ضنية الدلالة ، غير المنهج المتبع في الدول الاشتراكية ، يطلقون عليه الجدلية المادية ومبدأ التناقض ، ولهذا المنهج قدر من الإثارة ، نابعة عن سحر الجدة وزخرف القول غير المألوف عند الناس ، أما المصطلحات التي تبدوا مدهشة وعلمية وفلسفية ، حيث يتوجب على الغريب  أستظهارها والتمنطق بها حتى ليبدوا المتحدت بها وكأنه من أصحاب الرطانة والعيي الذي حرمه ، الله سبحانه ، من لذاقة اللسان وحسن البيان ، هي مصطلحات تغطي على العجر والقصور اللغوي أو الفكري في بسط وإدراك الحقيقة .   وأعجب من هذا  أن المنظمات والأحزاب التي تنطلق من الفكر الماركسي ، كلها تنادي وتتسمى بالدمقراطية . وهي الغارقة ، في الاستبدا والشمولية ، حتى أذنيها . صحيح أن المنظمات والأحزاب الكردية لا تنادي جهاراً نهاراً بالشيوعية أوالماركسية وإنما بالدمقراطية والقومية ( الحزب الديقراطي الكردستاني أو حزب الإتحاد الكردستاني....الخ ) ولكن المنهج والقائمين عليه لايعرفون منهجاً غير منهج الجدلية المادية ومبدأ التناقض ، ومن شب على شيء شاب عليه . قد يقال إن الأمر قد تغير منذ سقوط جدار برلين والمناداة في العولمة . الساسة والمثقفون  الكرد  يرطنون اليوم بالإنكليزية ويحملون حقائب السنمسونايت الدبلماسة ويطيرون بين لند ن وواشطن ( فرست كلاس ) وعند رجوعهم إلى أرض كردستان " المحررة " يعرجون إلى تل أبيب لتناول وجبة ( كوشا ) فالقوم لم يعتادوا بعد أكل لحم الخنزير ولو كان مذبوحاً على الطريق الاسلامية .  كل هذا صحيح ولكن العولمة أفكار النخبة الصهونية وتحتاج إلى الجواح والمعاول والمرافق . لقد اكتشف دهاقنة العولمة أن الشيوعين والماركسين ومن والاهم  أنهم سادة أشرار، ولهذا سمى ريغان الاتحاد السوفيتي مملكة الشر ، ولكنهم أي الشيوعيون والماركسيون عبيد " أبرار" . ثمّن أسياد العولمة هذه الصفات " النفيسة "عند القوم فصطنعوهم لأنفسه أعوانناً وأخدانناً بل اتخذوهم جند وحكاماً . ليس في كردستان الفقيرة البائسة ،  ولكن في قلب الرأسمالية النابض بالثروة والإماء . ألم يكن يلسن السكير شيوعياً وأصبح حوتاً رأسمالية ، وعلى امتداد الساحة الأوربية والأمريكتين نجد الكوادر الماركسية تستجلب إلى سدة السلطة والسلطان وفي الإدارة وصنع القرار . ظاهرة تستدعي التوقف عندها قليلاً والتساؤل عن سر الصنعة ،  بعد طول جفوة وسوء ظن  . ينادي قادة الكرد  بالديمقراطية والفدرالية للعراق " المحرر " إلا من من الإحتلال ( الصهيوامريكي انكليزي ) . هل يمارس الكرد من البرازانين أو الطالباني داخل أحزابهم الديموقراطية . ؟ أم أن عقلية الأغا هي التي تحكم آلية اتخاذ القرار وتنفيذه ؟  وهل قيادة العمل السياسي تورث توريثاً ، في حزب يقول عن نفسه أنه  ديموقراطي ،  خاصة أن الملا مصطفي توفي في مشفى جورج تاون  في 1. 3. 1979  حيث كان السيد مسعود البرازاني يعتبر غلام حسب الأعراف الكردية نفسها . ؟ نحن أمام تلفيق سياسي في مسألة الديقراطية . أما الفدرالية ، التي بها يتشدقون ، فأقول لكم أيها السادة الكرد من الطالبانين والبرازانين : ليس عيباً أن يجهل السياسي قضية قانونية أو حتى دستوريه ، وبالمناسبة أعرف نواباً في المجلس النيابي الألماني من يجهل الكثبر من المواد الدستورية ، ولكن إذا عرضت له مسألة قانونية أوفنية ، فيحيلها إلى أهل الإختصاص . ماذا تعنون بالفدرالية ؟ أعتقد أن الأخوة الكرد ،  عندما كانت علاقتم حسنة مع الاتحاد السوفيتي ، كانوا يطمحون أن يكون شمال العراق جمهورية سوفيتية كردستانية ، ولما أفل نجم السوفيت وحسنت وتوثقت علاقتهم مع الصهاية والأمريكان جعلوا من حلم الجمهورية السوفيتية الكردستانية ،  الفدرالية الكردستانيه . وكفى الله الجهلة البحث والتنقيب ،  بالمناسبة كلمة سوفيت تعني المجلس .

الفدرالية أو النظام الفدرالي هو نظام الولايات الذي كان يعمل به في الدولة الاسلامية ، ولكن بآليات ديموقراطية أي أن الوالي ومن يساعده من مجلس شوري أو وزراء  أو سلطة تنفيذية تنتخب حسب ، قانون انتخابات متفق عليه مسبقاً ، من قبل سكان الولاية نفسها وليس  للسلطة المركزية حق تعينهم أو إقالتهم . كما ليس للسلطة المركزية أن تتدخل في ااشؤون التي هي من اختصاص الولاية . أما حجم الولاية في الدولة الفدرالية فهو إما واقع تاريخي أقره عقد دولة ، او أن العقد نفسه يحدد الأبعاد الجغرافية للولاية ، ففي ألمانيا مثلاً تعتبر كل من مدينة بريمن ، همبرغ ، برلين ولايات مستقلة . الفدرالية أيها الطالبانيون والبرازانيون ، لا تقوم على القومية أو العنصرية ، إلا إذا أريد لها أن تنفصل عن الدولة المركزية وتصبح دولة مستقلة ذات سيادة . لاتملك المقاطعة أو الولاية جيش مستقل وليس لها سياسة خارجية مستقلة ، هذه الأمور هي من اختصاص الحكومة المركزيه وتشارك الولايات ،عادة ، في صناعة القرارات السيادية من خلال مجلس الولايات ، والبرلمان الفدرالي . إن الاصطياد في الماء العكر ،  لا يليق بمن يدعي الديمقراطية واحترام العقل . إن الحكم الذاتي الذي فرضته الحكومة العراقية عام 1974  علي المناطق الكردية ورفضته الحركات السياسية الكردية كان من الناحية الحقوقية النظرية يحتوي  أكثر من 90 % من مضامين أرقي النظم الفدرالية واستكمال 10% الأخرى عبر مفاوضات دؤوبة بين أهل الإختصاص من الجانبين ، شرط توفر النوايا الحسنة ، ليس صعباً . المشكلة ليس إنعدام الحيلة والدراية ، ولكن الاستبداد والدكتاتورية مفسدة كبرى لا تدفع بالتي هي أحسن . لقد منح البرزانيون والطالبانيون الفرصة لوضع تصوراتهم عن الديقراطية والفدرالية والتعامل مع الغير بكل حرية ولمدة 12 سنة تحميهم الصوايخ والطائرات المتقدمة انطلاقاً من أنجليك التركية أو من قاعدة سلطان السعودية ودمشق وطهران مقراً لمؤتمراتهم الدولية . فماذا كان الحصاد والنتيجة ؟ هل سألتم أنفسكم لماذا لم تحققوا 10% مما حقق الألمان بعد الحرب العالمية الثانية وبنفس المدة الزمنية ، وقد اخترت المانيا للمقارنة لأسباب عديدة منها أن ألمانيا خرجت مدمرت بعد الحرب الثانية وكردستان العراق لم يصبا من الدمار الشيء الكثير ، أمريكا كانت الحليفة في كلا الحالتين واستخدمت نفوذها لدى دول الجوار لدفع أي عدوان عن حليفتها . وكلا الشعبين آري كما يقول الملفقون والأفاكون من كتبة التاريخ . ومنذ مدة غير يسيرة ترك الطالبانيون والبرزانيون الدين وراء ظهورهم . بعد عشر سنوات فقط من نهاية الحرب الثانية بدأ حديث العالم عن المعجزة الألمانية الاقتصادية وبدأ معها استيراد اليد العاملة الأجنبية . أما في ديرة الكرد في العراق فكان أمل المواطن الكردي هو أن يجد حفنة من الدولارات تكفي ليخرج من كردستان " المحررة " إلى أرض الله الواسعة إلى السويد وكندا حيث  البرد القارس أو  إلى استراليا وفلوريدا حيث الجو القائض ، تاركين الحزبين العظيمين تتفانا من أجل  خسيس المغنم . أيها السادة إن الكرد كبقية أبناء العالم العربي الإسلامي يريد الحرية والخبز،  يريد العمل والعدل ، يريد الكرمة والدين ولن يفرطوا في الملة ولو كره المتخرصون . إن  ألصهاينة والغرب العدواني لا يكنون للكرد أي حب أو مودة ؛ نعم قد  يستطيعون استئجار الكرد ولكن لن يستطيعوا شرائهم . العصبيات من خاق الله سبحانه ، وهي قائمة رغم أنوفنا ولكن : لا تتركوا العصبية بدون دين فتنقلب إلى جاهلية وطيش . ولا تجعلوا الدين عصبية فتكون فتنة وغلو .  عندما يتصفح  الإنسان المواقع الكردية على شبكة المعلوماتية (الانترنت)  يجد أمراً بمتهى الغرابة كل المواقع تقريبًا تابعة لمنظمات يسارية كانت تقول بدكتاتورية الطبقة العاملة واليوم كلها  " ديمقراطية " باستثناء موقع  تابع  لكرد ايران وآخر لكرد لبنان حيث هناك قدر من الليبرالية القومية ، لفت نظري كثرت المواقع التابعة لحزب العمال الكردستاني ، وفي أحد هذه المواقع التي تعرض سلعتها الاعلامية باللغة الألمانية صيحة يائسة أطلقها أحدهم باستغراب شديد " الرأي العام العالمي ، وخاصة في أوربا ، يتعاطف ويتضامن مع قضية الشعب الفلسطيني من أجل إيجاد دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ،  في نفس الوقت يلوذ بالصمت ، أي الرأي العام العالمي ، عند الحديث عن  القضية الكردية ، التي يبلغ حجمها عشر أضعاف القضية الفلسطينية  "  . أعتقد أن مشاعر كافة المنظمات الكردية اليسارية والقومية  تسير في نفس الاتجاه ، يشعرون بالغبن والخذلان من قبل  الرأي العام العالمي أتجاه قضية عادلة . وذلك أنهم يعتبرون أنفسهم ومنظماتهم رسل  القضية الكردية  ، إنهم في نظر الناس طلاب سلطة وسلطان فليذهبوا  إلى بغيتهم  والناس هنا قاعدون منتظرون ، لماذا ينتظرون من الناس التعاطف والتصفيق لمقاصدهم الشريرة . الناس لا تقف منهم موقف سلبي وتكتفي بالصمت والإنتظار بل إن القوم لهم كارهون . ولن يفيدهم أن يضرموا في أنفسهم النار لكسب عطف الناس . في الثمانينات  عندما كان حزب العمال الكردستاني يخرج إلى الشوارع للتظاهر ، قد يتعاطف معه عشرات الألمان من هم على شاكلتهم . أما اليوم ورغم أن مأساة الكرد من حزب العمال الكردستاني في السجون التركية  دامية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ، إلا أن التعاطف والتضامن معهم يكاد أن يكون معدوماً . لقد أدرك القاصي والداني أن الحركات الكردية اليسارية والقومية هي ، في حقيقة الحال ، مؤسسات استبدادية تحاول أن تحل محل مؤسسات استبدادية قد تعتبر ، في نظر أصحاب القرار ، قديمة ومستهلكة ويجب استبدالها بما ينسجم مع متطابات مشاريع  الهيمنة . لن أتررد في القول أن هذه المنظمات والأحزاب هي بواكير مشاريع حكم واستبداد للمنطقة ، تماماً كما كانت الأحزاب القومية واليساريه بعد الحرب العالمية الثانية . وقد رأينا من خلال تجربة العراق الأخيرة أن هذه الحركات لديها قابلية  للعمالة والتبعية يفوق استعداد وقابلية من سبقوهم على هذا الطريق المفرش بالدماء والأشلاء ، تخفي معالمه  الدولار ،  والعطور ، وباتسامات النساء في صالات الفنادق والقصور . وقد رأينا أن المستبد القديم يلقي بمفاتيح السلطة إلى  المستبد الجديد ، بعد أن يستوي عوده ويطمئن إليه سيده . المستبد الجديد قد يتلقى تدريبه في   حجر المستبد القديم     وتحت سمعه وبصره ، كما هو الحال لحزبي الطالباني والبرزاني وأحزاب كردية أخرى على شاكلتها  في سوريا الأسد ( اقراء المقابلة التي أدلى بها الطالباني إلى جريدة الحياة اللندنية في 9. 11 . 2003  بصفته رئيس لمجلس الحكم في العراق ) . أن العالم يتعاطف مع أصحاب المباديء وأهل الصدق ، ويحذر ويحاذر من أهل الأديولوجيات وطلاب السلطة . والسؤال من أين لنا أن نفرق بين الفريقين ؟ أما أهل المباديء فهم أهل إيمان وعمل ، ومثالهم الفلسطينيون في الإيمان والجهاد والعمل . أما أهل الأديولجيات وطلاب السلطة فهم أهل خصومة ولدد ، ولهذا فهم يسيسون العواطف ويعسكرون الأفكار . ومثالهم الطالبانيون والبرزانيون والأوجالانيون ومن حذى حذوهم .

قبل أن أصل إلى نهاية هذه الدراسة السريعة للمسألة الكردية لابد من الوقوف على الجانب الحقوقي ، معترفاً بأني لست من أهل الاختصاص في هذا المجال ، ولكن للضرورة أحكام  . لقد بينا أن الكرد هو شعب ينتمي إلى القومية الايرانية الفارسية لغة وحضارة وتاريخ ودين ، ويصعب تحديد الأرض التي يمكن اعتبارها الموطن الأساس للكرد ، كما أن التاريخ السياسي لم يحمل لنا نبأ دولة كردية مستقلة حتى يومنا هذا . لهذا يتمسك بعض الساسة الكرد بمعاهدة ( سيفره ) التي أشرنا إليها في الجزء الأول من هذه الدراسة . المعاهد   المذكورة ولدت ميتة ، بل إن موازين القوى التى كانت تتغير لصالح دولة قومية تركية لم تسمح قط بتنفيذ الجزء المتعلق بالمسألة الكردية ، أكثر من ذلك أن غالبية الكرد ساهم بقوة في تحرير الجزء الأعظم من الأناضول من الاحتلال الأجنبي وتغير موازين القوى . ثم أنه هناك موقف مبديء من المعاهدات التي تفرضها قوى الهيمنة ، في ضروف تختل فيه موازين القوى لصالح الهيمنة الأجنبي ، وهو عدم شرعية هذه المعاهدات أو على الأقل  هي معاهدات وعقود إذعان فاسدة من الناحية الأخلاقية ، حتى لو أقرت من قبل الطرف المغلوب . مثل هذة المحاكمة تنطبق على وعد بلفور المشؤم ، ولكن ما حيلتنا إذا وجد بعض الساسة الكرد من يتتخذ من ا لمسيرة الصهيونية والنصائح الإسرائلية ، كخارطة طريق للوصول إلى دولة كردية  ذات سيادة ، بل ومنذ عام 1968 على الأقل بدأت الإتصالات السرية لبعض الساسة الكرد مع المساد الإسرائيلي الذي كلف ومول شركة  للحماية والأمن تابع للمساد ، تولت حماية زعيم الكرد الخالد الملا مصطفي البرزاني .

 ملامح الخطوات التي يجب اتخاذها للوصول إلى الهدف المطلوب حسب التصور الصهيوني وبعض الساسة الكرد : يرى بعض الساسة الكرد أنه يجب التمسك بالدولة الفدرالية للعراق بتصور معين هو أقرب إلى الكنفدرالية منها إلى الفدرالية ، أي منطقة الحكم الذاتي مضاف إليها محافظة كركوك . هذا الكيان  الكنفدرالي يراد له خلق واقع على الأرض يمهد للإنفصال عن جسم الدولة في الضرف المواتي لذلك ، ولهذا يراد لهذا ا لكيان جيشه الوطني ، وحكومته التي تمارس نوع من أنواع السيادة ، وشبه إستقلال مالي . كما يمنح " وبسخاء " للمواطين الذين يعيشون على أرض هذا الكيان من غير الكرد حقوق الأقلية . اللغة الرسمية للكيان هي اللغة الكردية ، إن الدستور المعد من قبل المجس النيابي الكردي للدولة الفدرالية " المرتقبة " يؤكد كل ما ذهبا إليه . لقد أختر العراق نقطة الأنطلاق لبناء ( دولة كردستان القومية ) باعتبار العراق الحلقة الأضعف من بين الدول التي تحيط بالمناطق التي تسكنها أغلبية كردية بعد فشل تجربة ماهاباد ، عام 1946 على الأراضي الايرانية ، كنقطة انطلاق للدولة الكردية . علم الدولة الكردية القومية المنتظرة هو نفس العلم الذي رفعه الكرد في جمهورية ماهاباد ، أحمر وأبيض وأخضر وفي الوسط شمس ساطعة . يبدوا من المراقبة الدقيقة للأحداث أنه لايوجد دولة عظمى تتبنى هذا المشروع الطوبائي او حتى من يتعاطف مع الفكرة ، رغم كل تشنجات وهستيريا الساسة الكرد الذين ينادون بهذا المشروع القومي . القوة الوحيد التي تدعم هذا التوجه الكردي ، ولغاية في نفس يعقوب ، هي الصهيونية وإسرائيل . ينصح الإسرائليون الساسة الكرد بالاصرار على نوع معين من الفدرالية ، للإنفصال عن العراق في ضروف دولية معينة على غرار ماحدث في تيمور الشرقية ثم المطالبة بحق تقرير المصر لباقي المناطق الكردية ، ومن هنا نفهم تحسس الدولة التركية اتجاه المشروع الفدرالي الكردي وخاصة عندما يضم محافظة كركوك الغنية نسبياً بالنفط والتي تقطنها أقلية تركمانية معتبرة . بعد تعثر أو فشل المشروع الطوبائي الذي رسمه الصهانية من خلال احتلال العراق وجعله قاعدة للهيمنة على المنطقة عسكرياً وتهميش دور كل من تركيا وايران والسعودية ، ازدادت الحساسة عند صناع القرار الأمريكي من غير الصهاينة  اتجاه مشاريع طوبائية أخرى من قبيل مشروع الدولة الكرية القومية ، ولهذا سحب الجنرال الصهيوني ( جى غانر ) من أرض العراق لفرط تعاطفه مع المشروع القومي الكردي ، بل منع من قبل مستشاريه من قطع وعود مغرية للكرد لكسب مزيداً من الود ، كان ولا يزال الأمريكان بأشد الحاجة إليه ، من أجل إنجاز المرحلة الأولى من مشرع احتلال العراق . بالنسبة للأوربين ، دولة كردستان القومية أقل من مشروع طوبائي ، هي من قبيل أحلام اليقظة التي تهلك صاحبها ومن معه إذا انساقا وراء سرابها ، أوربا تخلت طوعاً وبمحض إرادتها عن الدولة القومية ، والدولة القومية  في ريعان شبابه وأبهى صورها لصالح الوحدة الأوربية متعددة الأعراق والثقافات  ، بل هي في صدد ضم المزيد من الدول الأوربية ضمن إطار اقصادي وسياسي وعسكري وقانوني وبرلماني تشريعي ، علماً أن القاسم المشترك الحضاري  بين البولندي  والبرتغالي أقل من 10% من القاسم المشترك الحضاري بين الكردي والعربي أوبين الايراني والكردي أو بين الكردي والتركي . هل عادت الأمة الإسلامية إلى الوثنية من جديد ، فأصبحت تؤمن بالخرافة أكثر مما تؤمن بالمحسوس والمعقول ؟ لماذا أصبحت هذه الأمة  توثن قطعت قماش أتفق أن تكون رمزاً للوطن والبلاد ؟  ليكف الشعراء والأدباء عن أساطير  التوثين للأرض والديار ، لو نظرنا لأطفالنا في روضة الأطفال لرأينا أنهم يأتلفون  حسب ميولهم النفسية وليس حسب مشاربهم القومية . الأديولوجية قد تكون أشد فتكاً بالإنسان من القنبلة الذرية : نعم الأديولوجية كانت وراء إلقاء القنبلة الذرية على هوروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب الثانية . ألم تكن الاديولوجية الماركسية وراء الدمار والفساد والفقر الذي لحق بالمنظومة الاشتراكية ؟. إن المطلب الملح للكرد والعرب والفرس والترك هو ليس المساواة الصورية  أمام القانون فحسب بل والمطالبة بقوانين منصفة وعادلة . المطلب الأساس لنا جميعاً الحرية بكل مفرداتها بدأً  من حرية الاعتقاد وانتهاءً بحرية التملك .  المطوب حرية التواصل بين أبناء الأمة ، لنبدأ كما بدأ الأوربيون عندما أقاموا دعائم الوحدة الأوربية . حيث حرية انتقال الأفراد ، والسلع ، ورؤوس الأموال . إن  "الأضرار" التي قد  تنجم عن حرية التواصل والتنقل  أقل كلفة من ذالك الكم الغفير من حرس الحدود والقوات الخاصة التي تحشدها الدول المعنية  لحراسة حدود هي من صنع المستعمر ، بل العكس هو الصحيح المكاسب المرجوة من تنشط التجارة وتبادل الخبرات والمعارف وزيادة الثروة بأيدي الناس ستجعلنا ننظر باستهزاء وسخرية إلى نقاط العبور الحدود ية والأسلاك الشائكة الفاصلة بين أبناء الأمة . يجب أن نعرف من أين نبدأ وكيف نرتب الأولويات . وكيف ننبذ الاديولوجيات والوثنيات . كيف نجعل هموم الإنسان أولى أولوياتنا . لنتوقف عن  التجارة البائسة  بالشعارات ونحدد تماما الخطوات التي تقود إلى تحقيق العدل السياسي والاجتماعي . يجب أن لانفرط بالحرية لصالح الزعيم الملهم والقائد الفذ فنكون كساع إلى الهيجا بدون سلاح  . ترتيب الأولويات واضح تماماً . أولاً حقوق الإنسان ومادتها الحرية .ثانياً  حقوق المواطنة ومادتها الديمقراطية    وثالثاً حقوق الأقليات ومادتها المساواة  .

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ