صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 04 - 06 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

هل هكذا يرحل الإنسان ؟!

قيمة النظام الحضاري السياسي لدى أي أمة تنبع من قيمة الإنسان. الإنسان الفرد، كيف تنظر السلطة إليه ؟ وكيف ينظر المجتمع إليه ؟ وكيف ينظر هو إلى نفسه ؟

لا نريد أن نسترسل في الحديث عن القيمة التي أضفاها الإسلام على النفس الإنسانية بمطلق كونها نفساً إنسانية بغض النظر عن الجنس واللون والدين، فسوى النفس الواحدة بالإنسانية أجمع وأكد على أن هذا التعظيم لشأن النفس الإنسانية من الحقائق الخالدة التي ترددت في صحف موسى الأولى ثم تأكدت في شرعة الإسلام الحنيف (.. من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..)

وبغض النظر عن اسم النفس ولونها وجنسها ودينها وانتمائها فإنها تبقى نفساً مكرمة مصانة (حراماً)، ويبقى العدوان عليها عدواناً على الإنسانية أجمع سواء كان العدوان مباشراً أو غير مباشر، فإن العدوان يبقى عدواناً ويكون الساكتون عليه شركاء فيه.

ما حصل للزميل (ثائر سلوم) حسب رواية (الشاهد الوحيد) التي رواها الزميل أيمن القحف على صفحات /البعث/ السورية الاثنين 2/6، وما يحصل للآلاف من أمثاله، الذين يموتون يومياً بسبب الإهمال أو اللامبالاة، أو الروتين الإداري أو النسيان أو الظلم أو الرعونة أو الطيش؛ هو جزء من العدوان على الإنسانية وعلى القيم الحضارية لأمتنا ومجتمعنا.

هذا الموت الذي يقع على الإنسان بتلقائية ولامبالاة بكل أساليبه وألوانه ومداخله ومخارجه هو قتل له في النهاية مناط، وعنه في الحقيقة مسؤول. والإهمال والتسيب واللامبالاة والعجز هو بعض الفساد الذي عجزت الحكومة عن علاجه.. وربما كانت حادثة موت إنسان كفيلة بإسقاط حكومة فيما مضى من الزمان !!

وقبل أن ننقل رواية الزميل أيمن القحف عن البعث السورية نحب أن ننقل إلى أسرة المرحوم ثائر سلوم مشاعر العزاء والمواساة  وندعو الله أن يلهم ذويه الصبر والسلوان، وأن يعوضهم في مصيبتهم خيراً.

أيمن القحف

وكنت الشاهد الوحيد

كقطار سريع محمل بألف شيء ثمين وألف قصة وقصة مضت حياة ثائر سلوم، وها هو يصل إلى محطته الأخيرة ـ الأبدية وتشاء الصدفة أن يكون مثواه الأخير على كتف سكة القطار التي تعبر من مدينته حمص ليدخل القطار نفقاً عميقاً لا ندري أين يصل) ولكننا نثق بأن شخصاً لم يؤذ أحداً في حياته وعمل الخير لنفسه وأسرته وأولاده ومجتمعه ووطنه سيتغمده الله برحمته الواسعة.. عبر قرابة العقدين من الزمن ربطتني به صداقة وطيدة في السراء والضراء وكنت شاهداً على مسيرة كفاح ونضال ونجاح متواصل، وها هي الأقدار تدفعني لأكون الشاهد الأخير على تلك المسيرة وأن أكون آخر من يغلق الستار في مسرح الحياة على تراجيديا اسمها (ثائر سلوم)، لا أدري من أين أبدأ، هل أنقل لكم كيف فارق الحياة كي لا يؤذي ولداً في الطريق، أم كيف خرج من وسط فقير فصنع نفسه بنفسه ليكون علماً لحق وشخصية مرموقة في عالم الصحافة ؟.

هل أروي لكم كيف تعامل بمنتهى النبل مع الجميع وكيف رحل مع الكثير من مظاهر التهاون والاستهتار الذي لا يمكن وصفه إلا بفضيحة إنسانية واجتماعية وطبية.

قرابة العاشرة والنصف مساء تتلقى زوجة المرحوم اتصالاً من مشفى الرحمة يقولون لها إن زوجك تعرض لحادث سير ولا شيء يدعو للقلق، فالأمر عبارة عن (رضوض).

خلال دقائق أبلغتني بالحادث واتجهنا من جرمانا عن طريق المتحلق الجنوبي، وقبيل مفرق المخيم كان هناك تجمع من الناس والشرطة، وكانت سيارة ثائر المصطدمة بالمنصف تنبئ ببشائر غير سارة.

في المشفى وجدناه ممدداً في غرفة الإسعاف، مضمد الأطراف ومنتفخ الوجه إثر الرضوض، لكنه عرفنا وتمتم ببعض العبارات التي رفعت معنوياتنا، فهو صاح وجملته العصبية سليمة، سألنا من أسعفوه عما جرى فقالوا إنه حاول تفادي دهس صبي قفز أمامه على المتحلق فكانت نتيجة الاصطدام والحادث.

سألنا الأطباء عن الحالة فقالوا: إن الرأس سليم والصدر سليم بعد أن تم تصويره شعاعياً وبالايكو، ومن أجل الاطمئنان طلبنا نقله إلى مشفى الأسد الجامعي، لكنهم أكدوا لنا أن لا خطر على حياته، وأن المشكلة فقط في ساقه اليمنى التي تعرضت لكسور متفتتة وانقطعت عنها التروية، وأن أي تأخير في إجراء العملية قد يعرضه لفقدان قدمه.. اقترحنا الاستعانة بأحد الاختصاصيين المعروفين بالجراحة العظمية، لكن الجراح الموجود أكد لنا أنه متفوق في هذا المجال وإننا لن نجد في الأسد الجامعي قسماً لإسعاف جراحي للكسور، كما أن الوقت ليس في صالحنا، ونتيجة كل هذه التأكيدات والتخديرات سلمنا أمرنا إلى الله، وفي كل لحظة يذكروننا بدفع سلفة 20 ألف ليرة قبل أي شيء ؟!

 مضت قرابة ثلاث ساعات في غرفة العمليات والمؤشرات كلها كانت جيدة لدرجة أننا نقلنا التفاؤل إلى جميع من سأل عنه أو اتصلنا به، كما أننا لم نشأ أن نزعج أسرته في حمص بخبر الحادث قبل حلول الصباح.

خرج الطبيب الجراح وطمأننا بأن العملية نجحت ولكن لكي يكون (صريحاً) معنا قد لا يمشي على قدميه قبل مرور شهرين من الزمن.

بدأ بعد ذلك إنعاش ثائر من التخدير العام بعد عملية القدم، ودخلت زوجته إلى غرفة العمليات (عنوة) وكان الطبيب يقول له ارفع يدك فرفعها كدليل على سلامة جملته العصبية وبدء الصحوة، ولكنه كان يتنفس بصعوبة، وهنا بدأت الأمور تأخذ منحى آخر، هناك مشكلة في الصدر وهذا يحتاج إلى تفجير صدر، ووصفوا لنا الأمر بأنه ليس خطيراً وغالباً ما يضطرون إليه في حوادث السيارات، وطلبوا منا إحضار أكياس دم، قضينا وقتاً طويلاً ننتقل من مشفى الرحمة وبنك الدم، وفي كل مرة يطلبون المزيد من الدم والبلازما وفي بنك الدم يقولون إنهم لا يستطيعون إعطاءنا إلا كمية محدودة والأمر يحتاج إلى متبرعين.

بعد ذلك أخبرونا في المشفى بأن الأمر يحتاج إلى جراحة صدر وهم استعانوا بجراح صدرية وجراح أوعية لكن الأمر يحتاج أيضاً إلى جراح قلبية، لقد بدأت الأمور تأخذ منحى خطيراً ومقلقاً.

وليتصور الجميع ما شعورنا ونحن نرى هذا الشاب العزيز يموت بين أيدينا ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، لم نترك مشفى خاصاً أو عاماً أو طبيباً جراحاً في بيته إلا واتصلنا به لم يجب أحد، نسأل مقاسم المشافي الخاصة عن أرقام منازل أو خليوي بعض الجراحين لا يعطونا نتيجة.. مع أننا شرحنا لهم القصة، الطامة الكبرى أن مقاسم المشافي الحكومية المتخصصة بجراحة القلب لم تجب رغم عشرات الاتصالات، ترى ماذا يفعلون أليس هناك تحسب لأي طارئ، ألم يفكروا في أن من يتصل في هذا الوقت المتأخر إنما يتصل لأمر هام وقضية حياة وموت، ألم يدرك عامل مقسم وزارة الصحة الذي طلبت منه رقم الدكتور / زكي سكر/ في المنزل كي أستنجد به ـ كونه صديقاً قديماً ـ لكنه رفض بشدة وطلب مني أن أتصل بمقسم المشفى ليعطوني إياه، ولا أخفيكم لقد توسلت إليه مراراً لكن دون جدوى.

مضت ساعتان في بحث محموم عن جراح قلبية دون جدوى، حاولت أن أذهب إلى أحد المشافي الحكومية لإحضار الجراح المناوب ولكن في الطريق اتصلت بالمشفى فقالوا لي إنهم وجدوا الدكتور طلال فارس وهو الآن يتكلم مع غرفة العمليات، قفلت راجعاً بانتظار قدوم جراح القلبية لإنقاذه، طال انتظارنا على باب غرفة العمليات والوجوه تنبئ بأن الأمور ليست بخير، قرابة الخامسة والربع صباحاً يعطيني عامل الاستقبال في المشفى سماعة الهاتف، يسألني الشخص الذي يتكلم من أنت بالنسبة لثائر، قلت له أنا صديقه، قال لي أنا الطبيب فلان كنت في غرفة العمليات والآن أكلمك من المنزل لا تتعبوا أنفسكم بالاتصال بأحد لقد مات ثائر. يا لحماقة الكلمات، عملية جراحية وتخدير عام ثلاث ساعات من أجل قدمه وأخيراً يموت بمشكلة في قلبه، سبع ساعات المجموع وكان يمكن تركيب قلب جديد.

يحاول الجراح في غرفة العمليات أن يشرح لي أنه عمل ما بوسعه وأنه استدعي متأخراً وأنه عمل باختصاصه واختصاص غيره، لكن دون جدوى.. تنظر زوجته في عيني المرتبكتين فتقول لي: (موتوه,, موتوا ثائر.. ما كان في شي).

ويمضي ثائر إلى العالم الآخر ونبدأ بمراسيم جديدة، نخبر أهله وأصدقاءه ونقوم بالإجراءات المطلوبة وينشب قبيل التشييع جدال حاد حول الادعاء على المشفى بسبب الإهمال والتقصير أم لا، أمر لم يحسم، لكن هناك قاضياً وأطباء شرعيين ولجنة خبرة سباعية وتحقيقاً مع الأطباء وتحفظاً على الأوراق وتقارير وصوراً شعاعية بانتظار حسم جدل حيث أعربنا عن ثقتنا بأن القاضي واللجنة الطبية سيحكمان ضمائرهما لقول الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه.

حاولت أن أروي دون كثير تعليق ما جرى في تلك الليلة المشؤومة.. أترك للقارئ وللمهتمين أن يستفيدوا مما ذكرت كي يكونوا صورة حقيقية عما جرى..

ولكن في قلبي غصة كبيرة تقول: كان يمكن إنقاذه ؟!

 برقيات عاجلة

وزير الصحة ـ وزير التعليم العالي ـ نقيب الأطباء ـ مدير عام مركز جراحة القلب ـ مدير عام مركز الباسل لجراحة القلب.

مات ثائر سلوم، شاب لامع وهو في الخامسة والثلاثين، ألم ينتبه أحد إلى مشكلة بسيطة في صدره إثر الحادث تفاقمت مع مضي الوقت والتخدير العام ؟ وعندما احتجنا إلى جراح قلبية في عاصمة سورية دمشق لم يرد علينا أحد، حتى مقاسم المشافي العامة، وحتى منازل وموبايلات العديد من الجراحين.

محافظ دمشق:

مات ثائر سلوم لأنه حاول أن يتفادى دهس صبي من المتنزهين على جانبي المتحلق، أليس هناك وسيلة لحماية الناس والسائقين من هذا العبور القسري، أليست هناك وسيلة لتأمين متنزه للناس لا يودي بحياة أحد ما ؟

زوجة الصديق ثائر:

لقد كان ثائر مثالاً للشباب الواعي المثقف المندفع، كان مثالاً ناجحاً، ترك لك ولدين رائعين وإرثاً عظيماً يجدر الحفاظ عليه وأن تربي ولديه ليفخرا به وليكونا مثله.

عن البعث السورية

2 / 6 / 2003   

السابق

 

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ