صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الاثنين 19 - 01 - 2004م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

هل يمكن تفصيل الديموقراطية؟

بقلم: عمر كوش* 

الإدارة الأميركية تبحث في المنطقة العربية

عن تحقيق مصالحها، وليس عن تحقيق الديموقراطية، ولكن

هذا لا يعني اننا نتوقف عن الدعوى الى الديمقراطية.

تثار في أيامنا هذه أسئلة عديدة عن المعيار الذي تعتمده الإدارة الأميركية للشروع في تطبيق الديموقراطية المنشودة في العراق، حيث يفهم من تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين أن دعواهم الديموقراطية مشروطة، وتشبه الى حد كبير باقي دعوات الأنظمة الشمولية. إذ يستنتج بعض المهتمين بهذا الشأن من المعيار الأميركي المتبع إمكانية التنصل من الديمقراطية، إن لم تضمن سلطات الاحتلال الأميركي وصول من تريدهم مقاليد الحكم في العراق. ودلالة هذا التنصل هو تقاطعه مع تنصل العديد من الأنظمة العربية التي ترى أن الوقت الراهن ليس مناسباً للشروع في التغييرات الديموقراطية في بلدانها، حيث يتحدث صانعو خطاب الأنظمة الحاكمة العربية عن ماهية "الديموقراطية المطلوبة" لبلداننا، معربين عن استهجانهم للدعوات المنادية بتطبيق الديموقراطية في وقتنا الراهن، ويرفضونها بدعوى أننا لا نريد "ديموقرطية الغرب". فالديموقراطية وفق معي! اريتهم "مستوردة"، ويفضلون "ديموقراطيتهم" المشروطة، لتي تبتعد في الواقع كل البعد عن مركبات وحمولات مفهوم الديموقراطية.

لا شك أن هذا الخطاب يضمر شيئاً مغايراً للديموقراطية، ويسكت عن أشياء كثيرة، فضلاً عن أن مقولة "ديموقراطية الغرب" مضللة، إذ لا يمكن تفصيل ديموقراطية للغرب وأخرى للشرق، وربما ثالثة للشمال، ورابعة للجنوب.. إلخ.

ويمكن القول إن أقلمة الديموقراطية قد تختلف من اقليم الى آخر، على أن نفهم الاقليم ليس بوصفه جغرافيا فقط، بل بشراً ومحيطاً وبيئة مكتنفة. فالديموقراطية في الهند لها مركباتها وحمولاتها وتحققاتها المختلفة عن الديموقراطية في فرنسا مثلاً، لكن لا يمكن وصف أي نظام شمولي، في وقتنا الراهن، بأنه نظام ديموقراطي، إذ لا يمكن أن تكون هنالك ديموقراطية في ظل استئثار الحزب الحاكم بالسلطة، أو في ظل قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، بل ولا يمكن تحقيق المواطنية في ظل مثل هذه الأحكام.

إن مفهوم الديموقراطية، مثله مثل بقية المفاهيم الفلسفية، خضع لتغيرات وأقلمات عديدة، ومتغايرة. مع أن كلمة الديموقراطية ظهرت، ربما لأول مرة في اثينا اليونان القديمة، وعنت وقتها حكم الشعب. حيث كانت الأنظمة تصنف وفق تصنيفات ثلاثة، أولها حكم الفرد الواحد، أو النظام الملكي، وثانيها حكم بعض الأفراد، أو النظام الأرستقراطي، وثالثها حكم الكثير من الأفراد، أو النظام الديموقراطي.

ثم تغايرت حياة هذا المفهوم، حين جرت محاولات وأده في العصور الوسطى، ولم تتجدد عملية إعادة أقلمته في العصر الحديث إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبالتحديد مع أنوار الثورة الفرنسية، حيث يمكن اعتبار كتاب "العقد الاجتماعي" لـ"جان روسو" بمثابة البناء النظري الحديث للنظام الديموقراطي وسيادة الشعب.

وكان هدف روسو ـ وقتئذٍ ـ وضع حد لديكتاتورية ملوك فرنسا وأوروبا الذين كانوا يزعمون أنهم يمثلون ظل الله على الأرض. وطالب بأن تكون السيادة للشعب، عبر انتخابه لممثليه الذين يحكمونه من خلال القوانين العامة المجمع عليها، وعليه فإن أقلمة الديموقراطية في العصر الحديث، عنت انتقال مشروعية الحكم من القمة الى القاعدة، ومن فرد واحد الى كافة أفراد الشعب.

إن الديموقراطية ممارسة وإبداع يومي، تتكفل مختلف عناصره تخفيف الضرر الناجم عن تكليف قطاع واسع من الناس لممثلين منهم بإدارة شؤونهم خلال فترة معينة من الزمن. والشعوب كالأفراد لا تتعلم إلا من تجاربها الناجحة والفاشلة، وأضمن وسيلة للتعلم هو الشروع في التعلم باكراً. مع أن الديموقراطية لا يمكن تصورها من دون جملة المفاهيم المرتبطة بها، كالمواطنة وحقوق الإنسان واستقلال القضاء وحرية الرأي والتعبير، والتداول السلمي للسلطة وغير ذلك.

وعليه فإن التعامل مع الديموقراطية، ينطلق من اعتبارها منظومة تاريخية في طور التجريب، وعلى المهتمين بالشأن العام المشاركة في تطويرها. ذلك أن الديموقراطية هي مشروع سياسي، يهدف الى تجسيد المساواة والعدالة والحرية والكرامة والسلم التي يريدها لتسود في المجتمع، وتتحكم في مناحيه، ولها آليات معينة ومحددة تماماً.

اليوم، وبعد سقوط بغداد، جاءت الحملة العدوانية الأميركية لتخطف الدعوى الملحة عربياً في التغيير الديموقراطي، وأضحى دعاة تأييد الحاضر، يستخدمون الاستيلاء الأميركي لدعوى التغيير كذريعة للوقوف ضد أي صوت ينادي بالتغيير أو الاصلاح، وصار التمترس حول الأنظمة القائمة جزءاً من "المصلحة الوطنية العليا"!

ومع القناعة بأن الإدارة الأميركية تبحث في المنطقة العربية عن تحققات مصالحها، وليس عن تحقق الديموقراطية، فإن حراس الأنظمة الحاكمة، القدماء منهم والجدد، يحاولون تصوير أي تحرك في الاصلاح السياسي عربياً، مجرد تماهي مع الرغبة الأميركية، أو مساندة لها في تحقيق طموحات الامبراطورية الأميركية بشكل أو بآخر، وفي هذا تضليل شديد.

إن السياسة الأميركية في منطقتنا العربية لا تمتلك أي صدقية، فهي لم تكن عادلة، أو حتى محايدة، تجاه القضايا العربية، وهي تحاول اليوم تغيير خارطة منطقتنا العربية، بما يتماشى وتحقيق نزوعها الامبراطوري، ويخدم استراتيجيتها في الهيمنة والسيطرة. وكلنا يتذكر العديد من الشواهد في بلداننا العربية، خلال الربع الأخير من القرن العشرين المنصرم، حين كانت القوى السياسية الحية تطالب بالديموقراطية وبالاصلاح الداخلي وبتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم، وكانت تضحي من أجل ذلك وتواجه القيود والسجون والحصار، فإن السياسة الأميركية لم تكن تعير هذه الأمور أدنى انتباه، بل كانت تدعم الأنظمة الحاكمة القائمة بكل سياساتها الشمولية والاستبدادية، باعتبارها كانت تشكل ـ في ذلك الوقت ـ رصيداً للنفوذ والاستراتيجية الأميركية في المنطقة العربية.

* كاتب سوري

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ