صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 12 - 10 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

ضد أوروبا المتحدة

من مجلة ويكلي ستاندرد  ، عدد 22 أيلول 2003

إن دولة عظمى جديدة قد لا تكون موضع اهتمام الأوروبيين ، هي بالتأكيد ليست موضع اهتمام أميركا .

بقلم جيرارد بيكر ، الزميل المحرر في الفاينانشال تايمز.

ــــــــــــــــــــــــ

مقدمة المترجم : 

أود التنويه إلى أن مجلة ويكلي ستاندرد هي لسان حال الطغمة اليمينية المتصهينة المتطرفة الحاكمة في الولايات المتحدة ؛ أمثال وولفويتز وريتشارد بيرل و جون بولتون وكوندوليزا رايس ودونالد رامسفيلد وديك تشيني وبوش الصغير .وهذه الطغمة والأقلام المعبرة عن توجهاتها ومخططاتها ينظمها خط إيديولوجي واجتماعي رجعي محافظ  : من أهم تجلياته قيام حركة الواسب W.A.S.P. أي حركة التجمع الأبيض الأنجلوسكسوني البروتستانتي ، ورموز فكرية لا تقتصر على زبيجنو بريجنسكي وصموئيل هتنغتون وفوكوياما ولويس باول ، القاضي في المحكمة الفيدرالية العليا ، . . . بل تتعداها إلى جذر فلسفي يجسده الفيلسوف الألماني ليو شتراوس ، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في نهاية ثلاثينات القرن الماضي والذي دعا إلى رفض النسبية الأخلاقية والانتقال إلى الغطرسة الدوغمائية والإمبريالية المتحررة من كل قيد : " لقد آن الأوان للتخلي عن الفكر الرخو والتمسك بالفكر الصلب . لقد صدرت لنا فرنسا ، موجة أثر موجة ، الخلل والميوعة الفكرية والأخلاقية ، ولقد آن الأوان لدفن هذه النفايات في مقابر جماعية ".

وحول مفهوم الديموقراطية لدى هذه الطغمة والجذر الفكري لما تم من انتهاكات خطيرة للديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان حتى داخل الولايات المتحدة نفسها بذريعة أحداث 11 أيلول ، فنجد أوضح تعبير عنها ما يدعو إليه هتنغتون : " ليست الديموقراطية في حاجة إلى مشاركة الكل ، بل على العكس ، إلى التخلي عن الدينامية المفرطة ، وكما توجد حدود للنمو الاقتصادي الناجح ، فكذلك هناك حدود للديموقراطية السياسية الناجحة لا يجوز تجاوزها ، وأمام مخاطر تصاعد الديموقراطية المفرطة مثل الاستهتار بشرعية السلطة وتفسخ المصالح الجماعية ، لا بد من القبول بنظام مراقبة ، وتحقيق التوازن بين السلطة وحقوق المواطنين " .

والمآل قيام إمبراطورية شر جديدة من وسائلها : عولمة الليبرالية المتوحشة ، عسكرة الديموقراطية  ، تضخم ميزانية وزارة الدفاع البنتاجون ، رفض الأمم المتحدة ، عدم الاعتراف بالتحالفات غير الملزمة  ، اعتبار العدو تجسيدا للشر   ( بلدان محور الشر والدول المارقة ) ، شرعنة التدخل العسكري والضربات الإستباقية ، إحياء سباق التسلح وحماية الولايات المتحدة بشبكة صواريخ مضادة للصواريخ ، مراقبة ومنع وإجهاض أي بروز لقطب عالمي جديد قد يحد من طموحات الكاوبوي المنفلت من أي قيود شرعية أو أخلاقية أو إنسانية .

والمقال التالي يندرج ضمن هذا السياق المعبر عن درجة الحقد والمغالاة والاستهتار بالشعوب .

ليس فقط ضد أمتنا العربية وأمانيها المشروعة  في الوحدة ؛ حيث أصبحت حتى الكيانات القطرية موضع استهداف من مشروع الشر الأمريكي الصهيوني .وليس ضد شعوب العالم الثالث أو الثاني فحسب .

بل ضد شعوب العالم الأول ، الجناح الآخر للأطلسي ؛ ضد أوروبا تراجع نفسها في مسائل حقوق الإنسان والشعوب وحوار الحضارات والنزوع العقلاني نحو عالم أقل ظلماً وعنصرية واستغلالاً واتساخاً!

محمد ديب كور/ حلب

ــــــــــــــــــــــــ

لم تكن أمريكا البلد الوحيد الذي يحاول ببطء بناء أمة في هذا الصيف المضطرب .فبينما تصارع قوات الولايات المتحدة ودبلوماسيو الأمم المتحدة العصاة في شوارع وصحارى العراق ، فإن السياسيين الأوروبيين والبيروقراطيين ، في الأماكن الأقل إثارة للاهتمام في مطاعم بروكسل وفيلاتها البروفانسية ، كانوا يضعون اللمسات النهائية لمشروع قد يبرهن على أنه هام بقدر أهمية تحرير بغداد .

في الشهر القادم ، سيحاول الأوروبيون التخلص مما تبقى من معارضة للدستور الجديد المقترح للاتحاد الأوروبي ، وهو أول تصنيف قانوني من نوعه لسلطة شرعية عليا للأعضاء الـ15 الحاليين والذين سيصبحون قريباً 25 عضواً .

في جهد واع ، ولمدة عامين ، ومحاكاة لعمل آباء أمريكا المؤسسين ، فإن الأوروبيين المتعهدين بذلك ، تحت قيادة فاليري جيسكار ديستان ، الرئيس الفرنسي السابق ، كانوا منهمكين في عمل ميثاق دستوري لصياغة الوثيقة  التي ستؤسس لعلاقة جديدة بين أممهم .

في حزيران القادم فإن هؤلاء الخلفاء المزعومين لجيمس ماديسون وألكسندر هاملتون قد أنتجوا مسودة دستور تهدف إلى بناء فعلي للمؤسسات القاعدية لدولة عظمة أوروبية واحدة . في تشرين الأول ، فإن أعضاء الحكومات سيعقدون اجتماعاً مطولاً قبيل اتخاذ القرار في المصادقة على الوثيقة .

بالطبع ، بالنسبة للناخبين المتشككين في البلدان الأعضاء ، فإن الاتحاديين ينكرون بشدة أنهم يبنون أوروبا أممية .

يقولون : إنها مجرد ممارسة منهجية ؛ لقد أبطل القانون الأوروبي لتوه القوانين الفردية للأمم الأوروبية في عدد من الحقول ، القانون الجديد ببساطة يقر بذلك في وثيقة واحدة .

انه مجرد تحايل شرعي . إن مسودة دستور الاتحاد الأوروبي – على امتداد الألف صفحة ( تخيل تلك المناقشات في فيلادلفيا ) – تحفظ قدسية قانونية لعلم واحد ، ونشيد واحد ، وشعار واحد ، وعملة واحدة للاتحاد .بدلالة أقل ولكن بمغزى أكبر فإنه يحدث أيضاً منصب رئيس واحد يحل محل التنظيم الراهن حيث تدور الرئاسة على الدول الأعضاء كل ستة أشهر ، إضافة إلى وزير خارجية واحد يدير سياسة خارجية واحدة . انه يؤسس لساحات واسعة من القانون الأوروبي حيث تتخلى الدول–الأمم عن السيادة الشرعية العليا لصالح محاكم الاتحاد الأوروبي . وينشئ  " ميثاقاً   للحقوق الأساسية " يتضمن لائحة طويلة مماثلة لتلك الحريات الإنسانية الأساسية كحرية تمثيل المجالس العمالية -  مفكراَ بميثاق الحقوق في زي اشتراكي . في الواقع فإن القصد الحقيقي لهؤلاء الآباء المؤسسين قد بان من خلال اقتراحهم الأصلي مباشرة عند مستهل الدستور المقترح – بأن يعيدوا تسمية الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة الأوروبية U.S.E .

ليست كل الحكومات سعيدة بهذه الأخبار – إن لقب U.S.E لم يصمد ، وواضعو مسودة الدستور قد يضطروا لإسقاط بعض من مقترحاتهم الطموحة . ولكن هذه ستكون مجرد تراجعات تكتيكية . هذا الأسبوع ، حتى حكومة طوني بلير البريطانية أوضحت أنها ستقبل بالمبادئ الأساسية . من المتوقع المصادقة على الدستور في لقاء قمة يعقد بروما في كانون الأول وبعد ذلك تقره الدول الأعضاء . وبنهاية عام 2005 ، فإن دستور الاتحاد الأوروبي سينضم إلى    اليورو- عملة أوروبا الواحدة ، والتي انطلقت منذ أربع سنوات – كدعامة مركزية لدولة أوروبية بازغة . يمكن للأمريكيين أن يعذروا لتثاؤبهم أمام تلك التطورات في القارة العجوز . إن المداولات والتشاور الداخلي للجان بروكسل قد ترسل معظم الأوروبيين المعنيين للنوم ، ناهيك عن الأمريكيين . ولكن حتى أولئك الأمريكيين الذين يدفع لهم لمتابعة ما يهم به الأوروبيون – في وزارة الخارجية ، في اللجان المتخصصة في واشنطن ، وفي البيت الأبيض – لا يبدون مندفعين للعمل على نحو ملائم . يقولون إن الاتحاد الأوروبي الجديد الذي ولد ليس مدعاة لقلق الولايات المتحدة ، في الواقع إن الرئيس بوش نزولاً للمسؤولين الآخرين في الولايات المتحدة غالباً ما يكررون اللازمة القديمة بأن التكامل الأوروبي سيجلب منافع غير مسبوقة للولايات المتحدة .

الهنري كيسنجريون المقبلون سوف لن يشكون مطلقاً بخصوص الشخص الذي عليهم الاتصال به عندما يريدون التحدث لأوروبا .

إذا كان هذا الرضا الذاتي قد أصبح سياسة رسمية للولايات المتحدة ، فإنه سيكون عملاً أحمقاً من مرتبة عليا . ينبغي أن تكون أحداث العام الماضي قد أظهرت المخاطر الكامنة في أوروبا المتحدة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية .

إن أوروبا الجديدة قيد الصنع ليست أوروبا الجديدة التي حياها دونالد رامسفيلد في التحضير لحرب العراق – تحالف من الأمم الأطلسية مثل بريطانيا ، أسبانيا ، ودول أوروبا الشرقية الشيوعية سابقاً . إنها من المرجح أن تحمل تشابهاً أكبر لأوروبا قديمة من الطراز الديغولي ، معرفة على أنها تكرس نفسها كقوة موازية للولايات المتحدة ؛ حيث يبدو جاك شيراك وجيرهارد شرويدر الموجهين الرئيسين لاتجاهها السياسي .

اهدؤوا ، يقول أنصار أوروبا في أميركا . فهناك أسباب عديدة تبين لماذا لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقلق لتلك الأحداث عبر الأطلسي . بالنسبة للمبتدئين هناك المحاجة " إنها لن تحدث مطلقاً ؛ إذا لماذا القلق ؟ "

كائناً ما كانت طموحات أنصار الدولة العظمى الديغوليين في قلب أوروبا ، ألم تكشف أحداث هذا العام على أن القارة ببساطة منقسمة إلى حد لا يسمح لها بامتلاك هوية سياسية خارجية أوروبية ذات معنى ؟

إنها لمسألة أكيدة أن منظور أوروبا واحدة يعاني من انتكاسة . بالنظر إلى انقسامهم الخطير بشأن العراق فإن الأوروبيين قد أمضوا معظم الصيف مضيفين بعض الانقسامات التافهة والمسلية . في الشهر الماضي اندلع نزاع صبياني أخرق ما بين ايطاليا وألمانيا حول خطاب لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرليسكوني موجه للبرلمان الأوروبي ؛ حيث تبودلت شتائم مثل " عضو مافيا " و " نازي " وانفض النزاع بإلغاء المستشار الألماني لمخططه في قضاء عطلة في ايطاليا . تجري عميقاً مثلا تلك العداوات ؛ لذا من بمقدوره أن يخشى من أوروبا متحدة ؟

ولكن النخب السياسية الأوروبية قد برهنت مرة تلو الأخرى أنه بالرغم من معاناة المشروع الأوروبي للتمايزات القومية ، إلا أنه يمضي قدماً في الواقع . إنها عادة في اللحظات التي تبدو فيها أوروبة منقسمة على نفسها يتم اتخاذ الخطوات الكبرى باتجاه الوحدة وغالباً في وجه معارضة الرأي العام . إن الاستراتيجيين الأوروبيين هم على دراية حيوية بنظرية الدراجة الهوائية – إذا لم تحافظ على التحرك للأمام فسوف تقع وهم ليس لديهم النية البتة في أن يقعوا .

في عام 1993 ، عندما انهارت آلية معدلات الصرف الأوروبية ، التي أبقت العملات الأوروبية مرتبطة ببعضها البعض ، تحت وطأة الوقائع الاقتصادية ، فإن فكرة عملة واحدة ، والتي كانت الآلية المذكورة أعلاه سلفاً لها ، بدت هامدة . لاحظ جون ميجر ، رئيس الوزراء البريطاني بابتهاج بأن فكرة اليورو لها كل الصلة بـ "تراقص المطر ". وفي غضون ثلاث سنوات فقط أتى الطوفان ، ومخطط اليورو الجديد قد برز للعيان.                    

هناك دينامية قوية في قلب الاتحاد الأوروبي تغطي كامل العملية بقوة باتجاه مزيد من التكامل –وباتجاه نوع معين من هذا التكامل .إنها صفقة ما بين ألمانيا،البلد الأكثر فيدرالية،وفرنسا،التي تدعم الاتحاد الأوروبي بشروط فرنسية،وسوية مع بلدان أصغر مثل بلجيكا التي ترى فيه فرصة لتشق طريقاً أكبر من حجمها في الشؤون الدولية في حال اتحدت أوروبا.

هذه البلدان تندفع الآن للأمام بسياسة أمنية جنينية للاتحاد الأوروبي،متشكلة حول محور فرنسي-بلجيكي-ألماني.ولا يوجد أي حديث لفرنسا أو لألمانيا عن إعادة توجيه السياسة ما بعد حرب العراق نحو تعاون أطلسي.في الواقع إنهم يتبنون بشكل جدي فكرة جاك شيراك عن عالم جديد توازن أوروبا فيه الولايات المتحدة.

حسناً جداً،يقول المتشككون،ولكن بالتأكيد فإن العراق يظهر حسابات جديدة فعالة-واحدة مستساغة جوهرياً للولايات المتحدة.كائناً ما كانت أحلام الحلف الفرنسي-الألماني،فإن التكامل الأوروبي سيكون جيداً بالنسبة للأمريكيين لأنه،بفضل بريطانيا بلير،وأسبانيا جوز ماريا أزنار،ودخول بلدان أوروبا الشرقية العام القادم،فإن الاتحاد الأوروبي يتحرك في اتجاهنا .

هذه واحدة من الأساطير الأكثر خطورة ودواما حول أوروبا.واحدة تم تشجيعها للأسف من قبل رؤساء الوزارة البريطانيين المتعاقبين،بما فيهم بلير. فقط. لو تضع بريطانيا نفسها في "قلب أوروبا"-تقول الأسطورة-فإن بريطانيا ستقودها.هذا لم يحدث مطلقاً.وهذا نادراً ما يدهشنا.ليس مصادفة أن البلدان التي قاومت معظم التحركات الأوروبية نحو التكامل هي الأقل تأثيراً على أوروبا،وكما في الحياة،إذ تدفع تلعب؛فإن المحور الفرنسي-الألماني،سوية مع المقطوعين عن جذورهم،الناذرين أنفسهم للأوربة،الذين يشكلون البيروقراطية في بروكسل،سوف يربحون دائماً هذه اللعبة.

أما بالنسبة لدور الأعضاء الأوروبيين الشرقيين،فإن التفاؤل حول تأثيرهم ليس في محله.فبمجرد ما يصبحون داخل الاتحاد الأوروبي،والذي يتمتع بفعالية اقتصادية قوية على البلدان الصغيرة والفقيرة نسبياً،فإن الجذب المغناطيسي لبروكسل سيربك الجميع.

عندما عرضت الولايات المتحدة في نيسان على بولندا قاطعاً في العراق تسيطر عليه،فإن رد الفعل في أوروبا الرسمية جاء عنيفاً"لا يستطيع المرء أن يعهد بمحفظته لأوروبا وأمنه لأمريكا"-رومانو برودي،رئيس المفوضية الأوروبية،محذراً.

حسناً،يقول غير القلقين،ولكن ماذا بعد؟حتى لو أن اتحاداً أوروبياً جديداً تقبع بالغطاء الفرنسي الألماني،فهل هذا يهم حقاً؟كل أمريء يعرف،حسب تحليل روبرت كاجان،أن الأوروبيين هم من الناحية الإيديولوجية مرتبطون باتجاه جمعوي متردد،حيث أنهم في الحقيقة غير مهتمين بممارسة القوة.ما هو التأثير الممكن الذي تستطيعه أوروبا متحدة على مقدرة أمريكا في تنفيذ مقاصدها؟وكما عبر عن ذلك احد المحافظين"لماذا نقلق من 10000 فانيسا ردجرافز يغذّن الخطى عبر باريس؟"

هذا الجدال عن أوروبا ذو اتجاه جمعوي معتدل يقول نصف الحقيقة.إن الجهود الملحة والمتزايدة للاتحاد الأوروبي ليحول نفسه إلى دولة واحدة تعبر عن خداع أصلي في المشروع الأوروبي.الأوروبيون ليسوا من أصحاب الاتجاه الجمعوي.على العكس،هم يريدون أن يحولوا أوروبا من مؤسسة بين حكومات إلى أمة واحدة-بقوة حقيقية.صحيح أنه حتى الفرنسيين ليس لديهم مخطط كبير لمواجهة الولايات المتحدة بنوع من صراع جديد للقوى العظمى؛ولكن هذا يضيع النقطة الأساسية.إن الاتجاه الجمعوي الذي يؤمنون به هو الذي يتيح لمؤسساتهم أن تكبح قوة الولايات المتحدة.

فكّروا في الاتحاد الأوروبي ليس كقوة عظمى ولكن كنوع من قوة تصيد،والتي تلتقط باستمرار أجزاءً من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية حول العالم.لقد خلقت ما يكفي من الصعاب لحرب العراق؛وهي تستطيع جعل الحياة في عراق ما بعد صدام أكثر صعوبة أمام الولايات المتحدة.إنها تستطيع التسبب بكثير من الأذى في كل زوايا المعمورة.تخيلوا أوروبا متحدة تقتفي بشكل عدواني خطاً أحادياً ضد الولايات المتحدة أو مجالس الناتو.أو ترمي بثقلها الاقتصادي حول أمريكا اللاتينية أو أفريقيا.

 وأحد الأهداف الأخرى لسياسة الولايات المتحدة0بعيدة المدى يمكنه أيضا جعل الإرباك الأوروبي أكثر من مجرد عرقلة للولايات المتحدة.فمن إحدى بديهيات السياسة الأمريكية ومنذ وقت طويل،أنه يتوجب على أوروبا أن تطور لنفسها قدرات عسكرية-قدرات حقيقية تمكن أوروبا من القتال في حروب ساخنة في أماكن صعبة لتحمل بعض العبء عن كاهل الأمريكيين.وهذه أيضا سياسة مشكوك بها.إذا طورت أوروبا المتحدة حقاً قدرات متزايدة،فإنه من غير المعقول أنها لن تطالب بكلمة اكبر في صنع القرارات المتعلقة بالأزمات العالمية الجديدة.

وأخيرا،هناك من يقبل بكل تلك المقدمات،ولكنهم ما زالوا يقولون،ما الذي تستطيعه الولايات المتحدة حيال ذلك؟

إن تدخل الولايات المتحدة في نقاش خاص لن يفيد-ومن المرجح أن يجعل الأمور أكثر سؤاً.إن الشيء الوحيد الذي سيجعل الأوروبيين أكثر تصميماً على المضي قدماً في مشروعهم هو فكرة أن الولايات المتحدة ستحاول إيقافه.

ولكن هذا لا يعني أن واشنطن ضعيفة.إنها تستطيع عمل الكثير من الأشياء المفيدة.قبل أي شيء يمكنها إيقاف تداول الفكرة البالية من زمن الحرب الباردة ومفادها أن أوروبا متكاملة هي في صلب اهتمامات الولايات المتحدة.هل يستطيع احد الآن أن يعتقد بشكل جدي أن سياسة خارجية واحدة للاتحاد الأوروبي ستكون أكثر نفعاً للولايات المتحدة من سياسة بريطانية، بولونية، وأسبانية؟

ثانياً،عليها تقوية روابطها العسكرية والسياسية مع الأوروبيين الشرقيين.ناقلة قواتها خارج ألمانيا إلى بلغاريا،رومانيا،وربما بلدان أخرى ذات تحرك نشط،كما هو الحال مع تقديم دور طليعي للبولونيين في عراق ما بعد الحرب.

ثالثاً،عليها أن تهدأ من حماستها لتطوير قدرات عسكرية أوروبية أقوى.إن الخطط الفرنسية-الألمانية-البلجيكية-اللوكسمبورجية بشأن نواة تحالف عسكري للاتحاد الأوروبي  يمكننا بسهولة أن نضحك منها ساخرين.ولكن في هذه الأوقات الاختبارية،ينبغي للولايات المتحدة أن تكون على درجة عالية من التحرص من وجود هوية أوروبية منفصلة داخل الناتو.

رابعاً،عليها إن تعارض أية خطط لتغيير عضوية المؤسسات الجمعية لكي تعكس هوية أوروبية واحدة.ينبغي إن لا يكون هناك أي حديث عن مقعد لأوروبا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،أو إنشاء مجموعة الولايات المتحدة-اليابان-أوروبا الثلاثية في الاقتصاد العالمي لتحل محل  G7 (السبعة الكبار-م).

خامساً،عليها الإحجام عن عمل أي شيء قد يساعد على الدفع ببريطانيا للدخول في اليورو.ما من شيء يمثل خطوة مصيرية حاسمة نحو التكامل الأوروبي قدر انضمام بريطانيا لهذا المشروع سيء الطالع.بعض الرسميين الأمريكيين يجادلون أحيانا بأن عضوية المملكة المتحدة في العملة الموحدة سيساعد الأعمال التجارية الأمريكية.هناك بالكاد برهان على ذلك،والزخم الذي سيعطيه مثل هكذا قرار بريطاني للدولة الأوروبية العظمى ليس موضع مبالغة.

وفي الختام،على صانعي سياسة الولايات المتحدة إن يعرفوا إن اكبر تهديد يواجه الولايات المتحدة من الطموحات الأوروبية يأتي من داخل أوروبا.معظم الأوروبيين العاديين هم مشدوهين من السلطة التي أعطيت لبروكسل.إن دينامية التكامل الأوروبي ليست شعبية،ولكنها موجهة من قبل النخب السياسية،ويوجد الآن أدلة على تصاعد القلق بين الرأي العام.فاليورو،والذي هو أكبر قفزة نحو الدولة الأوروبية-والسياسات المالية والعملاتية المطلوبة لتشغيله-تتسبب بضغوط حقيقية على الأوروبيين.

هناك مؤشرات على قلق سياسي متزايد-على تنامي مزاج شعبي من الشعور بالحرمان من الامتيازات،ومع دعم  متصاعد للأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا،ايطاليا،ألمانيا وحتى بريطانيا،حيث أن المقترعين يتفاعلون بنزق تجاه الفجوة التي تتسع ما بين المؤسسات الحاكمة والمحكومين.في السنوات الثلاث المنصرمة،فإن الناخبين في ايرلندا والدانمرك قد رفضوا خطط التكامل الأوروبي الفخمة في الاستفتاءات.

واستطلاعات الرأي التي تجري بخصوص استفتاء 14 أيلول بالسويد في مسألة الانضمام إلى اليورو تشير إلى إن السويديين قد يوجهون تعنيفاً آخراً لدعاة اليورو.

ولكن لا يزال المبدعون الأوروبيون يضغطون،مثابرين على نقل السلطة من المتحدات والمناطق والأمم لصالح الأمة العظمى في بروكسل.

إنها لفي منتهى السخرية؛الأوروبيون يرون أنفسهم كتوماس جيفرسون وجورج واشنطن معاصرين،مبدعين دولة جديدة وقوة قارية عالمية.ولكنهم أقرب في روحيتهم إلى جورج الثالث والجنرال كورنواليس-فارضين سلطة منعزلة ومرهقة وغير ديمقراطية البتة على شعب متردد.إن مخاطر الاستقرار في أوروبا جلية.ولكن لم يفت الوقت أمام الولايات المتحدة للمساعدة في منع الدولة الأوروبية العظمى من أن تتجسد على ارض الواقع.السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ