ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 27/06/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مارتن كارتر و"قصائد مقاوِِمة" من غويانا البريطانية

تقديم وترجمة د. إبراهيم علوش

يعتبر مارتن ويلد كارتر Martin Wylde Carter أبرز شعراء المقاومة في جمهورية غويانا في أقصى شمال أمريكا اللاتينية (غويانا البريطانية حتى نالت استقلالها عام 1966)، وهي دولة صغيرة من مليون نسمة محاذية لجمهورية فنزويلا والبرازيل وسورينام تطل على البحر الكاريبي، لكنها تتميز عن فنزويلا وغيرها من البلدان في ذلك القسم من العالم في أن الإنكليزية لغتها الأولى... أما شعبها فخليط عرقي ترجع أصوله للهنود الذين جلبهم البريطانيون من شبه القارة الهندية، وهم أكبر أقلية في البلاد، وللأفارقة الذين جلبوا أيضاً ليعملوا في الإقطاعيات، وهم ثاني أكبر أقلية، وللهنود الأمريكيين وهم السكان الأصليين للمنطقة، ولأحفاد العمال الصينيين والأوروبيين (أساساً من بريطانيا وهولندا والبرتغال)  الذين جلبوا للعمل كأقنان في المستعمرة في القرن التاسع عشر...

الشاعر الغوياني مارتن ويلد كارتر يمثل هذا التعدد العرقي بجذوره المختلطة الهندية والأفريقية والأوروبية، وقد عاش سبعين عاماً من 1927 حتى 1997، نشر خلالها تسعة دواوين وكتابات أخرى، أولها عام 1951 وأخرها عام 1989... وهو يعتبر اليوم أحد أهم شعراء منطقة الكاريبي، رغم أنه لم يحصل على الشهرة العالمية التي يستحقها إلا حديثاً، أساساً لأنه كان يتجنب ترك بلاده.  وقد سبق أن قارنه بعض النقاد بكبار الشعراء مثل ياتس Yeats وبابلو نيرودا، وقد كان ناشطاً سياسياً بقدر ما كان شاعراً، كما صرح في إحدى مقابلاته بأنه لا يرى إمكانية فصل الشعر عن السياسية: "إذا كانت السياسة جزءاً من الحياة، فإننا نشارك بالسياسة، وإذا كان الموت جزءاً من الحياة، فإننا سوف نشارك بالموت، كفراشة لا تخاف من التحليق إلى زوال".

وقد جعل الشاعر كارتر من التحرر الوطني من الاستعمار البريطاني قضيته الأولى، لكنه كان أيضاً يساري النزعة ومناهضاً للتمييز العنصري، كما بات بعد التحرير مناضلاً من أجل الديموقراطية ومناهضاً لاستبداد الدولة المستقلة حديثاً... 

وفي عام 1954، بينما كان كارتر مسجوناً لأشهر بتهمة المشاركة في النشاطات المناهضة للاحتلال البريطاني، نشرت إحدى دور النشر البريطانية ديوانه الرابع "قصائد مقاومة" مما لفت نظر النقاد لقدراته الشعرية، ووضعه على الخارطة، خاصة أن الإنكليزية كانت لغته الأولى... وقبل سجنه، كان كارتر يعمل موظفاً حكومياً، وكان ينشر بعض قصائده الثورية في صحيفة "حزب الشعب التقدمي" المعارض باسم مزور هو "م. بلاك"، وبعد خروجه من السجن، عمل كارتر أستاذاً لسنوات، ثم موظفاً كبيراً في مصنع سكر بريطاني، ثم في الأمم المتحدة... وقد كانت فترة الخمسينات قمة عطائه في مجال الشعر الثوري، ويصعب التكهن متى بدأت التحولات لديه، بعدما أصبح مسؤولاً إعلامياً لمصنع السكر، وخروجه من "حزب الشعب التقدمي"، أم بعد الاستقلال عام 1966 عندما بات وزيراً للإعلام في حكومة حزب "مؤتمر الشعب الوطني" حتى عام 1971، وهي حكومة من الثابت الآن أنها كانت تتلقى دعماً وتمويلاً من وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومن الحكومة البريطانية، كجزء من إستراتيجية مواجهة كوبا وحركة التحرر الوطني في أمريكا الوسطى واللاتينية، كما يتبين من هذه الوثيقة الرسمية لفترة الستينات لوزارة الخارجية الأمريكية بعد أن ألغي تصنيفها السري مع تقادم الزمن:

http://www.guyana.org/govt/US-declassifed-documents-1964-1968. html

وخلال وجود كارتر في الوزارة، كتب أحد النقاد أن قصائده باتت "أقل تحدياً، أقل أملاً، وأقل حياة"...  كما بدأ يميل شعره للإنطوائية والنزعة الرمزية ومحاورة الذات، كما حدث مع أحد الشعراء الفلسطينيين، وفي عام 1970 كتب في إحدى قصائده: "الفم مكتوم بالطعام الذي يأكله ليعيش"!  (على الأقل كان ابن غويانا صادقاً مع نفسه في خنوعه للمذلة!)... وفي أواسط السبعينات، ذهب كارتر إلى بريطانيا ليدرِّس في جامعة أسكس Essex لمدة عام، عاد بعدها إلى موطنه ليبقى مدرساً وباحثاً في جامعة غويانا حتى مماته... لكنه في نهاية السبعينات ترك حزب المؤتمر الوطني الحاكم وانضم لحزب اشتراكي ديموقراطي معارض جديد هو "تحالف الشعب العامل"، وضُرب بقسوة في إحدى المظاهرات من قبل زعران حزب المؤتمر، حزبه السابق، وشهد قربه في مظاهرة أخرى، بعدها بعام، عملية طعن قائد سياسي للمعارضة...

ربما يكون كارتر قد عاد في نهاية السبعينات إلى صفوف المعارضة فعلاً، وربما تكون تلك معارضة "حسب المقاس"، الله أعلم... لكن شعره في الخمسينات يبقى ملكاً لمرحلة ثورية، وإرثاً لجيل التحرر الوطني من الاستعمار، في غويانا وخارجها، فالشعر الثوري لا يسقط بسقوط ناظمِه، والكلمة الثورية منارة لا تنطفئ بانطفاء من شيدها... والمبدأ لا يسقط بسقوط رموزه، ونحن مثلاً لا نسجل أننا عرب أو نكتشف هوية الروح لأن شاعراً لفظها، بل قالها الشاعر لأننا عرب نعرف بالحدس هوية الروح، ولذلك أترجم هنا "قصائد مقاومة" من العام 1954 ولا أترجم بالضرورة مارتن كارتر الذي كتبها، خاصةً أنه دخل عتبة الشهرة العالمية مع مجيء القرن الواحد والعشرين، وهو ما قد يسجل عليه لا له...

- قصيدة "موت رفيق" من ديوان "قصائد مقاومة":

الموت لا يجب أن يجدنا نموت.

قبل الأوان، قبل الأوان

رايتنا منثنية لك.

كم كنت أحب أن أرى

تلك الراية في الرياح

لا مقيدة بإحكام

في كسرة قرمزية

لا مخضلة مرتوية

بدموع شعبك

بل لامعة على السارية

نحملها محلقة

تحت وخلف صف الخرق الداكنة الداكنة

رفيقي العزيز

إذا كان لا بد...

أن لا تكلمني بعد الآن

وأن لا تبتسم لي بعد الآن،

إذن دعني استلهم صبراً ببعض سكينة

فالآن حتى الورقة الخضراء تتفجر،

الشمس تضيء الحجر،

والنهر يحترق.

الآن من الطليعة الراثية إذ تغذ الخطى

أحييك رفيقي العزيز وأقول:

الموت لن يجدنا نموت.

 

- قصيدة "أرفع قبضتي" من ديوان "قصائد مقاومة":

أرفع قبضتي...

وأنت تأتي بسفن حربية محملة بالموت

أعرف أن يديك حمراوتين من الدم الكوري

أعرف أن أصبعك يرتجف على الزناد

ومع ذلك ألعنك يا غريباً لابسَ الكاكي

أيها الجندي البريطاني، أيها الرجل بالكاكي،

انتبه كيف تسير

لأن جدي "أكابرَه" *

يئن في قبره

وفي الليل يستيقظ ويرقبك

والنار في عينيه

لأنك تسير على صدره

وتدوس قلبه.

مع أنك أتيت آلافاً عبر البحار،

مع أنك تسير كالجراد في الشارع،

مع أنك تصوب سلاحك رأساً إلى قلبي،

فإني أرفع قبضتي فوق الرأس، وأغني أغنية الحرية.

ــــــ

* "أكابرَه" كان أخر قادة ثورة العبيد في غويانا يلقى القبض عليه، وقد اشتهر برباطة جأشه وتماسكه عند وقوعه في الأسر (المترجم).

 

- قصيدة "في اليوم الرابع للإضراب عن الطعام" من ديوان "قصائد مقاوِمة":

لم آكل منذ أربعة أيام

رجلاي في ألم، ودمي ببطءٍ يسيل.

الليلة باردة... المطر صامت مفاجئ،

ومع ذلك ثمة شيء دافئ داخلي.

يضطجع قربي رفيق في فراشه يراقب الظلام.

الريح الباردة تسحب فوق العالم قشعريرة.

إنها ليلة عيد الميلاد، ليلة في كانون،

نرقب بعضنا البعض ونلحظ كيف يمر الزمن.

اليوم أحضرت لي زوجتي رسالة من رفيق.

خبأتها في صدري من الجنود

لن يعرفوا بأن قلبي كان يقرأ "شجاعة"!

لن يحلموا بأن جلدي كان يمس "نضال"!

لكن يا رفيقي الآن لا استطيع أن أكتب أبداً،

فرجلاي تؤلمانني، وعيناي تظلمان.

إنه اليوم الرابع للإضراب عن الطعام، ليلةٌ في كانون.

وأنا أقبض على رسالتك بإحكامٍ في يدي...

ــــــ

المصدر : العرب اليوم 16/6/2009

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ