ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/05/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


درويش ما بين التسوية والأنسنة

سوسن البرغوتي

كيف نستطيع أن نفصل بين مرحلتين في حياة الراحل درويش الشعرية؟ نمتدح نتاجات سابقة، ثم نجبّ ما جاء فيها وما دعا إليها درويش من واقع ما طرأ على قصيدته، وخروجه عن خط المقاومة بالكلمة!.

إن تكثيف مسيرة درويش، وبناءً على حقائق وأحداث وعلى ما قدمه في بعض قصائده ومواقفه، يضعنا أمام مرآة واضحة المعالم للشاعر والسياسي بآن.

أولاً- الشاعر كان عضوًا في الحزب الشيوعي "الإسرائيلي" (راكاح)، الذي لم يكن هدفه النضال ضد وجود الكيان واحتلاله للأرض الفلسطينية، وإنما للمطالبة بحد أدنى للحقوق الفلسطينية، كما اتضحت الصورة فيما بعد من خلال أنسنة العدو، حتى نتعرف على إنسانيتا!.

بتجرد وموضوعية، فإن محمود درويش منذ البداية، لم يناضل لإزالة الكيان الاستعماري من الوجود، وإنما استخدم ببراعة وإبداع شعري، أداة ووسيلة لغاية التعايش مع هذا (الغريب) وليس العدو!.

قصيدة (القربان)، خلط مفهوم الشهادة من أجل قضية وأرض ورسالة الشهيد، بآخر كقربان وكبش فداء مسلوب الإرادة لأجل جماعة وسلطة، عدا أن القصيدة بدت وكأنها كلمات متقاطعة ومتناقضة، وتصوير ملاحم أسطورية. ناهيك عن دعوته (ضعوا البنادق جانباً، ولنشرب فنجان قهوتكم)، فأجابه الشاعر عبد الكريم عبد الرحيم، على ما أذكر بقصيدة جنين (دمٌ على شفاهك، لا فنجان قهوتهم)!!! إلى أن صور الجندي المدجج بالسلاح، وقاتل البشر ومدمر الحجر، يحمل على ظهر دبابته، زنبقة بيضاء، كرمز للسلام! ... فأول عشق (ريتا) اليهودية، وآخر قصيدة (سيناريو جاهز)، يربط مصير الشعبين بحفرة قدرية واحدة.

ثانيًا- النقر على الوجدان العربي واستخدامه مصطلحات كالرمز وتوظيفها في مديح الظل العالي، ليصبح مستشارًا لعرفات فيما بعد، و(سجل.. أنا عربي) لتأجيج مشاعر الجماهير العربية في مرحلة ما أو نتيجة القمع والاضطهاد كونه عربيًا، تلت هذه المرحلة نزع ثوب المقاومة عن شعره، واكتفى بأنه شاعر الإنسانية. (هل يُلدغ المؤمن الواعي من جحر مرتين؟!)، الأولى بتبني الفكر التسووي مع الغريب - أي العدو-، وأخيرًا بإشهار استعطاف العدو بصك غفران عن التسجيل سابقًا بأنه عربي، وأنسنته..

ثالثًا- لماذا خرج من فلسطين المحتلة وقد لامه كثيرون وعلى رأسهم سميح القاسم؟، لا لأنه رفض الاحتلال أو التسوية مع الكيان الصهيوني، إنما للمشاركة في مؤسسات المنظمة بعد الانتهاء من مرحلة الثورة إلى مرحلة المؤسسات "الثورية"، كسياسي. لكن لماذا استقال الشاعر درويش من اللجنة التنفيذية في اليوم الثاني لتوقيع اتفاقية أوسلو؟، استقال لأنه لم يشارك بالمفاوضات وقتذاك، ولأنها لم ترقَ لأدنى الحقوق وتمس الهوية الفلسطينية – حسب رؤيته- !!!

وهنا تشكلت ملامح درويش بوضوح الشاعر الإنساني والسياسي التسووي في آن، وإلا ماذا تُفسَر مشاركته بصياغة وثيقة الاستقلال، والتي تعترف علنًا بـ"إسرائيل" إلى جانب د. إدوارد سعيد، وما معنى أن تُدرس قصائده في مدارس "إسرائيل" واعتمادها ضمن المنهج الدراسي، هل لأنه شاعر المقاومة الفلسطينية؟!!!.

رابعًا- شارك محمود درويش بتوقيع بيان في 2001 يطالب الحكومة اللبنانية بعدم انعقاد مؤتمر المراجعة التاريخية، لمنع التعرض "للمحرقة"، واعتبرها حدثًا مقدسًا، لا يستوجب إعادة التفكير فيه!.

وقع على بيان آخر في عام 2002 والمشهور بـ (بيان المثقفين)، إضافة إلى أربعة وعشرين مثقفًا فلسطينيًا(معظمهم يمثلون أوسلو)، يرجون فيه "المثقفين الإسرائيليين" مساندة الفلسطينيين. وقد تحدثوا باسم الفلسطينيين، كما جاء في البيان: "قد ارتضينا لأنفسنا العيش في خُمس فلسطين التاريخية وارتضينا لكم دولة في أربعة أخماسها".

فما قدمه محمود درويش من سيرة ذاتية، لا يجعلنا نتغاضى عن فساد "مناضلين" الفنادق الـ 5 نجوم وتطبيع الزنابق البيضاء والتسوية مع "إسرائيل"، ونعتبرها قضية فيها نظر. لا أبالغ إن قلت إن درويش من الأوائل المطبعين الفلسطينيين مع العدو، فقد أجرى حوارات مع مجموعة "إسرائيلية" في الثمانينيات بباريس برغبة وتشجيع عرفات، وكان لهذه الحوارات التأثير المباشر على اعتماد برنامج سياسة الواقعية الفلسطينية لاحقًا، والقبول بوجود الكيان كأمر واقع...

بالعودة إلى نتاج الشاعر محمود درويش كونه مبدعًا متألقًا، وإن قدم في الجدارية تجربة شعرية في السرد النثري واختراق الغيبيات بفرشاة أسنان وحقيبة سفر إلى عالم آخر "ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟"، وحسبه أنه ذكر في حالة حصار "قد متُّ قبل الآن"، أحبّ الحياة غدًا، متوجهًا إلى قاتله "لو تأملت وجه الضحية"، ليتناقض مرة أخرى ويُخيل له في هلوسات محمومة أن الجندي المدجج بالسلاح طفل يبكي أطلال بيته وسكنه، يحمل زنبقة بيضاء!.

إن الردّة التي أصابت فكر درويش منسجمة تمامًا مع ردّة أصابت ببلائها الكثير من الشعراء والأدباء على درب التطبيع. وفي كل الأحوال سقط الدعاة، وبقيت نصوصهم شاهدة على انحرافهم في مسيرتهم الأدبية سابقة التألق، ولو كانت مقدّمة على طبق وشعار زائف اسمه "الإنسانية"، على مذبح غسل المبادئ على الطريقة العولمية في أجواء ضبابية يرصده تسجيل حداثي لحماية حق المحتل بزرع الدمار وحصد الزنابق، وهو المعتدي والمغتصب.

إذا كانت سياسة بعضهم الدعوة إلى السلام والخروج من الضفة وغزة بناءً على إيمان حقيقي بضرورة التعايش السلمي، فليرحلوا إلى بلدانهم الأصلية، ولتعد فلسطين الكلّ لأهلها بتعدد مذاهبهم الدينية، فالدين ليس حكرًا على هذا الكيان الاستيطاني، وما أقاموه تحت مسمى "دولة" هو افتراء ووهم لاهوتي يقول كذبًا، بأن فلسطين أرض ميعادهم وتجمعهم، فهل يحق للأمريكي المسلم مثلاً إنشاء دولة أمريكية في مكة على أساس الدين بغض النظر عن عروبة الوطن العربي، وهل يُقبل من مسيحيي الوطن العربي تأسيس دولة لهم في إيطاليا كونها مركز البابوية، ألم يكن المسيح عليه السلام عربيًا!؟..

وأخيرًا، أين بعد هذا كله من نضال درويش ضد الاستعمار والصهيونية كشاعر وسياسي، أدان نفسه نادمًا على نظمه قصيدة عن الطفل الشهيد محمد الدرة، في مقابلة صحفية، تحدث فيها عن الرؤية الجديدة للشعر في كونيته الأممية، بعيدًا عن المباشرة والخوض في جزئيات إطارها السياسة والخبر اليومي، فقفز عن التفاصيل اليومية، إلى عالمية وهمية للهروب من الواقع ومتطلباته، في حين أن عظمة الأدب الإنساني تكمن في القدرة على تحويل الجزئي إلى فضاء الإنسانية الحقيقية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ