ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 16/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

قتلتْ أرضٌ جاهلَها

بقلم د. صلاح الدين النكدلي

أعلن المجلس التشريعي (البرلمان) في بلد أوروبي قراره بإباحة (الزواج المثلي) والتعاطي مع آثاره ، وبخاصة في المجال المالي . ومثل هذا القرار التشريعي المثير للجدل يحرك وسائل الإعلام ، فتتجه إلى أصحاب الرأي في المجتمع محاولة استطلاع آراء الموافقين والمعارضين .

ونظراً لوجود المسلمين النامي في أوروبا ، فإن إحدى محطات التلفزة التقت بإمام مسجد مشهور ، وسألته عن رأي الإسلام في زواج الرجل من رجل ، والمرأة من امرأة ؟ .

فأجاب الشيخ مؤكداً على المعاني الآتية :

إنّ الإسلام لا يبيح العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج المعروف ، أي بين رجل وامرأة بعقد صحيح ، ويرى الإسلام أن الخروج عن هذه الثنائية المكونة للأسرة ضربٌ من الانحراف عن الفطرة . ثم إنّ ثنائية الذكر والأنثى نراها أساس التكاثر في الكائنات الحية ، وليست محصورة في الإنسان .

وأضاف الشيخ : وقد ذكر لنا القرآن الكريم أن ما يسمى اليوم (الزواج المثلي) أو إباحة العلاقات الجنسية بين الذكور ، قد كان سبباً في هلاك قوم لوط ، وذلك حين انتشرت فيهم عادة معاشرة الرجال للرجال من دون النساء ، وصارت هذه العلاقة الشاذة عن الفطرة ظاهرة مقبولة في المجتمع .

وكان هذا البيان من الشيخ كافياً لإبراز النظرة الإسلامية في الموضوع المطروح ، ولكن الشيخ -بدافع من الغيرة على الإنسانية- أضاف المعاني الآتي ذكرها :

إنّ الذين يرون إباحة العلاقات الجنسية المثلية ليسوا كالحيوانات (الأنعام) بل هم أحطُّ وأضل منها ، لأننا لا نعلم في عالم الحيوان مثلاً أن كلباً ينـزو على كلب ذكر ، أو حماراً ينـزو على حمار ، أو قطاً يأتي قطا .. فثنائية (الذكر والأنثى) ضرورية لاستمرار الحياة البشرية ، والعلاقاتُ المثلية مدمرةٌ للجنس البشري ، ولذلك فإن الذين يقبلون بها ويمارسونها أحط من الحيوانات .

*  *      *

انتهت المقابلة مع الشيخ ، ولكن المعاني الواردة في المقطع الأخير حرَّكت جماعة من المثليين ، فسارعوا إلى رفع قضية تشهير وتحقير أمام القضاء ، لأن الشيخ -حسب القوانين المرعية- قد تجاوز حدود التعبير عن الرأي إلى الشتم والتحقير ، ويجب أن يقول القضاء كلمته في تصريحات الشيخ المعادية للمثليين .

ونظر القضاء في الدعوى ، واستشار الخبراء ، وتوصل إلى الآتي :

* من حق الشيخ أن يعبر عن رأيه في القضايا العامة كإباحة الزواج المثلي ، وهذا الحق يضمنه الدستور والقوانين النافذة .

* ولكن التعبير عن الرأي شيء والنيل من كرامة وإنسانية الآخرين شيء آخر ، ويجب على أصحاب الرأي أن يفرقوا بين الأمرين ؛ فالأول حقٌ مضمون ، والثاني خطأ يؤاخِذ عليه القانون .

* لم يوفق الشيخ في التزام حدود التعبير عن الرأي والموقف ، فوقع في تجاوزات .

* فالشيخ مخطيء ، وعليه تقديم اعتذار إلى من أساء إليهم من غير قصد .

*  *      *

عندما كانت هذه القضية ساخنة التقيت بمستشرق يجيد اللغة العربية ، وسألته عن رأيه في المشكلة ، فأخبرني : حسب نصوص القوانين فإن الشيخ مخطيء ، وقد استشارتني المحكمة في دلالة عبارات الشيخ في تصريحه ، فطالبتُ بضرورة ملاحظة التباين الثقافي في التعبير ، وحاولت تلطيف كلام الشيخ على الرغم من شدته ، وعلماً بأن القانون لا يحمي المخطئين ، ولا يأخذ بالنيات .

*  *      *

هذه القصة توحي بدروس ينبغي الاهتمام بها :

1-        إنّ الوجود الإسلامي جزء من الحياة الاجتماعية ، والثقافية ، والاقتصادية ، والسياسية في أوروبا ، وهناك تطلع إلى معرفة موقف الإسلام من قضايا المجتمع التي تشغل بال الناس .

2-        وهذا الوجود النامي يحتاج إلى من يمثله ويعبر عنه بصورة لائقة ، وهذا يقتضي أن يكون الأئمة والدعاة والمربون على مستوى المسؤولية : علماً بالإسلام ، ومعرفةً بالواقع ، وقدرةً على تنـزيل الأحكام على الوقائع ، مع حُسن التعبير عن قيم الإسلام وأحكامه . وهذه المعاني يطالبنا بها ربنا عزَّ وجلَّ ، ونجدها في مثل قوله تعالى : ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... ))[النحل : 125] .

ولقد قرأت في (مجمع الأمثال) هذين المثلين الرائعين :

1-        (قتل أرضاً عالِمُها : أصل القتل التذليل .. ويراد بالمثل أن الرجل العالم بالأرض عند سلوكها يذلل الأرض ويغلبها بعلمه . يُضرب في مدح العلم ، ويقال في ضده :

2-        قتلتْ أرضٌ جاهلَها : يضرب لمن يباشر أمراً لا علم له به) [ص : 127] .

إنّ معرفة القوانين التي تحكم حرية التعبير تحمي أصحاب الرأي من الوقوع في أخطاء قد تفسد الموقف الشرعي ، وقد يؤدي الجهل بحدود حق التعبير إلى طامات مهلكات .

3-        ويلوح لي أن قول الله عزَّ وجلَّ : ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [إبراهيم : 4] . يتضمن معرفة اللغة المعبرة عن الموقف الشرعي الذي يقيم الحجة .

إنّ نوعية الإمام والداعية من أهم القضايا التي ينبغي أن يلتفت إليها المسلمون ، وبخاصة المؤسسات الدينية في أوروبا ، وعليهم أن يسعوا إلى إقامة الصروح العلمية التي تخرِّج أئمة ودعاة ومدرسين ، وفق مناهج تتعانق فيها المعرفة الشرعية بمعرفة الواقع بأبعاده .

ولقد أدركت جهات أوروبية ، حكومية ودينية ، أهمية دور الإمام في المجتمع ، ورأت أن تدخل ساحة تكوين أئمة تتوفر لديهم :

1- المعرفة اللغوية

2- التكوين الشرعي

3- التأهيل القانوني

4- التداخل الثقافي في المجتمع الأوروبي .

قد يرتاب كثير من المسلمين في دوافع الجهات الحكومية والكنسية التي تهتم بتخريج أئمة وفق منهج جامعي ، وربما جادلوا في نوعية المعرفة الشرعية التي تقدم للدارسين ، وفي أهلية المدرسين العلمية والسلوكية ، ولكن هذه الخطوات تفرض على المسلمين أمرين :

الأول : تحديد موقف من هذه الجهود التي تبذل من طرف غير المسلمين ، بصرف النظر عن دوافع من يتصدى لهذه المهمة . والمقصود بتحديد الموقف : هل نشجع أبناءنا على الالتحاق بالجامعات والمعاهد التي تخرج أئمة ومدرسين للتربية الإسلامية ؟ أم لا ؟ .

الثاني : جمع الجهود الإسلامية العلمية - المالية - الإدارية ، وبلورتها في مشاريع عملية ، ثم التقدم بها إلى السلطات من أجل الاعتراف بها ، بحيث يكون أمر تأهيل أئمة المساجد ومدرسي التربية الدينية بأيدي مسلمين صالحين مؤهلين لحمل هذه الأمانة ، وعلى المسلمين أن يتحلوا بالصبر الجميل حتى يحصلوا على اعتراف الجهات الحكومية بعملهم .  

4-        ينبغي أن يحرص الأئمة والدعاة والمربون على أن يبقى الحوار مع غير المسلمين محصوراً في القضايا العقدية والتشريعية والاجتماعية ، وبعيداً عن الخصومات التي يسببها شتم ما يعظمون أو الطعن في أشخاصهم ، لئلا يتحول الحوار إلى مشاحنات وخصومات تنأى بالحوار عن أهدافه ، وما أروع التوجيه القرآني : ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ...)) [الأنعام : 108] .

5-        وأخيراً .. فلا بد من التأكيد المستمر على ضرورة تعانق (الإخلاص) و(الصواب) وهذا الذي يجعل العمل مقبولاً عند الله عزَّ وجلَّ ، ويفتح القلوب الباحثة عن الحق إلى التفكير الجاد في مضمون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ـــــــ

المصدر : الدار الإسلامية للإعلام

http://www.iid-alraid.com

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ