مستقبل
المفاوضات السورية مع الاكراد
د.
برهان غليون
في المسألة الكردية
السورية ملفات مختلفة ومتعددة
في الواقع. هناك ما يتعلق بمسائل
تخص الأكراد وحدهم أو قسما منهم.
وهناك ما يشترك فيه الاكراد مع
العرب وغيرهم من معاناة.
ومن المسائل
الرئيسية التي تخص الأكراد
مسألة غير المجنسين منذ عام 1963 ،
ومسألة احترام الحقوق الثقافية
الخاصة باللغة والثقافة
الكرديتين في المناطق الكردية
وعلى مستوى البلاد.
أما ما يشترك فيه
الأكراد مع العرب وجميع
السوريين فهو الحياة في نظام
يطغى عليه الفساد في جميع
الميادين، ويفتقر لأبسط معايير
العدل والإنصاف والمساواة
واحترام الفرد وحرياته وحقوقه،
أي لأدنى شروط المواطنية. وينجم
عن ذلك الكثير من البؤس والفقر
والظلم والفوارق المؤلمة بين
الأثرياء ونسبة عالية اليوم من
الناس المتحولين إلى فقراء
أبديين وفاقدين، هم وأبناؤهم،
لأي أمل بالمستقبل. وسبب ذلك كما
هو معروف تخريب الحياة السياسية
والقانونية من خلال تغييب الشعب
عن شؤونه العامة واحتكار السلطة
ورفض أي شكل من أشكال المشاركة
السياسية والمساءلة الوطنية،
واعتماد التهديد في الرزق
والفصل من الوظيفة والاعتقال
والسجن الطويل والحرمان من
الحقوق المدنية المختلفة، بما
فيها العمل والسفر، وسائل
طبيعية للحكم، ولإخضاع الأفراد
والمجتمع ككل وفرض الأمر الواقع
عليه.
بالتاكيد، لم تنبع
المشاكل التي يعاني منها
الاكراد من فراغ، ولكنها جزء من
معاناة الشعب السوري، وإن كانت
مشاكل خاصة بهم. فهي ثمرة لهذا
الأسلوب الغريب والاستثنائي في
الحكم وممارسة السلطة الذي ورثه
العهد الجديد عن حقبة ساد فيها
نموذج الحكم الشمولي. وهي تعكس
ما ارتبط بهذا النموذج من
استهتار بحقوق الأفراد ومصيرهم
ومصالحهم، كما تعكس التمييز
الذي مارسته السلطة على قاعدة
فرق تسد من أجل تقسيم المجتمع
واستخدام فريق منه ضد فريق آخر.
ولذلك، إذا أخذنا
هذا الوضع باكمله في الاعتبار،
سنعرف انه لا يمكن فعلا التوصل
إلى حل لمشاكل الأكراد السوريين
بمعزل عن تغيير قواعد عمل
النظام العام، والخروج من هذا
النموذج الشمولي الذي تخلى عنه
أصحابه الأصليون، واعتبروا
انهم أضاعوا عقودا طويلة من عمر
مجتمعاتهم حين اعتمدوه.
لكن هذا لا يمنع
القيادات الكردية من السعي إلى
إحداث تقدم، ولو جزئي، في حل بعض
القضايا الكردية الخاصة، وعلى
رأسها قضية غير المجنسين أو
بعضهم.
ومن هنا تاتي أهمية
السؤال الثاني. ففي اعتقادي أن
ما يسعى إليه النظام، من خلال
فتح هذه المفاوضات مع الأكراد،
هو تحييد الأطراف الكردية في
المعركة القائمة اليوم من اجل
تغيير النظام، او تعديل قواعد
ممارسة السلطة في سورية، وذلك
بتقديم وعود لهم، بالسعي
الايجابي هذه المرة لحل بعض
مشاكلهم الخاصة إذا اتخذوا منه
موقفا ايجابيا. وهو أظهر اكثر من
مرة ومناسبة في السابق رغبته في
فصل المسألة الكردية، بل
الاكراد أنفسه وحركاتهم
السياسية، عن الحركة
الديمقراطية السورية العامة،
حتى انه كان يمنع العرب علنا من
المشاركة في التظاهرات الكردية
أو التعبير عن تضامنهم معها.
والقصد أن هدف النظام هو أن يقنع
الحركات الكردية بالتخلي عن
المعارضة السورية. وفي هذه
الحالة سيكون حل المشاكل
الكردية لعلى حساب القضية
السورية العامة، قضية
الديمقراطية التي تعني العرب
والأكراد معا.
لكن، في اعتقادي
الشخصي، حتى لو قبل الأكراد
بهذا العرض، أي بمقايضة تجنيس
غير المجنسين بالوقوف على
الحياد في معركة الديمقراطية،
لن يقبل النظام في السير في حل
المشاكل الكردية بصورة جدية.
فلو فعل ذلك سيفقد كل اوراق
الضغط الممكنة على الحركات
الكردية ليثنيها عن الاستمرار
في المشاركة في المعركة
الديمقراطية. لذلك سوف يتبع
سياسة خذ وطالب، أي تحقيق
الحلول بالقطارة، وعلى قدر ما
يضمن ابتعاد الأكراد عن معركة
الحريات الجارية في سورية. كان
من الممكن للنظام النجاح في مثل
هذه السياسة وعزل الاكراد عن
الحركة الديمقراطية السورية لو
بادر منذ سنوات في فتح مثل هذه
المفاوضات. لكنني أشك اليوم في
أن يثق الأكراد بوعود النظام،
أو يقبلوا بأن يربطوا حصولهم
على حقوقهم بالتخلي عن المطلب
الديمقراطي العام. فهم ليسوا
واثقين من الحصول على شيء نهائي
من النظام، كما ان معاناتهم من
استمرار نظام القهر السياسي
والفساد المستشري وغياب
القانون والاستهتار بالشؤون
العامة، تفوق اليوم معاناة
أخوانهم العرب منها، وتبدو
مسألة التجنيس اليوم جزئية
أمامها. ولان الأكراد لن يربحوا
شيئا ذا قيمة من التنكر للحركة
الديمقراطية السورية التي
ساهموا مساهمة أساسية في بنائها
وتقدمها في السنوات الخمس
الماضية، فلن يحصلوا على شيء،
سوى الوعود.
ومع ذلك ليس أمامهم
سوى أن يستمروا في المطالبة بحل
مشاكلهم، من دون التخلي عن
مشاركتهم الكبيرة في معركة ا
لديمقراطية التي تعكس حاجة من
حاجة وترد على مطالبهم كما ترد
على مطالب السوريين جميعا.
فمسألة التجنيس هي مسألة عربية
أيضا وجزء من الهم الديمقراطي
المشترك وليست قضية كردية فحسب،
وذلك بقدر ما هي ثمرة لانعدام
الديمقراطية وخرق القانون
والاستمرار في التعسف والفساد
ورفض التعامل بصورة جدية مع
مشاكل البلاد جميعا. وليس هناك
في نظري خوف من أن يحصلوا على
عروض مغرية. فبالأسلوب الذي
تتبعه منذ سنوات، لن تستطيع
السلطة حل أي مشكلة، لا كردية
ولا عامة. إن كل ما تطمح إلى
الوصول إليه هو المناورة لكسب
الوقت.
سورية
الحرة – 26 / 06 / 2006
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

|