ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 19/10/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

        

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كرد سورية

نظرة في الماضي والحاضر والمستقبل(*)

إعداد : إبراهيم درويش

Nafizah_2006@yahoo.com

نظرة تاريخية إلى الكرد وكردستان:

يرى غالبية المختصين في علم الأجناس والسلالات أن الأصول التاريخية للشعب الكردي تعود إلى "الكوتيين" الذين عاصروا السومريين قبل أربعة آلاف سنة، وسيطروا على مدينة بابل سنة 2649 قبل الميلاد، وعندما سقط حكمهم تراجعوا إلى جبالهم واحتموا بها، وحافظوا على كيانهم ونظامهم الداخلي[1]. وكان البابليون يسمونهم "كاردو Karddu أو كارادو Karadu". وحدد المؤرخون المملكة الكوتية في المنطقة الواقعة بين الزاب الصغير ونهر دجلة ونهر ديالى ومرتفعات السليمانية في العراق الحالي[2]. كما يرى الباحثون الكرد أن الميديين الذين عاصروا الآشوريين والكلدانيين هم أحفاد الكَوتيين وأجداد الكرد الحاليين. وقد قامت دولة ميديا في الجبال الواقعة شرقيّ دجلة، واستطاعوا بتحالفهم ومصاهرتهم مع الملك الكلداني "نبوخذ نصر" إسقاط الدولة الآشورية سنة 613 قبل الميلاد، فاتسعت امبراطورية ميديا وامتدت حدودها من بخارى شرقاً إلى نهر قزل أميرسق في وسط تركيا غرباً، ومن بحر قزوين شمالاً إلى الخليج العربي جنوباً، وعندما قضى الفرس الأخمينيون على امبراطوريتهم ارتدوا إلى مناطقهم الجبلية، وسموا في هذه الفترة باسم "كاردئي"[3].

وقد جاء ذكر الكرد باسم (كاردوخيين) في كتاب "رجعة العشرة آلاف" للقائد اليوناني زينفون- "XYenephon"، وذلك في عام 431 ق.م[4] أو في عام 401 قبل الميلاد، إذ يتحدث زينفون عن انسحاب عشرة آلاف مرتزق إغريقي يعملون في خدمة أمير فارسي يطالب بعرش بلاد فارس، إلى البحر الأسود، مشيراً إلى أنهم عبروا بلاد الكردوخوي بصعوبة شديدة وأمضوا الوقت كله في محاربة الكردوخوي، وعانوا بسببهم أكثر بكثير مما ألحقه بهم ملك فارس وقائد قواته من خسائر.[5]

ويرى باحثون آخرون أن كلمة "كردي" قد ظهرت في الكتابات الفارسية لدى تأسيس الدولة الساسانية عام 226م، ثم نقلت إلى العربية واللغات الأوربية[6].

وقد اختلفت كلمة "كردي" باختلاف الأصوات اللغوية لدى الشعوب التي استعملتها؛ فالسومريون أطلقوا على الكردي: كوتي، جوتي، جودي. والآشوريون والآراميون سمّوه: كوتي، كَوتي، كورتي، كارتي، كاردو، كارداك، خلديني، خالدي، كلدي، كالدي. واليونان والرومان أطلقوا على الكردي: كاردوسوي، كاردوخي، كاردوك، كردوكي. والأرمن عُرف عندهم الكردي بـ: كوردوئين، كورجيخ، كورتيخ، كرخي، كورخي[7].

إذن فقد أصاب كلمة "كردي" التطوير والتحوير عبر مختلف مراحل التاريخ، إلى أن استقرت على لفظها الحالي، والأرجح أن اللفظة مشتقة من "جودي" اسم الجبل الذي استقرت عليه سفينة سيدنا نوح عليه السلام بعد الطوفان الذي أغرق الكافرين بدعوته[8]، الأمر الذي يعني أن كردستان هي موطن البشرية الثاني، وربما الأول أيضاً، إذ يؤكد بعض الباحثين أن سكان كردستان كانوا رواد الزراعة منذ اثني عشر ألف سنة قبل الميلاد، وأنهم دجّنوا الماعز والخراف والخنازير، وزرعوا القمح والشعير والشوفان والجاودار والعدس. ويعتقد بأن استخدام الأدوات النحاسية لأول مرة في التاريخ، بدأ في الألف السابع قبل الميلاد في منطقة ديار بكر في كردستان تركيا، وبأن الأدوات البرونزية ظهرت في هذه المنطقة أيضاً في الألف الرابع قبل الميلاد"، ثم انتقل مركز الحضارة جنوباً إلى بلاد ما بين النهرين[9].

بعض ممالك الكرد قبل الإسلام:

أقام الكرد دولاً وممالك كثيرة، وخاضوا معارك عسكرية وصراعات سياسية كثيرة، كما أجروا اتصالات وأقاموا صلات وتحالفات مع حكام الدول المجاورة الموجودة في عصورهم المختلفة، فقبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف سنة قامت حكومة "لولو" Lulupi"، ولقيت مصيرها على يد الجيش الآشوري سنة 828 ق.م، وكانت حكومة "كوتي- Guti" قد قامت قبل هذه الفترة وحارب أول ملوكها وهو "أناتوم" العيلاميين في القرن 31 ق.م متخذاً من "أربخا أو أربخاي" قرب كركوك الحالية عاصمة لدولته، وفي القرن 28 ق.م استولى الكوتيون على بلاد الأكاديين وحكموا بابل أكثر من قرنين، وانتهت هذه الدولة على يد "أوتوهيكال" السومري، ثم قامت دولة "كاساي" للفترة 1530-1238 ق.م، فحكومة "سوباري"، في حدود سنة 2000 ق.م، فحكومة "هوري" قبل القرن العشرين قبل الميلاد، فحكومة "ميتاني" في حدود 1800 ق.م، فالمملكة الهورية-الميتانية المتحدة خلال الفترة 1500-1350 ق.م، فالدولة الكالدية خلال القرنين التاسع والسابع ما قبل الميلاد، فالمملكة الميدية للفترة 700-549 ق.م، فالكورديون المظفرون. وبعد انهيار هذه الدولة انتقل حكم المنطقة إلى السلوقيين اليونانيين فالأرمن فالبيزنطيين والساسانيين إلى حين مجيء الفتح الإسلامي سنة 633م[10].

الكرد خلال العهد الإسلامي:

اتصل العرب المسلمون بالكرد بعد ما فتح العرب تكريت وحلوان سنة (16هـ/637م)، وقام بفتح بلادهم الصحابة سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وعياض بن غنم وأبو موسى الأشعري وغيرهم- رضي الله عنهم، فغدت كردستان جزءاً من الدولة الإسلامية مع حلول عام 25هـ/645م، وأصبح الكرد ضمن نسيج المجتمع الإسلامي، يشتركون في جيوش الفتوحات وخدمة الأمراء والسلاطين، وينتظم بعضهم في حلقات العلم والدرس، مع انتظام بعضهم أو اشتراكهم في الفتن والقلاقل التي تنشب في مناطقهم أو بالقرب منها، شأن بقية الشعوب[11].

غير أن ما يهمنا في هذا المقام هو الإشارة إلى الدول والإمارات والكيانات الكردية التي قامت في العصر الإسلامي، لا سيما في العصر العباسي، ومنها: دولة ديسم وبني مسافر في أنحاء أذربيجان وشهروز وهمذان والدينور ونهاوند والصامغان، ودولة دوستك أو بني مروان للفترة 356-489هـ في أنحاء كردستان تركيا[12]. ودولة قراباغ ووادي الآراس في القوقاز الجنوبي أو حكومة بني شداد التي قامت في منتصف القرن الرابع الهجري وانقرضت بمجيء التتر، والدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين وشملت بلاد الشام والموصل والقسم الشرقي من تركيا واليمن ومصر وليبيا وغيرها، واستمرت ما بين 564-648هـ في زهوها[13]، والدولة الفضلوية أو الدولة الهزار أسبية، واستمرت ما بين 543-827هـ في منطقة لورستان من كردستان الإيرانية، فضلاً عن الإمارات التي قامت خلال خضوع كردستان للحكم الصفوي والحكم العثماني، إذ كانت سيطرة هاتين الدولتين على أنحاء كردستان اسمية أو شكلية[14].

الكرد ضحايا حروب الآخرين وأطماعهم

الشعب الكردي موزع على رقعة واسعة من الأرض في الشرق الأوسط وصولاً إلى أواسط آسيا؛ بفعل عوامل الاختيار الطوعي للسكنى والإقامة، بحثاً عن الكلأ والمراعي لحيواناتهم، قبل أن تختطّ الحدود القائمة بين الدول والكيانات الموجودة الآن، أو بفعل عوامل التهجير القسري من مناطقهم إلى مناطق أخرى نائية، بهدف التقليل من خطرهم، أو إذابتهم على مرّ السنين والعقود في بيئاتهم الجديدة. فبعد التقسيم الأول لكردستان بين الدولتين الكبريين؛ الدولة العثمانية والدولة الصفوية، إثر معركة "جالديران"، عام 1514م، وما أعقبها من معارك بين الدولتين على أرض كردستان طوال ثلاثة قرون جعلت من الكرد وقودها، ومن أرضهم ساحة قتال، مع لجوء كل طرف إلى سياسة الأرض المحروقة، وإلى تهجير السكان من مناطقهم، لحرمان الطرف الآخر من الموارد البشرية اللازمة لمواصلة الحرب. فبعد معركة "جالديران" عمد السلطان سليم إلى ترحيل قبائل كردية عدة بأسرها إلى وسط الأناضول وشمالها، وإلى جنوب أنقرة بوجه خاص؛ وإلى مناطق نائية مثل بلغاريا. أما الصفويون فقد هجّروا مئات الآلاف من الكرد من أراضيهم وأرغموهم على الانتقال إلى عمق الامبراطورية الفارسية. وعلى امتداد العامين 1534و 1535 عمد الصفويون، أثناء تراجعهم أمام القوات العثمانية، إلى تدمير المدن والأرياف الكردية بانتظام، وإحراق المحاصيل، وردم القنوات والآبار، وتخريب أنظمة الريّ، كما نقل الشاه عباس الأول الكرد بأعداد كبيرة إلى أذربيجان في البداية، وإلى خراسان بعد ذلك، في مواجهة تركمانستان، على بعد ألف ميل من موطنهم الأصليّ، كما تمّ إبعاد قبائل كردية أخرى إلى جبال الهندوكوش في أفغانستان، وجنوب شرق إيران المواجهة لمقاطعة بلوشستان الباكستانية[15]. وبعد التقسيم الثاني لكردستان، بموجب اتفاقية سايكس- بيكو لعام 1916م، تقطّعت أوصال الشعب الكردي أكثر فأكثر؛ واتبُّعت معه سياسة التذويب والإبادة والتهجير بشكل أعنف، فالكرد الذين ألحقت أجزاء من بلادهم بأرمينيا وأذربيجان وجورجيا، هجّرهم "ستالين" وشرّدهم من مناطقهم إلى أنحاء الاتحاد السوفياتي الواسعة، وصولاً إلى طاجيكستان و قيرغيزستان وغيرها. كما جرى ترحيل نحو سبع مئة ألف كردي تركي من مناطق القتال مع القوات الروسية في شرق تركيا، أثناء الحرب العالمية الأولى، توفي نصفهم على الأقل أثناء النزوح، فضلاً عن مقتل أربع مئة ألف آخرين منهم في تركيا وحدها أثناء هذه الحرب[16].

الكرد في الوقت الراهن:

قلنا إن اتفاقية سايكس-بيكو لعام 1916 قد قسّمت بلاد الكرد تقسيماً ثانياً، وكان هذا التقسيم الأقسى والأشد مأساوية للواقع الكردي ومستقبله، فقد جزّأ القسمَ الكردي الخاضع للسلطنة العثمانية منذ عام 1514 إلى أجزاء ثلاثة؛ قسم ألحِق بتركيا الأتاتوركية الحديثة، وهو القسم الأكبر من كردستان التاريخية، وتقدّر مساحته بنحو 230 ألف كم2، وقسم ألحِق بالعراق وتقدّر مساحته بـ79ألف كم2، وقسم ألحِق بسورية، وهو أصغر الأجزاء، فضلاً عن القسم الخاضع لإيران منذ معركة "جالديران" لعام 1514، وتقدّر مساحته بـ125 ألف كم2[17](أي أن المساحة الإجمالية لبلاد الكرد تزيد على مساحة بريطانيا وهولندا وبلجيكا وسويسرا والدنمارك مجتمعة). وقد اتبعت هذه الدول مع مواطنيها الكرد سياسة الصهر والتذويب ونفي الحقوق الكردية، والتهجير الجماعي إلى مناطق نائية عن موطنهم، لا سيما تركيا الحديثة والعراق وسورية في ظل البعث وإيران في ظل حكم الملالي. ولذلك تكونت تجمعات كردية فقيرة وكبيرة في المدن التركية الكبيرة مثل استانبول وأنقرة وأضنه وأنطاليا وإزمير وغيرها، وفي المدن الإيرانية الكبيرة مثل طهران وتبريز والمراكز النفطية الإيرانية الأخرى في جنوب البلاد، وعند سواحل بحر قزوين والمناطق القريبة منه، وكذلك في بغداد ودمشق وحلب وغيرها، فضلاً عن ألمانيا والسويد وسائر بلدان أوربا الغربية[18]، مع جاليات كردية في لبنان والأردن وفلسطين ومصر والسودان وليبيا واليمن وتشاد ودول الخليج العربي[19].

كرد سورية

بالرغم من أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد الكرد السوريين أو نسبتهم إلى مجموع السكان، الأمر الذي يجعل اعتماد أرقام معينة مسألة محفوفة بالمخاطر، فإن الاستئناس بالمصادر التي تشير إلى عددهم أو نسبتهم مطلوب. من ذلك ما ذكره بيان صادر عن أحد عشر حزباً سياسياً كردياً سورياً أواسط عام 2004، يذكر أن الأحزاب الكردية تستمّد مشروعيتها من 2.5 مليون كردي في سورية[20] .

ويَذكر سعد محيو أن عدد الكرد يتراوح بين 1.3 مليون إلى مليوني نسمة، أوما نسبته 9.5% من إجمال السكان[21]، على حين تذكر مصادر أخرى أن نسبة الكرد إلى مجموع السكان في سورية هي 15%[22]، كما تذكر مصادر كردية أخرى أنه يوجد "أكثر من مليوني كردي في سورية، فهم نحو مليون ونصف مليون في المناطق الكردية الثلاث (نحو مليون في الجزيرة، و200 ألف في كوباني (عين العرب)، وفي حدود 350 ألف في عفرين وتوابعها). أمام الباقي فيتوزع بين دمشق في حدود 300 ألف، وحلب نحو 300 ألف، وما يزيد على 100ألف في بقية المدن السورية، بخاصة ديرالزور، والرقة، وحماة، وريف إدلب، وريف اللاذقية، وريف حمص، وريف دمشق، وحوران"[23] ومن ضمنهم نحو 225 ألفاً من المكتومين (غير المسجلين رسمياً) الذين يعدّون أجانب، لأنهم- على ما يقال- لاجئون من تركيا والعراق، وهؤلاء يحملون بطاقة هوية حمراء لمجرد تسهيل التنقل، ومحرومون من الملكية الخاصة والسفر إلى الخارج[24]. أما أماكن تمركز كرد سورية فهي معظم المناطق المحاذية للحدود السورية التركية، وهي امتداد للمناطق الكردية في تركيا، وكثافتهم لافتة في معظم مدن محافظة الحسكة وقراها، كالقامشلي وديريك (المالكية) وعامودا، والدرباسية، وراس العين، وكوبانية(عين العرب) وتربى سبي (تل أبيض)أو (القحطانية) وفي بعض أنحاء أقضية منبج والباب وجرابلس وأعزاز، وفي عفرين وقراها المسماة بجبل الأكراد الواقع إلى الشمال الغربي من مدينة حلب، وفي حيّي الشيخ مقصود والأشرفية من مدينة حلب، وفي حيّي ركن الدين[25]ووادي المشاريع من مدينة دمشق[26]، فضلاً عن تجمعات كردية أخرى تعرّبت ولم يبق من كرديتها سوى أسماء الأسر، مثل حماة[27]، وجبل الأكراد على الساحل السوري التابع لقضاء الحفة من أعمال اللاذقية[28].

علماً أن أكثر من 96% من الكرد السوريين يدينون بالإسلام، 98% من هؤلاء من أهل السّنة والجماعة، والنسبة الباقية تتبع الطائفة العلوية. أما الديانات الأخرى فهي اليزيدية في بعض قرى عفرين والجزيرة، ونسبة أخرى ضئيلة مسيحيون، لا تتجاوز نسبتهم مع اليزيدية 4% من مجموع الكرد[29].

الأنشطة السياسية بين كرد سورية

لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن النشاط السياسي الذي ساد بين كرد سورية كان إلى حدّ كبير انعكاساً لما كان يجري في كردستان تركيا أولاً، وفي كردستان العراق فيما بعد، لا سيما إبان تزعّم الملاّ مصطفى البارزاني للانتفاضات والثورات، خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، فقد كان كرد سورية في المرحلة الأولى منذ البداية حتى رسم الحدود الدولية السورية- التركية، والتصديق عليها بعد استقلال سورية عام 1946 جزءاً لا ينفصم من الحركة القومية العاملة في نطاق الدولة العثمانية، ومن أهم المحطات البارزة في تلك المرحلة الثورات الكردية الثلاث في تركيا، التي شكّل الكرد السوريون جزءاً منها، وهي انتفاضة عام 1925 بقيادة الشيخ سعيد بيران، وانتفاضة عام 1930 بقيادة الجنرال الكردي إحسان نوري باشا، وانتفاضة عام 1937، وقد ترافق مع هذه الثورات والانتفاضات صعود سياسي تنظيمي، وقيام منظمات قومية مثل حركة خويبون (الاستقلال)، التي تشكلت عام 1927 بمبادرة أساسية من الكرد السوريين، لا سيما أولاد الأمير بدر خان، الذين أصدروا صحيفتي "هاوار" أي الصرخة أو النجدة و "روناهي" أي النور باللغة الكردية، وكانت توزّع بين الكرد في سورية والعراق وتركيا. ولكن إخفاق تلك الثورات والانتفاضات الكردية قد ولّد لدى الكرد قناعة مفادها أن مسألة إنشاء وطن قومي لهم ليست سهلة، وأن أملهم الوحيد هو إقامة نظام مشابه لما في الاتحاد السوفياتي بجمهورياته المختلفة، لذلك أخذوا ينخرطون في الأحزاب الشيوعية المحلية، أو يتعاونون معها، في سبيل تحقيق حلمهم[30]، لا سيما في عهد خالد بكداش الكردي الشيوعي الذي استطاع استقطاب عدد كبير منهم.

وخلال الانتداب الفرنسي على سورية، قدّم بعض المثقفين ورؤساء العشائر الكرد في سورية وثيقة إلى سلطات الانتداب الفرنسية، بمناسبة انعقاد الجمعية التأسيسية السورية في 23/6/1928، تضمنت جملة مطالب منها.

1- استعمال اللغة الكردية مع اللغات الرسمية الأخرى في المناطق الكردية.

2- تدريس اللغة الكردية في المدارس التي تقع ضمن المناطق الكردية.

3- استبدال الموظفين الذين يعملون في المناطق الكردية بموظفين أكراد (والمقصود إحلال الموظفين الكرد محلّ غيرهم).

كما اقترحت المذكرة أيضاً فكرة تشكيل قوة عسكرية كردية بإدارة فرنسية لحماية الحدود، وتقديم التسهيلات للمزارعين الكرد في الجزيرة وغيرها واستثمار الأراضي زراعياً[31]. وقد أعقبت هذه المطالب أعمال عنف سنة 1937 بسبب تعيين بعض العرب في الوظائف المهمة في الجزيرة[32].

وكانت نواد وجمعيات رياضية وثقافية كردية قد تأسست في دمشق ومنطقة الجزيرة، خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، وصدرت عنها صحف ومجلات كردية. فقد أنشيء ناد كردي في منطقة عامودا عام 1939، وسمحت الإدارة الفرنسية لأسرة بدرخان بإصدار مجلة أدبية شهرية في بيروت أطلق عليها اسم روزا نو (الشمس الجديدة)، إذ صدر عددها الأول عام 1943، كما أصدر الدكتور كاميران بدر خان مجلة أسبوعية في دمشق سمّاها "ستير" أي النجمة، خلال الفترة 1943 – 1945[33].

وفي بداية الخمسينيات من القرن العشرين تأسست جمعية باسم "جماعة الشباب الكردي" مركزها مدينة القامشلي[34].

وفي عام 1955 مرّ السيد جلال طالباني (رئيس جمهورية العراق الحالي ) بسورية، في طريقه إلى وارسو لحضور مؤتمر اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، والتقى عدداً من الشباب الكردي السوري وأقنعهم بأن يعملوا على تأسيس حزب سياسي لهم في سورية، وكان من بين هؤلاء الشباب د. نور الدين زازا وعثمان صبري وحميد درويش، فقاموا بتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية، مستندين على منهاج الحزب البارتي الديمقراطي الكردستاني العراقي ونظامه الداخلي بصورة كاملة، وجعل من أبرز أهدافه تحرير وتوحيد كردستان الكبرى. إلا أن الزيارة السرية التي قام بها جلال طالباني لسورية عام 1957، واجتماعه بقادة البارتي السوري جعلت الحزب يغيّر برنامجه ويصرف النظر عن تحرير كردستان الكبرى وتوحيدها، مكتفياً بالتأكيد بأن الشعب الكردي في سورية هو جزء من الشعب السوري، مطالباً بوجود نظام حكم ديمقراطي في سورية، وضرورة تطبيق نظام إصلاح زراعي. غير أن الانشقاق الذي شهده البارتي العراقي أثّر على البارتي السوري، فبعد انشقاق جلال طالباني وآخرين في المكتب السياسي عن رئيس الحزب مصطفى البارزاني، أو ما يمكن تسميته بالصراع بين اليمين واليسار داخل الحزب عام 1964، انتقلت هذه العدوى إلى الحزب في سورية أيضاً، إلى أن حصل الانشقاق داخل البارتي السوري عام 1970، فبقي الحزب الديمقراطي الكردي في سورية برئاسة عثمان صبري (المتهم باليمينية) وشكّل المنشقون البارتي الديمقراطي الكردي اليساري برئاسة صلاح بدر الدين، ولم تنفع كل المحاولات التي بذلها فيما بعد الملا مصطفى البارزاني وغيره لإعادة توحيد الحزبين[35].

وفي بداية السبعينيات من القرن المنصرم ظهرت ثلاثة أحزاب كردية هي: الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة عبد الحميد درويش (أو حميد حاج درويش)، وحزب جديد بزعامة دهام ميرو – المدعوم من البارزاني – يحمل اسم الحزب الذي يتزعمه درويش، وحزب اليسار بزعامة صلاح بدر الدين، ثم أضاف درويش في المؤتمر الرابع للحزب عام 1977م كلمة (التقدمي) إلى اسم حزبه، ليصبح الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي. ثم انفصل صالح كدو عن بدر الدين، مشكّلاً "الحزب الاشتراكي الكردي"، فغيّر بدر الدين اسم حزبه إلى "حزب الاتحاد الشعبي الكردي"، وانشق "الحزب اليساري الكردي – عثمان صبري" إلى حزبين يحملان الاسم نفسه الأول برئاسة يوسف ديبو والثاني برئاسة محمد موسى.

وهناك حزب كردي آخر هو "حزب الوحدة الديمقراطي الكردي – يكيتي" برئاسة إسماعيل عمر، ومن قيادييه سليم شيخ حسن[36].

وفي حزيران 2002م أعلن في القامشلي عن اندماج "الحزب الاشتراكي الكردي – صالح كدو" مع "الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي – عبد الحميد درويش".

وهناك أيضاً حزب إسلامي كردي، ليس بعيداً عن الحركة الإسلامية العالمية المعاصرة وهو "بارتيا إسلاميا كردستاني" أسسه بعض الكرد من منطقة الجزيرة في الخارج، وله نشرة دورية بعنوان "جودي"، وينشط بين الكرد في الخارج، كما له وجود ومؤيدون في عموم مناطق كردستان، ويدعو إلى العمل على جعل كردستان دار إسلام ونصرة وهجرة، ومنح الكرد حكماً ذاتياً حقيقياً موسعاً ضمن الدول التي يوجدون فيها.

الجدير بالذكر أن "الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي – درويش" و "الحزب الاشتراكي الكردي – كدو" مواليان لجلال طالباني[37] وقريبان من النظام السوري الحالي، ويعلنان تأييدهما لبشار أسد[38].

محنة كرد سورية

إنه بالرغم من أن كرد سورية جزء رئيس من النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، وعاشوا تاريخاً ومصيراً مشتركَين منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً، وأنهم كانوا خدموا هذا البلد بكل إخلاص، وعملوا على صيانته والدفاع عنه ووحدته، فإنّ أياد خفية حاقدة عملت – وما تزال – على إيجاد شروخ وتخريبات بل وجروح عميقة لا تندمل بسهولة بينتهم و بين العرب ، باسم القومية والعروبة، فلو تجاوزنا العهود السابقة كلها، منذ العهد الأيوبي وما قبله وما بعده، واكتفينا بالعصور الحديثة لوجدنا أن الكرد قد وقفوا بكل إخلاص إلى جانب إخوانهم العرب المسلمين في محنتهم بعد وقوع بلدهم سورية تحت الانتداب الفرنسي، فأعلنوا الثورة في وجه المحتل وحملوا السلاح دفاعاً عن استقلال سورية، فالكل يتذكر بطولات القائد المسلم الكردي السوري إبراهيم هنانو وإخوانه وجهادهم، ومن قبله يوسف العظمة وزير الحربية السوري الكردي (كما ترجّحه مصادر تاريخية كثيرة)الذي استشهد في ميسلون، كما يمكن الإشارة إلى أنّ تصويت كرد لواء الاسكندرونة كان إلى جانب بقاء اللواء تحت الحكم السوري، وكانت نسبتهم نحو 40% من سكان اللواء وقت التصويت على مصيره[39]، ولم تفلح محاولات الفرنسيين في الإيقاع بين العرب والكرد، بل قامت عشائر كردية بمواجهات عنيفة للاحتلال الفرنسي، مثل عشيرة (دقورية) في منطقة عامودا، و (الكيكية) في الدرباسية، و (الملية) غرب عامودا وجنوبها،وكان الناس في منطقة عفرين قد تعاونوا مع القائد الوطني إبراهيم هنانو عبر حركة المريدين الصوفية وقارعوا المحتلّ الفرنسيّ، وكان عدد من الكرد قد اشتركوا في الكتلة الوطنية وقادوا سورية نحو الاستقلال.

وفي العهد الوطني، كان للكرد دورهم في الأحزاب الوطنية، منهم النائب والوزير عبد الباقي نظام الدين وأخوه رئيس أركان الجيش السوري توفيق نظام الدين[40].

وإن ننسَ فلن ننسى دور الأديب والمؤرخ العلامة محمد كرد علي في تأسيس المجمع العلمي العربي في دمشق وترؤسه له سنوات طويلة، وفي حقل التربية والتعليم إبان عهد الانتداب.

وكان عدد من الكرد قد وصلوا إلى مناصب مهمة في سورية – في العهد الوطني – منهم حسني الزعيم، الذي صار رئيساً للأركان فرئيساً للجمهورية بعد انقلابه عام 1949، وكذلك أديب الشيشكلي وفوزي سلو، ود.محسن البرازي رئيس الوزراء في عهد حسني الزعيم، وغيرهم كثيرون.

لكن الأمر لم يستمر على هذا النحو، فقد برزت – كما يقول الأستاذ أكرم البني – "معالم مشكلة قومية كردية بفعل تعاقب سياسة غير ديمقراطية، استمدت نسغها من أيديولوجيا مشبعة بالتعصب القومي، تتجاهل التنوع والاختلاف واحترام حقوق الإنسان ومصالح القوميات الأخرى، مما وضع حجر الأساس لنمو شروخ عميقة في اللُّحمة الوطنية"[41] فاندفع هؤلاء الغلاة باتجاه "ابتكار أساليب متنوعة لاضطهاد الأكراد وسلبهم حقوقهم كمواطنين، تمهيداً لتغييب دورهم كأقلية قومية في التكوين الاجتماعي السوري"[42]. وهذا ما حصل، عندما قام المدعو محمد طلب هلال – رئيس شعبة الأمن السياسي في محافظة الجزيرة "الحسكة" عام 1962 بإعداد دراسة تحت عنوان "دراسة سياسية، اجتماعية، تاريخية حول منطقة الجزيرة"، كلها مغالطات وتشويه للحقيقة والواقع، اقترح فيها اتباع سياسة عنصرية مقيتة ضد الكرد، تقوم على إسقاط الجنسية عن أكثريتهم ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وتشتيت الباقين في أنحاء سورية الداخلية، وضرورة اتباع سياسة التجهيل مع أبنائهم... إلخ، ثم أتْبَعَت السلطاتُ السورية البعثية هذه الدراسة بإجراء إحصاء استثنائي في محافظة الجزيرة أسفر عن تجريد نحو مئتي ألف مواطن كردي من الجنسية السورية، وتسجيلهم في القيود بصفة "أجنبي"، والإحصاءُ ذاتُه أدى إلى تجريد ثمانين ألفاً أخرين ولكن دون تسجيلهم في القيود هذه المرة، مما استولد الوضعية العجيبة المسماة بـ "المكتوم" أو البدون!! ليس هذا فحسب، بل أخذت الحكومة المستهدية بهدي "حزب البعث العربي الاشتراكي" وعلى هدي دراسة محمد طلب هلال – الذي كوفيء فيما بعد بأن أصبح عضو القيادة القطرية ووزير التموين ثم سفير بولونيا فيما بعد[43]، أخذت الحكومة السورية بجملة إجراءات، يُجمِع المراقبون بأنها كانت أسوأ الإجراءات التمييزية على امتداد تاريخها الحديث والمعاصر: تعريب أسماء مئات القرى والبلدات والتلال والمواقع الكردية[44]، وعلى نحو قوموي عصابي غالباً، كأن تنقلب بلدة اسمها قبور البيض إلى القحطانية (وأخرى اسمها كوبانية إلى عين العرب ودريك إلى المالكية...)، ومنع الكرد من تسجيل أطفالهم في القيد المدني إذا اختاروا لهم أسماء كردية، وحظر الطباعة باللغة الكردية[45].

لقد فقد هؤلاء المساكينُ بين عشية وضحاها حق المساواة، أسوة بغيرهم من المواطنين في الهوية والتملك والتعليم والتقاضي والعمل والصحة... إلخ، وباتوا أجانب غرباء عن مجتمع عاشوا بين ظهرانيه مئات السنين[46]، بمن فيهم رئيسُ أركان الجيش السوري الأسبق توفيق نظام الدين وأخوه عبد الباقي نظام الدين النائب والوزير خلال العهد الوطني[47].

ثم اغتنمت السلطات السورية فرصة بناء سد الفرات ومشروع إعادة توزيع الأراضي الزراعية، لتستولي على أراضي الفلاحين الكرد، وتقيم مزارع نموذجية مزودة بالمياه والمدارس والحماية الأمنية، وتملِّكها لفلاحين عرب، غمرت مياهُ السد قراهم، فتم توطين أكثر من أربعة آلاف أسرة عربية في الشريط الحدودي، وتوزيع أكثر من سبع مئة ألف دونم من الأراضي المصادرة عليهم، مع سياسة منهجية تهدف إلى طمس الهوية الكردية وصهر الكرد كأفراد في بوتقة القومية العربية، عبر الاستمرار في قمع الحركة السياسية الكردية واعتقال نشطائها... إلخ[48]. كل ذلك في إطار "الحزام العربي" بطول 375كم على طول الحدود السورية – التركية، وعمق يتراوح بين 10 – 15كم[49]، أو بطول 250 – 350كم، وعرض 20-35كم كما تذكر مصادر أخرى[50].

ما الحل؟

ما الحل إزاء هذه السياسات التي أقلُّ ما يقال عنها إنها سياسات غير مسؤولة، تنمّ عن ضيق أفق، وتصبّ بالنتيجة في مصلحة أعداء الأمة ، الذين يستغلّون في الوقت المناسب هذه الاختلالات، بل هذه القنابل الموقوتة التي زرعها بعضُ مَن يُحسَبُ على أبناء الوطن، وحينئذ لن يتضرر منها فئة دون أخرى، ولن يفيد اللوم أو التلاوم.

إن الحرص على المصلحة العليا للوطن يتطلب أولاً، وقبل كل شيء، الوحدة الوطنية وجمع الشمل وعدم تهميش أحد، ناهيك عن فئات واسعة من الشعب، وفتح باب الحوار والمصالحة، وإعادة الحقوق لأصحابها، وإقامة نظام قوامه العدل والحرية والمساواة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

وإن المطلوب الآن، ودون تأجيل أو تسويف، طرح بدائل عقلانية للحوار الجادّ للبحث عن حل عملي لكل المشكلات والقضايا، على أسس ديمقراطية سليمة، دون المساس بالمبادئ الوطنية الثابتة التي يجب أن تبقى من المسلَّمات لدى كل الفئات. وهذا يكون عبر الاعتراف المتبادل بحق الوجود والتعايش الأخوي السلمي، وممارسة كل الحقوق القومية والإنسانية لكل الفئات والأفراد، التي يتشكل منها المجتمع السوري، وصياغتها في دستور حضاري جديد[51].

إن الحل الذي يقترحه ممثلو الشعب الكردي في سورية، للخروج من هذه المشكلة المستفحلة، والعودة بالأمور إلى حالة من المعافاة والاستقرار يتمثل في النقاط الآتية:

1- الاعتراف بواقع الشعب الكردي في سورية، ومنحه الحقوق القومية في إطار وحدة البلاد، واعتباره وحدة قومية، في معرض تطبيق نظام الإدارة المحلية، وحماية حقه في التمثيل في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، بما يتناسب مع نسبتهم الفعلية من مجموع سكان البلاد، وإفساح المجال أمام كفاءاتهم العلمية في مختلف مجالات العلم والعمل الحكومي، بما فيها الجيش والشرطة وغيرها.

2- إيلاء المناطق الكردية أهمية استثنائية – كونها كانت مهملة قياساً إلى مناطق أخرى- فيما يتعلق بالتنمية والتطوير وإقامة المرافق الصناعية والخدمية والسياحية فيها.

3- إعادة الجنسية للكرد الذين سحبت منهم عام 1962 بعد إجراء الإحصاء السكاني الجائر، والعودة عن كل ما ترتّب على ذلك الإحصاء من نتائج سواء ما يتعلق بمصادرة الأراضي والأملاك، أو التهجير، والتعويض على المتضررين.

4- إنهاء سياسة التعريب والتذويب بالقوة، وإنهاء التعاطي مع الكرد بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.

5- الاعتراف بالحقوق الثقافية والاجتماعية، المتمثلة بأن يدرس الطلبة الكرد بلغتهم الأم، إلى جانب اللغة العربية، ويمارسوا ثقافتهم بحرّية في طبع الكتب والصحف وتداولها،وفتح المحطات الإذاعية والتلفزيونية، وممارسة فولكلورهم الشعبي، وتأسيس النوادي الثقافية والاجتماعية وغيرها، والتسمّي بأسماء كردية.... إلخ[52].

6- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين،والتعويض على المتضررين ،والتعويض على ذوي المتوفين والمعدومين وإعادة الاعتبار لهم.

تلك هي أبرز المطالب التي لو تحققت لزال الاحتقان والتوتر اللذان يسودان العلاقات العربية – الكردية، ولأكسب سورية منعة وتماسكاً ووحدة داخلية تفتقدها منذ زمن طويل، في مواجهة التحديات التي تجابهها والأخطار التي تتهددها. أما الزعم بأن تحقيق هذه المطالب يؤثر على التجانس والوحدة الوطنية، فهو زعم باطل، فبلد صغير مثل سويسرا فيه ست قوميات وست لغات للتعليم والثقافة، ومع ذلك فلا أحد يماري في تماسكها وقوتها وتعايش أهلها بسلام وتعاون وانسجام.

حل القضية الكردية من منظور شرعي:

إن النظر إلى المطالب الكردية في سورية وغيرها من منظور شرعي إسلامي يمكن توضيحه بما يأتي:

إنه لايوجد مانع شرعي أو وطني يحول دون تمتّع الإخوة الكرد بالحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية، على قدم المساواة مع إخوانهم العرب والترك والفرس، لأن التنوّع العرقي واللغوي مدعاة للتعارف والتعاون على البر والتقوى، التعارف الذي يعني التواصل الحضاري بين الشعوب والاعتراف بالآخر والتواصل معه على الخير والكلمة السواء والمجادلة بالتي هي أحسن[53]. كما أنّ في المطالبة بالحقوق في سياقها الوطني مطالبةً عامة تشمل أبناء الوطن جميعاً[54].

إن نظرة الحركة السياسية الإسلامية لا تقف عند حدّ السماح للإخوة الكرد بالتمتع بحقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية، في إطار سورية ديمقراطية تحترم التعددية وحقوق الإنسان وحكم القانون، بل تتعدى هذه النظرة لتصل إلى حدّ الإدانة لجميع أشكال الظلم الواقعة على هؤلاء الإخوة، سواء ما يتعلق منها بحرمانهم من حق الجنسية، أو بحرمانهم من كثير من الحقوق المدنية والسياسية والثقافية، مع التأكيد على التضامن مع هذه الحقوق والدفاع عنها، وعلى ضرورة أن تصاغ السياسات العامة الحالية والمستقبلية، بما يرفع الظلم ويصون الحقوق ويحميها، ويكفل حل القضية الكردية، وسائر القضايا الوطنية، بشكل عادل، في الإطار الوطني[55].

وهذه النظرة ليست بنت الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة السورية،منذ أحداث الثاني عشر من آذار عام2004 ، وإنما تمتدّ إلى بدايات بروز المشكلة الكردية في الشرق الأوسط ، فقد أرسل الشيخ حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين - برقية إلى الحكومة العراقية سنة 1945م، أثناء الثورة البارزانية، يناشدها أن تحل القضية الكردية عبر الحوار وتحقيق المساواة ورفع الظلم، لا عبر السلاح والقمع، والبرقية منشورة في مجلة "الإخوان المسلمون". ثم زار وفد من قيادة الإخوان في العراق، أواسط الستينيات الملا مصطفى البارزاني، وشرح بصراحة الحرج المستولي على الإخوان من الموافقة على انفصال كردستان، انطلاقاً من مفهومهم الشرعي في وجوب وحدة الأمة، ولكنهم يقرّون بوجوب منح الأكراد الحقوق السياسية واللغوية والإدارية والتراثية وتقرير حصة في الميزانية مناسبة، فأبدى الملا مصطفى آنذاك تفهماً لاجتهاد الإخوان، وشكرهم وصرح بأنه يودّ أن لو كان مجرد شرطي في الحكومة الإسلامية التي يدعو لها الإخوان إن قامت"[56].

وإذا كان ثمة تحفّظات لدى بعض الناس حول هذا الطرح، بدعوى تأثيره السلبي على الوحدة الوطنية، فإنّ العكس هو الصحيح. فمن المعروف تاريخياً أن العرب والكرد والترك والفرس وسائر القوميات الأخرى في العالم الإسلامي عاشت تاريخاً مشتركاً، منذ الأيام الأولى للدعوة الإسلامية حتى وقتنا الحاضر، ولم نسمع أو نقرأ، ومن باب أولى لم نجد نصاً دينياً ثابتاً، يلزم المسلمين بالتخلي عن لغتهم والأخذ بلغة أخرى وإحلالها محل اللغة الأم، وإلا لما وجدنا التركيّ والأفغاني والفارسيّ وغيرهم.

وفي وقتنا الحاضر، وبالرغم من دعوى الحرص على الوحدة الوطنية، وضرورة صهر كل المواطنين في بوتقة واحدة، وبالرغم من فرض لغة معينة ونظام تعليم وإعلام وتخاطب على الناس، فماذا كانت النتيجة فيما يخص الكرد؟ هل تمّ صهرهم في البوتقات العربية والتركية والفارسية؟ هل نسي الكرد لغتهم وحقوقهم الطبيعية؟ أم أن البون اتسع بينهم وبين الحكومات التي تحكمهم وتريد فرض واقع غريب عليهم بالحديد والنار؟

إن قضية الكرد تُعدّ مفتاح الحرب والسلام للشرق الأوسط،على مستوى الشعوب والأنظمة، فهل عَدِمَ الحكامُ الحكمة والتعقّل اللذين يمكّنانهم من إيجاد حل عادل منطقي منصف لها، والتفرّغ لقضايا أكثر خطورة وتأثيراً على أمننا ومستقبلنا، كرداً وعرباً وأتراكاً وفرساً وشعوباً إسلامية أخرى؟!

--------------------

(*) نص المحاضرة التي ألقيت في البالتوك،في غرفة سورية العدالة والحريةSyria justice and freedom)  (،ليلة السبت على الأحد 14/15 ـ 10ـ2006م.


[1] فؤدا حمه خورشيد: الأكراد في معرض الجغرافية البشرية، (جريدة التآخي، بغداد، 16/11/ 1967).

[2] شاكر خصباك: العراق الشمالي، (مطبعة شفيق، بغداد، 1973)، ص 164.

[3] هادي رشيد الجاوشلي: القومية الكردية وتراثها التاريخي، (كتاب التآخي، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967)، ص 62-63.

[4] خصباك، المصدر السابق، ص 164.

[5] راندل، جوناثان: أمة في شقاق- دروب كردستان كما سلكتها، (ترجمة فادي حمود، دار النهار، بيروت، ط2، 1999)، ص 35.

                                                  1  

[6] محمود الدرة: القضية الكردية، (مطبعة الطليعة، بيروت، ط، 1966)، ص 20. وملاّ.ع. كردي: كردستان والأكراد، ( دار الكاتب، بيروت، ط2، 1990)، ص 19.

[7] ملا.ع. كردي، المصدر السابق، ص 18-19.

[8] : قال الله تعالى: "وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي، وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعُداً للقوم الظالمين". سورة هود/ الآية 44. وفي العهد القديم: "واستقر الفلك على جبل أراراط" سفر التكوين/8. وأرارات والجودي جبلان في كردستان.

[9] راندل، المصدر السابق، ص 34، وينظر أيضاً، محمد علي الصويركي الكردي: الأكراد الأردنيون ودورهم في بناء الأردن الحديث، (دار سندباد للنشر، عمان، الأردن، ط1، 2004م)،ص 22-25.

 

                                                      2

[10] ملا.ع. كردي، المصدر السابق، ص 28-53. وعلي سيدو الكوراني: من عمان إلى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية، (مطبعة السعادة، القاهرة، 1939)، ص 232-240. وبريستد، جيمس هنري: انتصار الحضارة- تاريخ الشرق القديم، (تعريب د. أحمد فوزي، مطبعة انجلو المصرية، القاهرة) د.ت، ص 202-258-263.

[11] دائرة المعارف الإسلامية، ج 26، ص 7990-8004.

 

                                                    3

[12] للمزيد عنها ينظر: "تاريخ الفارقي".

[13] للمزيد عنها يُنظر: السلوك في دول الملوك للمقريزي، والأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لابن شداد.

[14] ينظر: الكوراني، المصدر السابق، ص 244-247. وللمزيد عن الإمارات والدول الكردية في العهد الإسلامي ينظر: تاريخ الدول والإمارات الكردية، لمؤلفه محمد أمين زكي، ترجمة محمد علي عوني، القاهرة، 1945م.

 

                                                       4

[15] راندل، المصدر السابق، ص 37-38.

[16] راندل، المصدر السابق، ص 28-32. وينظر أيضاً: البروفيسور بافيج: كردستان والمسألة الكردية، (ترجمة برو، رابطة كاوا للمثقفين اليساريين الأكراد، ط1، 1978، د.م)، ص 26. وللمزيد عن مآسي الأكراد في تلك الحرب ينظر: كمال مظهر أحمد: كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى.

[17] ينظر: محمد علي الصويركي، المصدر السابق، ص 15-16. ويقدّر الدكتور عبد الرحمن قاسملو مساحة كردستان بـ409.650كم2، أي أنها أوسع مساحة من بريطانيا وهولندا وبلجيكا وسويسرا والدنمارك مجتمعة، منها 194.40كم2 في تركيا، و124.950كم2 في إيران، و72.000كم2 في العراق، و18.300كم2 في سورية. ينظر كتابه: كردستان والأكراد، (المؤسسة اللبنانية للنشر، بيروت، د.ت)، ص 12.

                                                          5

[18] راندل، المصدر السابق، ص 28-29.

[19] محمد علي الصويركي، المصدر السابق، ص 18.

[20] موقع جزيرة نت، 16/6/2004.

[21] سعد محيو، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 23/3/2004، نقلاً عن موقع سويس انفو، 20/3/2004.

[22] صلاح بدر الدين: غرب كردستان، (مطبعة الاتحاد، برلين، ألمانيا)، ص140، وينظر: أخبار الشرق، لندن، 6/2/2003، حيث خبر: وفد قيادي لحزب كردي سوري محظور يسلم رسالة إلى القيادة السياسية.

                                                     6

[23] د. عبد الباسط سيدا: المسألة الكردية في سورية، (مطبعة نينا، السويد، أبسالا، ط1، 2003)، ص 19-24/ 57.

[24] سعد محيو، المصدر السابق.

[25] من أبرز عشائر حي الأكراد (ركن الدين) في دمشق: الأيوبية، الأشيتية، البارافية، البرازية، البينارلية، الدقورية، الديركية، الرشوانية، الشيخانية، المتينية، الملّية، الظاظا، الكيكية، الوانية، الإيزولية، الأومريّة. وظهر منهم آل يوسف وآل شمدين الذين حازوا مجداً وجاهاً عظيمين، وكانوا أمراء الحج الشامي في العهد العثماني. ينظر: محمد علي الصويركي، المصدر السابق، ص37.

[26] أكرم البني: أحداث القامشلي: مسؤولية النظام وأوهام التطرف القومي، (جريدة النهار، بيروت، 24/3/2004).

[27] سكان مدينة حماة الذين هم من أصل كردي يشكلون نسبة كبيرة تقارب نصف عدد السكان، لكن الأجيال الحالية لم يعد فيها من يتكلم الكردية، وآخر هجرة كردية لمدينة حماة كانت منذ 250 سنة، كما عيّن عليها حاكم كردي اسمه إسماعيل ملّي، وجاءت معه عشائر البرازي ومراد الكردية. وكان فيها من قبل عشائر أيوبية وباظو وكوجان والزعيم وغيرها.

[28] أكراد اللاذقية يتمركزون في: الحفة، صهيون، جنكيل، بابنا، قسطل الشيخ نوري، سلمى، كنسبا، ...الخ، ومثلهم أكراد شمال محافظة ادلب في بعض القرى الحدودية.

                                                            7

[29] د. عبد الباسط سيدا: المسألة الكردية في سورية، مصدر سابق، ص63.

[30] أحمد عبد الباقي أحمد: الدور السياسي للقوميات في تركيا – الأكراد، دراسة حالة، (رسالة ماجستير مقدمة إلى معهد الدراسات القومية والاشتراكية في الجامعة المستنصرية، بغداد، 1989)، ص 102، وينظر: د. حامد محمود عيسى: المشكلة الكردية في الشرق الأوسط، (مكتبة مدبولي، القاهرة، 1992)، ص 352. وصلاح بدر الدين، غرب كردستان، ص 44.

                                                        8

[31] صلاح بدر الدين: غرب كردستان، ص 44 – 45.

[32] د. حامد عيسى، المصدر السابق، ص 352.

[33] د. سعد ناجي جواد: الأقلية الكردية في سورية، (مركز دراسات العالم الثالث، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1988)، ص 21.

[34] المصدر السابق، ص 22.

                                                    9

[35] د. سعد جواد، المصدر السابق، ص 22 – 27.

[36] صحيفة الزمان، لندن، 17 / 6 / 2002.

                                                  10

[37] تركي علي ربيعو: مثقفون سوريون وأكراد.. حوار طرشان، (صحيفة الحياة، لندن، 21/7/2002).

[38] عن الأحزاب الكردية في سورية ينظر: كراس بعنوان "خريطة الأحزاب السياسية في سورية".

[39] صلاح بدر الدين: الأكراد شعباً وقضية، (دار الكاتب، رابطة كاوا للثقافة الكردية، بيروت، 1987)، ص 136.

                                                  11

[40] صلاح بدر الدين: غرب كردستان، ص 31.

[41] أكرم البني، المصدر السابق.

[42] المصدر نفسه.

 

                                                       12

[43] ينظر بالتفصيل عن دراسة محمد طلب هلال وما كوفيء به كتاب: صلاح بدر الدين: غرب كردستان، المصدر السابق، ص 69 – 88.

[44] ينظر الملحق الوثائقي في آخر البحث.

[45] صبحي الحديدي: سورية في 2005 هل سيكون الآتي أدهى من الذي تأخر؟ (القدس العربي، 31 / 12 / 2004)، وأكرم البني، المصدر السابق.

[46] أكرم البني، المصدر السابق.

[47] صلاح بدر الدين، غرب كردستان، ص 31.

                                                         13

[48] أكرم البني، المصدر السابق.

[49] صحيفة الرأي العام الكويتية، 13/10/2002م.

[50] صلاح بدر الدين، غرب كردستان، ص 29.

[51] سعيد لحدو: النظام السوري بين التأجيل والتأجيج: أحداث القامشلي... حادثة أم حادث؟ (القدس العربي، 24/3/2004).

                                                   14

[52] عن مطالب الأكراد بنظر: مشروع البرنامج السياسي لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية "يكيتي"، موقع نوروز، 2/1/2005م. جزيرة نت، 16/6/2004، أخبار الشرق (موقع على الانترنت)، 10/6/2004، ويوم 6/2/2003، وصحيفة الرأي العام الكويتية، 13/10/2002، ومركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية (موقع على الانترنت) 23/3/2004 سعد محيو – بيروت.

 

                                                      15

[53] ينظر المشروع السياسي لسورية المستقبل – رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية، 1425هـ / 2004م، ص 24.

[54] المصدر السابق، ص 91.

[55] ينظر: بيان ندوة الحوار حول مستقبل العمل الوطني في سورية، الصادر عن المؤتمر الوطني الأول للحوار، لجنة الميثاق الوطني في سورية، الصادر في لندن بتاريخ 16/5/2004.

 

                                                   16

[56] محمد أحمد الراشد: دراسة شرعية وسياسية للقضية العراقية، ص 2.

                                                         17

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ