ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 22/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تحدي التنفيذ ومشكلات ما بعد الإغلاق

محمود عبده علي

لم ينه قرار الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو، الجدل داخل الولايات المتحدة حول هذه القضية، بل إن كثيرًا من المحللين الأمريكيين يرون أن القرار الذي اتخذه أوباما لم يكن سوى الجانب الأسهل من المشكلة، إذ تبقى التساؤلات مطروحة حول كيفية تنفيذ الرئيس الأمريكي للقرار الذي اتخذه، ومصير الـ 250 معتقل الباقين في جوانتانامو.

ويمكن القول: إن هناك عديدًا من العقبات تعترض طريق أوباما بشأن إغلاق جوانتانامو، منها ما يتعلق بصعوبة تنفيذ قراره بإغلاق المعتقل، ومنها ما يتعلق بمعضلة ما بعد جوانتانامو، فضلاً عن انقسام الرأي العام الأمريكي بشأن القضية.

 

انقسام الرأي العام الأمريكي

على الرغم من التأييد العالمي للخطوة التي اتخذها أوباما لإغلاق معتقل جوانتانامو إلا أن هذا القرار لا يحظى إلا بأغلبية ضئيلة لدى الأمريكيين، والذي يُعد أحد التحديات التي سيواجهها أوباما لإغلاق المعتقل. تُظهر استطلاعات الرأي مدى انقسام الأمريكيين بشدة حول أسلوب التعامل الأمثل مع المعتقلين. وتزيد هذه المشكلة وضوحًا عند معرفة أن غالبية الأمريكيين، على اختلاف توجهاتهم، يعتبرون الأمن مقدمًا على أي محاكمة عادلة للمعتقلين، ويعتقدون أيضًا أنه لا يجب منح معتقلي جوانتانامو الصفة القانونية ذاتها التي يتمتع بها السجناء الآخرون داخل الولايات المتحدة.

توضح نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "راسميوسن" Rasmussen هذه الحقائق، حيث أبدى 44% فقط من الأمريكيين تأييدهم لقرار أوباما بإغلاق جوانتانامو خلال عام، مقابل 42% أبدوا اعتراضهم، والباقون (14%) لم يحسموا أمرهم بعد. وفي نهاية نوفمبر العام الماضي (2007) كان 32% فقط من الأمريكيين هم من يؤيدون إغلاق جوانتانامو، مقابل 49% عارضوا الأمر.

كان الديمقراطيون هم الأسرع في تغيير وجهة نظرهم مقارنة بالجمهوريين أو غير المنتمين لأي من الحزبين. ففي نوفمبر من العام الماضي كان 47% فقط من الديمقراطيين يؤيدون إغلاق جوانتانامو، مقابل 79% من الجمهوريين يعارضون. أما في الوقت الحالي فإن 71% من الديمقراطيين يؤيدون إغلاق المعتقل، بينما يعارضه 68% من الجمهوريين.

 

وتُظهر استطلاعات الرأي أن الأمنَ ذو أولوية تتقدم على العدالة ومعاييرها ومدى توافرها للمعتقلين، فقد اعتبر 68% من الناخبين أن الأمن مقدم على العدالة، و19% فقط يعتبرون أن للعدالة الأولوية، أما الباقون (13%) لم يحسموا أمرهم بعد. وفي الإطار ذاته يرى 80% من الديمقراطيين أن الأمن مقدم على العدالة، و55% من الجمهوريين، وحوالي 73% من الناخبين غير المنتمين لأي من الحزبين لهم الرأي ذاته. وفي المقابل فإن 27% فقط من الديمقراطيين، 16% من غير المنتمين، و11% فقط من الجمهوريين، يعتقدون أن العدالة مقدمة على الأمن.

 

وبالنسبة لحقوق المعتقلين، يرى غالبية الأمريكيين أنه لا يجب منح معتقلي جوانتانامو الصفة القانونية ذاتها التي يتمتع بها السجناء الآخرون داخل الولايات المتحدة، فحوالي 69% من الأمريكيين، حسب استطلاعات للمعهد ذاته، يعتقدون أن "الإرهابيين المشتبه بهم" لا يجب أن يتم إعطاؤهم كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الأمريكيون، مقابل 16% فقط يعترضون على ذلك، و15% غير متأكدين.

 

وتظهر الاستطلاعات أن الديمقراطيين أقل معارضة لمعاملة المعتقلين مثل المواطنين الأمريكيين من الجمهوريين وغير المنتمين لأي من الحزبين، فـ 59% منهم يوافقون على ذلك، بينما 84% من الجمهوريين و64% من غير المنتمين لأي من الحزبين يعارضون مثل هذا الأمر.

 

وفي السياق ذاته، فإن 26% فقط من الأمريكيين يرون أن المعتقلين يجب محاكمتهم في محاكم أمريكية مقابل 59% يؤيدون نهج إدارة بوش الابن في محاكمة المعتقلين في محاكم عسكرية، و16% غير متأكدين. فـ 67% من الجمهوريين و66% من غير المنتمين يرون أن المعتقلين يجب محاكمتهم في ظل محاكم عسكرية، أما الديمقراطيون فمنقسمون بشدة بخصوص هذا الأمر، فبينما يعتقد 64% منهم أن المحاكمة العسكرية شيء جيد، فإن 35% يرون أنه يجب محاكمة المعتقلين في المحاكم الأمريكية.

 

صعوبة التنفيذ

بجانب انقسام الرأي العام الأمريكي حيال قرار أوباما لإغلاق معتقل جوانتانامو، يرى ماثيو واكسمان Matthew Waxman، الأستاذ بكلية كولومبيا للقانون والذي شغل مناصب رفيعة في وزارتي الخارجية والدفاع، أن أولى التحديات التي سيواجهها أوباما في هذا الصدد تتمثل في كيفية تنفيذ أوباما لقراره بشأن إغلاق جوانتانامو.

ففي مقال له بعنوان "إغلاق جوانتانامو أصعب مما تتخيل" Closing Guantanamo is way harder than you think نُشر على موقع مجلة السياسة الخارجية foreign policy بتاريخ 21 من يناير 2009، أشار واكسمان إلى أن إعلان أوباما نيته إغلاق معتقل جوانتانامو هو فقط الجزء الأسهل من المشكلة، إذ يبقى التنفيذ، وهو أمر مختلف كليةً عن إبداء النية فقط.

وتتجلى أحد صعوبات التنفيذ هذه في فئة من المعتقلين تعتبرهم الإدارة خطيرين للغاية، ولكن في الوقت ذاته ليس بوسعها اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم؛ نظرًا لعدم توافر الأدلة أو لعدم اعتراف المحاكم الأمريكية بها في حال توافرها. خاصة مع الدفع باحتمال أن تكون هذه الأدلة انتزعت بممارسات غير قانونية.

وتشكل هذه الفئة، حسبما يشير واكسمان، معضلة حقيقية أمام الرئيس أوباما، إذ أن محاكمتهم أمام المحاكم الأمريكية قد يؤدي إلى الإفراج عنهم بدعوى عدم كفاية الأدلة أو أنها تمَّ انتزاعها بطرق غير مشروعة. ويضرب مثالاً على ذلك بإسقاط المحاكم الأمريكية الاتهامات ضد "محمد القحطاني"، المتهم رقم عشرين في قائمة المختطفين، بدعوى المعاملة السيئة من قبل المحققين، ويعتبر واكسمان هذه القضية نموذجًا للصعوبات التي ستواجه أوباما في هذا الإطار.

وتأكيدًا لرأيه، يُوضح واكسمان أنه رغم الخبرة التي اكتسبتها المحاكم الأمريكية في التعامل مع قضايا الإرهاب، كنتيجة مباشرة للعمل بـ"القانون الجنائي ضد الإرهاب" criminal statutes for terrorism منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن المعلومات التي تقدمها الإدارة، والتي تؤكد ارتباط بعض المعتقلين الخطرين بتنظيم القاعدة، قد لا تكون مقبولة أو مفيدة في المحكمة.

 

معضلة "ما بعد جوانتانامو"

لا تقتصر العقبات التي تعترض أوباما فقط على صعوبة التنفيذ فقط، إذ يبقى تساؤلٌ هامًّا يجب على أوباما الإجابة عليه، وهو "ماذا بعد إغلاق جوانتانامو؟"، حيث تُشير صحيفة ناشونال ريفيو National Review - لسان حال المحافظين الجدد في الولايات المتحدة - في افتتاحية لها بعنوان "خطوة خاطئة في جوانتانامو"، في عددها الصادر يوم 23 من يناير 2009، إلى أن أوباما قد أغفل الإجابة عن عديدٍ من الأسئلة الهامة المرتبطة بقراره إغلاق جوانتانامو، من قبيل أين سيذهب معتقلو جوانتانامو الحاليين عندما يتم إغلاق المعتقل؟، وهل ستتم محاكمتهم؟، وهل ستستحدث إدارة أوباما نظامًا جديدًا لمعالجة المعضلات المتعلقة بالمعايير والسلامة القانونية للاعتقال؟.

وانطلاقًا من اقتناعها بأن أوباما لم يقدم إجابات كافية عن الأسئلة السابقة، أعلنت الصحيفة رفضها لقراره بإغلاق جوانتانامو، قائلة: "نحن نرغب في إغلاق جوانتانامو، لكننا لا نستطيع فعل ذلك الآن. نحن نرغب في نقل المعتقلين خارج جوانتانامو، لكن الدول الأخرى لا تريد استقبالهم. نحن نرغب في أن يحظى كل معتقل بمحاكمة مدنية، لكننا لا نمتلك كثيرًا من الأدلة. نحن نرغب في الإفراج عن المعتقلين الذين لا نستطيع إثبات الجرائم عليهم، لكن مخابراتنا تخبرنا أنهم خطرون للغاية، ومن ثم فإن فعل ذلك (أي الإقدام على إغلاق جوانتانامو) سيكون خطوة غير مسئولة".

وبدوره أيضًا يشير دان إيفرون Dan Ephron المحرر بمجلة النيوزويك الأمريكية Newsweek، إلى مشكلات أربع قد تعترض الإدارة الجديدة في حالة إقدامها على إغلاق جوانتانامو، وهي مشكلات سبقت الإشارة إليها في تقرير سابق حمل عنوان الأمن أم حقوق الإنسان! ومعضلة غلق جوانتانامو، إلى وجود عوائق أربعة قد تعترض إمكانية تنفيذ وعد أوباما.

 

وتتمثل هذه المشكلات، حسبما يشير إيفرون في مقالة له تحت عنوان "معضلة جوانتانامو: أربعة أسباب تمنع أوباما من إغلاق المعتقل المثير للجدل " The Gitmo Dilemma: four reasons Obama won't close the controversial prison soon، بتاريخ 7 من نوفمبر من العام الماضي، في الآتي:

أولاً: ما يسميه بـ"العامل اليمني" The Yemeni factor حيث إن إطلاق سراح بعض المعتقلين سيتطلب الاتفاق مع دولهم على تشديد الإجراءات الأمنية حولهم وإخضاعهم للرقابة وهو ما قد تستجيب إليه بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية، لكن هناك بعضًا آخر مثل اليمن لن تستجيب لذلك نتيجة الضغوط الشعبية وافتقادها للسيطرة على إقليمها بصورة كاملة. فضلاً عن أن دولاً أخرى قد تقوم بتعذيب العائدين إليها من المعتقل مثل الصين.

ثانيًا: في ظل استمرار الولايات المتحدة في احتجاز بعض المعتقلين، إما بهدف تقديمهم للمحاكمة بعد ذلك أو أنه من الخطورة إطلاق سراحهم، تثار مشكلة تحديد المكان الذي سيتم احتجازهم فيه. ورغم أن هناك عديدًا من الأماكن التي تُطرح في هذا الإطار، مثل منطقة فورت ليفنورث Fort Leavenworth أو تشارلستون Charleston بولاية سوث كارولينا South Carolina، فإن تشارلز ستيمسنون Charles Stimson، مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق لشئون المعتقلين، يرى أن إعداد تلك المواقع وتحصينها ضد أي هجمات إرهابية لتحرير المحتجزين يحتاج لفترة طويلة، ناهيك عن المخاطر التي سوف يتعرض لها المدنيين الساكنين بتلك المناطق والمدن المحيطة بها .

ثالثًا: إن محاكمة المعتقلين الذين تعتبرهم الإدارة على درجة عالية من الخطورة، بما فيهم المتورطون في هجمات سبتمبر، وفقًا للإدارة الأمريكية، سواء أمام المحاكم الفيدرالية أو المحاكم العسكرية لا تضمن إدانتهم نتيجة ما تكفله تلك المحاكم من حقوق للدفاع عن الماثلين أمامها، حتى إن "خالد شيخ محمد"، الذي تعتبره الولايات المتحدة العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر قد لا تتم إدانته إذا ما قام بتأكيد أن اعترافاته انتزعت منه تحت وطأة التعذيب واستعرض الممارسات التي تعرض لها خلال اعتقاله. ومن ثم يقترح بعض الخبراء القانونيين إنشاء محاكم للأمن القومي national security courts لمحاكمة معتقلي جوانتانامو أمامها، ولكن إنشاء مثل هذه المحاكمة يتطلب عملية تشريعية طويلة ومعقدة.

رابعًا: أين يمكن أن تحتجز الولايات المتحدة الإرهابيين الذين يتم إلقاء القبض عليهم مستقبلاً في أفغانستان وباكستان والعراق؟، ومع أن بعض الخبراء يطرح قاعدة "باجرام" الجوية الأمريكية في أفغانستان كبديل ملائم، فإن إعدادها لتصبح معتقلاً بديلاً يتطلب تكلفة مالية كبيرة، فضلاً عن أنه قد يستغرق وقتًا طويلاً.

 

خيارات كلها صعبة

بعد استعراض الصعوبات – التى سبق الإشارة إليها – لقرار أوباما إغلاق معتقل جوانتانامو، يبقى التساؤل: هل من حل أمام أوباما للتغلب على هذه الصعوبات؟. في هذا السياق يشير واكسمان، في مقالته السابق الإشارة إليها، إلى أن الإدارة الجديدة لديها مجموعة من الخيارات، لكنها لا تخلو من السلبيات. فعلى سبيل المثال يمكن لإدارة أوباما الإبقاء على المعتقلين الحاليين والذين يمكن اعتقالهم في المستقبل في المنشآت الأمريكية كـ"مقاتلين أعداء"، مع استمرار الأمر القضائي بالتحقيق في جرائم هؤلاء. ومن ناحية ثانية قد تحاول الإدارة رفع دعوى ضد هؤلاء المعتقلين أمام لجان عسكرية تم إصلاحها بحيث تكون قواعدها لقبول الأدلة أقل تشددًا من المحاكم الأمريكية الأخرى. لكن الخيارين السابقين، ـ حسبما يشير واكسمان ـ، يبدوان شديدي الشبه بسياسة إدارة بوش السابقة السيئة السمعة فيما يخص التعامل مع المعتقلين.

ورغم وجود خيار ثالث أمام الإدارة الجديدة يتمثل في العمل مع الكونجرس على سن تشريع جديد يقر وجود نوع من "الاعتقال الإداري" "administrative detention" لمدة من الوقت ولفئة محدودة من المعتقلين يتم تحديدهم وفقًا لمعايير صارمة وإشراف قضائي قوي، فإن واكسمان يرى أن القلق الذي يبديه معارضو مثل هذه الإجراءات هو قلق مبرر، إذ من شأنها أن تؤطر للاعتقال بدون محاكمة.

ويخلص واكسمان إلى أن أي خطة لإغلاق لجوانتانامو ستواجه عديدًا من الأخطار، وستفرض نوعًا من المفاضلة الصعبة، ومن ثم، وحسب كلماته، "فإن المشكلات الشائكة لاحتجاز واستجواب إرهابيين مشتبه بهم اعتقلوا في مناطق لا تخضع للقانون أو من خلال العمليات الاستخباراتية السرية، ستستمر لفترة طويلة حتى بعد حل مشكلة الـ250 معتقلاً الباقين في جوانتانامو. قد يتمكن أوباما من إغلاق جوانتانامو، لكن التحديات السياسية والقانونية المعقدة والتي أدت إلى إنشائه لن تنتهي قريبًا على الإطلاق".

ــــــــ

تقرير واشنطن - 25/7/2009

-----------------------

التقارير المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

   

    

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ