ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الثقافة الثالثة

إلى حافات العلوم

زهير سالم*

 

( الثقافة الثالثة ) هذا العنوان مقتبس عن  كتاب ( الإنسانيون الجدد ) تحرير جون بروكمان. الكتاب الذي يتوقف عبر عشرين مقالة لعشرين عالما تقريبا، عند أبعاد الثورات العلمية على أكثر من صعيد. ويؤكد حاجةَ الإنسانية إلى الثقافة المتنوعة  في دفع حركة التقدم والحيوية في مجتمع القرن الحادي والعشرين. وهو قرن  يتطور، كما يقول المحرر، مع تسارع الأبحاث العلمية وتطبيقاتها في عوالم العلوم المختلفة.

 

وفكرة الثقافة الثالثة، أو الذهاب مع العلم إلى الحافة كما يطرحها محرر الكتاب، تكمن في رأيه ،وحسب المعطى الغربي الظرفي، في بعدين: الأول سرعة التطور المعرفي بحيث تصبح معلومة الأمس كجريدة الأمس، مما يجعل الإنسان في حاجة إلى متابعة التطورات العلمية بشكل يومي. ( المتابعة حتى حافة التطورات العلمية) أي أكثرها جدة. بمعنى أن كثيرا من المعلومات وفي شتى صنوف المعرفة قد تصبح منتهية الصلاحية في غضون زمن قصير، ويصبح البناء عليها أو الاستثمار فيها أشد خطرا من المتاجرة باللحوم الفاسدة التي تقتل ملايين البشر.

 

والبعد الآخر الذي يطرحه المحرر هو مشكلة الاختصاص المعرفي المحدود، مهما كان عميقا، ولاسيما حين يتولى صاحبه أمرا في ميدان الحياة العامة، التي تحتاج في سيرورتها إلى ثقافة أكثر غنى. فكبار الساسة في العالم جاؤوا من اختصاصات علمية لا تؤهلهم بخصوصيتها للتعامل مع الشأن العام. يتوقف المحرر عند محور عام للثقافة تتمحور حول( العلوم الإنسانية) أو ما نسميه في عالمنا ( الآداب )، وآخر يتمحور حول العلوم المادية أو ( الفيزيائية) أو ما يسمى ببعض المصطلحات (العلوم البحتة)؛ ليؤكد فكرة الكتاب على ضرورة إنجاز مجال للثقافة الثالثة الجامعة والشاملة التي يفهمها الجميع، والتي هي ضرورية للجميع. على الرجل العام في عصر التوسع المعرفي والتسارع المعرفي أن يشدو من كل علم أو فن بطرف كما كان يقول أجدادنا. وأنى لنا؟!!

 

وفكرة الكتاب، كما نرى، حساسة ومهمة. وتدلل على طريقة القوم في مناقشة أمورهم، وتدارك بعض الخلل الذي يتسرب إلى حياتهم. يعتقد المحرر أن مهمة المتابعة العملية( لشعب المعرفة وتسارعاتها) ولو في الحقول العامة أكبر من أي جهد فردي. ولاسيما أن للكثير من العلوم خلفياتها ومبادئها ومصطلحاتها المعقدة، التي تجعلها خارج تناول المتابع أو المثقف العام. وهنا يقترح في مقدمة الكتاب وجود هيئات معرفية راعية تقدم هذا الزاد لكل الرجال الذين يتعاطون مع الشأن العام. تقدم الثقافة طاقة الزهر التي لا تغفل عن إنساني ولا عن فيزيائي.

 

 يقترح المحرر مبدئيا فريقا عاملا يغطي مختلف فروع المعرفة  ( الإنسانية والمادية الفيزيائية ) يقوم بتقديم  خلاصات مواكبة للتطورات في صيغ مختصرة وواضحة وعلمية أيضا. صيغ مختصرة وواضحة وعلمية في مختلف ميادين المعرفة، على مستوى علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء وآخر تطورات علوم الحياة وعلم الخلية والجينات وعلوم الاقتصاد كما علوم الفلك والفضاء كما علوم الحاسبات كما علوم اللغة والصوتيات والموسيقا و الشعر والرواية والفلسفة والأدب؛ وهذا التعداد ليس للحصر وإنما للتمثيل فقط. يحتاج المثقف إلى مصادر موثوقة وعلمية تواكب به مستجدات الثقافة والعلوم ليكون شريكا فعالا في العصر الذي يعيش فيه.

 

وأعتقد بعد هذه المقدمة أننا ما زلنا  في إطار توظيف أفضل لمصطلح الثقافة الثالثة على ضفتنا الإسلامية في القرن الحادي والعشرين..

 

فلكي نعيش عصرنا نحتاج إلى إدراك كل ما يجري فيه. وحين يقسم بروكمان مثقفي عالمه إلى مثقفي آداب و مثقفي علوم كما نستخدم في مصطلحاتنا ويجد في الهوّة أو في الاختصاص المنغلق خطرا.. فإن الخطر الذي يتهددنا بالعزل والإقصاء هو أكثر تشعبا حسب الواقع الذي نعيشه في ظل المعطى الثقافي الذي تحول إلى ما يشبه الكانتونات في حياتنا المعرفية المؤسسة لحياتنا العملية .

 

وقبل أن نشير إلى بعض تشعبات هذا الخطر، علينا أن نوضح أنه ليس من شأن هذا المقال أن يسقط ثقافة ( ما ) أو أن ينال منها. لأن الثقافة لا تلغي الثقافة. بل الثقافة دائما تعزز ذاتها، و كلما تنوعت وتلونت اغتنت وامتدت وتجذرت.

 

ولنا أن نؤكد أنه ليس في الثقافة ما هو مكرور. المكرور بالنسبة إلى أبناء جيل هو جديد بالنسبة لأبناء جيل آخر. وهكذا نستطيع أن نقول إن نهر المعرفة الإنسانية عند مصبه هو أغزر وأعظم منه عند منبعه.

 

وثالثا الثقافة الحية هي التي تنفي خبثها. الثقافة الحية في عملية التجدد تنقد ذاتها، تتخلص من الخَلِق والضيّق والحاسر والكالح من ثيابها. تجد وقتا أطول لمراجعة صوابية رواياتها  ومقرراتها. والثقافة الحية لا يلوثها الاغتراف منها، ولا الوافد عليها لأنها قادرة على التقوّي بالمفيد وطرح الأذى.

 

والثقافة الحية هي الثقافة التي تكون قادرة بجرأة على تطبيق قواعدها. تقرأ في قواعد المحدثين مثلا أنه يحكم بوضع الخبر إذا خالف صريح العقل، ثم قلما تجدهم يعملون هذه القاعدة بالطلاقة التي تستحق.

 

وحين نتحدث عن الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان، فنحن نتحدث عن نصوص مقدسة  صامتة. الحديث عن شريعة صالحة يقتضينا بالتوازي وأؤكد ،بالتوازي، أن نتحدث عن المشرع المسلم ( الفقيه ) الصالح للزمان والمكان. وهل يمكن لفقيه لا يدرك معارف عصره، في آفاقها العامة، ولا يعيشها أن ينتج فقها يليق بهذا العصر، ويخدم مشروع نهضته ويوطئ للمسلمين سبل النهوض؟!

 

وحين نتحدث عن الثقافة الثالثة سنجد أنفسنا أمام تحدي الخروج من ( الكانتون ) المعرفي التاريخي. من الطبيعي، بالنسبة إلى أبناء أمتنا، أن يستروحوا للمعطى المعرفي التاريخي لأن هذا المعطى يمثل أيام عزنا ونهوضنا؛ ولكن لا ينبغي أن يكون هذا الاسترواح طريقة للهروب من الحاضر أو رفضه أو الاستعلاء السلبي عليه.

 

و( كانتون ) معرفتنا التاريخي يحتاج إلى إعمال أكثر موضوعية لقواعد المنهج العلمي الذي وضعه رواد هذه المعرفة أنفسهم. نحتاج إلى الثقافة الثالثة في غربلة المعرفة التاريخية بكل ميادينها. حسب مناهج أربابها. ونحتاج إلى الثقافة الثالثة في دمج التاريخي بالعصري بل في موازنة التاريخي بالعصري بحيث يكون لكل بُعْدٍ سهمه في صنع شخصيتنا المتوازنة السوية. أرجو ألا نفهم أننا نوازي التاريخي بالمعاصر بالمطلق، فلكل معلوم حقه وحجمه ووقته.

 

ونحتاج إلى الثقافة الثالثة على مستوى ثان في فتح النوافذ على العلوم والمعارف والمناهج. أن نقارب كل مورد مقاربة المستفيد وليس مقاربة المتوجس أو المترصد. الموقف الثقافي الحقيقي يضعك أمام سؤال: ماذا يمكن أن أستفيد من هذا المقال أو البحث أو الكاتب أو الكتاب، وليس ماذا يمكن أن أحصي على صاحبه من خلل؟ وكيف يمكن أن أختلس منه موقعا للخطأ؟ أو كيف يمكن أن اتهمه باعتلال البداهة؟  لا يهمني كثيرا أن أرقع أثواب الآخرين بقدر ما يهمني أن أستفيد من الصحيح الذي فيها.

 

ونحتاج إلى الثقافة الثالثة على مستوى ثالث للإجابة على سؤال: ما هي آخر المستجدات العلمية؟  في علوم الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة ,وأبحاث الخلية والخارطة الجينية ، وفي بحوث الفضاء؟ وفي عالم الفلسفة، وفي علوم القانون والفقه الشرعي والمدني وفي تطورات حقوق الإنسان؟ وفي الواقع السياسي والاجتماعي، وعلوم الاقتصاد؟ وأشكال الطاقة البديلة، وفي المخاطر الحقيقية للدفيئة المناخية ولثقب الأوزون ولمهددات البيئة، وماهي أبدع القصائد الجديدة على الصعيدين العربي والعالمي..

 

والمؤلم أنه يشتغل على هذه الميادين التي أشرنا إلى جزء محدود جدا منها في هذا العالم جنود من الباحثين والعاملين ونحن مغيبون ويقضي الناس أمرهم...

 

 الحصول على هذه الثقافة ليس مبادرة فردية. كان يحضر مجلس أبي حنيفة الفقيه ثمانون مختصا يشاورهم في الوصول إلى (فتوى) فيهم الفقيه والمحدث واللغوي والراوية نسوق هذا إلى مفتين الفضائيات المعاصرين...نحتاج اليوم  إلى  مثل ذلك المجمع، ليس في موضوع الفقه فقط بل في كل ميادين العلوم والفنون.

 

 وزارات الثقافة في العالم العربي هي المسئولة عن تيسير المعرفة. والأحزاب السياسية لو أخذت دورها في الحياة العامة، مطالبة هي الأخرى بتثقيف كوادرها تثقيفا عاما مستداما. حتى تظل هذه الكوادر حية وعلى صلة بالحياة.

 

يصلني عن طريق صديق جهد جيد لوزارة الثقافة السورية، تحت عنوان (كتاب اليوم ). الفكرة جيدة جدا، ولكن ما يُقدم تحت هذا العنوان الثري يحتاج إلى تطوير كبير؛ من حيث التنوع والغنى والأهمية ومن حيث فائدة التلخيص وتعبيره عن المحتوى...

 

لقد أصبحت عناوين بعض العلوم مجهولة بالنسبة لأبناء أمتنا!! بل لعلك لا تجد لها مقابلا عربيا يعبر عنها. هذا الفقر الثقافي المعرفي هو رأس البلاء وأسه  وجسده وروحه. والثقافة الثالثة بهذه المفاهيم هي مطلب حيوي للخاص والعام في حياتنا لنخرج من حالة الغيبوبة الحضارية التي نعيش.

 

ولعل تيسير هذه العلوم في صياغات عربية واضحة تخدم بطريقة غير مباشرة عملية تطوير لغة العرب ودمجها في مسيرة العلوم الكونية.

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

السبت 17/7/2010م


 

تعليقات القراء

   

جزاك الله خيرا فقد انصفت في الرد الموضوعي على المتنطعين. ولكن

نحتاج الى مقالات أخرى تفند مزاعم المتهجمين والمشككين

وتدافع عن رائد الثقافة الاسلامية الحية رحمه الله تعالى

أبو عمرو

==================

انت كتبت عن المشروع الاسلامي الحق فلماذا تسميه بالثقافة الثالثة او الرابعة. علي ان تطبيقه بعد وضع المرتكزات العقدية الصحيحة يحتاج الي جراة تستمد من جراة النبي واي خطا في التطبيق سيكون كارثيا علي الامة . تحية

معاوية الكناني

رد من زهير سالم : عفوا أخي .. الثقافة الثالثة ليس هي المشروع الإسلامي

=====================

ياصاحب المصب المتمرد علي صاحب المنبع

ابراهيم

=====================  

الامانه ان هذا مقال من أروع ما قرأت ونحن بحاجه بهذا الفهم

فواز عمرو  

=====================  

شكرا جزيلا على هذه الرؤية ومزيدا من التقدم

jvc1941

===================

لعل العودة الى ظلا ل معنى "الثقافة"كما هي في اللسان العربي لها مكانها و مكانتها في هذا المقام.اذ ان المثقف هو المعد للإعمال و الإستعمال والعثور على الشيء او الشخص بعد بذل الجهد في البحث اي ان الثقافة قصدية في تشكيلها و وظيفية في  هدفها.

بشير شريف البرغوثي  

===================

انه الوهم الذي بستدرج الناس الى خزائن الدنيا حتى تأخذ زخرفها وتتزين ويضن اهلها انهم قادرون عليها.ان مفاهيم الاله الجديد(العلم)تحتم على عبيده الانشغال بكل الجزئيات التي تبدوا مفيدة في تشييد هذا الصرح(الاقتدار)

لتتبعن من سبقكم.......

ففي وسط هذا الزخم الكمي والنوعي من المعلومات لا يملك الطبيب الماهر(لكي يكون ماهرا)وقتا لقراءة الشعر...مثلا

عبدالله بن مسلم


 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ