ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 30/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحرب الثقافية على الإسلام

(4من 4)  

المداخل

زهير سالم*

 

نعتقد أن الحرب التي يشنها (الغرب) على الإسلام هي بالنسبة إليه تجربة مكرورة. مر معنا في هذا البحث أن الغربيين يوظفون في حربهم على الإسلام تجاربهم في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي. وهذا يسمح لنا بشيء من المزاوجة بين الحديث عن الماضي والحديث عن الحاضر.

 

توقفنا ـ تاريخياً ـ عند الحديث عن مشروع النقطة الرابعة التي أعلنها الرئيس ترومان وشركاؤه في الناتو، غطاء لحرب الغربيين للسيطرة على عقول البشر. كما توقفنا عند بداية تأسيس وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) سنة 1947. كانت هذه الوكالة أكثر ذكاء وحنكة من أن تنزل إلى الميدان سافرة. احتاجت إلى أكثر من (شادور) أفغاني وبرقع سميك غير ذي نوافذ لتستر أنشطتها. ومن هنا تأسست ركيزتها، أو ذراعها المباشر (منظمة الحرية الثقافية..) كان لهذه المنظمة مكاتب في خمس وثلاثين دولة منذ خمسينات القرن العشرين، ويعمل بإمرتها مئات الموظفين وآلاف العملاء المباشرين وغير المباشرين. وكانت تصدر أكثر من عشرين مجلة رائجة. وتنظم المعارض الفنية، وتمتلك مؤسسات إعلامية، وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة، وتكافئ المبدعين. وتساعدهم على فتح المعارض، وإقامة الحفلات.

 

شكلت منظمة الحرية الثقافية تلك شبكة محكمة من البشر يعملون بالتوازي مع الوكالة( CIA) للترويج لفكرة مؤداها أن العالم بحاجة إلى (الحلم الأمريكي) و(الثقافة الأمريكية)..

 

واستعانت الشبكة المُحكمة تلك برجال الفكر والرأي، وبالمبدعين والفنانين في هذا العالم. استغلت طيبة الطيب، وحاجة المحتاج، ونقمة الناقم في خدمة مشروعها الذي تسعى إليه..)

 

ومن خلال منظمة (الحرية الثقافية) هذه، وبإمكان القارئ أن يُسقط ما جرى بسهولة على ما يجري، من خلال هذه المنظمة تعددت أنشطة الحرب الثقافية على أعداء الغرب، فأقامت الولايات المتحدة أو وكالة المخابرات الأمريكية مختلف الواجهات الفكرية والإعلامية والفنية والتجارية لخدمة أغراضها، وفرض أنموذجها الأمريكي على الحياة الإنسانية.

 

حين نذكر اليوم غوانتنامو كصورة رعيبة لكسر إرادة الخصوم، يمكن أن نتذكر، كصورة مصغرة، ما فعله السناتور الأمريكي (مكارثي) حين كون لجنة داخل الكونغرس خاصة لما سمي بالنشاط المعادي لأمريكا، تمكنت هذه اللجنة من تمرير قانون الرقابة على الثقافة( 10 تموز 1953). مما أوجد جوا مشابها لأجواء الثورة الفرنسية، حين كان الفرنسيون يساقون بالشبهة إلى المقصلة. كان المشتبه في شيوعيته  بأي درجة من الدرجات في الولايات المتحدة، التي تبشرنا اليوم بحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير، ينتهي أمره بتدمير حياته ومستقبله وربما تدفعه للانتحار، عندما تضيق أمامه سبل الرزق.

 

وهذا الروائي الأمريكي الكبير ( أرنست همنغواي ) يخضع لمتابعة إدارة التحقيقات الأمريكية .F.B.I لدرجة أنه أصيب بالاكتئاب نتيجة ذلك، وعندما ذهب لعيادة نفسية قبيل انتحاره، وطلب أن يسجل نفسه تحت اسم آخر، لكن الطبيب اتصل بإدارة التحقيقات ليأخذ تصريحا بذلك. فمُنع الطبيب من ذلك، وانتهى الروائي الكبير إلى الانتحار.

 

والذي نريد أن نلفت إليه، في هذا المقام، أنه ليس جميع الذين تعاونوا أو تعاملوا مع هذه الشبكة كانوا سيئين. أو كان يدركون أي شجرة للشر يروون بقطرات عرقهم وجهدهم، وهم يكافحون، كما تم إقناعهم، من أجل الحرية والسلام والتنوير.

 

كذلك من الضروري أن نؤكد أيضاً أن (مشروع التنوير الغربي) إذا صحت العبارة، ليس سالباً كله، ليس شراً كله. بل نستطيع أن نجد في ثناياه القليل أو الكثير من النقاط المضيئة، والقيم الإيجابية.

 

وهذا يضعنا أمام إشكالية التقاطعات الجزئية مع مشروعات الأقوياء. إذ كثيراً ما يتصور البعض أن بإمكانه أن يوظف الأقوياء في مشروعه، ولكن كثيراً ما تنتهي هذه المعادلة إلى الوضع المعكوس. من حيث يريد صاحبها أو لا يريد.

 

وبالعودة إلى  الحرب الثقافية على الإسلام نجد أن المدخل الأول لهذه الحرب ، قام على دعم الأنظمة التي تتبنى ـ بشكل أو بآخر ـ مشروع التغريب. سيكون من السذاجة في هذا المقام تقويم أي نظام من توجهاته المعلنة، أو شعاراته التي يستتبع على أساسها الجماهير وبعض النخب المهزوزة أو المأزومة. عالم السياسة أكثر تعقيداً مما يتصور البعض. والعلاقات الدولية ليست نسخة عن العلاقات الفردية. ولا يمكن أن تختصر في شكل علاقة بين الرئيس والمرؤوس، أو الآمر والمأمور.

 

في كل موطن هناك خصوصية يتم مراعاتها. وقدرة على المناورة. ومساحة محلية للقبول والرفض. وفي إطار خدمة المهمة الأساسية: تأمين المصالح و تطويع العقول والقلوب كل نظام لا يستوفي شروط البقاء ينزع عنه الغطاء.

 

ثم يمكننا الحديث عن تمكين وإقصاء، تمكين النخب الموالية للمشروع الثقافي الغربي، وإقصاء القوى والشخصيات المخالفة. وعند كل تقاطع تطل السياسات الدولية لتتدخل فيما يسمى الشؤون الداخلية. لنتذكر الدفاع الأمريكي عن الناشط المصري (سعد الدين إبراهيم)، ولسنا ضد الرجل، ولنتذكر تبنى سياسيو الغرب الأحزاب والشخصيات العلمانية الموالية لمشروعهم، وسكوتهم عما يلحق بأبناء الإسلام من عدوان على أبسط الحقوق الآدمية. لنتذكر الضجة العالمية من أجل (آثار دميان) في أفغانستان، والسكوت عن تدمير بنية الإنسان الفلسطيني في غزة.

 

 نقرأ في الثقافة الغربية احتجاجات على عقوبة الإعدام كعقوبة لمجرم. ويغض هؤلاء الطرف عن القانون 49/1980 الذي يحكم بالإعدام على العقيدة والرأي. الازدواجية في مواطنها أكثر من أن نشير إليها.

 

 وتطل علينا المواثيق الدولية والمنظمات التابعة للأمم المتحدة المجندة كمدخل آخرللحرب الثقافية. فالمواثيق الدولية بمضامينها التي توصف بأنها إنسانية ومدنية هي في حقيقتها فصول ممنهجة للثقافة الغربية، التي يصر الغربيون إلى تحويلها إلى ثقافة عالمية عن طريق المنظمات الدولية. مثلها مثل وجبة الماكدونالدز، أو شراب الكوكاكولا..

 

القانون الغربي للعلاقة بين الرجل وامرأته  في غرفة النوم- مثلا - يجب أن يكون ساري المفعول ليس فقط في الشام والعراق ومصر بل أيضاً في خيمة البدوي في قلب الربع الخالي أو في جبال أفغانستان!!

 

الأمم المتحدة.. تضع المواثيق، والمنظمات الدولية المتعددة المضامين والعناوين ومن بينها (صندوق النقد الدولي)، (والبنك الدولي) تتابع عملية التنفيذ بجدية ومصداقية وتحاسب فتكافئ وتعاقب.  وعلى جميع الدول أن تقدم تقريراً سنوياً لهذه المنظمات كم قطعت ولماذا قصرت..

 

وتبني المنشقين مدخل آخر من مداخل الحرب الثقافية على الإسلام. وتبني المنشقين سياسة مكرورة في التجربة الرأسمالية. يتذكر القارئ المنشقين عن الشيوعية كيف أصبحوا في حينها نجوما عالميين. كذلك هو اليوم  سلمان رشدي صاحب الآيات الشيطانية الذي منح وسام الفارس من الملكة البريطانية. كل أصحاب البدع والضلالات يصبحون أبطالا يحتفي بهم الإعلام الغربي. لبنى الحسين السودانية التي جعل منها مختل سوداني قضية رأي عام، وقدمها هدية للإعلام الغربي استضيفت على أكثر من فضائية غربية. والتركيز على الأدب الفضائحي سواء على مستوى الفضائح الفكرية أو الفضائح الاجتماعية والاقتصادية هو دأب إعلام القوم ونهجهم.

 

ويمتد منهج تبني المنشقين للترويج لكل من يتبنى فكراً خارجاً على الإسلام، أو متحدياً لعقيدته وشريعته، أو مدافعاً عن قيم الغرب (السياسية) و(الثقافية) و(الاجتماعية). وتحتل المرأة الشرقية مكانة متقدمة إذ تخوض فيما تعودت نساؤنا الاستحياء منه، فتظفر بلقب الفنانة والمبدعة وداعية التحرر.

 

ثم هناك ما يخترق حصوننا من داخلها..

المنظمات المحلية، وما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني التي تتقاطع في برامجها مع برامج المشروع التغريبي. أسلفنا ونعيد، إن هذه التقاطعات لا تعني إدانة مسبقة لهذه المنظمات. وليس بالضرورة أن يكون العاملون في هذه المنظمات عملاء للمشروع التغريبي، ولكن بعضهم، شاء أو أبى، يقدم خدمات جليلة لهذا المشروع، أو يشارك جنديا في الحرب الثقافية على قومه، وهذا الاحتراز، لا يمنح صك براءة مطلقا، ولا ينفي وجود منظمات أهلية ترتبط ارتباطاً مباشراً مع المنظمات الدولية. وتشارك في مشروع الحرب على العقيدة والثقافة والإنسان، وتعمل تحت عناوين أممية أوإنمائية في عالمنا وهي تخدم مباشرة مشروع التغريب الذي نتحدث عنه.

 

منظمات محلية تتبنى الأقل أهمية من القضايا لحساب الأجندة الغربية، إنهم يقلقون على حقوق المثليين على سبيل المثال أكثر من قلقهم على حق الطفل في كأس الحليب أو قلم يكتب به اسمه.

 

اتفاقية السيداو والجندر وزواج الصغيرات وعقوبة الإعدام واغتصاب الزوجة في فراش الزوجية هي الأولويات التي تشغل أولويات هؤلاء العاملين على الأجندة الغربية بينما تغتصب إرادة أمة جهارا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد وبإرادة وقرار أصحاب الأجندة الدولية دون أن يثير ذلك أي قلق لدى الناشطين هؤلاء.

 

وأخيرا الباب المشرع للحرب الثقافية الأعمال الفنية، الأدب والرواية والقصة والمسرح والسينما والشعر والموسيقا والرسم والنحت...

 

صورة المسلم،  في السينما الغربية، رمزية العقال العربي في مواخير الخنا أوفي كازينوهات القمار!! والتخويف من الكوفية العربية رمزية الإرهاب الدموي القاسي، أوالنقاب على وجه المرأة رمز التخلف والاستعباد. 

 

  وبالمقابل ماذا تقدم السينما الأمريكية التي تجمل الوجه الأمريكي في فيلم السهرة المفروض على القنوات العربية لمشاهدة المراهقين العرب والمسلمين. تقدم الحياة الرضية الناعمة. الوجبة السريعة. اللباس الذي لم يعد ضرورة. العلاقة الجنسية المفتوحة. الأسرة المدمرة. سلطة الأبوين التي أصبحت من الماضي. هذه صورة من الصور الكثيرة التي لا نستطيع الإحاطة بها في مقال. نتفرس عبر شاشات الفضاء. وفي ساعات الاسترخاء حيث يسترخي في الإنسان العقل والقلب تحت سطوة الإغواء لشهواني هناك يتم التلقين: الحلم الأمريكي الجميل الذي يجعل كل فتى وفتاة ورجل وامرأة يتمنى لو أنه ولد أو عاش هناك..

 

الإغواء الذي تحدثنا عنه بالحياة الناعمة ثم يتبع ذلك نشرة الأخبار وأخبار العلماء والمبدعين، ولاعبي الكرة وعازفي البيانو، والحاصلين على الجوائز في الأولمبياد وفي الأوسكار وفي نوبل. ويسأل سائل كم مرة حصل العرب والمسلمون على جائزة نوبل أو فازوا في مباراة الجري أو القفز العالي في الأولمبياد؟ فتطرق حياء.. حتى إذا قيل فازت لدينا عداءة سورية، أجاب مجيب وقررت أن تهجر وطنها وتلحق بأوطان الآخرين.

 

بهذه الأدوات والأساليب يتم غسل الدماغ وكسب القلوب، أو يعملون  على كسر الإرادة. وتحطيم المخالف. ومحاصرته في مربع الإحباط،  فليس له إلا أن يتمنى أن يمسك بذيل القاطرة.

 

ومقولات: أنا الأجمل، و الأمتع، و الأقوى، أو الأعلى، والأقدر. يرددها المحارب الغربي بألف لسان وبألف لغة على مسامع أقوام يحاصرهم الوهن والعجز والفقر والجوع والفساد والاستبداد؛ ثم يقال لهم: هل تقاومون؟!

 

 وعلى محور آخر، ولكشف أكثر من وجه من وجوه الحرب الثقافية، أتمنى أن تقوم امرأة عربية بدراسة (أنموذج المرأة المصرية) في روايات نجيب محفوظ. المرأة المصرية من (سنية) في (زقاق المدق) إلى (نور) في (اللص والكلاب)، إلى السيدة ناظرة المدرسة في (حضرة المحترم)..

 

أقترح على دارسي الأدب أن يتتبعوا هذا الخيط غير الخفي الذي ينتظم  أنموذج المرأة المصرية في كل روايات نجيب محفوظ ولا أريد أن أستبق الجواب، لعلنا نعرف بأي ثقافة يبشرون، و على أي ثقافة يكافئون، يقول المثل الانكليزي: فتش عن المرأة. نعم لنفتش عن المرأة، وعن فلسطين أيضا في أدب نجيب محفوظ،  فقد عاش الرجل عصر فلسطين في كل أدواره، وحين تتم هذه الدراسة سندرك سر نوبل نجيب محفوظ، وهذا لا يقلل من فنية نجيب محفوظ وإبداعه وتقدمه في عالم الرواية.

 

الحرب الثقافية على الإسلام حرب حقيقة. تدعونا لنخوضها بجدارة واقتدار. حرب خوض غمارها متاح للفرد والجماعة للدولة والأمة. وأول شروط الانتصار فيها امتلاك الإرادة للاستجابة للتحدي.

 

حرب الجندي الأول فيها المسلم الذي يؤمن: أن أفضل الجهاد كلمة.. وهذه هي حرب الكلمة، وزمان الكلمة ومشتقاتها، الكلمة التي تقول: فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ.

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الأحد 30/5/2010م


 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ