ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 27/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحرب الثقافية على الإسلام

(2من 4)

زهير سالم*

 

كل ما سبق كان مقدمات ضرورية ندخل بها إلى الحديث عن الحرب الثقافية التي تشن بلا هوادة وعبر العديد من الوسائل والمنابر على الإسلام وأهله. وإنه لمن الخطأ أن نتصور أن هذه الحرب قد بدأت فعلا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، أو أنها ارتبطت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وإنه لخطأ أكبر أن نقع في فخ بعض العلمانيين واليساريين العرب الذين كثيرا ما يتحدثون عن حلف، ظاهر أو خفي، بين الإسلاميين والأمريكيين ضد الشيطان الشيوعي الملحد. كل هذا الكلام هو محض الباطل. الحرب الثقافية على الإسلام بدأت قبيل نابليون وحملته على مصر، وصاحبته، وحاولت أن تنشب أظفارها من خلال رجال البعثات التي انغمس أعضاؤها  في اللهو أكثر من انغماسهم في الجد. حتى الأزهري رفاعة الطهطاوي الذي خرج مع البعثة المصرية مرشدا وحافظا لطلابها، عاد ليقول في بعض ما قال: إن رقص المخاصرة رجل لامرأة هو فن ورياضة وضروري لأنس الحياة.

 

الحرب الثقافية على الإسلام بدأت مع طلائع الغزو الأوربي، وفي إطار هذه الحرب رُفع المصحف في مجلس العموم البريطاني، يوم قال قائلهم لن تنتصروا على المسلمين ما دام هذا الكتاب بين أيديهم. وفي إطار هذه الحرب تم اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، وفي إطارها كانت تلك الحرب الخفية على الإسلام، العقيدة والشريعة، يقودها خلفاء المستعمر على بلادنا، بعجالة فقط نذكّر بصورة العالم الأزهري في السينما المصرية، كانت هذه بعض ملامح تلك الحرب. يذكر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه (نصر بلا حرب) الخطر الأخضر مقترنا بالخطر الأحمر ويدعو إلى الحذر منه ومقاومته قبل سقوط الاتحاد السوفييتي بأعوام.

 

ومع ذلك نستطيع أن نقول: إن هذه الحرب قد استعلنت وتكرست بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. فما أن سقط الاتحاد السوفييتي، حتى تفرغ الغرب الرأسمالي لحربه على الإسلام، وبدأت المعارك تتوالي على بلاد المسلمين . وراحت الجيوش تجيش، والتصنيفات الطرفية تستعلن. كانت البداية في التحالف الثلاثيني على العراق ومحاولة احتلاله، بعد معركة غير متكافئة جرى الإعداد لها بعناية حيث استُثمرت عملية احتلال الكويت الطائشة والمدمرة للوجدان العربي، والتي أُغري بها صدام حسين خير استثمار. ومن ثم بدأنا نسمع مصطلحات مثل محور الشر، والدول المارقة. وطفا على السطح مصطلح الإرهاب الذي التصق بالإسلام. ثم كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتكون الذريعة الأشأم لاحتلال أفغانستان والعراق، وتوجيه الضربات المتتالية لبلاد العرب والمسلمين، وليتنمر العدو الصهيوني فيذهب بعيدا  في مخططه المريب، في عدوانين سافرين أحدهما على لبنان والآخر على غزة.

 

وعلى أكتاف هذه المعارك انطلقت سلسلة من الصراعات السياسية رُوضت من خلالها أنظمة عربية، واستُبيحت سيادة الدول. وتدخل صاحب المشروع الغربي في أصول ديننا وشرائعه وشعائره وفي قراءتنا للقرآن الكريم، وفي برامج تعليمنا، وفي قواعد لباسنا، وفيمن يحق له منا أن يشارك في صنع قرار وطنه، ومن ضُرب عليه حكم الاستئصال والإقصاء . فتقويمات (الإرهابي) و(الأصولي) يتم تفصيلها على مقاييس سياسية محضة يأتي في مقدمتها، موقفك من (إسرائيل) الكيان، ومن الشذوذ الجنسي الثقافة.

 

هذه الحرب بوجهيها العسكري والسياسي حرب ظاهرة واضحة يستطيع كل فرد منا أن يلاحظها ويتابعها ويتوقف عند عناوينها وتفاصيلها. ولكن الحرب الثقافية هي تلك الحرب الناعمة التي تدب في بنياننا دبيباً خفيا، ربما لا ينتبه إليه الكثيرون.  وترتكز الحرب الثقافية على عنصرين أساسيين كمدخل لها في حياة الشعوب: الجذب والتأثير.

 

والجذب كما يقرر (جوزيف ـ سي ـ ناي) في كتابه القوة الناعمة هو القدرة على الإغواء والفتنة. هو بالضبط الكيمياء السحرية التي تجعل الرجل يستسلم لفتنة امرأة.

 

وأما التأثير فهو معطى آخر غير الجذب، التأثير هو الإغراء وليس الإغواء. الإغواء هيام نفسي، والإغراء طمع أو خوف جزرة أو عصا، يتم من خلالهما خلق حالة من التبعية والاستصحاب.

 

وهكذا نجد بعض بني جلدتنا اليوم عشاقاً يذوبون هياماً بالغرب، ويزعمون له ما لا يزعم لنفسه. يجدونه منزهاً حتى عن أن يأكل الطعام. كما نجد بين ظهرانينا اليوم الكثير من الطامعين بالجزرة أو الخائفين من العصا، نجدهم في الحكام وفي القوى وفي الأحزاب والجماعات والأفراد. ونجدهم في رجال السياسة، وفي رجال الافتصاد ورجال العلم، ورجال الثقافة ورجال الأدب. نجدهم في الطامعين بتجديد عقد، أو بمزيد أجل، أو في الطامحين إلى جائزة أو في الخائفين على موقع.

 

ولعل من المفيد بل من الضروري أن نتوقف عند تحديد أهداف هذه الحرب، قبل أن نعرض لمداخلها، لنعلم ماذا يريد منا هؤلاء القوم؟! ماذا يريدون منا، وهم الذين يسيطرون على حكامنا وقراراتنا وثرواتنا؟! لماذا يغيظهم حجاب امرأة مسلمة في جبال أفغانستان، أو في قلب الربع الخالي ؟!  هل صحيح أن قلبهم على المرأة المسلمة؟!! لماذا لا يتعطفون على اللواتي يمتن جوعا في قلب افريقيا السوداء؟!. لماذا يقلقهم أن نرفض الربا، ونعف عن الزنا؟! ونحمي عقولنا أن تغتالها غول الخمر؟! يختصر لنا الإجابة، ويهون علينا الطريق السيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق. رئيس الوزراء الذي اتخذ قراره مع بوش في تدمير العراق، تحت ذريعة مصادرة أسلحة الدمار الشامل. ثم عندما ظهر كذب الادعاء، كتب رئيس الوزراء البريطاني تقريراً شاملاً، يعتذر فيه لبني قومه، يعلن فيه أن معركتهم معنا هي معركة على القيم (سنرفق هذا التقرير الذي ترجمناه ونشرناه في حينه على موقع مركز الشرق العربي مع هذه الرؤية) تذكيراً به واختصاراً عن إعادة التفصيل والشرح.

 

هي إذن معركة على القيم. بمعنى أنها معركة على ما هو الحق وما هو الباطل، ما هو الخير وما هو الشر، ما هو الجميل وما هو القبيح. وهذه المعركة هي عين المعركة على الحاكمية التي أكثر في شرحها المسلمون منذ عهود السلف الصالحين.

 

على هذا الأمر ينازعوننا ويراودوننا، يريدوننا أن نشرب مما منه يشربون، وأن نعجب بما به يعجبون، وأن ندين بما له يدينون. لا يهمهم كثيراً اسم الدين. قالوا كما نقلنا عنهم في أول البحث: إنهم أعادوا تشكيل المسيحية  بحيث أصبحت الكنيسة تبارك الشذوذ باسم المثلية. يريدون اليوم إعادة تشكيل الإسلام. يريدون أن يفرضوا على الإسلام مرجعية تفعل الشيء نفسه وتقبله، مرجعية تنفذ ما يُملى عليها.

 

حرب تذكرنا بقوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ..) بينما إسلامنا يؤكد علينا أنه (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به..). الحرب على القيم التي عبر عنها توني بلير تعني الحرب لتوضيح المفارقة بين الهوى التابع في شريعتنا وحضارتنا وثقافتنا والهوى المتبوع في حضارتهم وثقافتهم. الهوى الذي احتل مكان (الله) و(المسيح) و(الكنيسة) تعالى الله عما يقول الظالمون علواًَ كبيراً..

يتبع

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الخميس 27/5/2010م


معركة على القيم العالمية

عن الشؤون الخارجية - كانون الثاني / شباط

توني بلير: رئيس وزراء المملكة المتحدة

ترجمة : قسم الترجمة / مركز الشرق العربي

ملخص: إن الحرب على الإرهاب لا تدور حول التكتيكات الأمنية والعسكرية. إنها معركة حول القيم، معركة يستطيع المرء أن ينتصر فيها فقط بالانتصار في التسامح والحرية. لقد كانت كل من أفغانستان والعراق نقاط البدء الضرورية لهذه المعركة. مع ذلك، فإن الانتصار هناك ينبغي أن يرافقه تطبيق أعمق وأكثر ثباتاً، وأكثر شمولاً للقيم العالمية، مع سير واشنطن في المقدمة.

ـ جذور التطرف:

لقد أثبت ردنا على هجمات 11 أيلول أنه أكثر أهمية حتى مما بدا عليه في ذلك الوقت. وذلك لأنه كان بمقدورنا اختيار الأمن كساحة للمعركة، ولكننا لم نفعل. لقد اخترنا القيم. لقد قلنا أننا لا نريد طالباناً أخرى أو صدام حسين مختلف. لقد عرفنا أنه لا يمكنك أن تهزم ايديولوجية متطرفة فقط بسجن أو قتل قادتها، إن عليك أن تهزم أفكارها.

من وجهة نظري، فإن الوضع الذي نواجهه هو حرب حقيقية، ولكن من نوع غير تقليدي نهائياً. نوع لا يمكن الانتصار فيه بطريقة تقليدية. إننا لن نربح المعركة ضد التطرف العالمي إلا إذا ربحناها على مستوى القيم بقدر ما نربحها على مستوى القوة. إننا نستطيع أن نفوز فقط بإظهار أن قيمنا أقوى وأفضل، وأكثر عدالة من البديل. إن ذلك يعني كذلك أن نظهر للعالم أننا منصفون وعادلون في تطبيقنا لهذه القيم. إننا لن نحصل على أي دعم حقيقي للتحركات الصعبة والتي قد تكون ضرورية لتأمين طريقتنا في الحياة إلا إذا هاجمنا كذلك الفقر العالمي، وتدهور البيئة، والظلم بقوة مماثلة.

إن جذور الموجة الحالية من الإرهاب العالمي والتطرف عميقة. لقد امتدت عبر عقود من الإقصاء، وحالة دور الضحية، والقمع السياسي في العالمين العربي والإسلامي. ورغم ذلك، فإن إرهاباً كهذا ليس، ولم يكن أبداً، حتمياً. بالنسبة  إليّ، فإن الشيء الأجدر بالملاحظة فيما يتعلق بالقرآن هو مدى تقدميته. إنني أكتب بخشوع عظيم كشخص من دين آخر. كأجنبي، يستوقفني القرآن ككتاب إصلاح، يحاول إعادة اليهودية والنصرانية إلى أصولهما، إلى درجة كبيرة مثلما حاول المصلحون أن يفعلوا بالكنيسة المسيحية بعده بقرون. إن القرآن كتاب شامل. إنه يشيد بالعلم والمعرفة ويمقت الخرافة. إنه عملي ومتقدم على زمانه في مواقفه تجاه الزواج،  والنساء، والحكم. تحت إرشاده كان انتشار الإسلام، وهيمنته على الأراضي التي كانت مسيحية أو وثنية في الماضي كان يبهر الأنفاس. عبر قرون، أنشأ الإسلام امبراطورية وقاد العالم في الاكتشاف، والفن، والثقافة.

 لقد كان يترجح وجود حاملي التسامح والمثاليين في العصور الوسطى الأولى في أراضي المسلمين أكثر منهم في أراضي المسيحيين. ولكن بحلول أوائل القرن العشرين، وبعد النهضة، كان الإصلاح والتنوير قد اكتسح العالم الغربي، وقد كان العالمان العربي والإسلامي في وضع متقلب، وغير آمن، وفي موقف الدفاع. وقد قامت بعض الدول الإسلامية، مثل تركية بحركة قوية متقلبة تجاه العلمانية. في حين وجدت بعض البلدان الإسلامية وقد وقعت في شرك الاستعمار، والقومية الحديثة، والقمع السياسي، والتطرف الديني. وقد بدأ المسلمون يرون الحالة المؤسفة للبلدان الإسلامية متعلقة بحالة الإسلام المؤسفة. وأصبح السياسيون المتطرفون متدينين متطرفين والعكس بالعكس.

وحاول أولئك الذين كانوا في السلطة استيعاب هذا التطرف الإسلامي عن طريق دمج بعض قادته وبعض أفكاره. وقد كانت النتيجة بشكل دائم تقريباً كارثية. لقد جُعل التطرف الديني أمراً محترماً، في حين قمع التطرف السياسي، ولذلك ففي عقول الكثيرين، اجتمع الاثنان ليمثلا الحاجة إلى التغيير. لقد بدأ بالتفكير بأن طريقة استعادة الثقة والاستقرار للإسلام كانت عبر الجمع بين التطرف الديني والسياسة الشعبوية، مع كون الأعداء هم (الغرب) وأولئك الزعماء المسلمين الذين يتعاونون معه. وربما يكون هذا التطرف قد بدأ بالفكر والعقيدة الدينية. ولكن سرعان ما ولدت ايديولوجية، في تفرعات عن الإخوان المسلمين، يدعمها المتطرفون الوهابيون وتنتشر في بعض المدارس في الشرق الأوسط وآسيا، ايديولوجية صدرت إلى العالم كله.

في 11 أيلول تم قتل 3 آلاف شخص، ولكن هذا الإرهاب لم يبدأ في شوارع نيويورك لقد كان آخرون كثيرون قد بدأوا فعلاً، لا في تحركات الإرهاب ضد المصالح الغربية وحسب بل في التمرد السياسي والاضطراب حول العالم. ويمكن إيجاد ضحاياه في التاريح الحديث لأراضي عديدة: في الهند، واندونيسيا، وكينيا، وليبيا، وباكستان، وروسيا، والسعودية العربية، واليمن، ومناطق أخرى لا تعد ولا تحصى. لقد مات ما يربو على مئة ألف في الجزائر. وقد أصبحت القضايا السياسية التي كان يمكن حلها في كل من الشيشان وكشمير، غير قابلة للحل بشكل مؤلم تحت ضغط الإرهاب. واليوم، في ثلاثين أو أربعين دولة يخطط الإرهابيون لتحركات مرتبطة بهذه الايديولوجيا برابطة مهلهلة. ورغم أن كوادر الإرهابيين النشطة صغيرة نسبياً إلا أنهم ينتفعون بشعور بالإقصاء أعظم بكثير في العالمين العربي والإسلامي.

إن أفعال الإرهاب ليست حوادث معزولة، لقد كانت جزء من حركة آخذة في النمو. حركة تعتقد أن المسلمين قد ابتعدوا عن  إيمانهم الحقيقي، وسيطرت عليهم الثقافة الغربية، وكانوا يحكمون بشكل خائن من قبل مسلمين متواطئين في هذه السيطرة كمعارضين لأولئك الذين يستطيعون رؤية الطريق للتعافي لا الإيمان الصحيح، بل كذلك قوة المسلمين وتقدير الذات التي كانت لتستولي على الغرب وكل أعماله. إن الصراع ضد الإرهاب في مدريد أو لندن أو باريس هو نفسه الصراع ضد الأعمال الإرهابية لحزب الله في لبنان أو الجهاد الإسلامي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، أو الجماعات الرافضة في العراق. إن مقتل الأبرياء في بيسلان هو جزء من نفس الايديولوجيا التي تستلب أرواح الأبرياء في ليبيا، والسعودية العربية، أو اليمن. وعندما تمنح إيران دعمها لإرهاب كهذا، فإنها تصبح جزء من المعركة ذاتها، مع نفس الايديولوجيا في صميمها.

أحياناً تأتي الاستراتيجية السياسية بشكل مدروس، وأحياناً بشكل طبيعي. بالنسبة لهذه الحركة، فإنها قد جاءت على الأرجح بشكل طبيعي. إن لديها ايديولوجية، ورؤية عالمية، ومعتقدات عميقة، وإصرار التطرف. وهي تشبه في كثير من الأحيان، الشيوعية الثورية الأولى. إنها لا تحتاج دائماً قواعد ومراكز قيادة أو حتى اتصالات مباشرة، فهي تعلم بما تفكر.

في أواخر عقد التسعينات، أصبحت استراتيجية الحركة واضحة. ولو كانت تقاتل ضمن حدود العالم الإسلامي وحسب، لكانت واجهة خطر أن المسلمين، كونهم مستقيمين وذوي عقول منصفة كأي شعب آخر، كانوا سيختارون رفض تطرفها. معركة حول إسلام يواجه فيها مسلمون مسلمين فقط. لقد أدرك المتطرفون أنه كان عليهم إنشاء معركة مختلفة تماماً: مسلمون في مواجهة الغرب.

وهذا ما فعلته هجمات 11/9. إنني لا أزال مندهشاً حول أعداد الناس الكبيرة التي تقول، في الحصيلة، إن هناك إرهاباً اليوم بسبب هذه الاجتياحات لأفغانستان والعراق. ويبدو أنهم ينسون بشكل كامل أن 11 أيلول قد سبقتهما كلتيهما. لم يهاجم الغرب هذه الحركة، لقد هوجم.

ـ طبيعة الصراع:

لهذه الايديولوجيا، نحن الأعداء. ولكننا (لسنا الغرب). (فنحن) مسلمون، بقدر ما نحن مسيحيون، ويهود، أو هندوس. (نحن) كل أولئك الذين يعتقدون بالتسامح الديني، بانفتاح على الآخرين، في الديموقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان التي تديرها المحاكم العلمانية.

إن هذا ليس صداماً بين الحضارات، إنه صدام حول الحضارات. إنه المعركة القديمة بين القديم والرجعية، بين أولئك الذين يعتنقون العالم الحديث وأولئك الذين يرفضون وجوده. بين التفاؤل والأمل من جهة، والتشاؤم والخوف من جهة أخرى.

في أي صراع، فإن التحدي الأول إنما هو لإدراك طبيعة موضع النزاع بدقة، وهنا فإن لدينا طريقاً طويلاً علينا أن نسير فيه. إنه لمن غير القابل للتصديق بالنسبة إليّ أن يبدو هذا القدر من الآراء الغربية تتقبل فكرة أن ظهور هذا الإرهاب العالمي هو بطريقة ما خطؤنا.

كبداية، فإن الإرهاب عالمي بحت. إنه موجه لا ضد الولايات المتحدة وحلفائها فحسب، بل كذلك ضد أمم لا يمكن القول إنها شريكة للغرب. إضافة إلى ذلك فإن من الواضح أن الصراعات في كل من العراق وأفغانستان ليس حول تحرير هذه البلاد من الاحتلال الأمريكي. إن هدف المتطرفين هو منع هذه البلاد من أن تصبح ديموقراطية، لا على الطريقة الغربية للديموقراطيات، بل على أي نوع من الديموقراطية.

إنهم المتطرفون، وليس نحن، الذين يذبحون الأبرياء ويقومون بذلك عمداً. إنهم هم السبب الوحيد لاستمرار وجود جنودنا في العراق وأفغانستان.

إن القول كذلك بأن الإرهاب الإسلاموي هو نتاج للفقر هو كلام لا قيمة له. بالطبع، إنه يسخدم قضية الفقر كمبرر لتحركاته. ولكن متطرفيه لا يناصرون التطور الاقتصادي.

أيضاً، فإن تشجيع تأسيس فلسطين تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل ليس هدفاً للإرهابيين، بل بالأحرى إن هدفهم منع حدوث ذلك. لقد قاتلوا لا من أجل أن يصبحوا داخل دولة فلسطينية بل من أجل الخروج عن أن يكونوا في دولة إسرائيلية.

لقد أسس الإرهابيون ايديولوجيتهم على التطرف الديني، وليس على أي تطرف ديني، بل على تفسير إسلامي محدد. لا يريد الإرهابيون للدول الإسلامية أن تتحدث. إنهم يأملون أن يكتسح قوس التطرف الذي يمتد الآن عبر المنطقة الخطوات الجديدة ولكن المترددة التي يريد الإسلام الحديث أن يقوم بها تجاه المستقبل. إنهم يريدون للعالم الإسلامي أن يتقهقر إلى حكم من قبل القلة الدينية شبه الاقطاعية.

مع ذلك، ورغم كل هذا الذي أعتبره واضحاً تماماً، فإن الكثيرين في الدول الغربية يستمعون إلى دعاية المتطرفين الإعلامية ويقبلونها. ولعزو الفضل إلى أصحابه، فإن المتطرفين يلعبون بإعلامنا الخاص بذكاء يحسدهم عليه العديد من الأحزاب السياسية. إنهم ينظرون إلى إراقة الدماء في العراق ويقولون إنه سبب كاف لنا لنغادر. كل تحرك في المجزرة يشير  إلى مسؤوليتنا عن الفوضى بدلاً من الإشارة إلى فظاعة من تسببوا به. ويعتقد الكثيرون أن ما تم إنجازه في العراق في 2003 كان خاطئاً لدرجة أنهم مترددون في قبول ما أصبح صحيحاً بوضوح الآن.

يعتقد بعض الناس أن هجمات الإرهابيين ناتجة بالكامل عن قمع الغرب للمسلمين. ويعتقد بعض الناس فعلاً أن الهجمات ستتوقف فقط لو خرجنا من العراق وأفغانستان. وفي بعض الأساليب الأكثر خبثاً، ينظر الكثيرون إلى إسرائيل ويفكرون أننا دفعنا ثمناً باهظاً جداً لدعمها وتعاطفنا مع من ينتقدونها.

لو عرفنا هذا الصراع كما هو عليه حقاً، فإننا على الأقل، سنكون في الخطوات الأولى على طريق الانتصار. ولكن قسماً كبيراً من الرأي الغربي ليس قريباً ولا بأي درجة من هذه النقطة بعد.

ينبغي التصدي لهذه الايديولوجية، والتصدي لها حيثما كانت. لن يهزم التطرف الإسلاموي حتى نواجه لا وسائل المتطرفين وحسب، بل كذلك أفكارهم. أنا لا أعني إخبارهم أن النشاط الإرهابي هو أمر خاطئ وحسب. بل أعني إخبارهم أن موقفهم تجاه الولايات المتحدة غير منطقي، وأن فهمهم للحكم ما قبل اقطاعي، وأن ترتيبهم حيال النساء وذوي المعتقدات الأخرى رجعي. إن علينا أن نرفض لا تصرفاتهم البربرية فقط، بل كذلك شعورهم الخاطئ بالظلم ضد الغرب، ومحاولتهم لاقناعنا بأن الآخرين وليسوا هم أنفسهم المسؤولين عن عنفهم.

في عهد العولمة، فإن حصيلة هذا التصادم بين التطرف والتقدم سيقرر مستقبلنا. لم نعد نستطيع الخروج من هذا الصراع بقدر ما أننا لا نستطيع الخروج من تغير المناخ حولنا. التراخي، وإلقاء المسؤولية على الولايات المتحدة وحدها أو خداع أنفسنا بأن هذا الإرهاب إنما هو سلسلة من الحوادث الفردية المعزولة أكثر منه حركة عالمية، سيكون خطأ كبيراً وأساسياً.

 

جبهتان:

لهذا السبب فإن من الخطأ تجاهل أهمية الانتخابات في العراق وأفغانستان. الحقيقة هي أن الناس لو أعطوا الفرصة فإنهم يريدون الديموقراطية. من اللحظة التي خرج فيها الأفغانيون وصوتوا في انتخاباتهم الأولى على الإطلاق، تحطم مقولة إن الديموقراطية هي مفهوم غربي. في العراق كذلك، ورغم العنف والرعب، صوت الناس، وليس بأعداد ضئيلة، بل بأعداد كبيرة بما يكفي لإثارة خجل الكثير من الديموقراطيات الغربية.

ما تظهره هذه الأصوات هو أن الناس لا يريدون الدكتاتورية، لا دينية ولا علمانية. وعندما تجرأ مؤيدو صدام أو الملا محمد عمر على الوقوف في الانتخابات، لم يحصلوا على أصوات كثيرة. لقد قالها المسلمون العراقيون والأفغان بوضوح: الديموقراطية حق لنا بقدر ما هي حق لكم. وفي تمسكهم بها، فإنهم يظهرون أنهم يريدون كذلك مجتمعاً حيث يعيش فيه الناس من مختلف الثقافات والمعتقدات معاً في سلام. هذا الصراع هو صراعنا.

من يحاول إيقاف أولئك الذين يريدون الديموقراطية؟ في العراق، هناك خليط من الجهاديين الأجانب، والصداميين سابقاً، والمتمردين الرافضين. في أفغانستان، هناك توليفة من بارونات المخدرات، والطالبانات، والقاعدة. وتقوم قضيتهم على أن الديموقراطية هي مفهوم غربي يتم فرضه على ثقافة إسلامية لا ترحب به.

وكل نظرية مؤامرة، من أن هدف الغرب إنما هو الاستيلاء على النفط العراقي إلا أن الغرب لديه مخططات للهيمنة الامبريالية يتم تكرارها. وحتى في الغرب فالبعض يؤيد هذه النظرية.

لماذا تحارب هذه العناصر الرجعية بهذه القوة؟ لأنهم يعرفون أهمية  النصر أو الهزيمة. لقد كان ذلك واضحاً لهم من البداية تماماً. بالطبع، لقد كان هناك أخطاء وإساءات غير مقبولة لحقوق الإنسان من جانبنا، ولكن ما هو موجود هو صراع بين الديموقراطية والعنف في أصفى أشكاله.

بالتأكيد، فإن مما هو قابل للمناقشة، أن محو البعثنة قد سار بشكل سريع جداً وانتشر بشكل عشوائي تماماً خصوصاً بين القوات المسلحة. إن من السهل مع ذلك نسيان أن القلق الحقيقي بالرجوع إلى 2003 كان أزمة إنسانية، والتي تم تجنبها، وأن الضغط في ذلك الوقت كان باتجاه محو أسرع للبعثنة.

ولكن المشكلة الرئيسية، منذ اغتيال طاقم الأمم المتحدة في آب 2003 وما بعده، كانت بسيطة: الأمن. لقد حاولت عناصر الرجعية أن تحرف مسار كل من إعادة البناء والديموقراطية بالعنف. وقد أصبحت الطاقة والكهرباء مشاكل لا بسبب الكسل والتراخي من جانب أي من العراقيين أو قوات التحالف بل عبر التدمير. وأصبح الناس خائفين من الإرهاب والعصابات الإجرامية والتي حرر بعضها بشكل متعمد من السجن من قبل صدام حسين قبل سقوطه.

لم تكن هذه أعمالاً عشوائية، لقد كانت وماتزال جزء من استراتيجية. وعندما فشلت هذه الاستراتيجية في دفع الائتلاف للخروج من العراق قبل الأوان، عندما فشلت في إيقاف التصويت، تحول الإرهابيون إلى طائفيين يقتلون ويعتدون، وبشكل خاص التدمير الوحشي وغير الموقر للمزار الشيعي في سامراء.

ويعلم المتطرفون أنهم إذا كانوا يستطيعون النجاح في العراق، وأفغانستان، ولبنان، أو أي أمة أخرى ترغب في سلوك طريق الديموقراطية، فإن احتمالية مستقبل ديموقراطي للعالمين العربي والإسلامي سيكون قد تلقى ضربة رهيبة فعلاً. كذلك لو أصبحت هذه الدول ديموقراطيات وأحرزت تقدماً، فإن ذلك سيكون ضربة قوية ضد كل من دعاية المتطرفين حول الغرب ونظام قيمهم بأكمله.

في كل حالة، فإن الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والعديد من الأمم الأخرى موجودة هناك لمساعدة القوات الأمنية الأهلية على النمو، ولدعم العملية الديموقراطية، ولتوفير حاجز ضد الإرهاب الذي يهدد هذه العملية. في كل حالة، فإن سلطة الأمم المتحدة بأكملها متواجدة.

إن الجدل الدائر حول حكمة القرارات الأصلية، خصوصاً حول العراق، ستستمر وسيقول الخصوم بإن العراق لم يكن تهديداً قط، وأنه لم يكن هناك أي أسلحة للدمار الشامل، وأن تجارة المخدرات في أفغانستان مستمرة. سأشير إلى أن العراق كان تهديداً بناء فعلاً، بحربين إقليميتين، و(14) قرار للأمم المتحدة كما أظهر التقرير النهائي لمجموعة دراسة العراق. وسأذكر الناس بأنه في أعقاب حرب العراق، أحرزنا تقدمات كبرى في عرقلة انتشار أسلحة الدمار الشامل، ليس أقلها علاقات جديدة مع ليبيا، واتخاذ اجراءات بحق شبكة الأسلحة النووية. وسأذكر بأنهم الطالبان الذين أداروا تجارة المخدرات واستضافوا القاعدة ومخيمات تدريبهما.

لكن مهما كانت نتيجة هذا الجدل، إذا كان هناك أي جدل، فإن الحقيقة هي أنه الآن مهما كانت الأسباب الصحيحة والخاطئة عن أسباب إزاحة صدام والطالبان، إن هناك سبب واضح، وجلي، ومهيمن، لتأييد الناس في هذه البلاد في رغبتهم بالديموقراطية. منذ حزيران 2003، كانت القوات متعددة الجنسيات في العراق تحت قرار الأمم المتحدة، ومع سلطة حكومة العراق المنتخبة لأول مرة على الإطلاق. في أفغانستان كانت سلطة الأمم المتحدة في مكانها بشكل شامل.

إن النقطة الحاسمة حول هذه التدخلات هي أنها لم تكن حول تغيير الأنظمة بل حول تغيير قيم الأنظمة الحاكمة التي تهتم بها الأمم. لم يكن الشعار في الواقع (تغيير النظام)، لقد كان (تغيير القيم) لهذا قلت إن ما تم إنجازه بالتدخل بهذه الطريقة، قد يكون أكثر أهمية حتى مما تم تقديره في حينها. إن السخرية المؤلمة هي أن المتطرفين لديهم رؤية أوضح لما هو موضع الرهان مما هي عليه لدى الكثير من الناس في الغرب.

 

ـ المعركة من أجل القلوب والعقول:

إن هذه في النهاية هي معركة حول الحداثة. ويمكن إدارة بعضها والفوز بها فقط ضمن عالم الإسلام نفسه. ولكن دعونا نتذكر أن التطرف ليس هو صوت الإسلام الحقيقي. فملايين المسلمين حول العالم يريدون ما يريد كل الناس: أن يكونوا أحراراً والآخرون أحراراً كذلك. إنهم يعتبرون التسامح فضيلة واحترام عقيدة الآخرين كجزء من عقيدتهم الخاصة.

هذه هي معركة من القيم من أجل التقدم، وهي بالتالي معركة يجب الانتصار فيها. إذا ما أردنا تأمين طريقتنا في الحياة، فليس هناك بديل سوى القتال من أجل ذلك. ويعني هذا الوقوف من أجل قيمنا، لا في بلدنا نحن وحسب بل في العالم كله. إننا نحتاج إلى إنشاء تحالف عالمي لهذه القيم العالمية والعمل عن طريقها. إن العطالة في سياسة بقدر ذلك، لها نتائجها، إنها ببساطة السياسة الخطأ.

إن استراتيجية التطرف الإسلاموي الكاملة مرتكزة على استغلال الشعور بالظلم الذي يقسم الناس أحدهم ضد الآخر. وينبغي أن تكون إجابتنا مجموعة من القيم القوية بما فيه الكفاية لتوحيد الناس مع بعضهم. إن هذا ليس حول التكتيكات الأمنية أو العسكرية. إنها حول القلوب والعقول، حول إلهام الناس وإقناعهم وتوضيح الغاية من قيمنا لهم بأفضل طريقة. لماذا لم ننجح بعد؟ لأننا لسنا شجعاناً بما فيه الكفاية، ولا ثابتين بما فيه الكفاية، ولا مثابرين. ببساطة فلتوضيحها بهذه اللغة ينبغي التأكيد على ما تم إنجازه. وإقناع الرأي العام الغربي بطبيعة المعركة صعب بما فيه الكفاية. ولكن يتوجب علينا حينها تفويض قوى حداثية، معتدلة، ذات تيار مهيمن في العالم الإسلامي لتهزم خصومها الرجعيين. إن علينا أن نوضح أن قيمنا ليست غربية، كما أنها بدرجة أقل أمريكية أو أنجلوساكسونية، بل قيماً في الملكية المشتركة للإنسانية، قيماً عالمية ينبغي أن تكون حقاً للمواطن المعولم.

المصطفون ضدنا هم أناس يكرهوننا فعلاً. ولكن وراءهم هناك العديدون الذين لا يكرهونا بل يرتابون بدوافعنا، وعقيدتنا، وإنصافنا. هؤلاء الناس الذي يستطيعون دعم قيمنا ولكن الذين يعتقدون أننا أنفسنا ندعمهم بانتقائية وحسب. هؤلاء هم الناس الذين يتوجب علينا إقناعهم. إن عليهم أن يعلموا أن هذا إنما هو حول العدل والإنصاف بقدر ما هو حول الأمن والازدهار.

هذا هو السبب في أنه وفي مستوى كامل من القضايا الحرجة، فإننا لا نواجه أسئلة قوية وحسب حول مصالحنا القومية بل اختبارات جوهرية لالتزامنا بالقيم العالمية. إذا ما آمنا بمسؤوليتنا تجاه الأجيال التي ستأتي من بعدنا، فكيف لا نتغير حيال تدهور كوكب الأرض؟ كيف يكون لدينا نظام عالمي للتجارة مرتكز على تجارة غير عادلة؟ كيف نجلب السلام للشرق الأوسط إلا إذا حللنا قضية إسرائيل وفلسطين؟

في أي وقت يعيش الناس فيه في خوف، دون وجود احتمالية للتقدم، يتوجب علينا أن نكون إلى جانبهم، في تلاحم معهم، سواء في مينمار، أو شمال كورية، أوالسودان، أو زيمبابوي. حيثما تكون هناك دول في خضم عملية التطور الديموقراطي، يتوجب علينا أن نمد يداً للمساعدة.

ويتطلب هذا، بشكل شامل للجميع، سياسة ارتباط خارجية نشطة، لا عزلاً. ولا يمكن تحقيق ذلك دون تحالف قوي مع الولايات المتحدة وأوروبا في مركزها. إن التحالف الضروري لا ينتهي هناك، ولكنه يبدأ هناك.

دعوني أكن صريحاً تماماً هنا. فأنا لا أتفق دائماً مع الولايات المتحدة. في بعض الأحيان تصبح صديقاً صعباً للمرء، ولكن لحن الشعور بالعداء لأمريكا في أجزاء من أوروبا هو جنون عندما نقف ضد المصالح الطويلة الأمد للعالم الذي نؤمن به. إن الخطر المتعلق للولايات المتحدة اليوم لا أنها تتدخل أكثر مما ينبغي في العالم. الخطر هو أنها قد تغلق الجسر المتحرك وتفك الارتباط. فالعالم يحتاج إلى تدخلها، والعالم يريدها أن تتدخل. والحقيقة هي أن أياً من المشاكل التي تضغط علينا لا يمكن حلها أو حتى مقاربتها دونها.

ـ ما وراء الأمن:

التحدي الآن إنما هو لضمان أن الأجندة ليست مقصورة على الأمن وحده. فهناك خطر من انقسام السياسات العالمية إلى سياسات صلبة ولينة، مع المساعي الصلبة وراء الإرهابيين، تركز حملة اللين على الفقر والظلم. هذا التقسيم خطير لأن التكافل يجعل من هذه القضايا فقط هذا: تكافل. إن جواب الإرهاب هو التطبيق العالمي للقيم العالمية، وجواب الفقر والظلم هو نفس الجواب. لذلك ينبغي تطبيق الكفاح من أجل القيم العالمية لا بشكل انتقائي بل بكامل الأجندة العالمية.

إننا في حاجة إلى تنشيط عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. وسنحتاج لفعل ذلك بطريقة دراماتيكية وعميقة. فأهميتها بالنسبة للقضية الأعم في الشرق الأوسط وبالنسبة للمعركة في عالم الإسلام تذهب إلى ما بعد تصحيح وضع الفلسطينيين المتأزم. وستكون التسوية هي الإثبات الحي والمرئي على أن المنطقة والعالم يستطيع أن يلائم بين عقائد وثقافات مختلفة. إنها لن تسكت دعوة الإسلام الرجعي الأكثر تأثيراً وحسب بل ستقوض ايديولوجيته الأساسية بشكل مدمر.

يتوجب علينا مقارعة الفقر، والجوع، والأمراض، والصراع خصوصاً في أفريقيا، وأن نرفع مقدار مساعداتنا أكثر، وأن نضع مراحل لنشاطنا. قبل تسلم المملكة المتحدة لرئاسة مجموعة الثمانية، وهي القوى الصناعية المتقدمة، في 2005، لم تكن قضايا أفريقيا تغير المناخ في موضع متقدم على الأجندة السياسية في لندن، دع جانبا بشكل دولي، وهي كذلك الآن. وهذا يعود في جزء كبير منه إلى جهود ملايين البشر الذين حرّكتهم حملة (تاريخ صنع الفقر) و(الحياة 8)، والتي لعبت دوراً استثنائياً في تعبئة المجتمع المدني. لكن فقط لأن القضايا هي على رأس الأجندة الآن فإن ذلك لا يعني أنها لن تنزلق ثانية إلى الأسفل.

إن علينا أن نضمن أنها لن تفعل. إن علينا أن نستمر في تعبئة المصادر والإرادة لتحويل التزامات 2005 إلى فعل. لقد رأيت أنه إذا  كان هناك التزام حقيقي من قبل الحكومات الأفريقية للتقدم، فإن شعوب أفريقيا مؤهلون تماماً للقيام بالباقي. وهذا هو السبب في أنه مهما كان الوضع يبدو محبطاً أو مهما تبدو العقبات قاهرة، فإن علينا أن نبقى متفائلين بأن التقدم هو ممكن في الحقيقة.

إننا في حاجة إلى قفزة بدء بالمحادثات حول التجارة. فالمخاطر به بشكل واضح هو التزامنا بمحاربة عالم الفقر ودعم التطور. ولكن في الموازنة هناك الفكرة الهامة جداً المتعلقة باستخدام تحرك متعدد الأطراف لتحقيق أهداف مشتركة. فإذا لم نستطع إدارة دورة تجارية محترمة في وقت من الواضح فيه تماماً أن مصالحنا القومية بعيدة الأمد ومصالح العالم الكبرى تتطلبها، فإن ذلك سيكون فشلاً ذا عواقب مضاعفة كلها عكسية. إن حماية الزراعة الأوروبية هي سياسة ولدت في عصر آخر. وقد آن الأوان لأنهائها. ولكن  التغيير في أوروبة وحدها ليس هو الإجابة. على الولايات المتحدة أن تكون منفتحة كذلك. واليابان أيضاً. خلال تطوير إمكانية الوصول إلى الأسواق غير الزراعية، فإننا نتطلع إلى قيادة من البرازيل والهند. كما أن علينا أن نتفق على صندوق تطوير للأشد فقراً يشتمل على نسبة مئوية للوصول إلى السوق وتلقي المساعدة للتجارة.

أخيراً، فإن على العالم بأكمله أن يركز على تهديد التغير المناخي. فأجيال المستقبل لن تغفر لنا إذا لم نهتم بتدهور وتلوث كوكبنا. إننا بحاجة إلى إطار واضح ومنظم للتحرك ذي نتائج قابلة للقياس يشتريها كل اللاعبين الأساسيين والتي يكون هدفها في الصميم جعل تركيزات غاز البيت الزجاجي ودرجة حرارة الكوكب مستقرة. إنني أعتقد أن هدفاً واضحاً وخطة عمل قوية ستساعد في تحفيز الثورة التكنولوجية التي نحتاجها. إن من الأساسي منح العمل التوكيد الذي يحتاجه للاستثمار في تكنولوجيا أنظف وتخفيض الانبعاثات.

تريد الولايات المتحدة اقتصاداً ذا كربون منخفض، وهي تستثمر بشكل كبير في التكنولوجيا النظيفة، وهي تحتاج إلى أن تتطور الصين والهند بشكل كبير. إن العالم مستعد لبداية جديدة وبإمكان واشنطن أن تساعد بقيادته.

خلال التسع سنوات التي قضيتها كرئيس للوزراء، لم أصبح أقل مثالية أو أكثر سخرية. لقد أصبحت ببساطة أكثر اقتناعاً بأن التمييز بين سياسة خارجية تقودها القيم وأخرى تقودها المصالح هو أمر خاطئ. فالعوملة تتسبب في إحداث اعتماد طرف على طرف، والذي ينتج عنه ضرورة نظام قيم مشترك لجعله يعمل. وهكذا تصبح المثالية سياسة واقعية.

ولا ينفي أي من ذلك الانتكاسات، والتقصيرات والتناقضات والمراءات التي تأتي مع صنع القرار العملي في عالم قاس. ولكنه يعني أن أفضل ما في روح الإنسان، والتي دفعت لتقدم البشرية إلى الأمام، هو أيضاً الأمل الأفضل لمستقبل العالم.

لهذا أقول أن هذا الصراع هو صراع حول القيم، فقيمنا هي التي ترشدنا، وهي تمثل تقدم البشرية عبر العصور. وقد كان علينا القتال لأجلها عند كل نقطة والدفاع عنها. وبينما يدعونا عصر جديد، فقد حان الوقت لنتقاتل من أجلها مرة أخرى.

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً


 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ