ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 24/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رجل الأعمال الصغير

قصة من استانبول

( مهداة إلى الشعب التركي والسوري اللذين كانا منذ أقل من تسعين عاما أمة واحدة في ظل دولة واحدة؛ أنموذج للنجاح والعطاء )

زهير سالم*

كان محمود طالباً في المدرسة الابتدائية. إنه اليوم في السنة الرابعة في مدرسته في حي من أحياء استانبول. واستانبول اليوم مدينة لما يقرب من عشرين مليون نسمة. مدينة بحجم دولة. تسير في شوارعها فتجد دائماً ما يذكرك بعظمة الماضي، مع محاولات للتجمل لتلقي عن كتفيها عباءة الرجل المريض. لا يزال في استانبول الكثير من ملامح الأسى، بعضها من تركة الرجل المريض. وبعضها مما أحدثه الأدعياء من طلاب السلطة والثروة، من المؤسسين الجدد لما يسمى بتركية الحديثة التي بالغت في الانخلاع، حتى كادت أن تنخلع من الجلد وليس فقط من الثوب.

 

كان محمود طالباً ذكياً لامعاً ولافتاً. مع تواضع الحي الذي ينتمي إليه. وبساطة الثياب التي يلبس، والحقيبة التي يحمل، وصرة الغداء التي ترافقه كل يوم والتي تقتصر فقط على الكعكة المسمسمة، التي تعوّد أهل استنانبول تناولها كوجبة داعمة في غدوهم ورواحهم.

 

في حصة النشاط تسأل معلمة الفصل الأطفال الصغار:  ماذا تريد أن تكون، فاجأها الطفل محمود وهو يقرر بطريقة حازمة، أريد أن أصبح رجل أعمال. وأن أمتلك الملايين، وأن أدير هذا المال بطريقة أنفع بها نفسي، وأرد الجميل إلى أمي وأبي، وأن أُحسن إلى الناس من حولي.

 

لفت المعلمة في كلام محمود الثقة التي كان يتكلم بها. والوضوح الجازم في الهدف وفي الغاية منه..

 

تتابع المعلمة الحوار مع الطفل: ماذا يعمل أبوك يا محمود؟ يجيب محمود بالثقة نفسها: أبي يبيع الكعك على عربة، وهو مريض. وأنا كل يوم بعد انتهاء الدوام أستلم العربة مكانه وأبقى في السوق حتى أبيع كمية الكعك التي يشتريها أبي من الفرن في الصباح . إن بيع العدد المقرر من الكعك هو الذي يؤمن مصروف أسرتنا اليومي. فهو المبلغ الضروري بكفاية أسرتنا. أنا أكبر أخوتي الأربعة. ولذلك علي أن أبذل الجهد لمساعدة أبي. مررت المعلمة المعلومة، لم تشأ أن تنازع طفلا في حلمه الكبير. الحلم بالثروة المبني على أساس هش من واقع مالي بائس..

 

ازدادت المعلمة شغفاً بمتابعة أمر الطفل الحالم أو الطامح إلى عالم الثروة، راقبت أداءه العلمي، فتأكدت أنه طالب مايزال يتقدم فيما يقدم من نتائج بل إنه يبدي في مشاركاته الفصلية ثقافة واطلاعات أكثر مما يتيحه له المنهاج المدرسي. استوقفته مرة لتسأله عن طريقة المذاكرة والحفظ، فتبين لها أنه يقضي وقته أثناء وقوفه وراء العربة في قراءة ما يصل إلى يده من صحف ومجلات، وأنه يهتم بالسياسة والاقتصاد، وأنه يحيط بالعناوين العامة لما يجري من حوله. وأنه عندما يعود إلى البيت يخصص ساعتين للمذاكرة وكتابة الواجب المدرسي، وحفظ ما يجب حفظه بشكل كامل. دون أن ينسى مساعدة إخوته الصغار حيث أن والدته شبه الأمية لا تستطيع القيام بهذا الواجب..

 

ذات يوم في قابل الأيام، لاحظت المعلمة ساعة الغداء أن الطفل محمود يحمل في صرته الخاصة كعكتين بدلاً من كعكة واحدة. أظهرت المعلمة أنها غير مهتمة للموضوع. بهدوء اقترب محمود من المعلمة يحمل معه الكعكة المسمسمة. يقول لها: أرجو أن تكوني قد لاحظت معي أن صرة زميلي يشار تأتي دائماً شبه فارغة. إنه دائماً لا يأتي إلا بكسرات بسيطة من الخبز الجاف. أنا أشعر بالألم كل يوم وأنا أنظر إليه، وهو لا يأكل كما يأكل الآخرون. هذا يثير فيّ الألم كل يوم . أنا أعرف وضعه. هو يتيم. وأمه غير قادرة على العمل. وأنا قررت أن أتبرع له بكعكة مثل كعكتي. سأوصلها إليكِ كل يوم. وأرجوك أن تقدميها أنت إليه بالطريقة التي ترينها مناسبة.

 

فتحت المعلمة فمها، ولكن ظرفك لا يسمح، يا محمود فأنت..

قاطعها محمود، لقد تدبرت الأمر جيداً، إن بيع خمس كعكات إضافية يعينني على كسب كعكة. لقد طلبت من والدي أن يزيد كمية الكعك التي يشتريها في الصباح. إنه بقليل من الوقت والجهد يمكنني أن أغطي ثمن هذه المشاركة البسيطة لزميلي يشار، يردف محمود بثقة ألم أخبرك من قبل أنني أريد أن أصبح رجل أعمال، وصاحب ثروة، وأن أنافس في عالم المال. ولذا عليّ أن أتعود على الوفاء بحق هذا المستقبل. إن على الذي يملك المال أن يعطي، وأن يساعد ويعين. المعلمة.. ولكن انتظر حتى تملك المال، تقولها بشيء من النزق...

 

محمود: عندما أملك المال سأنفق المال، وأنا الآن أملك الكعك ولذا سأنفق كعكة، على الإنسان أن يعود نفسه على العطاء، من يملك الآحاد ينفق واحدا، ومن يملك العشرات ينفق عشرة، ومن يملك الآلاف ينفق ألفا...إذا بخلت اليوم بكعكة فلن أنفق في المستقبل شيئا؛ سأظل أقول: بعد أن أكمل المائة، بعد أن أكمل الألف، بعد أن أكمل المليون...لذا أرجوك أن تساعديني على إيصال هذه الكعكة إلى صديقي يشار!!

 

أعتقد أنني يجب أن أظل متوازيا بين الأخذ والعطاء، وكلما ملكت أكثر أعطيت أكثر...

بعد ثلاثين سنة تابعت المعلمة اسم رجل الأعمال الكبير محمود، وهي الآن تعمل متطوعة في إحدى مؤسساته الخيرية المتعددة التي ترسم خططها على تأهيل الشباب والصبايا المحتاجين لكي يصبحوا مواطنين ناجحين يملكون الأمل والإرادة والقدرة على النجاح .

 

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الخميس 24/12/2009


 


 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ