ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 30/07/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

رؤيـــــة

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 (تلك الأوراق الجافة)

زهير سالم*

العنوان مقتبس من ألدوس هكسلي الأديب والفيلسوف البريطاني. وهو أنموذج لبعض الكلمات المتفجرة التي تضعنا في حالة الهزة التي تحدث عنها كثير عزة (كما انتفض العصفور بلّله القطر).

 بين يدي رواية الكاتب البريطاني (نقطة مقابل نقطة) التي اقتنيتها منذ زمن ولم تأخذ طريقها إلى القراءة إلا الآن. في المقدمة المبتسرة جداً يتحفنا المترجم الأديب الدكتور نظمي لوقا ببضعة أسطر عن ألدوس هكسلي. ويذكر بعض عناوينه التي تشكل عوالم مستقلة من الإيحاءات  وإثارة التداعيات. من عناوي هذا الأديب والفيلسوف والمرجع دائماً الدكتور نظمي لوقا (عشب عتيق) وأترك لهذا العنوان أن يحدث في عقلك أو في قلبك ما شئت أو ما شاء من إيماءات. بهذه البراعة في توظيف دلالات وإيحاءات الألفاظ.. (العشب العتيق) لا ينقل إلى عالم الجفاف والذبول وإنما ينقلك إلى شيء من الأصالة كما قولنا (البيت العتيق) التي تختلف عن البيت القديم أو في قولنا (الخمر العتيق) أو المعتق و قد لا تقصد أو لا أقصد فقط خمر النواسي وبودلير، وإنما تقصد تلك الخمر العتيقة التي أسكرت أصحابها قبل أن تخلق الكرم كما أكد ابن الفارض.

    شربنا على ذكر الحبيب مدامة   سكرنا بها قبل أن تخلق الكرم

وفي السياق نفسه يذكر الدكتور نظمي لوقا أن لألدوس هكسلي رواية بعنوان (كفيف في غزة) 1936، سياسياً أتمنى أن ننبش عن ملامح هذه الرواية التي ترتبط ببعض مدننا التاريخية.

(تلك الأوراق الجافة) هو العنوان الذي قادني إلى هذه الوقفة. العنوان الذي اخترق العقل والقلب والنفس، ولا أعدد مترادفات، فكان له طيف واسع من الإيحاءات والتداعيات.

(تلك الأوراق الجافة) نقلتني مباشرة إلى ورقة على شجرة تجسد فيها الشاعر الفرنسي لامارتين وهو يبتهل إلى عاصفات الشمال التي اعتادت أن تكنس المروج كل مساء من (الأوراق الجافة) أن تحمله إلى حيث تفعل بأمثاله فتذروه كما تذروا الرياح الهشيم..

عندما تسقط ورقة من شجرتها فوق المروج

تثور ريح المساء فتكنسها إلى الوديان

وأنا، أبدو كورقة ذابلة

فياعاصفات الشمال،

احمليني كما حملتها..

هي هي، حالة الشعور بالعدم وبالتلاشي والتوق إلى الحضن الأول الذي جئنا منه، بعيداً عن ثقل هذه الحياة بكل ما فيها من إثم وظلم وزيف وغرور.

ورقة جافة تنظر في مرآتك فتراها، وتنظر حولك ثم تبتهل إلى عاصفات الشمال لتكنس هذا العالم من كل الأوراق الجافة التي لم تعد تصلح إلا قوتاً لأنواع من القَرَضة تخفف فيها ثقلها عن العالم  (أوراق جافة) لا ترجى لخير أو بر أو معروف أو إصلاح بين الناس.

(تلك الأوراق الجافة)..

عنوان ثري يقفز بك أخرى فيحشر تحت دلالته أمام ناظريك الكثير من الأشخاص والقادة والرموز والأنظمة والأحزاب.. الكثير من الحكام والمحكومين ومن الموالين والمعارضين، والكثير من العقائد والأفكار والنظريات والدعاوى والادعاءات، تردد وأنت تطل على عالم هذه مكوناته عنوان ألدوس هكسلي، بثقة ودون تردد (تلك الأوراق الجافة) ترمي بتلك الكلمات عالماً من السياسة والاجتماع والثقافة. ترميها دون أن تتحسب أو تتوقى فالعنوان سيصيب بدون شك أصحابه، دون أن يسمح لأحد منهم أن يعتب عليك، لأنك أنت نفسك قد لا تعنى نفسك به أو هكذا تظن.

(تلك الأوراق الجافة) عنوان استدعى في ذاكرتي مشهد النائبة التركية مروة القاوقجي، وهي تغادر قاعة البرلمان التركي معتزة بحجابها، موجهة إلى بولند أجاويد عبارتها الشهيرة (أنتم الأمس الآفل، ونحن الغد الآتي..)، هل كان بولند أجاويد وحزبه من بعده إلا ورقة من تلك الأوراق الجافة.

يقول لك عنوان ألدوس هكسلي ما أكثر الأوراق الجافة التي ماتزال عالقة على أغصانها، والتي ماتزال عاصفات الشمال تنساها عندما تكنس المروج والغابات كل مساء.

ونعود إلى (تلك الأوراق الجافة)..

فأجدني مرة ثالثة، أمام مشهد الغلام الصغير، الذي أصبح فيما بعد حبر الأمة، رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى عنه (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).

ويضعك عنوان ألدوس هكسلي (تلك الأوراق الجافة) أمام صحفك الجافة هذه، أمام هذا الطائر المعلق في عنقك أو المكتوب على جبينك كما تعودنا أن نقول.

تعلمك الأوراق الجافة هذه أن تكف عن التذمر والتضجر والشكوى، فقد جفت الأوراق بما أنت لاق وإن شئت فامدد بسبب إلى السماء ثم اقطع وانظر هل يذهبن كيدك ما يغيظ؟!

الأوراق جافة وما عليك إلا أن تصبر، وتحتمل وأن تمارس الحياة بكل لأوائها، وأن تصبر على أذى أهلها فالذي يخالط ويصبر خير من الذي لا يخالط ولا يصبر. أن تصبر بتمرد لا بخنوع واستسلام، أن تنازع الأقدار بالأقدار، وأن تدفع الجاف بالجاف وأن تعلم أنه لم يكتب عليك إلا ما جنته أو ما ستجنيه يداك. وأن تعلم أيضاً، ومن هنا تنبع الثقة والاطمئنان وراحة البال، أنه لم يكتب عليك إلا ما هو لك (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) أما ما نتصوره (علينا) فهو بعض ضيق اللحظة الذي تخلقه في أنفسنا الضجرة أسطر مفردة من تلك الأوراق الجافة.

(تلك الأوراق الجافة) لا تقرأ إلا جمعاء..

ونحن لم نحظ من ألدوس هكسلي حتى الآن إلا بالعنوان!!

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

30/07/2007


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ