ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 29/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

بسم الله الرحمن الرحيم

تحية رمضانية

(17)

الشيخ أحمد عز الدين البيانوني

ومسجد أبي ذر

زهير سالم

رحم الله شيخنا الشيخ أحمد رحمة واسعة، وهذه التحية لا تتسع لذكر سيل اللقطات الصغيرة التي قام منهج هذه التحايا عليها. حين أحاول أن أختصر أبرز ما يتعلمه المرء في مدرسة المربي الكبير الشيخ أحمد، وكلمة المربي بحق هي الأولى بالشيخ، سأذكر ثلاث خلال أساسية في شخصية الشيخ: الأخذ بالعزيمة .. والدقة.. والمتابعة. إلى درجة تستطيع أن تقول أن الشيخ لا يُشغل بالأمر الكبير عن الأمر الصغير، فلكل في عقل الشيخ ونفسه حضور..

لقد شكل مسجد أبي ذر في مرحلة من مراحل حياتنا الإسلامية حديقة خلفية نأوي إليها كل حين، في إحياء، أو ندوة، أو احتفال، فيكون قطب ذاك النشاط بلا شك الشيخ أحمد رحمه الله، وينضم إليه من ينضم من علماء حلب العاملين، لتكون ليلتنا، أو لقاؤنا حافلا بالنشاط ذكر وعلم وإرشاد وإنشاد أيضا..

في ليالي الصيف كما في ليالي الشتاء كان الشيخ رحمه الله يتفقد المجموعة الكبيرة من التلاميذ التي تفترش المسجد في الساعات التي تخصص للراحة أو النوم، كما يتفقد الأب أبناءه. يدور على الفتيان الذين جلبوا معهم البطانيات سلفا : هل غطاؤك يكفيك؟ هل أنت بحاجة إلى أي شيء. ناموا يجب أن تلتحقوا غدا بمدارسكم نشيطين، يقول هذا حين يسمع همس بعضنا في أذن أخيه، أو ضحكة حبيسة متمردة على أمر النوم الذي يصدره القائمون على النشاط ويتابعونه بدقة وتصميم..

حديث الشيخ أحمد رحمه الله كان دائما عن الحب والاتبّاع، وهذه الفكرة كانت تملأ عليه عقله وقلبه. إن المحب لمن يحب مطيع.

وتدق المتابعة على أمور (الهدي) النبوي هذه، فلا يرى في شعيرة من الشعائر ما يمكن أن يُتساهل به، أو يُسكت عنه. وكان الشيخ رحمه الله قد طبع في حلب أوراقا مطوية، ولا أقول ، رسالة أوراقا بلا غلاف قرأناها وتحفظناها ونحن أطفال تحت عنوان: (سبيل الهدى والعمل)، ذكر فيها عناوين طيبة من شعائر الإسلام، لا أدري إن كان قد بقي منها شيء إلى الآن. أول ما قرأت هذه الأوراق كنت في الصف الثاني الابتدائي وليس الإعدادي، كان ذلك أيام العدوان الثلاثي على مصر.  وبوصفي خريج كُتّاب ، قرأت القرآن قبل أن أدخل المدرسة الابتدائية، فقد كنت مؤهلا منذ تلك السن لقراءة رسالة أو كتاب..

يوما ضبطني الشيخ رحمه الله تعالى وقد استأذنت للانصراف من الحلقة، أدخل يدي ( اليسرى) في المعطف قبل اليمنى، ولا أريد أن أقول الجاكيت، لأن الشيخ رحمه الله تعالى الذي ألف منذ الخمسينات ( أخطاء لغوية شائعة ) وتتلمذنا عليها حينا من الدهر، كان يأبى أن تخلط بالعربية لغة أخرى، وعندما ذكرت في صفات الشيخ (الدقة) قصدت أنه لن يمل من متابعة ألسنة تلامذته الصغار والكبار لتستقيم على لغة القرآن، ضبطني الشيخ يوما أدخل اليد اليسرى قبل اليمنى في كم المعطف وهو وسط الحلقة، فلم يشغله ما هو فيه، نادى عليّ توقف، أخرج يدك اليسرى، سألني: هل تجد صعوبة أن تبدأ باليمنى؟ قلت متعلقا بالعذر وأنا ابن بضعة عشر: نعم. قال الآن أدخل يدك اليمنى ففعلت. قال عندما ستواظب على هذا ستجده سهلا إن شاء الله..

كان الشيخ رحمه الله تعالى نقشبنديا في طريقته، إلا أنه خفف على جيلنا من مراسيم الذكر النقشبندي ما كان يخالطه من حركة وصخب وارتفاع أصوات.. كان ذلك بعد مراجعات أجراها الشيخ، وقرر فيها الأخذ بالسُّنة والوقوف مع النص وعزم على ذلك، وكانت طريقة الذكر الخاشع الهادئ أقرب إلى نفوسنا الشابة، علمت بعد ذلك أن هذه المراجعات أدت إلى بعض المشكلات الداخلية بين الشيخ رحمه الله وبين بعض إخوانه من مشايخ الطريقة الآخرين.

حتى أناشيد الحب الإلهي كنا نستشعر أن بعض صيغها تختلف في مجلس الشيخ عنها في مجلس الآخرين.. فكان الشيخ يحكك وينقح لينفي عن النشيد الذي ينشد في حضرته أي مبالغة تقترب من حمى العقيدة واليقين..

إذا أتيح لك أن تذكر أسماء مؤلفي الكتاب المدرسي للتربية الإسلامية في المرحلة الإعدادية، أيام دراستنا للمرحلة تلك ستجد اسمي الشيخين عبد الفتاح أبو غدة والشيخ أحمد مترافقين، ربما من الإنصاف أن نعترف اليوم كيف استطاع هذان الجليلان تطويع عبارة المتون الفقهية لألسنة وأذهان التلاميذ.

في سنة 1966 صرت مع اثنين من زملائي إلى فرنسة لاستئناف الدراسة بعد الحصول على الثانوية. ودعنا الشيخ رحمه الله وأوصانا ألا ننقطع عنه، وأن نكتب دائما له، لما وصلنا إلى هناك كان الغرب موحشا تلك الأيام، وتلكأنا في الكتابة إلى الشيخ رحمه الله، ووقع في نفسي كيف ستجد رسالتي مكانا في عالم الشيخ ووقته..

ثم اشتدت علينا قسوة الاغتراب، وهي ما تزال رغم مرور ثلاثين عاما شديدة، فوجدت في الكتابة إلى الشيخ بعض الأنس فكتبت وشكوت وسألت الدعاء، فلم يمض إلا ثلاثة أيام إلا وقد جاءني أو جاءنا الجواب، يحمل عتب الشيخ لأننا تأخرنا في الكتابة، وقلقه بسبب ذلك، ويفتح أمامنا بوصاياه باب الأمل والتفاؤل، مع أنه لم يكن مرتاحا لمشروع سفرنا ذاك قبلا..

كتب الشيخ رسالته بخط عربي جميل جدا..

وطرز العنوان بالفرنسية برسم بديع..

ولما كان كاتب الرسالة الأولى أنا..لم ينس شيخ العزيمة.. والدقة.. والمتابعة..

أن يضيف إلى جوابه الأبوي العاجل.. وصية من نوع: حسِّنوا خطوطكم. 

ما أكثر ما كتب لي أساتذة الصف هذه العبارة على وظائفي. ولكننا مع الأسف لم نجد خلال مراحل تعليمنا الأولي أستاذا واحدا يساعدنا عمليا على تحسين هذه الخطوط..

 

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ