ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/02/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الوحدة الوطنية في فلسطين والعراق هي

الشرط الضروري لهزيمة الاحتلال وعملائه

الدكتور محمد الزعبي

 1

دعنا نعترف بداية بحقيقتين ، أولاهما ، أن الشهداء أكرم منا جميعا ، وهنا نخص شهداء فلسطين والعراق ، وثانيهما أن من يكتب وينظّر وهو بعيد عن ساحة المعركة وعن معاناة من يعيشون في اتونها ، يحق للمناضلين الميدانيين ان يذكّروه بأن من يتلقى الضربات ليس كمن يقتصر دوره على إحصائها . ومع اعترافنا بموضوعية ها تين الحقيقتين ، فإن هذا لا يمنعنا من إضافة موضوعة ثالثة ، ألا وهي أن من يرى الشجرة وما حولها ليس كمن يرى الغابة بكل أبعادها وتفاصيلها ، وبالتالي فإن من واجبه ، ومن حق المناضلين عليه ، أن يشاركهم النضال بقلمه طالما حالت الظروف دون أن يشاركهم بيده .

2.

ودعنا نشير ثانيا إلى ماعبر عنه ابن رشد بـ :  " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال " وهو مايمكن التعبير عنه أيضا بالتواصل والتكامل  بين  بعدي العقل والنقل  في كل من الحكمة والشريعة على حد سواء . قال تعالى: " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند  الله أتقاكم" ( الحجرات 13 ) وقال أيضا : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسد ت الأرض " ( البقرة  251 )   إن ماتشير إليه هاتان الآيتان الكريمتان إنما هو مانطلق عليه في علم الإجتماع  وحدة وصراع المتضادات  أو جدلية الوحدة والتمايز في وبين الظواهر الإجتماعية  ، حيث  أن كلا من طرفي هذه الجدلية يشير إلى التواجد والتزامن والتعايش بين ظاهرتي التعاون والتدافع ( ابن خلدون) في المجتمعات البشريه، وأن كلا منهما متضمن موضوعيا في الأخرى ، الأمر الذي يعني أن دور الإنسان فيما يخص ظاهرة التدافع  يتمثل في ضبطها وتوظيفها في خدمة وحدة وسلامة وتنمية المجتمع وهذا لايتأتى إلاّ إذا كانت التقوى هي العنصر الأساسي والثابت في هذا المجتمع بما هو أفراد وبما هو جماعات ، والتي عادة ما  تجد تجسيدها العملي بقيم العدالة والمساواة و حفظ الكرامة الإنسانية .

3

إن خاصية الوحدة والتمايز التي تطبع كافة المجتمعات البشرية ، والتي تنطوي على التعاون والتدافع ( الفقرة 2 ) إنما تعني على المستويين النظري والتطبيقي ، وفي كافة المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية والاجتماعية :

ــ وجود مبادئ عامة ، تمثل القاسم المشترك لمعظم ـ إن لم يكن لكل ـ الأديان ، والأيديولوجيات ، ومنظومات القيم الاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات البشرية ، وتميزها عما عداها من الكائنات الحية .

ــ إن وجود مبادئ عامة في مجتمع ما لايلغي وجود مبادئ خاصة لكل من هذه الآديان والأيديولوجيات ومنظومات القيم الآجتماعية . ومن الطبيعي والمنطقي أن لايتعارض هذا الخاص مع العام ، وإنما ينبغي أن يكون مثبتا ومؤكدا ( بكسر الباء والكاف ) له ، وبذات الإتجاه فإن العام لايمكن الإمساك به إلاّ في إطار الخاص والملموس ، وهكذا تتحول تلك العلاقة الجدلية بين العام والخاص إلى علاقة إجتماعية روحية ــ مادية تتمثل في القواسم  المشتركة بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد  ، تلك القواسم التي تجد تجسيدها العملي في القضايا المبدئية التالية :

المواطنة ، العلمانية ، والديمقراطية ، وسيادة الدستور والقانون .

3.1

ــ  المواطنة ،من حيث أن أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة متساوون في الحقوق والواجبات ، لافضل لمواطن على آخر ولا لجماعة على أخرى إلا بالتقوى .هذا مع العلم  إن مفهوم المواطنة في الوطن العربي يكتسي طابعا خاصا من حيث ا نطوائه على التداخل والتساند والتقاطع بين ماهو قومي ( عام )  وما هو قطري ( خاص ) حيث يمثل ويجسد جانبا المواطنة(القومي والقطري) هنا وجه الميدالية وظهرها وبالتالي فإنه لايمكن أن ينظر إلى أحدهما بمعزل عن الآخر ، ومن جهة أخرى ، فإن مفهوم المواطنة في الوطن العربي، بشقيه: القومي والقطري  ، لايمكن فصله عن الدور التاريخي الذي لعبه وما يزال الدين الإسلامي  ، سواء في إعلاء مفهوم ودورالإنتماء الديني على كافة الإنتماءات الأضيق الأخرى ، بما في ذلك الإنتماء القومي ، أو في توحيد الأمة العربية ، وإحلال الرابطة الدينية والقومية محل الروابط القبلية والعشائرية والجهوية  التي كانت سائدة في المنطقة العربية  قبل الإسلام .

 3.2

ـ  العلمانية :إن العلمانية التي ندعو إليها هنا لاتعني أكثر من حياد الدولة تجاه الدين ، انطلاقا من مبادئ العدالة والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية التي سبقت الإشارة إليها والتي تمثل قاسما مشتركا بين الدين والدنيا .

إنها ـ أي العلمانية ـ "  ليست عقيدة  إيجابية أو فلسفة تعتمدها الدولة وتبشر بها وتعلمها وتثقف بها في وجه المعتقدات الدينية " ( أنظر: شبلي العيسمي ، العلمانية والدولة الدينية ،  بغداد 1986 ، ص 18 ) وإنما هي تطبيق لقول السيد المسيح "مملكتي ليست في هذا العالم، أعطوا مالقيصر لقيصر وما لله لله " ( نفس المرجع ص118 ) .

ويحاول محمد عمارة أن يتبنى موقفا وسطا بين متطرفي الدين ومتطرفي العلمانية  فيما يخص العلاقة بين الدين والدولة حيث يقول " إن هذا الموقف الوسط هو الذي نسميه ( التمييز ) وليس ( الفصل ) أو ( الوحدة ) بين الدين والدولة ، فالتمييز هو المصطلح الأصح والأدق للتعبير عن هذه العلاقة بينهما " ( نفس المرجع السا بق ص 83) ومن جهته فإن الإمام محمد عبده يرى أنه " ليس في الإسلام سلطة دينية ، سوى سلطة الموعظة الحسنة للدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر " .

إن مفهوم العلمانية يتقاطع ــ من وجهة نظرنا ــ مع مفهوم حقوق الإنسان ، ذلك أن الناس مختلفون في مستوى فهمهم ، وفي مصالحهم ، وفي أهوائهم ، وفي عقا ئدهم الدينية والدنيوية ، والتي هي اختلافات موضوعية لايمكن الغاؤها أو القفز من فوقها ، وإلاّ وقعنا  ــ سواء عن حسن أو عن سوء نية ــ في فخ الديكتاتورية ، التي يمكن أن تتجسد في حكم وتحكم حزب واحد ، أو طائفة واحدة ، أو أسرة واحدة ، أو دين واحد ، أو طغمة عسكرية أو مالية و احدة ، وهو مايتعارض  مع كل من قوانين الأرض وقوانين السماء ، ولاسيما  المبادئ الأساسية ا لتي سبقت الإشارة إليها  والمتمثلة ، بالمواطنة والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية .

3.3

الديمقراطية : يتماهى هذا المبدأ من الناحية التطبيقية مع مبدأ الحرية الذي يمكن أن يكون أوسع من مبدأ الديمقراطية ، من حيث صفته المطلقة  قياسا على صفة النسبية التي أخذها ويأخذها مبدأ الديمقراطية عند تطبيقه في هذه المرحلة التاريخية أو تلك ، أو في هذا المجتمع أو ذاك . ولكي تكون المسافة بين الديمقراطية والحرية متقاربة فلابد  أن تنطوي هذه الديمقراطية على الأبعاد  التالية :

   > الديمقراطية السياسية ، التي ستبقى ديمقراطية عرجاء إذا لم تقف على ساقين اثنتين : التعددية السياسية والحزبية والتبادل السلمي  للسلطة عبر  صندوق الإقتراع . 

  > الديمقراطية الإجتماعية ، المستندة إلى مجتمع مدنى قائم على سيادة الدستور  والقانون ، وعلى تساوي كافة   المواطنين  في الحقوق والواجبات ، دون تمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو  الدين أو الطائفة أو اللغة  أو الإنتماء  القبلي والجهوي .   

  > الديمقراطية / الحرية الفكرية ، ولا سيما احترام الرأي والرأي الآخر ، وحرية التعبير عن هذا الراي بكافة الطرق السلمية المنصوص عليها في الدستور والقانون .

  > الديمقراطية الإقتصادية ، ولا سيما حق العمل للرجل والمرأة ، والمزاوجة بين القطاعين العام والخاص  بما يخدم مصلحة الغالبية المنتجة بأيديها وأدمغتها .

  > الديمقراطية الثقافية ، المتضمنة لحق كافة المواطنين من الرجال والنساء في الحصول على فرص متساوية في التعليم والتوظيف ، ولحق الأقليات الإثنية أو الدينية في ممارسة شعائرها الدينية والإجتماعية الخاصة بها.   

3.4  

سيادة الدستور والقوانين : إن تلك المبادئ  العامة والقواسم المشتركة بين كافة أبناء الوطن / الأمة ، لابد من أن توضع   موضع التنفيذ العملي ، الذي يحفظ للمجتمع المعني بقاءه واستمراريته وتطوره ، وهو مايستلزم وجود  دستور وطني مكتوب ،  يتم وضعه وإقراره بصورة ديمقراطية حقيقية ، وكذلك القوانين التنفيذية المنبثقة عن هذا الدستور .  ومما تجدر الإشارة إليه هنا ، هو أن الدين الإسلامي  ، يتميز عما عداه من الأديان الأخرى ، في   أنه يجمع بين الدين والدنيا ، الأمر الذي يقتضي أن تكون الشريعة الإسلامية السمحاء مصدرا أساسيا ورئيسيا من مصادر كل من الدستور والقانون في المجتمعات الإسلامية ، ولا سيما في القضايا التي لاخلاف حولها بين فقهاء الأمة وعلمائها .

ومن جهة أخرى ، فإن الدستور المشار إليه لابد أن ينطوي على الضمانات الكافية للحيلولة دون خرقه أو التلاعب به أو إلغائه من قبل أية جهة كانت ، بما في ذلك السلطة التشريعية ذاتها ، ذلك أن الأنظمة غير الديمقراطية تعمد إلى ستر عوراتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية بفبركة هياكل عظمية ديمقراطية (!) لاأثر فيهالإرادة الشعب ا للهم إلا من حيث الشكل العاري من أي مضمون حقيقي  ، كما هي حال المؤسسات والإنتخابات الكاريكاتورية التي تمت وتتم الآن تحت حراب المحتلين وعملائهم من العراقيين الذين دخلوا العراق على ظهر دبابات ذلك المحتل .

3.5

إن خرق، أو إلغاء ، أو التلاعب بالدستور عادة مايتم على يد أنظمة ديكتاتورية ، فردية أو فئوية ، جاءت إلى السلطة بطرق غير شرعية ، وغير ديمقراطية ، وغالبا عن طريق انقلاب عسكري . إن البلاغ العسكري المعروف بالبلاغ رقم واحد ،عادة مايعلن القائمون بالإنقلاب من خلاله ، وباسم شرعية  شعبية مفترضة وموهومة ، الأحكام العرفية ومن ثم حل كافة المؤسسات الدستورية والديمقراطية القائمة ، ولا سيما البرلمان والأحزاب السياسية اعتمادا على قانون الأحكام العرفية نفسه ، الذي فبركوه بأنفسهم ولأنفسهم .

وتلافيا لمثل هذه الإنقلابات العسكرية ، يجدر أن يتم التوافق بين أطراف المقاومة الوطنية ،على تحديد مهمة الجيش المستقبلية بالدفاع عن الوطن ، وحماية الدستور، وأن يكون هذا الجيش مفتوحا وملكا لكل أبناء وفئات الشعب ، وليس  حكراعلى حزب معين أو فئة إجتماعية بعينها . إن إقحام الجيش في الصراعات والخلافات الحزبية والسياسية( والتي هي من الأمورالمشروعة في المجتمعات البشرية) إنما يفتح الباب مشرعا أمام الإنقلابات العسكرية المتكررة، ويؤدي بالتالي إلى تعليق الحياة الديمقراطية ، واحتكار السلطة ، وإلغاء دور الشعب عامة ، وقواه الحية خاصة .

4.

يتداول الناس مثلا شعبيا يقول : " أنا وأخي على ابن عمي ، وانا وابن عمي على الغريب " ، وإذا ماترجمنا هذا المثل الشعبي إلى لغة علم الإجتماع ، فإنه سيتحول إلى موضوعة " التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية " التي تشير إلى ضرورة تجاوز التناقضات الثانوية عندما يتعلق الأمر بالتناقضات الرئيسية . إن ماينبغي الإشارة إليه هنا،هوأن الخروج على هذه القاعدة الشعبية والسوسيولوجية من قبل شخص أو مجموعة إنما هو خروج على القيم الإجتماعية السائدة  وبالتالي خروج على الإطارين الوطني والقومي ، بل وعلى الدين أيضاً عندما يكون الصراع بين الحق والباطل ، كما هي الحال في فلسطين والعراق في ا لوقت الراهن، والذي هو صراع بين غريب  وافد مغتصب و محتل ، وبين مواطنين مسالمين مقيمين في بيوتهم وعلى أرض وطنهم .        

إن احتلال فلسطين والعراق من قبل القوى الأجنبية ، إنما يمثل ذلك الغريب ( الباطل ) الذي ينبغي على كل من صاحب الأرض (صاحب الحق) وأخيه وابن عمه أن يتحدوا ويتكاتفوا من أجل التصدي له ودحره وطرده وبالتالي إعادة الحق إلى نصابه ، ذلك أن التناقض بين صاحب الدار والغريب هناإنما هو التناقض الرئيسي ، بينما تتراجع التناقضات بين أبناء الوطن أنفسهم إلى مرتبة التناقض الثانوي . وتتجاوز مثل هذه القاعدة السوسيولوجية بعدها الوطني إلى بعدها القومي والإنساني عندما يكون المحتل من النوع الهمجي المتوحش الذي لايرعى حرمة طفل أو امرأة أو شيخ أو معاق ، بل إن وحشيته وهمجيته تتعدى البشر إلى الشجر والحجر ( التجريف وهدم بيوت السكن) وإلى الزرع والضرع ، كما هي حال إسرائيل وأمريكا في كل من فلسطين والعراق في الوقت الراهن .

إن مقاومة الإحتلال في مثل هذا الوضع إنما تمثل فرض عين تقع مسؤوليته على الأمة كلها ، بل على كل الشرفاء في كل أنحاء المعمورة ، ولعل من الصحيح هنا والآن أن نستبدل بشعار القرن الـ 19 " ياعمال العالم اتحدوا " شعار جديدا لهذا القرن الجديد ، هو شعار " ياشرفاء العالم اتحدوا " .

5.

إن مقاومة المحتل ولكي تكون مجدية وناجحة وقليلة التكاليف المادية والبشرية ، لابد أن تكون ، شاملة من جهة ، ومنظمة من جهة أخرى  ، الأمر الذي يقتضي بالنسبة لكل من فلسطين والعراق ، تشكيل جبهة وطنية عريضة مقاومة ( بكسرالواو ) تضم كافة القوى والأحزاب والنقابات والفئات الرافضة للإحتلال وعملائه .

إن تكوين مثل هذه الجبهة الوطنية المقاومة ( بكسر الواو ) لايستقيم إلاّإذا تم التوافق بين أطراف هذه الجبهة ليس فقط على استراتيجية النضال القومي والوطني لدحر وطرد الإحتلال ( وهو الأمرالأكثر أهمية )، وإنما أيضا على عدد من المبادئ والأسس العامة التي تمثل ميثاق شرف وطني  يحكم العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين هذه الأطراف الوطنية في مرحلة مابعد التحرير وزوا ل الإحتلال الأجنبي.

6.

إن المبادئ والأسس العامة  والمشتركة التي لابد من التوافق حولها من أجل إنجاح مقاومة الإحتلال ، تتمثل ـ من وجهة نظرنا ـ بما هو آت :

ــ اعتبار القطرالعربي المحتل  ( فلسطين ، العراق ) جزءا من الأمة العربية ، والنظر بالتالي إلى النضال الوطني القطري باعتباره جزءا من النضال القومي العربي الذي تقع مسؤوليته التاريخية على كافة الأقطار العربية وليس فقط على القطرين المحتلّين . إن قرار مؤتمر القمة العربية في المغرب عام 1974 ، باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ،كان من هذه الزاوية القومية مؤامرة أمريكية ـ صهيونية ـ عربية ( أنظمة ) مشتركة ضد القضية الفلسطينية ، هدفها المسكوت عنه هو إعفاء النظامين المصري والأردني من مسؤوليتهما تجاه قطاع غزة والضفة الغربية ، وحصر القضية الفلسطينية بهما ، علما أن مساحتهما لاتمثل سوى 22  % من أرض فلسطين التاريخية  ، وأن اسرائيل قد رفضت العودة إلى  حدود  الخامس من حزيران 1967 تنفيذا لقرار مجلس الأمن 242 ، بل إنهاقضمت حوالي نصف هذه المساحة الرمزية  ( 22% )عبر إنشاء الطرق  الإلتفافية ، والتجمعات الإستيطانية  ، و الجدار العازل ، وتوسيع حدود القدس الشرقية ...الخ .

  ــ اعتبار أن القومية العربية والدين الإسلامي عنصران متكاملان ، من حيث أن العرب هم مادة الإسلام وأن الإسلام هو روح القومية العربية المتمثلة : بالبعد الإنساني ، والعدالة الإجتماعية ، والمسواة في المواطنة .

ــ وبما أن تلك الأبعاد الثلاثة الواردة أعلاه  متضمنة ليس فقط في الدين الإسلامي والقومية العربية ، وإنما أيضا في العقيدة الإشتراكية الحقيقية ( الدينية منها والعلمانية ) فقد توجب على المقاومة الوطنية في كل من فلسطين والعراق   أن تعيد النظر في تلك النظرة السلبية التي طبعت العلاقة  بين أضلاع  هذا المثلث الذهبي : الدين الإسلامي ، القومية العربية ، والإشتراكية، والتي أدت في النصف الثاني من القرن الماضي إلى انقسام  الصف الوطني والقومي والديني انقساما أدّى إلى إضعاف الأمة العربية ، وتكريس السلبيات التي زرعتها الدول الإستعمارية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية  ولاسيما التجزئة القومية ( سايكس ـ بيكو ) والإحتلال الإستيطاني   الصهيوني لفلسطين ، والعداء غير المبرر للاتحاد السوفييتي .     

ــ  إن وجود خلافات في الراي ، حول هذه القضية أو تلك ، بين هذا الفصيل أوذاك ، يجب ألاّ يحول دون اعتبار هذه الخلافات من نوع التناقضات  الثانوية ، التي يجب ألا تحجب عن الأعين التناقض الرئيسي  بين هذه التيارات الوطنية الثلاثة ( القومي والإسلامي والإشتراكي ) وغيرها من القوى والعناصر الوطنية  من جهة ، وبين الإحتلال الإنجلوـ أمريكي ـ الصهيوني المباشرأو غير المباشرلأرض وسماء ومياه الأمة العربية عامة و كل من فلسطين والعراق خاصة من جهة أخرى  ، سواء أكان ذلك قبل التحرير أو بعده . 

7.

لابد أن يكون ماثلا للعيان أمام كافة القوى والعناصر المنخرطة في مقاومة الإحتلال في العراق ، أن أخطاء النظام العراقي السابق( نظام حزب البعث العربي الإشتراكي وصدام  حسين) والتي يأتي في طليعتها ـ أي الأخطاء ـ احتكار السلطة ، وتغييب الحياة الديمقراطية ،لا تبررلأحد (رغم أهميتها وجوهريتها) أن يتعاون مع العدو ضدأبناء وطنه،بما في ذلك ضد نظام صدام/ البعث ،لاقبل ولا بعدالإحتلال . إن مثل هذا التعاون إنما يدخل أيا كانت مبرراته في خانة الخطأ التاريخي الذي يتجاوز المتعاون المباشر إلى أولاده وأحفاده ، بل وربما إلى أهله وعشيرته .

8.

ويتعدى الأمر هنا تعاون جزء ضئيل من الشعب العراقي مع قوات الإحتلال إلى  تعاون مخجل  لمعظم ـ إن لم نقل كل ــ الأنظمة العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ضد الشعب العراقي وجيشه الوطني حيث أخذ   هذا    التعاون المشبوه والمدان شكله الملموس حين بعثت دول إعلان  دمشق( دول الخليج + مصر وسوريا) ـ تلك الدول التي لايختلف موقفها السلبي من المسألة الديمقراطية الداخلية عن موقف نظام صدام حسين قيد أنمله ، إن لم يكن أسوأ ـ  بجيوشها  إلى حفرالباطن  لتقاتل الجيش العراقي  جنبا إلى جنب مع أعداءالأمة العربية ومغتصبي أرضها بحجة إخراج العراق من الكويت !  تلك الحجة الواهية، التي لاتصمد أمام حقائق التاريخ و وقائع الجغرافيا ولاسيما أن أخوة الدين واللغة والثقافة والانتماء القومي المشترك ،وكذلك المصالح المشتركة ،إنما تضعهما في خندق واحد.

وكذلك حين اشتركت هذه الأنظمة   بالحصار الإقتصادي والإعلامي  للعراق ا لذي  فرضته الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1989 ( أي قبل دخول العراق إلى الكويت ) والذي  بلغت كلفته ا لبشرية مئات الألوف من الشيوخ والنساء والأطفال ، ناهيك عن الكلفة  المادية العصية على العدّ  والإحصاء ، وأخيرا ، وليس آخرا ، حين وضعت هذه الأنظمة أرضها وسماءها ومياهها وأجهزتها الأمنية ، تحت تصرف الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على العراق  والأمة العربية عامي 1991 و2003 ، وذلك من أجل الهيمنة على النفط وحماية إسرائيل..

إن الهوة العميقة التي تفصل بين الأنظمةا لعربية المتواطئة مع  الإحتلال الأمريكي الصهيوني  لفلسطين والعراق من جهة ، والجماهير العربية من جهة أخرى ، إنما يشيرالى الطابع الوظيفي   لكثيرمن هذه الأنظمة ولا سيما تلك المحيطة بإسرائيل ، ومعظم أنظمة الخليج النفطية ، حيث قامت وتقوم هذه الأنظمة  ومعها أنظمة عربية أخرى  معروفة ، بالتفريط المخجل والمؤسف بالمصالح القومية والوطنية ، بل وأحيانا  بمصالحها هي  الخاصة ، لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل !! مقابل بقائها على كراسي الحكم ، والسكوت على توريث الآباء هذه الكراسي لأبنائهم وأبناء أبنائهم من بعدهم ، كي لاتنتقل السلطة إلى الشعب ، وتتوفر بالتالي إمكانية محاسبتهم المحاسبة العادلة ، التي ستطيح بعروشهم ، ولربما برؤوسهم أيضاً . ولعل في النتائج القومية الكارثية التي ترتبت على توقيع النظام المصري اتفاقية كامبديفد مع الكيان الصهيوني ، وتوقيع النظام الأردني اتفاقية وادي عربة ، وأيضا على السكوت المطبق والمخجل للنظام السوري على احتلال اسرائيل لهضبة الجولان منذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة ( فبراير 2005 ) ،  مايثبت موضوعيا وبالملموس صحة ماذهبنا إليه فيما يخص أصحاب الجلالة والسيادة والعظمة والسمو، من الحكام العرب ، حماة إسرائيل، ودعاة سلام الشجعان ،الاسم الحركي لسلام الجبناء.

9.

وفي ختام هذه المقالة لابد من أن نقول بكل الو د وكل المحبة  لبعض أطراف المقاومة الوطنية العراقية الرافضة للإحتلال الأمريكي، أن قبولهم  بجانب  من  القرارات المشبوهة التي أصدرها مايسمى بالحاكم المدني في العراق ( بريمر ) والتي كان في طليعتها حل الجيش العراقي  ، وحل حزب البعث ، وقانون اجتثاث البعث ،...  إنما يمكن  أن يؤدي ميدانيا إلى خلط الأوراق والمواقف بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية ، وذلك انطلاقا من الممارسات غير الديمقراطية لنظام الرئيس صدام حسين  والتي يتحمل مسؤوليتها معه حزب البعث الحاكم أيضاً .

إننا لانطلب من أي عراقي أن يتجاوز أو أن ينسى الممارسات الخاطئة للنظام السابق ، وإنما نطلب منه فقط أن يؤجل مساء لة المسؤولين عن تلك الممارسات إلى مابعد تحرير العراق وطرد المحتلين .

إن تصدي حزب البعث العربي الإشتراكي ممثلا بمئات الألوف من الحزبيين العسكريين والمدنيين لقوات  الإحتلال الإنجلو ـ أمريكي  قبل وبعد التاسع من أبريل من العام الماضي ، وتقديمهم مثل بقية أفراد الشعب العراقي عشرات آلاف الشهداء والمعتقلين والأسرى ، إنما يضعهم مع كافة أطياف وأطراف المقاومة العراقية الباسلة ، في هذه المرحلة الحاسمة  والدقيقة من تاريخ العرا ق على قدم  المساواة وفي نفس الخندق الوطني المشرف .

 إن تشكيل جبهة مقاومة وطنية موحدة ، ذات قيادة مركزية كفوءة ، تعمل على تنظيم وتفعيل وقيادة النضال الوطني ضد الإحتلال وعملائه ، هو أمر تقتضيه ضرورة إعادة الإعتبار للدولة العراقيةالتي دمّرها الإحتلال وللديمقراطية ، ولكن القائمة هذه المرّة على التعددية السياسية والحزبية واحترام حقوق الإنسان ، وعلى التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الإقتراع .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ