ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 15/12/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التدهور الاقتصادي
 في عهد حافظ الأسـد

خالد الأحمد*

سوريا قبل حافظ الأسـد :

سوريا بلد غني بالخيرات ، بلد زراعي ممتاز تكثر فيه الأمطار ، وتتنوع فيه المزروعات، وتكثر الثروة الحيوانية في بادية الشام، وفيه الفوسفات والحديد، وفيه من النفط ما يزيد عن الاستهلاك المحلي([1])، وفيه خطان دوليان لتصدير النفط أحدهما خط التابلاين القادم من المملكة العربية السعودية ، والآخر خط النفط العراقي الذي يصب في الساحل السوري ، وتحصل سوريا على حصة مجزية من هذين الخطين ، كما أن سوريا بلد سياحي ممتاز وخاصة لأهل الخليج العربي ، الذين يقصدون سوريا لبرودة جوها صيفاً وعذوبة مائها وكثرة فواكهها وينفقون أموالاً طائلة خلال الصيف .

لذلك كان الشعب السوري مكتفياً، يؤمن حاجاته الأساسية بل الكمالية بسهولة ويسر ولذلك كان الشعب السوري من أكثر شعوب العالم اشتغالاً  بالسياسة والأمور العامة ، لأن أساسيات الحياة والمعيشة متوفرة بسهولة لكل مواطن سوري ، فالعامل البسيط(الحمال) لوكسب في اليوم خمس ليرات سورية ( تعادل دولاراً وربع خلال الستينات ) تكفيه لأسرة متوسطة العدد ، هذا في المدينة ، أما أسرة القرية فيكفيها دخل ألف وخمسمائة ليرة  سـورية( 400) دولار فقط ، في العام كله ، لتعيش حياة مرفهة لأن معظم غذائها من إنتاجها .

أماخريج الجامعة العازب فراتبه أربعمائة ليرة سورية ( مائة دولار ) ، وخلال خمس سنوات على الأكثر يتزوج ويمتلك شقة سكنية من توفير راتبه . أما مدرس الثانوي فكان راتبه يصل إلى خمسمائة ليرة سورية على الأقل ، وقد يصل إلى ألف ليرة ( 250)دولار ، لذا كان ممن يشترون البيت والسيارة ويتزوج بعد سنتين فقط من عمله .

وحتى تفهم أجيالنا السورية التي قد لا تصدق هذا الكلام بعد أن نشأوا في عهد المجاعة التي فرضهاحافظ الأسد عليهم أقول كان ثمن الكيلو غرام من الأرز أقل من نصف ليرة ، وكذلك السكر ، أما اللحم فحتى عام ( 1974م) ثمنه سبع ليرات فقط للكيلو غرام ، وخلال الستينات كان يتراوح بين ( 2 ـ 5 ) ليرات ، أماالطماطم ( البندورة ) في الصيف تصل إلى عشرة قروش للكيلو الواحد ( الليرة تساوي مائة قرش ) . وكيلو البرتقال في الشتاء يصل إلى خمسة عشر قرشاً فقط . وثمن الدجاجة الواحدة في الريف ليرتان فقط ، والبيضة الواحدة بعشرة قروش أو أقل . ونستطيع القول أن راتب المعلم الابتدائي كان مائتان وخمسون ليرة سورية     ( 5 ر62 ) دولار أمريكي . ويعادل ثمن تسعة خراف أنذاك ، أو ( 125 ) دجاجة .

وكان العامل ( الحمال ) يعمل حتى الظهر، ثم يقيل ويتغدى ، وفي العصر يلبس ثيابه النظيفة( كأنه أمير ) ويذهب مع أصحابه إلى المقاهي ، يتحدثون في الشؤون العامة ( السياسة ) ، وربما يلعبون الورق والطاولة ، ويشربون القهوة والشاي . وكذلك المدرسون يقضون طوال العطلة الصيفية يطالعون المجلات والصحف اليومية ، أو يسافرون للخارج ، أو ينامون في الصباح ويتجمعون في العصر والمساء في مقاهي ونوادي خاصة ، يتسامرون ويتحدثون في القضايا العامة ، كالوحدة العربية والقومية العربية ، وصراع الماركسية مع القومية العربية ،أو مشروع الحزب الفلاني في الوحدة ، أو الاشتراكية ، أو يتحدثون عن خطر الصهيونية وحلم اليهود في إنشاء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل . أما المدرسون الدعاة فكانت لهم مشاريعم الدعوية الصيفية مثل إقامة حلقات التجويد وتلاوة القرآن الكريم في المساجد ، وإقامة دروس الفقه والتوحيد والسيرة وتعليم الناس ، أو الخروج مع جماعة التبليغ للدعوة خارج المدينة ، وربما خارج سوريا، أو إقامة معسكرات صيفية للشباب على الساحل السوري ، وغير ذلك من الأنشطة الدعوية في مجال الصحوة الإسلامية . كل هذاكان ممكناً لأن المعيشــة كانت متوفرة بســهولة .

كان العامل مكتفياً ، وكان المعلم والمدرس مرفهين ، وكانت الوظيفة مرغوبة ، وكان الدافع القوي الذي جعلنا نذاكر على ضوء القمر أو ضوء الشارع أحياناً ؛ هو أننا سنتوظف ونقبض مائتين وخمسين ليرة كل شهر، وكانت أم الموظف تتدلل عندما تخطب لإبنها وتقول  إبني موظف راتبه ثلاثمائة ليرةكل شهر، وكانت أم العروس تفتخر بأن نسيبها معلم مدرسة راتبه مائتان وخمسون ليرة شهرياً ([2]).

بعد الحركـة التصحيحيـة (1971)([3])

قام حافظ الأسد بالحركة التصحيحية عام (1971م ) وسوريا مغمورة بهذه الخيرات ، وكان الدولارالأمريكي أقل من أربع ليرات سورية ، وربما وصل ثلاث ونصف فقط . وعرف أسياد حافظ الأسد أن الشعب السوري لايذله ويخضعه إلا الجوع ، فصار البنك المركزي السوري يطبع الورقة ذات الخمسمائة ليرة بلا رصيد ( بتوقيع رفعت أسد) ، وتوزعها السلطة على أزلامها من عملاء ومخبرين ، وكبار الضباط والحزبيين ، وبدأت تظهر طبقة ثرية جديدة يبلغ عددها بالآلاف ، وبهذه الأوراق اشترى رفعت أسد الذهب من سوريا ، وهربه إلى حساباته في الخارج  .

وخلال الخمسينات كانت مجالس المدرسين في المقاهي تتحدث عن الأحزاب ومشاريعها ، كما تتحدث عن الوحدة العربية والقضايا العربية الكبرى مثل فلسطين ولواء اسكندرون وغيرها . وفي الستينات اختفى الحديث عن الأحزاب(خوفاً من المخابرات وسلطات الأمن التي كممت الأفواه)؛ وصارالحديث عن الأدب والثقافة والتاريخ وطرق التدريس ...إلخ . وبعد استلام حافظ الأسد دفة الحكم في سوريا بخمس سنوات فقط ؛ صار الحديث في مجالس المدرسين( بسبب الجوع وارتفاع الأسعار ) يدورحول الدجاج البياض والبقرالحلوب ، كم يلزمه من العلف وكم يعطي من الحليب أو البيض شهرياً، ليسدوا عجز رواتبهم الذي بدأ يظهر منذ منتصف عقد السبعينات ، وصار المعلم القروي يربي البقر، ويخدمه ليسد عجز راتبه ، وصار المعلم ابن المدينة يربي الدجاج على السطوح، ويعلفه ويحصنه ضد الأمراض ، ويبيع بيضه ليسد بعض العجز المالي عنده .

وفي بداية الثمانينات صار كل موظف أو مدرس يعمل عملاً آخر بعد  الدوام ، وأفتى العلماء بجواز دفع الزكاة إلى أي موظف سوري . 

في التسعينات للموظف راتب شهري يكفيه ( 7 ــ 10 ) أيام في أحسن الأحوال ، وعلى الموظف أن يبحث عن ثلاثة أضعاف راتبه من الرشوة  إن تمكن  أو من السرقة  إن وجد ، وسحقت طبقة المدرسين والمعلمين التي لاتجد رشوة ولاسرقة ، وصاروا يعملون بأخس الأعمال بعد دوامهم المدرسي ( كحفر الأقنية عند البلدية بالفأس وهو من الأعمال الشاقة التي يدفع عليها أجر مغري )، وانهار التعليم ، ومسخت المدارس . وصار البحث عن اللقمة الشغل الشاغل لملايين السوريين،أما تأمين الحليب للأطفال والدواء للمريض ، فلابد عندئذ من الصدقات .

ومدرس المرحلة الثانويــة المتخرج من الجامعة يتقاضى خمسة آلاف ليرة سورية ( خلال التسعينات ) في أحسن الأحوال (أي مائة دولار فقط)، بمافيها تعويض الأسرة ، ويحتاج يومياً إلى خمسة كيلو خبز ثمنها أربعون ليرة سورية ، أو ربع راتبه ثمن الخبز ، أما الدجاج فلو أكلت أسرته ثلاث دجاجات في يوم واحد فإنه يدفع ثمنها(200ــ250) ليرة سورية ، ويجمع السوريون على أن مصروف الأسرة المتوسطة للطعام والشراب والثياب والأحذية ، خمسة عشر ألف ليرة سورية شهرياً ، أي أن راتب هذا المدرس الجامعي يكفيه عشرة أيام ويحتاج ثــلاثة أمثالــه ليسد حاجات أسرته .

التغير الاجتماعـي

أدى التدهور الاقتصادي إلى تغير اجتماعي حاد ، فقد هبطت مكانة الموظف الاجتماعية ، وارتفعت مكانة العامل الحرفي ، والفلاح الذي يملك أرض مروية تزيد مساحتها على عشرة هكتارات ، وصاحب المال الذي يزيد على ربع مليون دولار أمريكي فقط .

وأدى هبوط المكانة الاجتماعية للوظيفة عزوف الشباب عن التعليم،وخاصة التعليم العالي ، لأن الطبيب المتخرج من الجامعة يعطى له راتب لايسد أكثر من ربع حاجاته الضرورية ، وكذلك المهندس ، فقد هبطت قيمة الليرة السورية ثلاثة عشر ضعفاً إلى الأسفل، بينما تضاعف راتب الموظف مرتين فقط ، فالموظف في عام ( 1980م ) الذي كان راتبه    (1500) ل.س يجب أن يكون راتبه في عام ( 1995م) ( 20000)ل.س حتى تبقى قوتـــه الشرائية متساوية مع عام (1980م ) ، ولكن هذا الموظف يعطى له في عام( 1995م) (5000) ل.س فقط ، أي تضاعف راتبه ثلاث مرات ، بينما هبطت قيمة الليرة ثلاث عشر ة مرة . .

وإذاكانت المشكلة شبه محلولة عند معظم الموظفين حيث صارت الرشوة حقا ًطبيعياً للموظف ، بقي المدرس المسكين حيث لايتمكن من السرقة أو الرشوة ، فاضطر إلى القيام بأعمال يدوية بعد الدوام كالعمل في الزراعة أو النقل أو الخدمة لدى التجار ؛ مما جعل الناس ينظرون إلى مهنة التدريس نظرة بؤس وشقاء فابتعد الشباب عنها وبقيت لمن لايجد عملاً غيرها، ( كما قال الشاعر  إذا ضاقت بنا سبل المعالي وأفلسنا نصير معلمينا ) ، وضاعت الأجيال ، وهذا مايريده أعداء هذه الأمة من الصهاينة والصليبين والملحدين.  .

الـرشـــوة

حدثني مدرس عا ئد من بلد عربي إلى سوريا (في عام 1979م) ، بعد أن غاب عنها خمس سنوات مدة الإعارة، وفي طريقه من دمشق إلى بلدته أوقفتهم دورية جمارك ، ولماشاهدوا حقائب سفر في السيارة ، ووجدوا سخاناً واحداً فقط يعمل بالبوتاغاز، رآه ضابط الجمارك في المطار ولم يقل عنه شيئاً البتة ، ولكن هؤلاء الأفراد قالوا هذا ممنوع من الدخول ، وكيف أدخلته معك ، يجب أن نصادره ونسلمه إلى مصلحة الجمارك ، فانفعل ذلك المدرس وصار يتكلم بقسوة معهم لكن سائق السيارة جره من يده وأجلسه مكانه في السيارة وقال له همساً اسكت لو سمحت ، هذا ليس من شأنك ، ثم دس شيئاً في جيب أحدهم ومشت السيارة ولم يصادروا السخان ، وبعد دقائق قليلة قال السائق ضاحكاً :  الظاهر ياأستاذ صار لك زمان عن البلد ، والله لو واجهتنا دورية ثانية سوف تدفع عشرة  ثانية ، وهكذا حتى تصل بيتك . ياأستاذ ماسمعت شيئاً عن أخبار بلدك ؟

وهكذا فقد انتشرت الرشوة في سوريا بشكل لم تعهده من قبل ، وبشكل سبقت فيه دول العالم كلها في الحاضر والماضي ، وصار من المتعذر إنجاز أية معاملة في مكاتب الوزارات دون دفع رشوة ، وتفنن الموظفون في هذا الجانب ، فقد تؤجل معاملة لاتحتاج أكثر من تصديق لعدة أسابيع ، وفي معظم الحالات يطلب الموظف مباشرة ودون وسيط ، مبلغ محدد يتناسب مع أهمية المعاملة، وتسعيرة المؤسسة أو الوزارة ، فللجوازات تسعيرة ، ولوزارة التموين تسعيرة ، وللجيش تسعيرة ...إلخ .

وصار بعض المواطنين يؤدون الخدمة العسكرية على الشكل التالي  يلتحق المواطن بالخدمة ويفرز إلى إحدى الوحدات ، ويتفاهم مع قائد الوحدة فيدفع له مايعادل راتب موظف متوسط شهري (2000ــ 4000 ) ليرة سورية شهرياً، ( خلال التسعينات ) ويعود المواطن إلى عمله في حياته المدنية ، وفي نهاية الشهر يسافر إلى وحدته العسكرية فيستلم راتبه ، ويدفع الرشوة لقائد الوحدة ، ثم يعود إلى عملـــه ومصلحته التي تعطيه دخلاً لايقـــل عن ضعف مادفــع لقائد الوحدة([4]) .

وعندما زجت السلطات الأمنية آلاف المواطنين في السجون ، دون أن يعلم أهلوهم عن مكان وجودهم شيئاً، عندئذ شمر آباء ضباط الأمن وأمهاتهم عن سواعدهم ، وفتحواشبه مكاتب غير معلنة، للبحث عن المواطن فلان ومعرفــة مكان وجوده،وفي أي ســجن هو؟ ثم السعي لدى أقاربهـم(شركائهم) من ضباط المخابرات العسكرية ، من أجل تأمين مقابلة مع أهله لمدة ســـاعة واحدة فقط ، كل تلك الخدمات بمائة ألف ليرة سورية فقط ( أي راتب خريج الجامعة السوري لمدة سنتين كاملتين ) ، فراحت الأمهات تحت لهيب الشوق إلى رؤية أبنائهن يبعن أساورهن من أجل رؤية أولادهن ساعة واحدة فقط ، وتتخلى عن حليهاالذي جمعته في حياتهاكلها، ومن الأسر التي أثرت من ذلك آل الغانم ؛ لأن مدير سـجن تدمر منهم   .

وبدأت الرشوة من الشرطة ، حيث يتذرع الشرطي بقلة راتبه ، وكثرة عياله ، وحقه في مخالفة صاحب السيارة لأسباب كثيرة منها مثلاًأن اللوحة الخلفية مغبرة ولاترى من بعد ، أو أن الإضاءة مقطوعة عنها ، أو ....إلخ ، وتغريمه مخالفة تكلف خمسين ليرة سورية ( 10دولاريومذاك )، عندئذ يفضل السائق أو صاحب السيارة أن يدفع للشرطي رشوة مقدارها خمس ليرات بدلاً من دفع خمسين ليرة غرامة للدولة، وانتشرت هذه الخمس ليرات، وتفنن رجال الشرطة بالحصول عليها([5]) .

وكم سمعنا من المسافرين المارين في سورية ، سمعنا منهم التذمر والتعجب من وقاحة موظفي الحدود السوريين في طلب الرشوة علناً ، وخاصة من المغاربة القادمين عن طريق أوربا ، حيث يكون القطع الأجنبي عندهم محدوداً. وسمعنا ذلك أيضاً من الخليجيين المصطافين في سوريا ، أو المسافرين براً إلى تركيا ، وهم يتعجبون من تفلت الأمور ، ووقاحة موظفي الحدود في طلب الرشوة علناً ليكملوا لهم إجراءات الدخول والخروج .

واســتغل التجار الانتهازيون هذه الظاهرة ، فأقاموا علاقات متينة مع كبار ضباط الأمن ، ولجأ أكثرهم إلى مشاركة المسؤول في مؤسسته ( شريك وجه ) وما عليه إلا أن يضمن مصالح الشركة ويسهل معاملاتها في دوائر ومؤسسات الدولة . وله حصته من دخل الشركة ، ومن هؤلاء التجار من زوج إحدى بناته من ضابط  مسؤول ليضمن تجارته وجشعه .

ومن يتحكم بهذه الأمور ؟ إنهم كبار ضباط الأمن مثل رفعت ،ودوبا ، وناصيف ، وحيدر ، وطلاس، والخولي ، وغيرهم كثير. وهذا رفعت الذي كان عريفاً عام(1961م) راتبه (250 ) ليرة سورية ، يملك الآن شركات ومؤسسات لاتحصى داخل سوريا ، وله ملكية عمارات وقيل شــوارع في عواصم أوربا ، وأمريكا ، وله أرصدة خيالية لايحلم بها غيره من رجال الأعمال الدوليين  ، وهو من أول المساهمين في شـركة نفق بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا . كما يصنف حافظ الأسد من العشرة الأوائل في العالم من حيث الثروة . وبلغ به الثراء إلى أن اشترى جزيرة في بحر ايجه في سواحل اليونان .

وذكرت الصحف الغربية أن تركة باسـل بن حافظ الأســد في بنوك سويسرا فقط؛ تزيد على خمسة وعشرين مليار دولار أمريكي ، أخذت منها الحكومة السويسرية نصفها لأنه توفي عازباً .

الـرشـوة علـناً

حدثني أحد السوريين قال : لي حاجة في دائرة قيد النفوس ، فدخلت وصرت أسأل الموظفين وبيدي المعاملة  هل هذه عندكم فلا يرد علي أحد وبعد أن مللت قال لي أحد المراجعين ضع معها شيئاً من نقود وإلا لو انقضى النهار كله لن يرد عليك أحد ، يقول فأخرجت ورقة مالية ( خمس وعشرين ) ليرة سورية ، ووضعتها مع المعاملة ( على وجه المعاملة ) وأعدت السؤال على الموظفين  هذه المعاملة عندك ؟ فانتبه إلي أحدهم واستلم المعاملة وأخذ منها الورقة المالية ( علناً ) ووضعها في جيبه ثم أتم لي المطلوب أمام زملائه ورئيسه .ووصل الأمر إلى الجامعات ، فمدرس الجامعة يطلب من الطالب مبلغاً معيناً لقاء نجاحه في مادته ، يتناسب مع مظهر الطالب ، أما إذا عرف أن والد هذا الطالب يعمل في دول الخليج ، فالمبلغ يتضاعف بشكل كبير ، قال لي طالب جامعي أن زميله تأخر تخرجه من كلية الطب بسبب مادة أستاذها بعثي كبير ، ول ايرضى بالقليل ، ولما ذهب هذا الطالب يرجوه ويستعطفه ؛ أخطأ الطالب وقال أمامه : يا دكتور لي أقارب في السعودية وينتظرون تخرجي حتى يؤمنون لي عملاً عندهم ، أرجوك ساعدني وسأرضيك يا دكتور !؟ فقال الدكتور : كم تدفع([6])؟ قال الطالب : عشرة آلاف ليرة ، وسوف أستدينها من زملائي ، فضحك الدكتور وقال : أنت ذاهب إلى الســعودية !! يجب أن تدفع مائة ألف وليس عشرة ، ولن تنجح في هذه المادة إلا بمائة ألف ، هل سمعت .

الغـلاء الفـاحـش وارتفـاع الأسـعار

والنتيجة إرتفاع الأسعار بشكل جنوني في سوريا ، وهبوط قيمة الليرة السورية ، لأن هذه الطبقة الرأسمالية الجديدة من ضباط الجيش عامة وضباط الوحدات الأمنيةوسرايا الدفاع والوحدات الخاصة، وتعد بالآلاف لاتتعامل بالليرة الســـورية ، وإنما تتعامل بالدولار مباشرة ، لأنهاتتاجر بشركات دولية ، وليست محصورة في سوريا. وتستورد ماتريد دون التقيد بأنظمة البلد . وقد استخدمت ميناء جونية في لبنان الذي يسيطر عليه النصارى ، استخدمه كبارالضباط السوريين لاستيراد البضائع من أوربا وغيرها ، وإدخالها إلى سوريا عن طريق مايسمى بالتهريب .

وهبطت قيمة الليرة السورية بشكل مرعب ، وارتفعت الأسعار نتيجة ذلك ، وذاب راتب الموظف السوري في هذا الغلاء كما يذوب الملح في الماء ، وصار راتب الموظف الشهري يكفيه لمدة أسبوع أو عشرة أيام فقط في أحسن الأحوال، وهذه بعض المقارنات لأسعار الليرة السورية ، وأسعار المواد الغذائية في سوريا قبل وبعد حكم حافظ الأسد

جـدول يبين سـعر الدولار مقارناً بالليرة السورية

قيمة الدولار بالليرة السورية

العام

3.90    ل.س

1970م

4.10     ل.س

1980م

12        ل.س

1986م

48        ل.س

1990م

52       ل.س

1995م

وهكذا يتضح من الجدول السابق أن قيمة الليرة السورية كانت قبل خمسة عشرعاماً تعادل ثلاثــة عشـر ضعفــاً من قيمتـهـا الــحالية . أي أن الثلاثة عشر ألف ليرة سورية عام ( 1995م) تعادل ألف ليرة سورية عام (1980م ) ، وبذلك يجب أن يرتفع راتب الموظف بنفس النسبة حتى يبقى في مستوى قيمة الليرة السورية ، لكن راتب الموظف نستطيع القول أنه تضاعف ثلاثة أضعاف في أحسن الأحوال فقط ، فالمدرس الذي كان راتبه (1500 ) ل . س عام (1980م ) صار راتبه (4500 ) ل . س عام (1995م) .

فكيف يعيش هذاالموظف الذي انخفضت القوة الشرائية لمرتبه ثلاث عشرة مرة ، ولم يرتفع راتبه سوى ثلاث مرات فقط ؟ وهذا من أهم الأسباب التي جعلت الشعب العربي السوري يذعن ويستكين لحكم حافظ الأسد ، حيث صارهمّ المواطن البحث الجاد والمستمر عن لقمة الخبز ، وصارت لقمة الخبز تستغرق جميع وقته ، فلم يعد لديه وقت للتفكير في أي شيء آخر ، حتى الجولان ، أوالتطبيع مع اليهود ، أو وقوف سوريا مع إيران ضد العراق ، ثم مع أمريكا ضدالعراق ، كل هذه الأمور المصيرية لم تعد تشد انتباهه ،ولم يعد يهتم بها ،لأ نه لم يبق لديه فضل وقت أوجهدللاهتمام بأي شيء غيرالخبز لإسكات بطون أولاده الجائعة . وقداستطاع حافظ الأسد أن يحقق أحلام اليهود والاستعمار الغربي العميل لليهود في شل مقاومة الشعب العربي السوري واللبناني ، كما أسهم في شل مقاومة الشعب العربي في العراق . لتصبح المنطقة كلها مهيأة للخضوع ليهود أو مايسمونه التطبيع مع اليهود . وتقوم عندئذ دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وقد بات ذلك وشيكاً  إذا لم تداركنا رحمة الله تعالى ولطفه . 

جدول يببن أسعار بعض المواد الغذائية في سوريا عام ( 1980م ) .

سعر الكيلوغرام

المــــــــادة

0.75    ل.س

الخبــــز

1.5     ل.س

الســــكر

1.5     ل.س

الأرز

17      ل.س

اللحـم

0.25   ل.س

البندورةفي الصيف

2        ل.س

البنـدورةفي الشتاء

0.60   ل.س

البرتـقال في الشتاء

7        ل.س

الدجـاجـة الواحـدة

ويتضح من هذا الجدول أن المدرس الذي كان راتبه (1500 ) ل . س عام (1980م ) كان يعيش حياة جيدة من راتبه ولايحتاج إلى دخل آخر ، علماً أن امتلاك سيارة وتحمل ثمن البنزين ليس من أحلام الموظف في سورياسابقاًأو لاحقاً ، كان الطبيب وبعض المهندسين ، وعدد قليل جداًمن أساتذة الجامعات يملكون سيارات خاصة ويصرفون عليها من رواتبهم قبل ( 1975م)، ومنذ عام (1980م ) أصبح راتب الطبيب أو مدرس الجامعة لايتحمل بنزين السيارة في سوريا ، لأن لتر البنزين في عام (1980م ) صار بليرتين سوريتين ، وصارت الســـيارة تكلف قرابة ألف ليرة سورية شهرياً أي ثلثي راتب المدرس القديم وهو (1500ل. س) علماً أن ســـوريا تنتج من النفط مايكفي الاستهلاك المحلي يزيد فتصدر منه ، لكن من البدهيات في العالم أن النفط السوري لايدخل في خزينة الدولة أبداً.

جـدول يبين أسعار بعض المواد الغذائية في سورية عام ( 1995م ) .

سعر الكيلوغرام

المــــــــادة

8     ل.س

الخبــــز

25   ل.س

الســــكر

30   ل.س

الأرز

200  ل.س

اللحـم

5     ل.س

البندورةفي الصيف

50   ل.س

البنـدورةفي الشتاء

50   ل.س

البرتـقال في الشتاء

150 ل.س

الدجـاجـة الواحـدة

جدول يبين رواتب الموظفين في سورية عام ( 1995م(.

الـــراتـــب

الوظيفـــــــة

أربعة آلاف ليرة سورية

طبيـب جـديـد

ثلاثـة آلاف ليرةسورية

مهنـدس جـديـد

ألفان وخمسمائة ليرة سورية

مدرس متخرج من الجامعة

ألفـا ليرة سـورية

خريج معاهـد متوسـطة

ألف وخمسمائة ليرة سورية

عامل موظف لدى الدولة

هذا وقد التقيت بعدد كبير من السوريين القادمين من داخل سورية ، وعرفت منهم أن تكاليف الحياة للأسرة المتوسطة على النحو التالي .

 

تكاليف المعيشة لأسرة متوسطة في سورية من عام (1990م) فمابعد

عشرة آلاف ليرة سورية شهرياً

أسرة متوسطة في الريف السوري

خمسة عشر ألف ليرة  شهرياً

أسرة متوسطة في المدن الصغيرة

عشرون ألف ليرة سورية شهرياً

أسرة متوسطة في المدن الكبرى

هذا المصروف الشهري بدون امتلاك سيارة ، أما إذا وجدت السيارة فيرتفع مصروف الأسرة الشهري إلى ثلاثين ألف ليرة سورية شهرياً .

ولهذا يعجز ـ اليوم ـ خريجو الجامعات في ســـورية حافظ الأسد عن تدريس أولادهم في الجامعة، حتى لو كانت الجامعة موجودة في مدينتهم ، لأنه لا يستطيع شراء الملابس اللازمة لطالب  أو طالبة الجامعة ، والكتب وغيرها من أدوات الدراسة ، وإذا لم يتمكن الشاب أو الفتاة من مزاولة عمل ما أثناء الدراسة الجامعية ؛ فلن يستطيع دخول الجامعة التي دخلها والده قبل ربع قرن ، وكان جده فلاحاً أو عاملاً أو موظفاً صغيراً في أحسن الأحوال . بل كان بعض الموظفين الصغار يرسلون أولادهم للدراسة خارج سورية إن لم تتحقق رغباتهم داخلها .

وهكذا استطاع حافظ الأسد أن يكبل المسلمين في سوريا ، عندما صارت لقمة الخبز بعيدة المنال ، وتستغرق معظم أو كل الوقت المتاح للمواطن السوري ، وفي مثل هذه المجاعة تتمكن المخابرات والأجهزة القمعية وزبانية الطاغية من تجنيد أكبر عدد تريده من أبناء الشعب ، ومن الأسر المحافظة ، والمتدينة ، بل من أقارب المعارضين الموجودين داخل السجون أو خارج سوريا، من أجل لقمة الخبز ، وتسابق كثير من المواطنين إلى خدمة السلطات الأمنية لقاء ما تقدمه لهم من مكافآت مالية يسدون بها رمقهم ، ولقاء حمايتهم وحماية أقاربهم من بطش زبانية السلطة.

وحققت الصهيونية هدفها الكبير وهو إخراج الشعب العربي المسلم من المعركة ، فالمواطن العربي  اليوم  في العراق وسـوريا ولبنان ومصر لا يوجد لديه فائض من الوقت ليفكر في شيء آخر غير لقمة الخبز ، أما تحرير فلسطين وعربستان وساقية الذهب ...إلخ أو إقامة الوحدة العربية ، أو محاربة الصهيونية والاستعمار فقد كانت شعارات قبل أكثر من ربع قرن ؛ تاجر بها حافظ الأسد وأمثاله ليتمكنوا من رقاب الشعب ، ثم يفرضوا عليهم الصلح مع اليهود ، فيوافق العرب بعد أن صاروا أذلاء ، ويتحقق حلم الصهيونية في إقامة إسرائيل الكبرى .

ولكن سـنة الله ماضية وقد أخرج البخاري وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تقوم السـاعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ؛ فيقول الحجر والشجر : يامسلم ياعبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)([7]). يقول الشيخ سعيد حوى يرحمه الله ، متى يغلب المسلمون اليهود ؟ لن يتحقق ذلك إلا إذا عاد المسلمون والتزموا بدينهم ، بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، عندئذ ستتوحد الأمة العربية على الأقل ، وسيقف المسلمون في العالم خلفها ، وسيكون المسلمون أمة قوية لاتهاب الصهيونية  ولا الامبريالية ولا الصليبية ، وسوف يتحقق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؛ لأنه لاينطق عن الهوى .

{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون }

والحمد لله رب العالمين

 * كاتب سوري في المنفى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها


([1]) ــ يشــاع في الأوســاط الإعلامية والاقتصادية العالمية أن ثمن النفط السوري لايدخل في خزينة الدولة ، وبناء على ذلك وجهت إحدى الصحفيات سؤالاً إلى وزير الاقتصاد السوري ( محمد العمادي ) فقالت الصحفية : نسمع أن ثمن النفط السوري لايدخل في الخزينة السورية ؟ فأجاب معالي الوزير : النفط السوري في أيدي أمينة !!؟ ولم يتمكن من نفي  الخبر .

([2]) ــ تناقشت مرة مع أحد الماركسيين المثقفين حول فشل الشيوعية في العالم العربي فقال : الشيوعية تنجح عند شعب فقير لايجد مايأكله ، أما العرب فالخيرات عندهم كثيرة ، وكل عربي يحصل على أكثر من قوته بسهولة بالغة . 

[3]  ـ هذه الدراسة معدة عام 1995م ، ويرجى الانتباه للتغيرات الطارئة .

([4]) ــ حدثني أحد السوريين قال : ذهبت إلى العميد ( فلان ) قائد اللواء ( كذا ) للتوسط عنده من أجل نقل أحد أقاربي خلال خدمته العسكرية إلى نكان قريب من أهله ، ووجدت شخصاً آخر أعرفه عنده ، وكان ذلك الشخص يتكلم مع العميد بدون كلفة ، والعميد متساهل معه ، قال له العميد : اذهب إلى الضابط فلان وقل له أرسلني العميد ، فأجابه ذلك الشخص : أنت تذهب إليه يسمع منك ، فوافق العميد حالاً ، وبعد أن خرجنا من عنده قلت لذلك الشخص : كيف تتكلم مع العميد بهذه الجرأة !!؟ فأجاب : أخذ خمسين ألف ليرة لينقل ولدي إلى قرب أهله .

([5]) ــ كنت أحتاط لسيارتي كي لاأدفع الرشوة خوفاً من قوله صلى الله عليه وسلم : (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما ) ، وأحاول أن تكون سيارتي كاملة من الغمازات واللوحات والطفاية .. إلخ ، وذات يوم مررت على دورية الشرطة فأقفوني وجاء الشرطي وتوقف عند لوحة السيارة الخلفية قليلاً ، لكني لم أعره انتباهاً ، ثم جاء إلى عندي وقال : ماعندك ضوء على اللوحة الخلفية ، هات الاستمارة حتى نكتب مخالفة ، وكنت متأكداً أن الضوء موجود ، فقلت له الضوء موجود وقوي أيضاً ، فقال لو سمحت تفضل انظر إليه ، ولما نزلت لم أجد الضوء فعلاً ، فتعجبت لذلك وأعطيته خمس ليرات ( رشوة ) ، ولما وصلت أول كهربائي ذهبت إليه لإصلاح الضوء وسألته عن سبب العطل فقال : إنه مقطوع باليد حديثاً ، انظر مازال السلك لم يتغبر بالتراب !!؟

(1) ــ لاحظوا أن الدكتور يطلب علناً بغير حياء ، لأنهم اعتادوا على ذلك ، ولأن المسؤولين يفعلون ذلك أمامهم .  

([7]) ــ صحيح البخاري ( 4/51) ومسند أحمد ( 1/11) واللفظ له ، وفي جامع الأصول ( 10 / 381) .

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ