ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/03/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قراءة في خطاب الدكتور بشار أسد (الرئيس الوريث) في

الجمهورية العربية السورية

عبد الحميد حاج خضر *

بسم الله الرحمن الرحيم

قالت العرب: الحكم عقيم – ونقول: إن الفساد وخيم، والطغيان عتل زنيم. لقد جاء خطاب رئيس الجمهورية العربية السورية (بالوراثة) الدكتور بشار أسد، وقرار الانسحاب، والسكوت عن الشأن الداخلي، متناغماً مع مواقف الهيمنة العالمية وأجندتها في المنطقة. إن تغيب المسألة الأساس ( تأصيل الشرعية، وإقامة نظام يمثل ولاية الأمة، وسلطة الشعب في سورية)، هو الذي أعطى دوراً وظيفياً لمؤسسات الدولة السورية اضطلعت به الباطنية السياسية في سورية لعقود من تاريخ سورية الحديث. لقد عملت الباطنية السياسية، ومنذ انقلاب الثامن من آذار(مارس)، على تحويل الجيش الوطني إلى جيش "عقائدي" ليصبح كم من الانكشارية، وأداة في يد السلطة السياسية، المدعية بالمظهر المرتهنة في الجوهر، التي أحاطت الجيش بجيش آخر من المخابرات والعملاء لا يعصون للباطنية السياسية أمراً ويفعلون ما يؤمرون، وكانت كارثة الخامس من حزيران(يونيو) عام 1967 نتيجة "منطقية ومأساوية لهذه السياسة. إن الصورة البائسة لقائد الجبهة السورية العميد أحمد المير على ظهر حمار يجر أذيال الخزي والعار تختزل المأساة بشكل يدعوا للسخرية والضحك، وشر البلية ما يضحك، وزاد الصورة بؤساً عندما خرجت الباطنية السياسية بمقولة "إن إسرائيل لم تحقق أهدافها من العدوان، حيث لم تتمكن إسقاط النظام التقدمي في سورية". لقد كانت وما تزال القناعة عند الشعب السوري: أن حرب حزيران كانت مؤامرة لتسليم مرتفعات الجولان السورية كعربون ممن سلمها؛ لتأهيله كحاكم أوحد في سورية، ولعب دور وظيفي في منظومة الهيمنة العالمية.

بعد أيلول الأسود انقض حافظ أسد على رفاقه في الحزب والجيش، وفتك بهم سجناً وتعذيباً حتى الموت، وبموافقة غالبية الشعب السوري، تشفياً وأملاً، في تخليص سورية من شرورهم الكثيرة. ساعدت شريحة مغامرة ومتآمرة من ضباط الجيش والمخابرات في أعادة بناء الباطنية السياسية من جديد حيث الولاء الشخصي والعائلي والعشائري هو المعيار المعتبر في تسنم المراكز القيادية في الجيش والمخابرات. لقد كان حافظ أسد يشرف شخصياً على عملية الفرز والتنصيب وتوزيع المهام.

 إن أسرار قيام ومقاصد حرب تشرين عام 1973ستبقى في قعر بئر مظلمة، ولعل من بعض مقاصدها تأهيل حافظ أسد لدور إقليمي وظيفي كبير، ولعل من بعض نتائجها ومقاصدها أيضاً ما صرح به الدكتور زكي اليماني، منذ عام ونصف تقريباً إلى قناة الجزيرة الفضائية. يقول الدكتور اليماني في برنامج بلا حدود: لقد عقد في نيسان عام 1973 اجتماع لأبرز العاملين في صناعة النفط في العالم في جزيرة صغيرة مقابل السواحل النرويجية تحت إشراف كيسنجر، واتخذ قرار رفع أسعار النفط إلى أربع أضعاف ما كان عليه. هل كانت حرب تشرين لتحقيق هذا الغرض الذي تحقق فعلاً خلال عام واحد وأنعش الاقتصاد الأمريكي من جديد؟ وهل كان من نتائج حرب تشرين بالإضافة إلى تأهيل حافظ أسد ليلعب دوراً بارزاً على الساحة الإقليمية، تحجيم دور مصر وإحطته بأسوار كامب ديفيد الشائكة.

 أما الهدف الاستراتيجي لدخول قوات حافظ أسد إلي لبنان عام 1976 بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 هو: صياغة وتحويل الباطنية السياسية وبنيتها العسكرية إلي قوة إقليمية مؤثرة ولاعب هام، عن طريق كسب ثقة الغرب وأمريكا، مع عدم خسارة دعم ما كان يُعرَف بالاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية وإحكام السيطرة علي لبنان بكل ما فيه من قويً وطنية ومراكز ثقل، والعمل على إنهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية والقوي الفلسطينية المختلفة سياسياً وعسكرياً، التي كانت تتخذ من لبنان قاعدةً لشن عملياتها العسكرية ضد إسرائيل ضمن مشروع مقاومة حقيقية لتحرير فلسطين! لقد تم الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي عبر طريق شديد التعرج وعجيب التحالفات يصعب على المراقب العادي تتبع مسالكه وسبر أغواره، ولعل أهم مراحله: 

1- إن الدور الوظبفي في لبنان بدأ بتدخل عسكري عام 1976، تحت ذريعة إنهاء الحرب الأهلية وانتهي عام 1990م بنفوذ شامل وبلا منازع للباطنية السياسية، تحول نتيجته لبنان إلي دولة واقعة تحت الهيمنة السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية السورية.

2- أن النظام السوري تحالف، تقريباً، مع كل القوي الموجودة علي الساحة اللبنانية، كما حاربها كلها أيضا وضربها ونكل بها!..

إلا أن موقفه من البنية السياسية والعسكرية الفلسطينية، والقوى السنية المتحالفة معها كان موقفاً معادياً ضارباً مضاداً.

 لقد مر التدخل السوري في لبنان عبر المحطات التالية:

 1. كان أول إنجازات الدور الوظيفي للقوات السورية هو سحق المقاومة الفلسطينية، ثم رعاية عملية سحق مخيم   تل الزعتر.

2 . تَدَخل النظام السوري في أول انتخابات رئاسية لبنانية تجري بعد دخوله لبنان، فدعم مرشح أمريكا (إلياس سركيس) ضد مرشح الكتلة الوطنية (ريمون إده)، وانتُخِب (سركيس) رئيساً للجمهورية اللبنانية بحراسة الحراب السورية!..

3 ـ انسحبت القوات السورية أمام القوات الإسرائيلية لدي اجتياحها لبنان عام 1982، ثم وقعت مع إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار بعد خمسة أيام فقط من الاجتياح الإسرائيلي؛ تاركةً المقاومة الفلسطينية والقوي الوطنية اللبنانية تواجه مصيرها أمام الجيش الإسرائيلي وحلفائها، فاحتلت العاصمة بيروت، وارتكبت فيها المجازر المروعة، كان أبرزها مجازر صبرا وشاتيلا.. وذلك بعد إنهاء وجود المقاومة الفلسطينية بضغط عسكري إسرائيلي، وتواطؤ سوري أمريكي !...

4. دَعَمَ النظام السوري الانشقاقات الفلسطينية عن حركة فتح، وحرض القوي المنشقة ضد الفلسطينيين وضد القيادة الفلسطينية الشرعية...

5. ساندت الباطنية السياسية الحركات الطائفية الحاقدة ضد القوي الفلسطينية، وقد أفرز ذلك ما عرِف بحرب المخيمات، التي سحِقَت ودمِرَت وارتكِبَت فيها المجازر، علي أيدي قتلة مجرمين طائفيين، ثم علي أيدي مهوسين من منظمات فلسطينية منشقة عن حركة فتح ومدعومة من المخابرات السورية. لقد علق الصحافي الألماني الشهير بيتر شارلاتور على خروج ياسر عرفات وقواته عزلاً على ظهر سفينة من طرابلس إلى تونس بالقول: الآن بدأنا نفهم سر التعتيم الإعلامي الذي ضرب على المجاز التي ارتكبها نظام حافظ أسد في سورية، مجزرة تدمر، ومذبحة جسر الشغور، وتدمير حماة. 

6.  اجتياح طرابلس وإنهاء وجود جماعة التوحيد الإسلامية السنية بزعامة الشيخ (سعيد شعبان)، مع تصفية حلــــفاء الجماعة من الفلسطينيين في طرابلس...

7. تحالفت الباطنية السياسية مع إيللي حبيقه، رئيس جهاز أمن ميليشيا القوات اللبنانية، والمتهم الأول بارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا المروعة، وجاسوس إسرائيل في لبنان وأحد أبرز عملائها، حيث تدخل حافظ أسد شخصياً لينصب وزيراً في عدة وزارات.

8.أصبح النظام في سورية الآمر الناهي يرشح ويدعم من تراه أمريكاً "أهلاً" للرياسة والوزارة وفق ما عرف باتفاق أسد- مورفي.

 9. حصة النظام السوري من مشاركته في تدمير العراق في حرب الخليج الثانية- كان تفويضاً أمريكياً دولياً لحسم الأمور لصالح سورية في لبنان، وهو ما حدث عندما تدخلت القوات السورية وأخرجت العماد (ميشيل عون) من قصر الرئاسة والإطاحة به، دون أن يثير تدخلها احتجاجاً دولياً كما حدث عند التمديد لأمين لحود.

أصبح لبنان الضرع الحلوب والكلأ المباح لكل عتل زنيم من أباطرة الباطنية السياسية، وشركائهم من الطبقة السياسية، وأصحاب الصغائر والكبائر حتى أزفت الساعة بعد احتلال العراق.

 لقد كان على النظام أن يفعل كل شيء في سبيل الإبقاء على مكاسبه، وقد كان بشار أسد "صادقاً" عندما أعلن أنه قام بكل ما طلب منه؛ لتوطيد الاحتلال وحمايته في العراق، فقد وضع كل ما يملك من معلومات استخبارية جمعت بعناية فائقة حول البنية التنظيمية والسوقية(لوجستية) للمقاومة، إسلامية كانت أم علمانية، ومع أن فائدة هذه المعلومات لا تقدر بثمن؛ إلا أن هذا التعاون "السخي" كان من وجهة نظر الإدارة استحقاقات واجبة الدفع من قبل نظام تلقي دعماً ومساندة مكنته من الانفراد بالسلطة لأكثر من ثلاثة عقود، بل أن وراثة "العرش الأسدي" ما كان لها أن تتم لولا المباركة الأمريكية.

علقت جريدة نويه تزريخ Neue Zuercher Zeitung على دور سورية الوظيفي بعد قرار الانسحاب من لبنان بعنوان عريض: لقد انتهى دور سورية Syrien faellt aus seiner Rolle. لن يشفع للنظام تذكير الرأي العام الأمريكي بالخدمات النفيسة والمجانية التي قدمها النظام لإسرائيل، والتقرب إليه بالنوافل كما صرح السفير السوري في واشنطن الدكتور عماد مصطفى أمام شبكة (سي إن إن): "أن سورية قامت بحماية الحدود الإسرائيلية لمدة 30 عاماً، وهي تسعي إلى التفاوض مع إسرائيل بدون شروط مسبقة".

 إن القاعد "الذهبية" التي يتعامل بها الغرب مع عملائه هي: حب العمالة واحتقار العميل. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا آثرت الباطنية السياسية الانسحاب من لبنان وتنفيذ الشطر الأول من القرار 1559 المتعلق بانسحاب القوات العسكرية، وترك الساحة اللبنانية؟ لقد رأت الباطنية السياسية أن التمسك بالدور الوظيفي يترتب عليه تطبيق القرار 1559 بحذافيره، وهذا يعني التصدي للمقاومة اللبنانية ونزع سلاح (حزب الله)، وهي وظيفة لا يستطيع النظام القيام بها، لأنه سيقع بين مطرقة المقاومة وسندان المعارضة، فقام بعملية الهروب إلى الأمام أو "نفذ بريشه"، ولكن لا تزال عيون أسياده وسخط أعدائه تطارده. إن انسحاب القوات السورية وأجهزة المخابرات هو انتصار لكل الأطراف اللبنانية والشعب السوري المعذب؛ لو أحسن استغلاله، خاصة عندما تستطيع القوى الوطنية اللبنانية أن توقف القوى المهرولة باتجاه إسرائيل ذات الغباء المعهود والأنانية المفرطة. ليس للشعب السوري، حسب علمنا، مطامع جيوسياسية في لبنان.

 مطالب الشعب اللبناني والسوري على حد سواء العمل تحقيق الحريات الثلاثة: حرية تنقل الأفراد، حرية تنقل السلع، حرية تنقل رؤوس الأموال بين القطرين، واحترام حقوق الأفراد بمواثيق ومعاهدات ملزمة للطرفين، وهذا لا يتحقق إلا بزوال الفساد والطغيان في سورية، وتأصيل الشرعية، وإقامة نظام برلماني وفق ما يرسم دستور الاستقلال.

إن إشارة بشار أسد إلى "اتفاق 17 من أيار(مارس)" واحتمال العودة إلى مثل هذا الاتفاق هو محض ابتزاز للمشاعر الوطنية للشعب اللبناني النبيل. لقد كان اتفاق 17 من أيار قمة الخيانة والتواطئ؛ أملتها مراهقة سياسية غبية وظروف استثنائية لم يكن النظام السوري ببعيد عن صناعتها. إن الشعب اللبناني الذي يتمتع بحس وطني رفيع هو الذي أسقط اتفاق 17 من أيار، وهو قادر على منع أي محاولة من هذا القبيل، خاصة أن الشعب اللبناني بدأ يتحرر من الوصاية واحتكار الحقيقة والوطنية.       

عندما يتهم بشار أسد بعض القوى اللبنانية بأنهم " تجار المواقف السياسية" ماذا عسى أن يقول عن موقف سلطته وسلطة أبيه من قبله، خلال 35 سنة من الفساد والطغيان، والاتجار بكل القضايا الوطنية والشعبية؟  ولكن قالت العرب في ذلك: "رمتني بدائها وانسلت". لقد وقف بشار أسد، كرئيس للجمهورية، أمام "مجلس الشعب" ليعلن عن أخطر قرار اتخذه منذ تسلمه الرئاسة؛ متجاهلاً المطالب الملحة للشعب السوري بتغير جذري يعصف بالفساد والطغيان، ويعيد السلطة كل السلطة للشعب، فهب أصحاب الصغائر وأحلاس المناصب يصفقون ويهتفون "بالروح بالدم ..." لتكتمل الصورة ويقدم الدليل البصائري على تفاهة المجلس واستكبار الرئيس، أو كما قال ابن الرومي (في قبح قرد وفي استكبار هامان).

ليعلم الشعب: إن القرارات النوعية تتخذ في مكان آخر، في أقبية ودهاليز الباطنية السياسية، ثم تعرض على الأنعام في المؤتمر القطري لحزب البعث؛ لتهز رؤوسها للأعلاف "السخية". هذه الآلية هي التي أودت بالحياة السياسية جملة وتفصيلاً في سورية.

 إن استبعاد شيراك وبوش شعار الديمقراطية، الذي طالما رددته الدوائر الغربية عند الحديث عن الشرق الأوسط المنكوب بطغاته، ككلمة حق يراد بها باطل؛ له دلالاته المخيفة، خاصة عندما يتشدق رفعت أسد مطالباً بخروج القوات السورية من لبنان، وينادي بالديمقراطية. ألا يحق لنا أن نتساءل: هل جاء المدد من الدوائر العفنة الأمريكية عبر دوائر مشبوهة لتبتلى سورية برهط وطغمة جديدة تعيد سيرة مذابح تدمر ومجاز حماة؟؟.

 إن الشعب السوري يردد اليوم بين اليأس والأمل: أرفعوا أيها القتلة وتجار الحروب أيديكم عن سورية. دعونا نعيش تحت ظل دستور الاستقلال، ونقيم نظام شرعياً عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة، كما يرسم دستور الاستقلال العتيد. إن ديمقراطية لبنان ورغيد عيش أبنائه رهن بدحر الفساد والطغيان في سورية، وإقامة سلطة الشعب المنتخبة وسيادة القانون. لهذا نهيب بأبناء الطائفة العلوية وعقلائها أن يبادروا إلى صناعة سورية وطن لجميع أبنائه. لقد أزفت الساعة لتناسي الأحقاد وجلاء الأوهام ورص الصفوف أمام الطغيان والفساد وكما قالت العرب " من مأمنه يؤتى الحذر".                            

* الأمين العام لحركة الحرية والتضامن الوطني (في سورية)

للاتصال هاتف: 0049234280586 أو A.H.Hajkheder@gmx.net

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ