ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 06/07/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"بريمر" غادر كما جاء

 "..يدٌ من ورا ويدٌ من قدام..."

الطاهر إبراهيم*

لم يكن أحد يراوده أي شك في طبيعة المهمة التي من أجلها أرسل "برايمر" إلى العراق، وإن حاول أن يضفي على مهمته ما ليس منها. فالعالم كله كان يعرف أنه جاء لتطويع الشعب العراقي لمصلحة أمريكا وإسرائيل ، لا كما زعم بوش بأنه جاء ليبدأ بناء عراق حضاري ديموقراطي وحر. وها هو برايمر يغادر في نهاية شهر حزيران عاريا من أي رتوش أو تزويق،بعد أن ترك العراق أكثر فقرا وأكثر تدميرا وأقل حضارة،مما كان عليه قبل الاحتلال.

كذلك لا يختلف اثنان على ما توحي به الكيفية التي غادر فيها "برايمر" من الباب الخلفي للطائرة التي حملته متسللا من مطار بغداد، عاريا حتى من ورقة التوت السياسية، يريد أن لا يرى العراقيون وجهه الخالي من الحياء، بعد أن قام جنود أمريكا ،في عهده، بتعرية المعتقلين العراقيين في سجن "أبو غريب"، ورأى العالم ،بالصور الحية، حضارة أمريكا "بوش" في أسوأ طبعاتها.

عاش "برايمر"حلمه الشخصي في العراق،وهو يتمنى أن يراه حلما يتحقق واقعاعلى أرض بغداد، فيستعرض مع علاوي حرس الشرف ويبسط له البساط الأحمر، ويعزف له السلام الأمريكي،وتطلق المدفعية 21 طلقة تحية له،يغادر بعدها وعلى جبينه إكليل غار النصر. ولكنه اضطر أن يغادر خالي الوفاض،كما أسلفنا، يصدق فيه المثل "يدُ من ورا ويدٌ من قدام". صعد على عجل، خوفا من أن تصيب طائرته إحدى طلقات المقاومة العراقية، فيغادر إلى أمريكا في تابوت مغطى بالعلم الأمريكي.

لقد راهن الرئيس الأمريكي "جورج بوش" وأركان إدارته على أن الأنموذج الأمريكي في أفغانستان هو الأسلوب الأمثل لإخضاع العراق،مع أن الأنموذج الأفغاني له ظاهر خلاب، وله باطن من قبله عانى الجيش الأمريكي المحتل العنت والعذاب.

 ولئن كنا لا نعلم الغيب،ولا نصدق المشعوذين، فإنه لن يخفى على أحد أن "بوش" يتمنى الآن أن يكون احتلال العراق محض حلم مزعج رآه في نومه،وأن يستيقظ فيأمر بإحضار قارئة الكف والفنجان، فتفسر منامه كما فسرت منام أبيه من قبل،الذي أعرض عن احتلال العراق ضاربا بموقف قائد جنده "شوارزكوف" عرض الحائط.

لقد ركب "بوش" المركب الخشن في احتلاله العراق، بعد أن ركبه غرور القوة المزدوج، عند ما ظن أنه سيحقق حلمه الأخرق، بأن يكون رئيسا أمريكيا متميزا، ومسيحيا يمينيا توراتيا، يوجه للمسلمين الإهانة تلو الإهانة باحتلاله أقطارهم الواحد تلو الآخر. فبدأ بأفغانستان وثنى بالعراق، على أن يتبعه بأقطار عربية حسب أجندة وضعها له غلاة المحافظين الجدد.

لقد اتهم "بوش" النظام العراقي بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وبإيوائه عناصر من تنظيم القاعدة،وباشتراكه في أحداث 11 أيلول "سبتمبر" 2001 .وقد تساقطت تلك الاتهامات الواحد تلو الآخر من خلال لجان التحقيق التي شكلها الكونغرس الأمريكي نفسه، ومع ذلك فما يزال "بوش" وشريكه "بلير" يزعمان أن تلك الاتهامات ما تزال قائمة.

وإذا كان الجيش العراقي قد انهار بسرعة غير متوقعة، فإن المقاومة العراقية عوضت خروج الجيش من المعادلة، فاشعلت ساحة العراق بحرب أخرى فاجأت العالم بقوتها، وأفقدت بوش وإدارته صوابهما.

المقاومة العراقية ومسلسل الأكاذيب الأمريكية

بدأ مسلسل الأكاذيب الأمريكية ،بتسويق نظريات تزعم بأن تنظيم القاعدة هو الذي يهاجم قوات التحالف،بالتعاون مع صدام حسين، الذي قيل أنه يقود مقاومة تعتمد على ميليشيا "فدائيي صدام"، بمعزل عن الشعب العراقي الذي رحب –حسب زعم بوش- بالاحتلال الأمريكي، وأن لا علاقة لهذا الشعب بتلك المقاومة.

وقد انهار أحد شقي هذه الأكذوبة بعد اعتقال صدام. فتصاعدت المقاومة أكثر. كما أدت مقاومة أبطال "الفلوجة" إلى انهيار الشق الثاني من تلك الأكذوبة، بعد أن تكبد الطرف الأمريكي خسائر بشرية فادحة، أرغمته على التفاوض مع وجهاء أهالي "الفلوجة" لإنهاء القتال،وهذا يعني أن المقاومين عراقيون،ومن أبناء الفلوجة حصرا، وإلا لما قبل وجهاؤها أن يكونوا مفاوضين مع قوات الاحتلال لو كان المقاتلون من غير العراقيين.

وكما استمر إصرار بوش على وجود أسلحة دمار شامل بعد انهيار تلك النظرية بالدليل والبرهان، فقد استمر بوش يزعم بأن المقاومة تتم بأيدي المتسللين العرب يقودهم "أبو مصعب الزرقاوي" الأردني، رغم ظهور دلائل منطقية قوية تكذب هذا الزعم.

بوش يستنجد بالزرقاوي

وأقف هنا لألفت الانتباه إلى مثل شعبي معروف يقول: "إذا أردت أن تكذب بعّد شهودك". فلا يبعد أن يكون الأمريكيون يعرفون مصير "الزرقاوي" هذا، كأن يكون قد قتل أواعتقل.  ولذا فهم ينشرون رسائل يزعمون أن الزرقاوي كتبها، ويهدد فيها شيعة العراق بالذبح، وكأنه يعيش بين أهله خالي الذهن، ولا هم له إلا كتابة الرسائل.

وكل الأخبار الصحيحة تشير إلى أن الزرقاوي برجل مصابة وأخرى سليمة، إن كان ما يزال في عالم الأحياء. وإمعانا بتضخيم اسطورته، فقد غالى الأمريكيون بالمكافأة، حتى بلغت خمسة وعشرين مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. لكن أحدا لم يصدق مزاعمهم، وقد قيل في المثل "كيف عرفت أنه كذبة قال من كبرها!".

نظرية الشك في مزاعم أمريكا

غير إن هناك من يتهم أطرافا في إدارة "بوش"في الضلوع في أحداث 11 سبتمبر "أيلول". فقد أعلنت الإدارة الأمريكية أسماء 19 متهما عربيا، كلهم على الغالب الأعم في عالم الموتى، سواء أكانوا قاموا بتنفيذ تلك الهجمات، أو أن تلك الأطراف اعتقلتهم وقتلتهم قبل التنفيذ، وتابعت تنفيذ تلك الهجمات لتبرر بها احتلال أفغانستان والعراق.

ويضيف أصحاب هذه "النظرية" قولهم، أن مسؤول الأمن "توم ريدج" أصدر العشرات من التحذيرات -الملونة بالأصفر والبرتقالي- بقرب وقوع هجمات في أمريكا،ولم يصدق منها تحذير واحد. بينما التصريحات التي أطلقها "كولن باول" محذرا مواطنيه في دول الخليج، -خصوصا في السعودية- من وقوع هجمات إرهابية، تبين أن معظمها صحيح.ولقد أثار وقوع الهجمات شك الكثيرين.إذ كيف تصدق ظنون "باول" خارج أمريكا،وتكذب تحذيرات "ريدج" داخلها؟

وهنا يشير أصحاب "النظرية" بإصبع الاتهام إلى اختراق مخابراتي أمريكي لبعض خلايا التنظيمات التي قامت بحادثة "المحيا"في"الرياض"على وجه الخصوص.وقد أشار ولي العهد السعودي الأمير عبد الله ،مؤخرا، إلى أصابع صهيونية وراء تلك الأحداث التي وقعت في السعودية. ويؤكد أنصار تلك "النظرية" أن هناك "تماهي" بين الموساد الإسرائيلي وأجنحة في المخابرات الأمريكية. وقد نقلت قناة "الجزيرة" يوم السبت 3 من شهر تموز الجاري، أن الجنرال "كاربينسكي" المتهمة بالإشراف على تعذيب معتقلي "أبو غريب"، قالت أنها قابلت في أحد سجون العراق محققين إسرائليين، (قالت مجلة "نيوزويك" في آخر عدد لها في أول شهر تموز، أن هؤلاء المحققين ينتمون إلى الوحدة /1391/ التي مقرها في النقب وعناصرها يكلمون العربية بطلاقة) ظنتهم عربا قبل أن تعرف منهم أنهم إسرائيليون.   

ومع بدء نقل السلطة إلى حكومة "علاوي" يشير أصحاب "النظرية" إلى توقف مسلسل تفجير السيارات المفخخة التي أودت بأرواح كثيرين من الشرطة والمواطنين العراقيين، مع بقاء وتيرة هجمات المقاومة ضد الأهداف الأمريكية مرتفعة. ما يعني في نظرهم أن المخابرات الأمريكية وشركاءها في "الموساد" هم وراء تلك السيارات المفخخة. ورغم أن الوقت مبكر لاعتماد استنتاج كهذا، فإن البيان المتلفز الذي بثته "الجزيرة" القطرية يوم الجمعة 2 تموز"يوليو" الجاري، تؤكد فيه إحدى فصائل المقاومة العراقية، على عزمها الاستمرار في استهداف القوات الأمريكية، وأنها لا تستهدف أعضاء في أجهزة الدولة والشرطة العراقية، ما يشير بشكل أو بآخر، إلى أن مسلسل التفجيرات الذي استهدف عراقيين، لم يكن يتم من قبل المقاومين في العراق.

صورة المستقبل قاتمة للجميع.

تاريخ السفير الأمريكي الجديد "نغروبنتي" ،الذي خلف "برايمر" في إدارة شؤون العراق، مليء بكل ما يسوء ،ليس فقط أثناء ترؤسه البعثة الأمريكية في مجلس الأمن،بل وحتى في المهمات التي أوكلت له سابقا. فقد أشرف على تسليح عصابات "الكونترا" يوم كان سفيرا لبلاده في "هندوراس" في عهد "ريجان"، وهو ما يتنافى مع مركزه كسفير لدولة أجنبية، ما حدا بالكونغرس الأمريكي أن يرفض المصادقة على تعيينه، عندما رشحه "جورج بوش" الأب، مندوبا لإدارته في الأمم المتحدة. 

وبناء على هذا التاريخ غير المشرف لنغروبنتي، فإن "علاوي" رجل أمريكا في العراق، سيجد بأن أيامه ستكون مليئة بالصدام مع "نغروبنتي"، هذا إذا أراد علاوي أن ينحو منحى وطنيا، أو حتى أن يبني لنفسه مكانة كرجل حكم صاحب قرار.

محاكمة صدام حسين مليئة بمفاجآت غير محسوبة.

ولعل"علاوي" لم يسأل نفسه عن مغزى التوقيت الذي اختارته أمريكا لمحاكمة صدام،وعن المطبات التي ستفاجئه أثناء هذه المحاكمة، سيما وأن علاوي كان تلميذا بعثيا صغيرا يوم كان يتمنى أن يحظى بالترقية في حزب البعث، فحصل على بطاقة الطرد الحمراء.

كما أن وزير الدفاع الأمريكي "رمسفيلد" عمل بدأب حتى يوقع بصدام في شباكه.ومع ذلك فقد أبقى اعتقاله سرا ،كما تقول الرواية الأقرب إلى الواقع، لمدة طويلة، لعله يستثمر هذا الاعتقال في مشروعه الخطير في العراق.وقد تبين لعصابة "البنتاغون" أن صدام كان كرة فولاذية صماء، حتى وهو في المعتقل، دلت على ذلك النتائج الهزيلة التي حصلوا عليها منه بعد اعتقاله.

ولعل "رمسفيلد" ما يزال يذكر تصريح المحامي الفرنسي الشهير "فيرجس" -تطوع للدفاع عن صدام- قبل شهرين من تاريخه، إلى قناة "العربية"،عندما أشار إلى أن "رمسفيلد" كان يعمل بائعا متجولا ومندوبا عن إدارة "ريجان" عند صدام حسين، يعرض عليه بضاعته من أسلحة الدمار الشامل في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين.

ويسوق أصحاب "النظرية" أعلاه احتمالين لما يمكن أن يفكر به "رمسفيلد" من خلال هذه المحاكمة.

فالأول يقول أن محاكمة صدام العلنية، ستحرج بعض الأنظمة. فالذين يعرفون صدام حسين عن قرب، يؤكدون أنه سيحاول أن يقلب الطاولة على الجميع. فلن يخسر أكثر مما خسر. مما يسهل على أمريكا ابتزاز تلك الأنظمة، التي قد تفتدي نفسها مقابل أن يتم إسكات صدام بتسهيل هربه، ثم قتله قبل أن ينجو بنفسه.

وأما الاحتمال الآخر، فإن أصحاب "النظرية" يذهبون بها بعيدا، بحيث يعتقدون أن صدام حسين هو قنطرة النجاة الوحيدة الباقية أمام أمريكا لحفظ ماء وجهها الذي مرغته المقاومة العراقية في الوحل. وملخص هذا الاحتمال يتمثل بإتاحة الفرصة أمامه ليدافع عن نفسه ويثبت أن محاكمته غير شرعية، وبالتالي فإن احتلال العراق غير شرعي، وأنه ما يزال الرئيس الشرعي المنتخب، وكل ذلك ضمن صفقة مع أمريكا تضمن لها بعض المصالح، ويعاد صدام إلى الحكم كما أعيد غيره في أفريقيا. وسواء أكان أحد الاحتمالين أو غيرهما هو ما تفكر به أمريكا، فإن ما يفكر به العراقيون هو احتمال واحد لا غير، فإما رحيل كل القوات الأجنبية أو المقاومة حتى التحرير.

ويعجب العراقيون ،كما عجب إخوانهم المصريون، مما زعمه الرئيس "حسني مبارك" من أن خروج القوات الأجنبية قبل استقرار الوضع في العراق سوف يثير الفوضى في العراق .ويقولون له ولغيره، وهل جلب الفوضى إلى العراق إلا تلك القوات؟ ويقولون لأمريكا : ارحلي عنا ونحن بألف خير من الله.

كيري وبوش وجهان لأمريكي واحد بشع

من المؤكد أن العراقيين لا يهمهم أن ينجح "كيري" الديموقراطي، أو أن يعاد انتخاب "بوش" الجمهوري. وإذا كانت محاكمة الرئيس العراقي السابق في هذا الوقت، قد جاءت ضمن حسابات انتخابية أمريكية، فإن ذلك لا يهم العراقيين في قليل أو كثير.

ومن يراهن على نجاح هذا المرشح الأمريكي أو ذاك، كان كمن يفاضل بين ذئب ونمر. فقد تعودنا أن يكون الرئيس الأمريكي الجديد أسوأ من سابقه، و هذه القاعدة بقيت مطردة من بعد مقتل "جون كنيدي" وحتى "بوش" الإبن، الذي صوت له العرب الأمريكيون على أنه أقل سوءا من "إل غور" فكان هو الأسوأ. 

يبقى أن نقول أن العراق صندوق مقفل، قد ينفتح على مستجدات ربما تعصف بمستقبل المنطقة واستقرارها، بعد أن استقال الساسة العرب من رسم مستقبلهم بأيديهم ومن خلال مصلحة شعوبهم، وفوضوا ذلك إلى واشنطن.

فمتى يدرك ساستنا الكرام عظم الخطب؟.

*كاتب سوري يعيش في المنفى / عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام  

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ