ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/11/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الانتخابات العراقية !!!

بين السطو الهمجي  - والسطو المنظم

عبد الحميد حاج خضر*

I

بقي حوالي 100 يوماً تقريباً على موعد الانتخابات العراقية المزمع عقدها في نهاية شهر يناير ( كانون الثاني ) من مطلع العام القادم . يبلغ عدد سكان العراق حوالى 25,4 مليون نسمة ، وحسب القواعد المتبعة في الإحصاء يبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب ممن بلغ 18 من العمر حوالي 15 مليون ناخب ، وحسب القواعد المرعية عالمياً يجب أن لا يزيد عدد أعضاء المجلس النيابي ( المجلس الوطني ) على أكثر من 255 عضواً ، أي بعدل 100 ألف نسمة لكل عضو . إلا أن عدد النواب المقرر انتخابهم في " المجلس  الوطني " هو 275 عضواً ، وهذا العدد من النواب يقوم على افتراض ، غير موثق ، يجعل عدد سكان العراق حوالي 27,5 مليون نسمة ، وهذا ما يدعوا المراقب الحيادي للتشكك في نوايا القائمين على الانتخابات بدأً من هذا التلفيق المتعمد . الانتخابات المزمع إقامتها تجعل من كافة التراب الوطني منطقة انتخابية واحدة ، والغاية من هذا الإجراء هو فرض نسبة التمثيل المطلوبة للمكونات العرقية والدينية والطائفية والجهوية دون بينة إحصائية دقيقة . لا يوجد سلطان علي من يوزع الحصص إلا مروءاتهم ونزاهتهم ، وهذا غير مقبول قانونياً وعقلياً ، ويحق لكل مواطن عراقي أن يطعن بمطابقتها للواقع ويتسأل : هل من جاء بحماية حراب المحتل وعاش على جعالة منه يملك الحد الأدنى من المرؤءة والكرامة والقيم التي تخوله التصرف في هذا الشأن الجلل . الأمريكان ؛ وانطلاقاً من تقاليدهم في تنظيم الانتخابات سواً في بلادهم أو في البلاد التي وقعت تحت سلطانهم لا يقيمون وزناً لإراة الناخب إلا إذا انسجمت مع ما يريدون ، ونستطيع أن نقدم عشرات الأدلة على ما ذهبنا إليه ، من أمريكا نفسها ومن البلاد التي احتلتها ، بدأً من ألمانيا وانهاء بأفغانستان . الانتخابات بالنسبة لليانكي Yanqui ، ( اللقب الذي يطلقه سكان أمريكا الوسطى والجنوبية على رعايا الولايات المتحدة الأمريكية حنقاً واحتقاراً ، وأفضل تعريب لهذا اللقب المقيت هو المتطففون : الذين إذا اكتالو على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) ، عباره عن لعبه Game) ( الفائز فيها معروف سلفاً . ولولا الخوف من الإطالة والتشعيب ، الذي قد يخرجنا عن إطار البحث ، لقدمنا من تاريخ ألمانيا السياسي الحديث ، أي خلال وبعد الحرب الثانية ، قرائن ودلائل تثبت ، بما لا يدعوا إلى الشك ، إن الحلفاء وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، لم يكن لديهم أي رغبة في إقامة نظام ديمقراطي يمثل إرادة الأمة الألمانية أو الحفاظ على وحدة ترابها الوطني ، الذي رسمته معاهدة فرساي نفسها . مساحة ألمانيا الموحد اليوم هي في أحسن الحالات تمثل فقط 75% من مساحة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وحتى اندلاع الحرب الثانية ( قارن خارطة ألمانيا بعد معاهدة فرساي مع خارطة ألمانيا بعد الوحدة الألمانية عام 1989 - 1990 ) . التمنطق والتشدق من قبل حزب الولايات المتحدة الأمريكية في عراق اليوم ، بالتجربة الألمانية  ، وفضل الولايات المتحدة في إقامة دولة ديمقراطية مزدهرة اقتصادياً ، على أنقاض نظام ديكتاتوري وعنصري ، جهل مطبق وسوفسطائية مقيتة . وللتدليل على حسن نوايا الويلايات المتحدة   . يدعي الدكتور شاكر النابلسي إن ما قامت به أمريكا ليس احتلالاً  Occupation أو استعمار Colonization وإنما هو إحلال Supplantation أو Supplantism ، كما يتفيقه علينا الدكتور شاكر النابلسي ، ولعله يظن أنه وحيد عصره في اللسانيات وفقه اللغة . إن كلمة Supplantism التي عربها إلى إحلال ليلطف من كلمة استعمار الكريهة هي في مدلولها اللغوي والسياسي أفضع من كلمة استعمار وتعني : الاحتلال بالخديعة والمكر لتحقيق غرض لئيم وخبيث ، ولهذا فهو أصاب عندما استعمل كلمة Supplantism وخاصة منهية بالمقطع ism الذي يؤدلج المعنى الأصلي الحيادي للكلمة ، وهو من قبيل ما يستعمله " اللبراليون الجدد " عنما يطلقون كلمة " قومجي " ، عذراً لا أعرف آلية الاشتقاق التي يستعملونها ، وكما تبدو لي خليط من العربية والتركية على غرار ما تلوكه ألسنة العامة ، مسايرة لأهل الرطانة من الأعاجم والترك لمفردات كثيرة ، ولكن عند الشعوبين الجدد هي للحط واللمز من القوميين . إن كلمة Supplantism مأخوذة من الكلمة اللتينية Suplantare وتعني الاحتلال لغرض الإحلال ، بالخديعة والمكر ، كأن يستغل المحتل وثيقة أو معاهدة سابقة ويؤولها حسب رغبته لإزاحة صاحب الأرض ليحل محله . كان الإحلال أحد السياسات التي اتبعتها الإمبراطورية الرومانية إلى جانب سياسة الاحتلال والضم ، وسياسة الاستعمار ، وكان سياسة الإحلال هي الأقبح والأكثر لئماً وقسوة وتتطابق تماماً مع سياسة الأمريكان التي انتهجها المهاجرون البيض مع الهنود الحمر أو ما فعل ويفعل الصهاينة مع الفلسطينين استناداً على أسطورة أرض الميعاد . لقد قالت العرب بمثل هؤلاء الجهلة المتفيقهة : رب رمية من غير رامي ، ولهذا لا نجد حاجة لشكر الدكتور شاكر النابلسي على جهده " العلمي " .

II 

القاعدة " القانونية " التي تستند عليها الانتخابات العراقية المزمع قيامها في نهاية شهر يناير ( كانون الثاني ) في مطلع العام القادم هي فقرة من " قانون " إدارة الدولة وتنص : إن العراق دائرة انتخابية واحدة ، ويتحدد عدد المقاعد في البرلمان لكل من الأحزاب أو القوائم من خلال عدد الأصوات التي يحصل عليها ، وتعتبر الفقرة التي تدعوا إلى إجراء إحصاء سكاني في شهر اكتور ( تشرين الأول ) من هذا العام شرط لازم وضروري ، ليس لتهيئة القوائم الانتخابية فحسب ولكن أيضاً لحسم الخلافات حول البنية العرقية والدينية والطائفية للشعب العراقي في المحافظات وخاصة المحافظات  الأكثر جدلاً ، مثل محافظة التأمييم التي تبلغ نسبة الأكراد فيها حوالي 47%  بينما تبلغ نسبة الأكراد في مدينة كركوك نفسها 35% وتبلغ نسبة التركمان فيها 40% ، فيما يشكل العرب والآشورين نسبة 25% ، حسب إحصاءات عام 1957 التي جرت في العهد الملكي . إن نموذج كركوك يقدم صورة لما يراد للعراق في العهد الأمريكي ، وهو تأهيل حزب امريكا للاستحواذ على السلطة في مجموع التراب الوطني العراقي بادعاءات وفرضيات لا تمت للواقع والحقيقة بصلة . ولهذا وجد " قانون " إدارة الدولة ، وخاصة ما يتعلق بالانتخابات العامة . إن القاصي والداني يعرف أن إجراء إحصاء سكاني في العراق ، وتحت ضروف الاحتلال والإحلال ، أمر مستحيل وغير مرغوب من قوى الإحلال التي هيمنت على مفاصل الدولة العراقية وفق المعادلة التفاضلية التي حددت النسب في مجلس الحكم ، وها شهر تشرين الأول يكاد ينقضي دون أن يحصى سكان قرية واحدة على أرض العراق . والإحصاء شرط لازم وضرورة لتحديد أو للتأكد من النسب المدعاة ، للأعراق والأديان والطوائف ، من قبل حزب أمريكا وترتيب المرشحين وفق هذه النسب على سلم القوائم  الانتخابية ، خاصة في الانتخابات التي تجري وفق النظام النسبي الذي اعتمد في "قانون " إدارة الدولة ، وهذا أول الغيث في عالم التزوير والخداع والتضليل المرسوم سلفاً . اعتمد " قانون " إدارة الدولة  النظام النسبي  واعتبر مجموع التراب الوطني دائرة انتخابية واحدة . هذه الصيغة ، كما هو معرف ، اعتمدت في " إسرائيل " عام 1949 حيث كان سكان الأراضي المغتصبة عبارة عن شذاذ الأفاق الذين تداعوا من كل حدب وصوب لإقامة دولتهم الأسطورية على مساحة لا تزيد عن 20 ألف كيلو متر مربع وعدد السكان قد يصل إلى 1,5 مليون نسمة ، أي أقل مساحة وسكاناً من محافظة واحدة من محافظات العراق 18 . هنا أيضاً تتجلى العقلية الصهيونية التي اعتبرت العراق ، بعد سقوط النظام ، حالة مشابهة " لإسرائيل " بعد فرضها من قبل الأمم المتحدة . العراق المحتل يجب أن يأخذ بهدي الصهاينة ونصائحهم ويقتفي أثرهم في بناء الديمقراطية ، ولهذا كان لكل وزير أو مسؤول " عراقي" بعد الاحتلال ناكر ونكير من الأمريكان الصهاينة يشدد به أزره ويشركه في أمره . إنه الإحلال حسب نظريةالدكتور شاكر النابلسي . نظام الانتخابات النسبي جيد من حيث المبدأ  ، وقد يصبح الأسواء إذا لم يطبق بدقة وحصافة ، وقد يصبح أشبه بعملية سطو همجية على إرادة الأمة إذا طبق على الطريقة العلاوية أو البرازانية   . ويبدوا لنا ، من خلال المعطيات على أرض الواقع ، أن الشروط اللزمة والكافية لعملية السطو أخذت تتكامل منها : اعتبار العراق مركز انتخابي واحد ، عدم وجود احصاءات يعتد بها ، استفزاز القوى الوطنية والاسلامية ودفعها إلى العنف أو الاستسلام المهين . محاولات مستمرة لشراء الذمم والضمائر ، مستغلين الوضع الاقتصادي المتردي ، مما يخفض اسعار سلعة الضمير في سوق النخاسة الدولية . السؤال الذي لن يلقى جواباً مقنعاً لأحد هو : لماذا لم يطبق نظام الانتخاب النسبي معتبراً كل من المحافظات العراقية الثمانية عشر ( الأنبار، البصرة ، المثنى ، القادسية ، النجف ، أربيل ، السليمانية  ، التأميم ، بابل ، بغداد ، داهوك ، ذي قار ، ديالا ، ميسان ، صلاح الدين ، واسط ) مركزاً انتخاباً قائماً بذاته ، حيث يتمتع الناخب بصوتين ، الأول يعطى لأحد قوائم مرشحي المحافظة ، والثاني يعطي لأحد قوائم مرشحي القطر ، كما هو الحال في كل الدول التي تأخذ بالنظام النسبي ، ألمانيا مثلاً ؟ . هذه العملية البسيطة ستكشف زيف وكذب كل الادعاءات التي أطلقها الحزب الأمريكي عن بنية العراق العرقية والدينية والطائفية ، كما تضع بعض العلاقيل في وجه عملية السطو المبيتة . إن هناك خمس شروط أو معاير عالمية يجب توفرها لاعتبار العملية الانتخابية نزية وشرعية . في مقدمة هذه الشروط : أن تكون عامة ، أي توفير كل التسهيلات لكي يدلي كل من يحق له التصويت بصوته ، وعندما يعلن المحتل على لسان وزير الحرب دونالد رمسفيلد أن الانتخابات قد تكون جزئية فهناك احتمالان لا ثالث لهما . الأول أن تجرى الانتخابات في جزء من العراق لينتخب 275 نائباً يمثلون أرادة الشعب العراقي ككل وهذا يعني إقصاء جزء من الشعب العراقي وبالتالي فالانتخابات غير عامة أي باطلة أصلاً ، والاحتمال الثاني أن تجرى الانتخابات في جزء من العراق لينتخب جزء من المجلس النيابى وبالتالى يمثل جزء من إرادة الشعب العراقي ولهذا لا يحق له أن يعطي الثقة لحكومة تمثل الشعب العراقي ، ثم ماهي القاعدة الاحصائية التي تخول تحديد عدد النواب للجزء الذي ستجري فيه الانتخابات ، وعدد النواب الذين سينتخبون فيما بعد " عندما تستقر الضروف " ، وإذا ضربنا صفحاً عن كل هذه الاعترضات ، التي لا يمكن أن يضرب الصفح عنها ، ألا يدعونا كل هذا التضليل إلى الاعتقاد الاستنتاجي العقلاني أن نجزم أن حزب أمريكا يبحث عن فذلكة أمريكية لتقليص دور جزء أساسي ومهم في بنية العراق الاجتماعية والحضارية والسياسية . كل هذا يرسخ اعتقادنا أن العملية الانتخابية والديمقراطية الأمريكية عبارة عن لعبة Game الفائز فيها معروف سلفاً . برقيات التهنئة وعبارات الاعجاب وهيصة الفرح ، والتهليل للشعب العراقي الحضاري العريق الذي اجتاز المخاض الديمقراطي العسير بكل جدارة ، أعتقد أنها معدة سلفاً ، ربما أن هناك كذاب أشر حصل على جائز نوبل يتدرب الآن على أيدي خبراء في الإعلام كيف يؤدي انحناءة الأكبار والتبجيل للشعب العراقي العظيم الذي فاز بالديمقراطية الأمريكية ، ولله في خلقه شؤون .

III 

هذا بعض مكر أمريكا وحزبها "النجيب" ، ولكن ما العمل ؟ هناك شريحة من الشعب العراقي استبد بها اليأس والقنوط ، بعد أن ضاقت أرض العراق الرحيب بهم فولوا مدبرين ، من شدة الهول والفزع ، وشحة الرزق وقلة الحيلة ، ولم يعد لهم أمل في عيش يحفظ لهم رمق حياتهم ورزق عيالهم ، فاكتفوا بالتضرع والتوسل أن تعود الحياة إلى سابق عهدها وبسيط عيشها ، بماء لا يقطع ، وكهرباء لا تمنع ، وكأن لسان حالهم يقول ليحكم من يحكم المهم أن تعود الخدمات ويسود الأمن . اللهم لا شماتة ولا سخرية أو هزواً . إن أمريكا وحزبها اللعين جاء إلى العراق بسياسة معهودة ، ليزرع كل هذا البؤس والفاقة ، وإن ما يعاني منه الناس في العراق كان له مثيل في دول كانت أشد قوة وأكثر تمكيناً . الاتحاد السوفيتى " العظيم " الذي أصبح هشيماً تذره الرياح ، البطالة والبؤس ، المرض والمخدرات ، الدعارة والتسول ، وحاكم يترنح جذلاناً مخموراً لا يعي ما يقول ، وملياردات الدولاراة تطير لتحط في بنوك الغرب وأمريكا ، وعصابات المافيا والمخدرات تأخذ " الخوة " طوعاً او كراهية . كل هذا حدث تحت سمعنا وبصرنا وبفضل حزب أمريكا الذي يبشر بالدقراطية وحقوق الإنسان . لقد استسلم الشعب الروسي كالحمل الوديع ، فلم تكن هناك الفلوجة أو سامراء أو النجف تعيق عملية "الاعمار" وبناء "الديمقراطية" ، ومع ذلك ذاق الشعب الروسي ويلات وويلات وانتقل من فاقة إلى بؤس ومن تسيب إلى إهمال ، وقد رأيت ذلك بأم عيني . ومثال آخر على الطرف الآخر من المعمورة ، من أمريكا اللاتنية ، وكان موقع أمريكا الجنوبية  هو الزريبة في المزعة الأمريكية ، ولنأخذ البرو Peru في 28/7/1990 " فاز " السيد البرتو فوجيموري ، Alberto Fujimori مهاجر من أصول يابانية سوقته دعاية العولمة على أنه الخبير بالمال والأعمال وصناعة المعجزات الصناعية على الطريقة اليابانية ، وكانت تطلق عليه من قبيل الدلع التشنو el Chino لتقربه إلى عقول وقلوب البسطاء . لم تمضي سوا أيام حتى كانت الطامة Shock therapy العلاج بالصدمة ، ارتفاع أسعار المواد الأساسية إلى أضعاف مضاعفة ، الخبر إلى 12 ضعف ، البنزين إلى 31 ضعف وهكذا بقية المواد الضرورية الأخرى ، وذلك بين عشية وضحاها . الإنسان محدود الدخل أو متوسط الدخل لم يعد لديه من المال ما يكفي لسد حاجياته الأساسية لنصف شهر ليقضي نصف الشهر الأخر خاوي الأمعاء ، أما الفقراء فقد اضطروا أن يسيحوا في البراي والغابات والجبال ، ليقتاتوا مما تنبت الأرض من أعشاب وفطريات . ألا يذكر هذا الشعب العراقي بما حل بهم بعد سياسة الحصار وما تلاها من احتلال ؟ إذن التجويع والقهر والإذلال وانعدام الخدمات الضرورية هي كنه وماهية سياسة " الديمقراطية وحقوق الإنسان " الأمريكية أما آلية التنفيد قد تختلف من بلد إلى آخر بالجزئيات والتفاصيل حسب معتطيات الواقع . لقد قدمنا هذين المثالين ، أحدها في شرق المعمورة والآخر في غربها ، وكلاهما انتهجا في الماضي سياسات مختلفة ، ومع ذلك لم يشفع لهما التمسكن والخنوع والخضوع  والخلود إلى الراحة من بطش مقصلة العولمة التي تمسك بها يد " الصهيونية الأمريكية الدمقراطية " . أن الدعوة إلى وقف المقاومة والخلود إلى السكينة الدمقراطية التي تبشر بها أمريكا أو إعطاء الفرصة لحزب أمريكا اللعين لتنفيذ وعوده وتطلعاته نحو حياة أفضل عل وعسى أن تعود على الأقل الخدمات الضرورية إلى سابق عهدها وهم باطل وعجز قاتل . أما الدعوة إلى ما يشبه استراحة المقاتل وانتظار الضروف المواتية وفرص أفضل تتغير فيها موازين القوى المادية لصالح أهل الحق . فهذا وهم آخر . أن الضروف المواتية تصنع بالجهاد والمواضبة على طريق الهدف الصحيح . الحرب والمقاومة والجهاد هي أكثر المواضيع جدلية  ولا تحسم بالتنظير والتأمل والفلسفة . إن الأمة المسلمة بغنى عن فتاوى الجهاد ، لطالما احتاج المستبد لمثل هذه الفتاوى ، ليستر عورته وعجزه عن الدفاع عن ملكه أمام مستبد آخر يريد النيل منه ويستبد بالإنسان لحسابه . إن آيات الجهاد وهدي النبي (ص) من الوضوح والصراحة ما لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل أو تفيقه . يفهمها المسلم بحسه السليم وفطرة الخير فيه . إن ما يحتاج المسلم من العلماء هو قول الحق وتبيان حددود العدوان فقد حرم الله سبحانه العدوان والظلم وأباح الجهاد لدفعه وما على العلماء إلا أن يبينوا للأمة حد العدوان ويتركوا للأمة أن أن تجتهد وتجاهد في رده ، فليس للمستبد العاجز أو الفقيه القاعد حق الحجر على الأمة في الدفاع عن بيضة الإسلام ورد العدوان .  أمام هذه الوقائع الماثلة أمام أعيننا بشكل حسي ، وكذلك مضارعة الماضي القريب والذي ينسحب زخمه الفظيع على الحضارة والإنسان ، لا يسعنا إلا أن نجعل من كل يوم وليد نقطة انطلاق لغد ندعوا الله سبحانه أن يمن علينا به بالنصر ، وما النصر إلا من عند الله .

IV

كيف يواجه الشعب العراقي ألعوبة Game الانتخابات العامة  المعرفة النتائج سلفاً ؟ هل على القوى الوطنية والإسلامية أن تدعوا الشعب العراقي إلى مقاطعة الانتخابات ؟ هل من الحكمة المشاركة بالانتخابات العامة رغم أنها معروف النتائج ومحسومة لصالح حزب أمريكا ؟

هذه بعض الأسئلة التي تطرحها القوى الوطنية والإسلامية المعادية للإحتلال على نفسها وعلى الشاع السياسي في العراق وعلى امتداد الساحة العربية ولإسلامية .

إن البرقراطين أدلوا بدلوهم في شأن الانتخابات العراقية المقبلة وفرضوا النموذج الإسرائيلي الذي طبق مع قيام " إسرائيل عام 1949 ، وكأن الشعب العراقي مجموعة من شذاذ الأفاق يجمعم الدولار والحلم بالحياة الأمريكية American way of live وتفرقهم الدبابات والقصف العشوائي للمدن والبيوت الآمنة. يتجاهل البرقراطيون الصهاينة والأمريكان وحزبهم من أصحاب الجعالة الواقع الديمغرافي( العرقي والديني والطائفي ) وهم الذين ملأوا الدنيا ، وبكل اللغات والرطانة ، عن الموزايك العراقي " الجميل " ، حتى إذا جاء واجب مراعات هذا الواقع تنكروا لكل ما لهجت به ألسنتهم السليطة والبذيئة أحياناً ، وفرضوا على العراق الانتخابات النسبية بأقبح تجلياتها وجعلوا من العراق من زاخو إلى أم القصر دائرة انتخابية واحدة . شرذمة العراق وتفتيته إلى شيع وطوائف عندما يكون لهم مصلحة عينية بذلك وخلط الحابل بالنابل عندما تكون مصلحتهم العكس . هذا جزء من لعبة  Game السطو المبيتة . أما الجزء الثاني والثالث والرابع....الخ فسوف نعرفه عندا ينقشع غبار التضليل والتزوير . أعتقد أن هناك تناقض بين الإدارة الأمريكية وحزبها في العراق في شأن الانتخابات ،  فالإدارة تريد سطو منظم انسجاماً مع تجاربها " الناجحة " في مناطق عديدة من العالم ، حيث تهيء الضروف التي تمكن حزبها من ترسيخ أقدامه على أرض الواقع ، وخلق ضروف خارجية تجعل الناخب يصوت لحزبها على أنه أهون الشرين ، كما حدث في اليابان وألمانيا ومصر بعد معاهدة كامب ديفيد . أما حزب أمريكا في العراق ، الذي يتكون من مجموعة من النكرات التي تقوم يومياً بشاذ الأعمال وغريب التصرفات لتكتسب ( ال ) التعريف ، فترى أن تجري الانتخابات بأسرع وقت ممكن حتى ولو كانت عملية السطو فجة وفظة وبدائية ، لأنها ترى ببساطة أنها فرصة " تاريخية " قد لا تعود مرة ثانية ،  وربما فريق من الإدارة الأمريكية  يشارك هؤلاء المغامرين الرأي . إذن القوى الوطنية العربية  والإسلامية أمام أمرين أحلاهما مر : السطو المنظم أم السطو البدائي الهمجي . إن الذي أضعف القوى الوطنية هو : الدعوة للانتخابات قبل التحرير ، التي تبنتها بعض الشخصيات اللبرالية وبعض المرجعيات الدينية . المتتبع للتاريخ السياسي الحديث يجد بكل سهولة أن هذا الرأي أو ما يناظره من آراء كانت جرثومة البلاء وأصل الشقاء في مسيرة حركة التحرر العربية والإسلامية ؛ بدأً من سياسات فيصل الأول ، ومروراً بحركة سعد زغلول في مصر ، وانتهاءً بمعاهد أسلو . هذا " الاجتهاد " يقوم على واقع حسي من جهة ووهم من جهة أخرى . الواقع الحسي هو موازين القوى المادية الذي يقود إلى القول " لا طاقة لنا بجالوت " التي تلقى قبولاً " حسناً عند شريحة واسعة من الشعب المغلوب على أمره ، ولكن هذه الشريحة لم تجاهد أو تناضل أو تحدث نفسها في الجهاد أو النضال ، وإذا كان البعض ينحدر من مدارس التعليم الديني الاسلامي فعليهم أن يعلموا قبل أن يتذرعوا بفتاوى وأراء بعض " الفقهاء " أن يعودوا إلى صريح النص القرأني ، فالدين ليس اتباع رجل ، وإنما اتباع الحق والنص القرآني أحق أن يتبع وهو الذي يدعوا صراحة أهل الملة إلى العزة " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " آل عمران 139 . " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " . محمد 35 . " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيما " النساء 104 . إن مراعاة موازين القوى أمر معتبر عند كل ذي حس سليم وفطرة سوية ، والأخذ به أمر واجب في حالة الخروج لملاقاة القوم أو غزوهم في عقر دارهم . هنا يجب مراعات موازين القوى المادية والمعنوية التي يمكن أن يستنفرها عدو الله عندما يهاجم في عقر داره . أما عندما يدافع الإنسان عن حقه وحق عياله وأهله في الحياة فهذا شأن آخر . عندما يكون الأمر أما أن يذبح ويهتك عرضه وتحرق عياله وماله وما بنى وزرع ، أو أن يفعل ما بوسعه لدفع غائلة وصولة العدو ولو بجرح يشفي به غليله ، فيصبح الحيث عن موازين القوى صخب يراد منه إنكار العقل والنقل والفطرة السليمة . لو كان الأمر يقتصر على طرد الاحتلال لكانت المسألة محسومة ، فلا مجال لطرد الاحتلال إلا بالمقاومة وهذا ما فعله المجاهدون على امتداد الساحة العربية والإسلامية ، في تركيا والجزائر وتونس والسودان وسورية والعراق وأخيراً أفغانستان ثم آلت قيادة البلاد والعباد إلى طغمة عسكرية أو سلطة متغربة سلوكا ومنهجاً ، حيث كانت تمارس سياسة المستعمر بأسلوب آخر . الجيش الوطني عبارة عن مرتزقة لا يختلفون عن جيش علاوي والجلبي وبريمر ، المهم عندهم الجعالة ودورات عسكرية في الغرب أو الشرق تزيد من جعالتهم وبعدهم عن أمتهم وشعبهم . إداريون ورثوا النمط الاستعماري وتشبثوا بصغائر الأمور ، وطبقة سياسية نرجسية أقصي أمانيها الالتحاق بالغرب ومحاكاتهم بالمطعم والملبس والمشرب ، والشذوذ على القاعدة أسوء من القاعدة نفسها ، فقد يخرج القائد على الملاء بثياب مزكشة وكأنه طاؤوس أو نبات الخنفشار ، حرصاً على التقاليد الوطنية . فيجعل التقاليد نفسها هزواً وسبة ، وجد المستعمر بهؤلاء الحكام ظالته المنشودة فأغدق عليهم القروض والعروض حتى أصبحت البلاد رهينة المحبسين ؛ الدّين والفساد . أغدق الحكام على أنفسهم وأعوانهم من هذه القروض فبنوا القصور وتوسعوا بالفجور ودفعوا بما اقتطعوه لأنفسهم من المال إلى حساباتهم السرية في البنوك الأجنبية ، لتعود أموال القروض سيرتها الأولى Recycling . أما الدولة والشعب فهما يرسخان تحت وطأة الفوائد والأقساط ، أي رهن البلاد والعباد للأجنبي . لقد غيبت إرادة الشعب بالانقلابات العسكرية والعنجهيات الثورية . إن على الشعب العربي في العراق وفلسطين واجب مضاعف ، دحر الاحتلال واستعادة الأرض والكرامة من جهة ، وتقدم القيادة الواعية الحذرة والجسورة التي تمثل إرادة الأمة حتى لا تعاد مأساة ما بعد رحيل الاستعمار ويستحوذ أهل الرطانة و " الكياسة " على قيادة الأمة باسم " الدراية " وحسن خطاب الأجانب . من هنا يكون لزاماً على كل غيور أن يقدم النصح الصادق للقوي الوطنية العربية والإسلامية لمجابة أمريكا وحزبها اللعين ، لتقديم بديلاً سياسياً يمثل إرادة الأمة ويعبر عن تطلعاتها لمستقبل واعد بالخير والسلام والكرامة .

V

من الجلي الواضح أن حزب أمريكا يريد أن يستحوذ على السلطة ، ويقصي كل القوى الوطنية حتى عن مواقع المعارضة والمراقبة والمحاسبة . يريدها خالصة له ومحاصصة بين فرقاء هذا الطابور ، وقد بدأوا منذ اليوم الأول للاحتلال تحت شعار " اجتثاث البعث " فاغتالوا العلماء والكوادر الفنية وطاردوا أهل الخبرة والدراية تماماً كما فعل الحلفاء والروس بعد احتلال ألمانيا تحت شعار مشابه تماماً " اجثاث النازية " Entnazifizierung ، ولكن بصورة أكثر "عقلانية " مما فعل الجلبي وعصابته ، فقد نقل الحلفاء والروس العلماء الألمان وأصحاب الخبرة إلى أمريكا أو الاتحاد السوفيتي للاستفادة من خبرتهم في تطوير الصواريخ والصناعات الحربية الأخرى ، كما نقلت مراكز البحث العلمي والمعامل بكامل أجهزتها إلى الدول الحليفة وخاصة الاتحاد السوفيتي . أما حزب أمريكا فقد اتبع سياسة الاغتيالات والسرقة وبيع المعامل العامرة ، كحديد خردة ، 30 دولار للطن ، إلى الدول المجاورة . حتى تيمورلنك كان أكثر تحضر من أعوان الجلبي والبرزاني والطلباني ، فقد حمل تيمورلنك معه كغنيمة حرب ، بعد أن استباح دمشق ، المهندسين والبنائين ، إلى وسط أسيا والهند ، ليقيموا له الصروح والقصور . لا أعتقد أن الشعب العراقي سيغفر للمغول الجدد فعلتهم . يصر حزب أمريكا على إقصاء كل عراقي غيور من مواقع القرار ، وقطع الطريق على كل مصالحة وطنية ، وإلا كيف نفسر إصرار مسعود البرزاني استبعاد أي تمثيل سياسي للمقاومة العراقية في المؤتمر الدولي حول العراق المزمع عقدة في 22-23 نوفمبر ( تشرين الثاني ) في شرم الشيخ ، سيء الصيت ، وبعد أن وافق حسني مبارك ، عراب التأمر ، على استبعاد تمثيل القوى الوطنية بالمؤتمر بحجة أن المؤتمر يقتصر على ممثلين حكوميين فقط ، يبدوا لنا أن الكفة بدأت ترجح لصالح من يريدون السطو الهمجي البدائي على إرادة الشعب العراقي ، وبالتالي على السلطة ، ذالك الوثن الذي يقدم اليه كل أنواع القرابين بدأ بالإنسان وانتهاء بالقيم وأبسط قواعد العدل . دعى الدكتور الشيخ حارث الضاري ، كرئيس لهيئة علماء المسلمين ، إلى مقاطعة الانتخابات في حالة استمرار قصف المدن العراقية أو تنفيذ خطط الاجتياح المعدة سلفاً . بينما دعى مكتب السيد السستاني إلى الاكتتاب في القوائم الانتخابية للمشاركة في عملية الاقتراع . النكرات التي تحتاج إلى ( ال ) التعريف تدعوا إلى تحالفات شعوبية مشبوهة للترشح ، وتراهن على ما لديها من مال حرام وكرنفالات أمريكية للتغرير بالبسطاء والسذج . أما القراصنة من أمثال العلاوي والبرازاني فهم لا يريدون لا هذا ولا ذاك وإنما تنظيم عملية سطو مسلح واكتساح للمدن " المتمردة " في يوم الاقتراع وإشعال فوضى عارمة ، ثم تفتح الصناديق المعلبة سلفاً في اليوم التالي ، حيث " اضطرت " طائرات الأباتشي للقيام بهذه المهمة الصعبة لنقلها إلى بغداد ، عفواً إلى المنطقة الخضراء ، لتجنب هجمات " الإرهابين " من جماعة الزقاوي ، وتحت " راقبة " الأمم المتحدة ، وتحت أعين "المراقبين الدوليين " تفتح الصناديق المعلبة ويفوز حزب أمريكا ب 72% كما في أفغانسان ؛ أما باقي أعضاء " المجلس الوطني " فهي عناصر " مستقلة " و " يسارية " ساهمت في التصدي للنظام السابق . إننا لا نرجم بالغيب عندما عندما نضع هذا السينارو الذي يذكرنا بأفلام السطو على البنوك من قبل محترفي السطو . لقد مارست أمريكا هذه اللعبة Game في كل الدول التي خضعت لسلطانها . إن المتتبعين للعمليات الانتخابية التى جرت في دول خاضعة للنفوذ الأمريكي يروون قصص يشيب لها الولدان . أذكر هنا قصة الديمقراطية في ألمانيا الغربية قبل توحيدها وباختصار شديد . قبل استسلام ألمانيا بدون قيد أو شرط ، كانت هناك قوي ليبرالية وطنية تسعي إلى إسقاط الحكم النازي عبر انقلاب عسكري يطيح بالنظام النازي ويعقد معاهدت صلح مع الحلفاء يضمن وحدة الأراضي الألمانية ، حسب معاهدة فرساي  ، وليجنب البلاد الاستسلام بدون قيد أو شرط . قامت هذه المجموعة ، التي عرفت بمجموعة شتاوفنبرغ Stauffenberg نسبة إلى العميد كلاوس غراف شينك فون شتاوفنبرغ ، رئيس الأركان العامة للجيش الاحتياطي ، والقريب من هتلر ، بالاتصال بالحلفاء ، عبر دبلماسيين متعاونين مع المجموعة ،  لإقناعهم بالعدول عن اجتياح ألمانيا وفرض الاستسلام بدون قيد أو شرط ، مع القبول التام بشروط الحلفاء الأخرى . كان جواب تشرشل وترمان الرفض التام لشروط المجموعة ، إلا إذا قبلت الاستسلام بدون قيد أو شرط ، وبعد أن يئست المجموعة بإقناع الحلفاء ، وحرصاً منها على إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، بعد أن بدأ الحلفاء بالقصف الاستراتيجي الذي يستهدف البنية الأساسية والمعامل والمدن ، قامت المجموعة بتنفيذ خطة الانقلاب التي بدأت بمحاولة اختيال هتلر نفسه بوضع قنبلة موقوته تحت المنصه التي كان يجلس عليها هتلر وأركان حربه ، من قبل قائد المجموعة نفسه ( شتاوفنبرغ ) ، الذي كان قد خرج من الاجتماع قبل انفجار القنبلة ببضع دقائق ، إلا ان الانفجار لم يؤدي إلى مقتل هتلر نفسه ، ولكن أصيب ببعض الجروح . ألقي القبض على قائد المجموعة والضباط المتعاونين معه وأعدموا بعد محاكمة ميدانية في 20/7/1944 . استمر القصف الاستراتيجي وبدون رحمة أو شفقة وفاقت آثاره ما وقع في اليابان بعد إلقاء القنبلة الذرية على هوريشيما وناغازاكي ، في درسدن وحدها كان عدد القتلى دون الجرحي حوالي 200 ألف ، وتحول وسط المدينة ولأحياء العمالية إلى أطلال . لقد منع الدارسين الألمان من توثيق آثار الدمار الذي لحق بالبلاد ، وأول وثيقة تاريخية حول الموضوع صدرت منذ سنة ونصف تقريباً . احتلت ألمانيا من قبل الحلفاء وقسمت إلى أربع مناطق احتلال ( فرنسية ، بريطانية ، أمريكية ، روسية ) بعد أن سلخ من ألمانيا حوالى 25% من أراضيها ، ضمت إلى كل من بولندا  وروسيا وتشكوسوفاكيا . وحد الحلفاء ( فرنسا ، أمريكا ، بريطانيا ) المناطق المحتلة من قبلهم وأطاقوا عليها ( ألمانيا الاتحادية )  BRDوأقام الاتحاد السوفيتي على المنطقة المحتلة من الروس ما سمي بجمهورية ألمانيا الديمقراطية DDR  ، حيث طبق النظام السوفيتي الاشتراكي وبصرامة ألمانية . كيف أقامت أمريكا "الديقراطية" في ألمانيا الغربي ؟  . الأمة الألمانية ككل الأمم الأوربية كان لها دور معتبر فى إزاحة النظم الاستبدادية التي كانت تحكم " بالإرادة الألهية " وإقامت نظم ديمقراطية تستلهم شرعيتها من إرادة الشعب عبر انتخابات عامة وحرة ومتساوية ومباشرة وسرية ، وحتى استيلاء النازين على السلطة كانت ألمانيا تحكم بنظام برلماني ليبرالي وتعددي ، وظلت الشخصيات السياسية المرموقة وفية للتقاليد الديمقراطية . بعد الحرب عادت هذه الشخصيات إلى ممارسة السياسية والعمل على تحرير كامل التراب الوطني من المحتل وإقامة نظام برلماني تعددي ، ولكن تطلعات الطبقة السياسية الألمانية لم تكن منسجمة مع سياسة الحلفاء ، وخاصة بعد مؤتمر ( يالتا ) الشهير من جهة ، ورغبة أمريكا في وضع ألمانيا التي تقع في منتصف القارة العجوز ( أوربا ) في مجابهة الاتحاد السوفيتي . أطلقت أمريكا خطة مارشل Marshall المعروفه ، بنفس الوقت جمعت ما تستطيع جمعه من الساسة الموالين لها ، دون اعتراض ، وشجعتهم لإقامة حزب سياسي من ساسة الدرجة الثانية أو الثالثه من بقايا الأحزاب اليمنية التي لم يكن لها ماض يذكر في مقارعة النازية ، وهكذا قام حزب ( الوحدة الديقراطي المسيحي ) CDU  ووضعت عمدة مدينة كولونيا المغمور سياسياً رئيساً للحزب ثم مستشاراً ألمانيا ، بعد الانتخابات التي جرت تحت إشراف قوى الاحتلال . عملية السطو المنظمة هذه بقيت الصيغة المفضلة ، عند الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، تطبق على كل الدول التي تقع تحت سيطرتها بل هي الصيغة المرغوبة عند الكثير من الساسة المغامرين ، خاصة بعد أن حققت ألمانيا ما عرف " بالمعجزة الاقتصادية الألمانية " . وقد كان الرئيس أنور السادات أكثر المتحمسين لهذه السياسة ، يسوقه الوهم والجهل ، ذلك أن " المعجزة الاقتصادية الألمانية " كانت وليدة عوامل اقتصادية وسياسية وتقنية واجتماعية ودولية وحضارية لا تملك مصر 5% منها . ظن السادات بمجرد عقد صلح مذل مع " إسرائيل " ، وتبديل الاتحاد الاشتراكي إلى الحزب الوطني ، واتخاذ كيسنجر عراباً لسياسته " الطموحة " وملئ الصحف المصرية بالمشاريع الخيالية التي ستتحقق ، بعد سلخ مصر الكنانة عن الأمة ، سيحقق معجزة الرفاه للشعب المصري ، الذي يستحق كل خير . إن هذه الأوهام تسيطر على أحلام الكثيرين من الذين يسيرون في ركاب أمريكا ، والشعوب تدفع ثمن جهلهم وأوهامهم السقيمة . لا أستغرب أن الكثير من أحلاس أمريكا يعيش هذا الوهم وهذا الجهل . أريد أن أذكر بعامل واحد ، من عشرات العوامل ، التي أسهمت في المعجزة الاقصادية الألمانية : لقد أدرك الساسة الألمان من البداية أن العدو الأول لإعادة بناء ألمانيا هم الصهاينة ، وذلك عندما أشار مورغنتاو Morgenthau الصهيوني على ترومان تجريد ألمانيا من السلاح والصناعات الثقيلة وتحويها إلى دولة زراعية وحقول للبطاطا ، ولهذا كانت السياسة الألمانية ، وعلى مدى ، عقود تمارس بذكاء ودهاء عجيب سياسة الحرباء ، حتى لا يصيبها الأذى من قبل الصهاينة ، كما لاقت دعماً قوياً من الساسة وأصحاب النفوذ الأمريكان من أصول ألمانية ، وكانت حاجة العالم وخاصة أمريكا إلى الصناعة الألمانية Made in Germany عظيمة . ماهو رصيد العلاوي والجلبي والبرزاني ليقنعوا أمريكا " وإسرائيل " ، اللذان جاءا إلى العراق لتدميره ، لأن يغيرا هذه السياسة إلى إصلاح وإعمار . الانتخابات العراقية المزمع عقدها في نهاية يناير ( كانون الثاتي ) ، هذا إذا عقدت أصلاً ، لن تكون إلا عملية سطو همجية بدائية ، لأن الوقت والضروف على أرض الواقع لن تسمح بعملية سطو منظم على الطريقة الألمانية،  فضلاً أن تكون انتخابات عامة وحرة ونزيهة تعبر عن إرادة الناخب العراقي الحقيقية . عشرات الأسئلة والاستفسرات التي تطرح على قانون الانتخابات وطريقة الاقتراع لا تجد جواباً من " اللجنة العليا " التي ستشرف على الانتخابات وكأن العملية كما يقول العراقيون ( سلق بيض ) . إذا كان الحزب الديمقراطي بقيادة كيري قد جند 10 ألاف محامي لمراقبة الانتخابات كما أعد " مجموعات  طوارئ قانونية " مزودة بطائرات نفاثة لمنع تزوير الانتخابات أو التلاعب بنتائجها ، فكيف للعراق الذي يخوض شعبه حرب تحرير مريرة يتمكن من إجراء انتخابات عامة وحرة ، والمشرفون عليها لا يؤتمنون على درهم أو دينار ، ومعظمهم من أهل السوابق والعمالة المكشوفة . إن نزاهة الانتخابات وعدالة قوانينها شرط لازم وضروري لمسيرة ديمقراطية شرعية ، فأي خلل ولو كان محض صدفة قد ينسف ثقة الشعب بشرعيتها وجدواها . كل الدلائل تشير أن هناك عملية سطوا همجية معدة سلفاً ، ولكن هناك جهات ينطبق عليها المقولة المأثورة  : إذا كنت  لا أدري فتلك مصيبتي وإن كنت أدري فالمصيبة أعظم . هناك طائفة من أهل العراق يصعب تصنيفهم في خانة المتعاونين مع الاحتلال ، لأنهم يعلنون جهاراً رفضهم للاحتلال ويدعون لإنهائه بالطرق السلمية ، وأحد هذه الطرق السلمية هو إجراء انتخابات عامة بالبلاد ، وقد دعوا اشعب العراقي إلى الاشتراك بهذه الانتخابات . هناك احتملان ؛ إما إن تكون هذه الجهات على علم دقيق ومسبق بالقانون الانتخابي الذي ستنظم الانتخابات على أساسة ، وقد بينا ، كما بين آخرون ، أن هذا القانون هو عبارة عن " تقنين " عملية السطو الهمجية ، وبالتالي تفقد هذه الجهة أي مصداقية ، بل يجب أن نعتبرها شريك أو متواطئ مع عملية السطو الهمجية . وإما أنها لا تدري بحقيقة القانون الانتخابي ، وهاهي الآن قد بلغت خطورة وفداحة الأمر وعليها أن ترفع صوتها في وجه من يريدون السطو على إراة الشعب ، ونحن والشعب العراقي ينتظر الفتوى في هذا الأمر الخطير . إن الإقرار بمبدأ الانتخابات العامة والحرة لا يعفي أهل الرأي من التأكد أن الآليات التي ستجري بها عملية الانتخاب والاقتراع أمينة وعادلة وسليمة ، من كل صنوف التلاعب . وكما لا تصح صلاة المسلم إلا إذا كانت وفق الهدي النبوي ، فكذلك لاتصح الانتخابات إلا وفق قواعد العدل وآليات الضبط والربط - هذا إذا قبلنا أصلا بجواز الانتخابات تحت ظل الاحتلال ، وهي مسألة خلافية لم تحسم بعد . الخديعة والحيلة في هذه المسالة هي : إن إجراء الانتخابات والمشاركة فيها عن قناعة أو عدم قناعة سيزيل الاحتلال أو يسرع في زواله وهذه مغالطة سوفسطائية ، وكأن الاحتلال جاء ليقيم انتخابات ثم يرحل عن أرض العراق !! إن مثل هذه الحجة مثل من يقول 1+ 1 = 3 . ألا يحق للشعب العراقي أن يصرخ في وجوه هؤلاء المضليلن : كفى استهتاراً وابتزازاً للإنسان العراقي ، أو كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي ، صاحب العروض : الناس أربع . رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فاتبعوه ، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك نائم فأيقظوه ، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك مسترشد فرشدوه ، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك جاهل فارفضوه .

VI

إن الاستعداد للانتخابات وإجراء الانتتخابات قد تكون من أدق المراحل التي يمر بها العراق ومعه الأمة ، بل إنه المخاض العسير حيث سيلقي التاريخ بكل ثقله على كاهل الشعب العراقي والشعب الفلسطني تبعاته . لقد استنفرت الإدارة الأمريكية المتصهينة كل جوارحها ، في الداخل والخارج ، لكسب هذه المعركة ، ولعل أحد تجليات هذه المعركة الدبلماسية المؤتمر الدولي الذي سيعقد في شرم الشيخ " لشرعنة " الواقع سواء تمت عملية السطو على إراة الشعب العراقي عبر الانتخابات أو بدونها ، والأرجح بدون انتخابات ، حسب معطيات الواقع . هذا مكر أعداء الأمة وحزب أمريكا ، فأين مكر وتدبير القوى الوطنية العربية والإسلامية ؟ لقد كان لبعض أطراف القوى الإسلامية اجتهادها في هذا الشأن الذي لا يخلو من الأخطاء ، كما نعتفد . إن عقد اتفاق ، مع حزب أمريكا الذي يقود الحكومة المؤقتة ، بوقف القصف العشوائي على النجف ومدينة الصدر أمر فيه مصلحة ، أما الدخول في العملية السياسية فمسألة خلافية ، قد ترجح المفسدة على المصلحة . أما تسليم الأسلحة التي في يد أبناء الشعب التي قد تضطرهم الضروف ، لدفع العدوان عن أنفسهم والمستضعفين من الرجال والولدان فهو خطأ بالمطلق . إن الدولة ، وبالتالي السلطة ، التي يحق لها احتكار القوة والعنف ، هي السلطة المنتخبة من قبل الشعب عبر انتخابات عامة وحرة ، وتتيح ، أي السلطة ، آليات سلمية لتداول السلطة ضمن مدة دستورية معينة أو حالة استثنائية معتبرة . هذا ما أجمع عليه فقهاء القانون . أما السلطة المستبدة التي جاءت عن طريق غير الانتخابات العامة والحرة ، ولا توفر آليات سلمية حقيقية لتداول السلطة فلا تمتلك حق احتكار القوة والعنف . مقاومة الاحتلال حق مشروع على الإطلاق . حكومة العلاوي والاحتلال من ورائها هي من الحالات الصارخة التي لا يحق لها ادعاء حق احتكار القوة والعنف ، الفقه الإسلامي يوجب مقاومة الاحتلال والسلطة المعينة من قبله ، وعلى كل المذاهب السنية والشيعية وبدون استثناء . اقتناء السلاح من قبل المواطنين وخاصة مع انعدام الأمن ليس محرم قانونياً أو شرعياً ، بل أن المواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية يملكون من الأسلحة الفردية ما يكفي لتسليح جيش يفوق عدد الجيوش العربية مجتمعة ، والإسرائيليون يملكون من الأسلحة المتنوعة ما يفوق عدد سكان " إسرائيل " نفسها . إذاً ماهي الأسباب الموجبة لتسليم الأسلحة أو الاتفاق على تسليمها ؟ القناعة التي لا أقبل المساومة عليها هي : أن تجريد الشعب من أسباب القوة هو حجر الزاوية في بناء صرح الاستبداد ، والسلاح في يد الشعب الأعزل يدفع المستبد وأعوانه لمراجعة حساباتهم . هذه القناعة هي خلاصة تجارب الشعوب والأمم المقهورة لخصتها المقولة التي رفعتها شعوب أمريكا اللاتينة المغلوب على أمرها من قبل أمريكا وأحزابها . يرفع المناضلون في أمريكا اللاتينية الشعار التالي : الشعب المتحد لن يغلب - الشعب المسلح لن يسحق . El pueblo unido jamas sera`vencido , el pueblo armado jamas sera` plastado  . لقد أضاع المستضعفون فرصة تاريخية للدفاع عن حقوقهم المسلوبة ، قد لا يمن بها التاريخ بها مرة ثانية .

إن تسارع الأحداث وتداخل المصالح يفرض على القوى الوطنية العربية والإسلامية أن تسير في محاور متعددة وبآن واحد . أما ترتيب الأولويات فستفرضها طبيعة المعركة القادمة وأهل مكة أدرى بشعابها . المحور الأول هو محور المقاومة المسلحة للاحتلال والعدوان ، وهذا أمر متروك لأهل الغيرة والحمية . المحور الثاني هو محور التعبئة والحشد الجماهري . إن حزب أمريكا لا يجمعهم إلا المصلحة الآنية والكسب السريع ، أما قادتهم فهم من المغامرين ، الذين استحوذ عليم حب الرياسة وشهوة السلطان ، أما أتباعهم فهم من طلاب الجعالة وأحلاس الوظائف ، أما الجوارح التي يبطشون بها فهو جيش الاحتلال . أمام هذا اللفيف ، غير المقرون ، والذي يفتقد أبسط مؤهلات القيادة والحس الوطني ؛ يقف الشعب العراقي بكل تطلعاته نحو عراق مستقل يأخذ أبناؤه زمام المبادرة والعمل الحضاري البناء . لقد أثبتت الأيام الأولى للاحتلال أن البنية الحضارية العراقية الأصيلة هي الملاذ الأخير القادر على مجابهة الفتن والكوارث ، فمؤسسات المجتمع المدني العصرية ، هي في حقيقة الحال بيوت كرتونية ، تتداعى مع أول نفخة ريح عاتية ، هذا إذا وجدت ، وقد  يكون  وجودها على الورق فقط ، أو مجرد مصطلح يتبضع أصحابه في أسواق وحوانيت الإعلام . عندما عمت الفوضي والهلع والنهب والسرقة ، لم يجد المواطن العراقي ملاذاً آمنناً إلا المساجد ودور العبادة ، ولم يجد من يثق بهم إلا أهل التقوى والعلم ، الذين يحاول  أهل الحداثة والعصرنة تهميشهم . لقد كان المسجد ودور العباد المرسى للسفينة العراقية التي تقاذفتها أمواج الفتنة والفوضي . إن البنية الأسرية التقليدية ، التي لم تهرع إلى وسائل الاعلام ، تشكوا بؤسها وتندب حظها ، بل حملت مالحق بها من ظلم وطغيان بصبر عجيب ومروءة وعزة ، كانت الملاذ الآخر للشعب العراقي ، ثم تلاها ملاذ القبيلة وصلة الرحم المتجذرة في الشعب العراقي وفي اعماق بنيته الحضارية ، هذا بالإضافة إلى مرؤءات فردية نادرة . من هنا كان الانطلاق نحو بناء إرادة الصمود ، لتقديم بديل وقور للخضوع الذليل . اليوم والشعب العراقي يجابه عملية سطو همجية على إرادته من قبل حزب أمريكا ، نرى لزاماً علينا أن نضارع أيام الاحتلال الأولى من جديد ، لنجد إلى جانب استمرار المقاومة ووجوب دعمها ، أن على القوى الوطنية أن تقدم البديل وتجمع أهل الحمية والنخوة على على قائمة انتخابية ، تمثل العراق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ، الأحزاب الإسلامية الكردية وأهل الفضل والمروءة من الكرد مع إخوانهم العرب والتركمان شيعة وسنة ، يتقدمهم أهل الفضل ممن يطمئن الشعب إليهم ويرى فيهم القوة والأمانة . إن من ضرورات الحشد ؛ العودة إلى تقاليد العشيرة والقبيلة الأصيلية ، والتعامل معها كما تعامل رسول الله (ص) مع قبائل العرب . أن نحترم سراتها ومن ترتضيه ناطق بأسمها ، خاصة وأن سراة القبائل تلقوا من العلم والمعرفة ما يؤهلهم لإدارة دولة عصرية حديثة . القبائل هي في حقيقة الحال من مؤسسات المجتمع المدني ، بل أقدر من مؤسسات المجتمع المدني الحديثة على إيجاد تسويات مقبولة للخصومات والخلافات التي قد تنشب بين الناس . إن المسجد والأسرة والعشيرة والقبيلة وصلات الرحم المتعددة بنية يعتد بها في مجابهة الأزمات وأكبر دليل على ذلك ما أنجزه الشعب الفلسطني من لحمة وترابط مكنته من الصمود والتشبث بالأرض والحق الفلسطيني . إن مؤسسات المجتمع المدني الحديثة صورية وغير قادرة أن تدافع وتصد العدوان عن مكتسبات العمال والفقراء والمساكين ، حتى النقابات أبدت عجزاً واضحاً في الدفاع عن حقوق العمال ، التي تنهب كل يوم من قبل قادة العولمة ، حتى في الدول الغربية ذات التقاليد النقابية العريقة .

المحور الثالث هو المحور السياسي . إن إقامة نظام نيابي تعددي يمثل إرادة الأمة  ؛ هو هدف استراتيجي يجب أن تسعى إلية القوى الوطنية العربية والإسلامية ، وهو الصيغة العصرية لولاية الأمة في الشأن السياسي وتنزيل الآية الكريمة " وأمرهم شورى بينهم " على الواقع السياسي والاجتماعي تنزيلاً يضارع الواقع القائم  ، لستبعاد الاستبداد والتفرد بالرأي . إن هناك فرق واضح بين رجل السياسة ، ورجل الفكر أو الفلسفة أو الفقه ، إن السياسي الحصيف هو الذي : يأخذ من هؤلاء جميعاً ويعيد صياغته بشكل حسي عملي لا تخطئه أفهام العامة ، ويكون لها دليل عمل وفعل ، لهذا يجب على القيادة الوطنية في العراق أن تحزم أمرها في المرحلة القادمة وتقدم البديل الوطني في مقابل حزب أمريكا وجلاوزة الاحتلال . إننا ندعوا سراة العشائر والقبائل العراقية العربية والكردية والتركمانية إلى تعاون أوثق مع هيئة علماء المسلمين الأفاضل التي يرأسها الشيخ حارث الضاري ، وكذلك مع إخواننا علماء الشيعة الذين يتقفون خطى الإمام علي ( رضي الله عنه ) ، الذي يمثلهم الشيخ جواد الخالصي ، حفظه الله ، ليتمكن الساسة العراقين ، من عرب وكرد وتركمان وأشورين وكلدان ، من تقديم قائمة انتخابية مشتركة تراعي التوزيع السكاني في المحافظات العراقية شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً ، وتعطي كل ذي حق حقه ، وتضع وراء ظهرها العقلية الحزبية الضيقة والتناحر على الصغائر ، وكل متاع الدنيا صغائر ، وتجعل كل فقهها وعلمها في خدمة الإنسان العراقي المعذب . المواطنة العراقية هي المدخل إلى المساوات بالحقوق والواجبات ، أما الخصوصيات العرقية أو الدينية أو الطائفية فهذا شأن المتبضعين في أسواق الخصوصيات لتحقيق مآربهم الأنانية . المسلم مطالب بالعدل بين الناس في الشأن العام ومتاع الحياة الدنيا ، وكلما اقترب من العدل اقترب إلى تقوى الله وعمل لآخرته . إن من ضروريات العمل السياسي الميداني ، أن تقدم القوى الوطنية العربية والإسلامية قائمة انتخابية موحدة من 275 مرشحاً على الأقل ، موزعة على محافظات القطر بالعدل والقسط ، وتعمل على تعبئة القوى الوطنية ، وكأن الانتخابات ستجري في موعدها المحدد ووفق أدق المعاير الدولية ، وتبقي الباب مفتوحاً للانسحاب ومقاطعة الانتخابات عندما تتوفر القرائن المادية الدامغة لعملية السطو " المبيته " كما نعتقد . ليس لمجرد إحراج وفضح حزب أمريكا فحسب ، ولكن لتقديم بديل سياسي وطني يضطلع بالشأن السياسي في مسيرة التحرير التي قد تطول ، لا سمح الله . إن الإعلان عن مقاطعة الانتخابات تحت كابوس الاحتلال من قبل القوى الوطنية اجتهاد سلبي ، قد يستفيد منه حزب أمريكا ، وهو اجتهاد قد تتبناه وتأخذ به النخب المسيسية وأولو العزم من الناس دون العامة ، ولكن الهدي النبوي يأمرنا أن نسير على خطى الضعيف منا ، هذا في مجال الخروج لملاقاة العدو ، وهو يصح في مجال السياسة وجدليتها ، فالناس تجد السير ولا تخطئ الطريق عندما تصبح البينة حسية .

المحور الرابع هو المحور الدبلماسي . إن إقامة علاقات مع القوى العربية والإسلامية الداعمة لتحرير العراق أمر مهم وضرورة جهادية ، وإن في خارج العراق قوى عربية وإسلامية تعيش الهم العراقي بكل جوارحها ، كما أن خارج العراق قوى تكيد للعراق وأهله ، وفيهم من العبيد الغلاظ الذين لا يعصون لأمريكا أمراً ويفعلون ما يؤمرون ، وغالبية هؤلاء في الجانب الرسمي في البلاد العربية والإسلامية وأجهزتها " الأمنية " . هم سدنة الاحتلال ورسل الشر والجريمة في الخارج ، وتجربة الجزائر غنية بالنماذج الاخطبوطية التي شوهت الجهاد والعمل السياسي الجزائري حتى كبر الفتق على الراتق .   من هنا يجب على الذين يكتبون عن الشأن العراقي أن يتأكدوا من المعلومة قبل نشرها ، وأن يتعاونوا فيما بينهم لتمحيص الخبيث من الطيب ، ويسهموا بتوعية الناس بأساليب التضليل والخداع ويكونوا ، على الأقل ، لسان صدق لشعب مجاهد وأمة مناضلة ، وكل مانفعله هو قليل فيما يجب فعله . لو صرف أهل الثراء بعض فضول أموالهم في دعم الكلمة الصادقة والبيان الحصيف ، لبارك الله لهم في مالهم ، وأسدوا للأمة خيراً .

أثناء كتابتي هذا البحث طالعتني الصحف بخبر يثير الدهشة ويبعث عل الحيرة وهو : أن مكتب السيد آية الله السيستاني دعا إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات المزمع عقدها في العراق قبل زوال الاحتلال  . وهذا اجتهاد له وعليه . أما أن يعلن المكتب أن عدم المشاركة بالانتخابات المقبلة يدخل صاحبه في جهنم ، والعياذ بالله ، فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً . من ضرورات الإيمان بالغيب التسليم به ، والقول : هذا في الجنة وذاك في النار من الأمور الغيبية التي لا يملك أحد من الناس أن يجزم أو يتأول بها ، حتى الإنبياء المعصومين ، لا يحق لهم قول مثل هذا القول ، ولا أعتقد أن رجلاً مثل السيستاني ، قضي حياته بالعلم والفتيا يسمح لنفسه أو لغيره أن يتفوه بمثل هذا القول المرفوض شرعاً وغير المقبول عقلاً ، فضلاً أنه يعيد للأذهان قصة صكوك الغفران التي قصمت ظهر الكنيسة الكاثوليكية ، وأفقدتها المصداقية . . إن كل مسلم ، شيعي أو سني ، يعرف أن الأمام علي ، كرم الله وجهه ، لم يسمح لنفسه أن يقول بالخوارج ، الذين خرجوا عليه وناصبوه العداء قولاً مماثلاً لما نقل عن مكتب السيستاني : أن عدم المشاركة بالانتخابات العامة تدخل صاحبها جهنم . بل قال فيهم مقالته المشهورة " طلبوا الحق فأخطؤه " . صحيح أن الرجل بلغ من العمر عتياً ، ولكن لا نسمح لأنفسنا أن نقول أن الرجل أصبح خرفاً لا يعي ما يقول ، والدين على كل حال ليس اتباع رجل ، بل يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال ، كما قال الإمام علي ، رضي الله عنه . ويبدوا لنا أن بعض القوم أخذوا بفقه اليهود وجعلوا الدين اتباع رجل يصنعونه على أعينهم وحسب أهوائهم ويكرهون الناس على اتباعه بزخرف قولهم وخبث مكرهم . من قال أن الانتخابات ؛ عقدها والمشاركة بها أو عدم المشاركة بها من أمور العقيدة يكون عدم المشاركة بها من الكبائر التي تدخل صاحبها بالنار ؟ من أين جاء هذا العلم ؟ . الانتخابات من الأمور المحدثة ، وقد تكون من الطيبات ، التي يندب الأخذ بها ، لمعرفة من ترتضيه الأمة ليقوم بدور الولاية نيابة عنها ، كما كان شأن سراة القوم في العهد النبوي والراشدي . إذا استمر هؤلاء القوم بالإستخفاف بعقول الناس وعقائدهم وجعلوا الدين مطية الدنيا وأفتوا لأنفسهم مالم ينزل الله به سلطاناً ، فسيتبؤون خزي الدنيا ، ونوكل أمرهم إلى الله .

* باحث في الفقه السياسي الاسلامي المعاصر

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ