ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 25/12/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المشروع السياسي لسورية المستقبل

نموذج واعد لديمقراطية الإخوان

بقلم: إسماعيل أحمد*

ارتبطت العلمانية في بلاد الغرب بالديمقراطية، وكان "الحياد" الديني العلماني لدى الغربيين يعني فسح المجال لغير المتدين بممارسة العملية الديمقراطية على قدم المساواة مع المتدين، ومن هنا كانت العلمانية ظهيرا للديمقراطية، تعززها وتحميها من المصادرة على حق الآخر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا تحت ذريعة الدين أو العنصر أو الجنس..

في العالم العربي انسلخت العلمانية عن هذا الدور المعزز للديمقراطية، وتخلت عن هذا البعد الأساسي في كيانها. نظرا لتقديرها، أنه سيكون بمثابة تدمير للذات في البيئة العربية والإسلامية !!

وفي تجربتها التي استغرقت تاريخ دولنا القطرية منذ التأسيس، غدت العلمانية حليفة استراتيجية للاستبداد بكل صوره (السياسي والفكري والعلمي)، فلا حق في ممارسة ديمقراطية إلا من خلال بوابة العلمانية! وفي الأنموذج التركي ومن ثم الجزائري مثال واضح على رفض العلمانية الديمقراطية (للإسلامي) وإن تردى الثوب الديمقراطي وقبل خياره.!

هذا القران العرفي (غير الشرعي) بين الديمقراطية كحق، والعلمانية كشرط، إضافة لعوامل تتعلق بالديمقراطية نفسها ، هل هي أيديولوجيا بديلة؟ هل تشريع الشعب مطلق بلا مرجعيات ثابتة؟ ما هو موقفها من الهوية والدين؟ إضافة لارتباطها منذ تأسيسها في مجتمعاتنا بالاستعمار الذي استباح كل شيئ زاعما أنه سيحقق لنا الحرية!  لولا أن ظلالها في المنطقة عكست أنماطا من الاستبداد الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي يسيطر على عالمنا الإسلامي ودول العالم الثالث! إضافة لنظرة تأملية إلى ارتباطها في فترات ازدهارها بالرأسمالية والإقطاع، سواء في منطقتنا أو في العالم المتحضر، حيث تغدو المؤسسات السياسية بكل دوائرها تابعة للمؤسسات الاقتصادية! تأتمر بأمر مديرها وتشرع لهم، وتحرص على مصالحهم! فالرئيس والوزير وعضو البرلمان، كل هؤلاء ما هم إلا موظفون صغار عند مديري الشركات المتعددة الجنسيات، وأصحاب رؤوس الأموال، يعملون بأمرهم، ويسهرون على مصالحهم، وهم لم يصلوا إلى مواقعهم أصلاً إلا بأموال هؤلاء!

كل هذه العوامل جعلت الإسلاميين وكثيرين غيرهم يتحفظون على الديمقراطية بادئ الأمر...

كانت (الديمقراطية) في نظرهم جزء من نهج رأسمالي علماني ليبرالي، وكان من العسير على المتحفظين والرافضين أن يراهنوا على تجريد الآلية الديمقراطية الغربية عن مرتكزاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وكان في مقدمة إعراض الإسلاميين عن الاستئناس بـ (الديمقراطية)، أنها ارتبطت بليبرالية فوضوية، معطية للإنسان حق التشريع المطلق في كل أمره! حتى غدا الهوى تشريعاً، والشهوة قانوناً، وأنجبت الديمقراطية هذه: رأسمالية بشعة قامت على الاستغلال، وهدر  الحقائق الإنسانية لحساب المصالح المادية الضيقة لفرد متمكن بفعل سلطة، أو موقع، أو فرصة حظ، كما أنجبت على الصعيد الاجتماعي انحلالاً وانحرافاً، وخروجاً على معالم الفطرة الإنسانية، أطلقت العنان لرغبات الناس، وقوضت الأسرة، وحرمت الأطفال القادمين إلى الحياة من حضن الأمومة الحاني، ورفيف الحياة الأسرية الهانئة، قدست المتعة، وازدرت الواجب والمسئولية، وحَكّمَتْ الحسابات المادية بأخص خصوصيات الحياة الإنسانية.

وهذا ما جعل كثير من الإسلاميين يتخذ موقفا رافضا أو متحفظا على استخدام مفردة (الديمقراطية)، مع قبول شريحتهم العريضة لممارستها كآليات نافعة تحت عنوان (الشورى)!

غير أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية كان لها نظرة تكميلية ترفع الحرج عن استخدام العبارة، في إطار ضوابط بينة، إذ رأت أن رفضها بالمطلق، يغري تلقائيا أو بشكل غير مباشر تعلى تكريس واقع الاستبداد والشمولية والقمع الذي يعاني منه عالمنا العربي والإسلامي! 

نعم كان البديل أن نستخدم مصطلحا مطهرا من لوثات العلمانية والليبرالية والرأسمالية، وكانت (الشورى الإسلامية) مهيأة لتعبر عن هذا البديل الذي يهدف إلى أن يخرج الأمة من بؤرة الاستبداد الذي جمد كل طاقات الوطن واستنزف خيراته.

 فالشورى بدوائرها التشريعية العليا تقوم على مرتكزات صلبة اصطلح على تسميتها بالحاكمية، وهو إطار مرجعي إلهي يضبط سلوك الفرد والمجتمع، وأطر التشريع العامة، في عالم من الخيارات المتعددة والمفتوحة على الزمان والمكان والمصالح والأحوال.

غير أنه في دائرة خطاب العصر، وشيوع معنى الديمقراطية، ومن منطلق دعوي وفقهي، ارتضى الإخوان أن يعبروا إلى الشورى من بوابة الديمقراطية، فقد رأوا بوصفهم دعاة إلى الله سبحانه وتعالى، أن فرض نظام أو قانون لايتم بقوة السلطة المادية والمعنوية، وبهذا انحازوا إلى خيار مخاطبة للناس بما يعقلون، حرصا على جوهر الممارسة الذي ثبت نفعه وجدواه، بعيدا عن الجدل في الاصطلاح الذي لا مشاحة فيه..ومن هنا كان استخدام الإخوان المسلمين لهذه المفردة (الديمقراطية) مبكرا، ومارسوها وفق تصور محدد، وهو أنها آليات مجردة من أي محتوى أيديولوجي. 

 ففي الجلسة الرابعة للجمعية التأسيسية بتاريخ 27 كانون الأول 1949 مثلا، قال السباعي رحمه الله: (إننا نريد لوطننا نظاما شعبيا ديمقراطيا يقوم على إرادة الشعب، وتتمثل فيه إرادة الشعب)، وفي هذا المعنى يقول في كتابه: (هكذا علمتني الحياة): (إن الإخوان المسلمين لن يتساهلوا أبدا في محاربة كل حركة تقضي على الحكم الشعبي الجمهوري الدستوري في سورية).

في المشروع السياسي لسورية المستقبل استخدمت مفردة (الديمقراطية) عشر مرات، وقد وضح المشروع مراده من الديمقراطية بأنه: (الديمقراطية الإجرائية والآليات الديمقراطية المرتبطة بها، والمتمثلة في الحكم النيابي الدستوري، المستند إلى التعددية الحزبية والانتخابات الحرة وصناديق الاقتراع، باعتبارها وعاء عصريا، وآلية لممارسة الشورى). 

وقد برزت المفاهيم الديمقراطية التالية في أطروحات المشروع: (الجماعة تريده تغييرا سلميا  ديمقراطيا يستند على الحوار الذي لا يستثني أحدا على الساحة السورية، إذ لا يمكن لأي طرف من الأطراف أن يظل بعيدا عن التغيير الذي تتوقف عليه طبيعة المرحلة المقبلة وأهدافها وأولوياتها، وإبعاد أي فريق يعني حرمانه من حق المشاركة في تشكيل المستقبل وضمان مصالحه الأساسية فيه.) كما في قوله: (الاحتكام في العمل السياسي لصناديق الاقتراع، واعتماد آليات العمل الديمقراطي.).

والحقيقة أنه في سياسات المشروع بدا أن الإخوان يتقبلون الوسائل والأفكار الديمقراطية بآفاق رحبة، تحت سماء: (الحاكمية لله، والسيادة للقانون، والسلطان للأمة)، غير أنه ربما يحق للمتابع أن يكون متشككا من هذه المقولات النظرية، خاصة من جرب تلاعب الأنظمة الشمولية بهذه المفردات والشعارات، فقد عرف شعبنا ما هي الحرية وما هي الديمقراطية التي تجعجع بها السلطة البعثية! وكيف تتحول المبادئ الدستورية والانتخابات التشريعية وسائر مظاهر الدولة الحديثة إلى ديكور جميل لواقع استبدادي فاسد وشمولي! ها هنا كيف لنا أن نختبر حقيقة الممارسة الإخوانية لهذه الشعارات التي يتبنونها ويتبناها غيرهم؟ إنهم لم يتسنموا سلطة في سورية ولم يشاركوا بها حتى نحكم عليهم من خلال مثل هذه الممارسة، وحتى تلك التجربة التاريخية التي خاضوها أيام السباعي والعطار ربما نسوها بعد أن خاضوا تجربة ثورية دفعهم إليها نظام البعث!

كانت آلية إقرار المشروع السياسي لسورية المستقبل في مؤسسات جماعة الإخوان برهانا حقيقيا على تمسك الجماعة بالممارسة الديمقراطية مهما كانت النتائج، ولعلي أستشف من هذه  الآلية ما يمثل التجربة الواقعية لهذا الأطروحات الإخوانية، كمتابع في قواعد الإخوان المسلمين قدر لي أن أطلع على الطريقة التي سار بها المشروع، منذ أن كان فكرة حتى أقره مجلس الشورى وأعلنه المراقب العام، وكنت منشرحا جدا للروح الجماعية التي سار بها، حتى أن عرضه وتريث القيادة في استجلاء الآراء وجمعها وتقويمه على ضوئها كان أحد أبرز أسباب تأخيره قرابة ثلاثة سنوات!

فالمشروع ابتداء لم يكن جهد فرد، بل كان عملا جماعيا بمعنى الكلمة، ومع هذا حرصت مكاتب الجماعة التنفيذية على عرض المشروع على أوسع قاعدة من قواعد الإخوان، وعلى غيرهم من الإسلاميين ومن سائر الاتجاهات داخل سورية وخارجها، حتى شمل المئات من القواعد الإخوانية، وردت منها عشرات التعقيبات والتصحيحات، تفاوتت ما بين أغلبية تؤيد الروح العامة لأطروحاته وإن سددته في بعض ما طرح، وبين قلة اعترضوا عليه جملة، معتبرين ذلك ردة عن نهج الجماعة! بل بالغ البعض واعتبره رضوخا لإملاءات السلطة!! بينما اتخذ فريق محدود منهم أسلوبا تصعيديا ثوريا إعلاميا يدعو للانقلاب على قيادة الجماعة وإصلاح أوضاعها...

وفي مراحل الصياغة الأخيرة عرض المشروع خارج الصف الإخواني، وعلى شرائح وطنية متعددة، كثير منهم من خارج الاتجاه الإسلامي، وبعضهم من غير المسلمين أصلا، ولم لا؟! وحين كان يتساءل بعضنا عن جدوى استجلاء آراء غير المسلمين في مشروع كان يسمى ابتداء بالمشروع الإسلامي الحضاري، كان جواب قيادة الجماعة محددا وواضحا: أليس مشروعنا مشروعا وطنيا عاما؟ أليس من حق الجميع أن يجد في المشروع ضمانة ورعاية حقيقية لحقوقه؟

طرح المشروع على أطياف الاتجاه اإسلامي، فشمل توزيعه قبل اعتماده مشايخ من طرق واتجاهات وجماعات ودول إسلامية مختلفة..

كما وزع على نطاق واسع داخل صف الإخوان، ولا أعلم في قواعد الإخوان شخصا يملك بريدا إلكترونيا، أو يحضر اجتماعاته التنظيمية إلا ووصله المشروع أو عرض عليه بشكل من الأشكال قبل أن يقر المشروع بأشهر، مع التوصية بإبداء وجهات النظر للتقويم والإنضاج...

ثم بعد هذه العملية الموسعة في جمع الملاحظات، تمت صياغة المشروع صياغة مناسبة، استفادت من آراء الجميع، ثم عرض على مجلس الشورى وهو أعلى سلطة في الجماعة عدة مرات وكان يحظى بتأييد واسع، حتى أنه أقر بأغلبية مريحة جدا في آخر المداولات بشأنه قبل ثلاثة أشهر تقريبا.

من خلال متابعاتي الخاصة لم أقع على مشروع إخواني سابق، حظي بمثل هذا التعميم والممارسة الديمقراطية والتداول والتقويم، وأرى أن هذه الممارسة الشوروية الإخوانية، ممارسة واعدة بمستقبل إخواني أفضل إن بقيت في هذا المستوى المشرف. وأنها أصدق برهان على جدية الجماعة في اعتماد أفكار المشروع، وكم كنت سعيدا بقرار قيادة الجماعة الذي أوصى مكاتب الجماعة وإداراتها ولجان التربية والتوجيه فيها، باعتماد منظومة أفكار المشروع وقيمه في مناهجهم التربوية لتتمثلها قواعد الجماعة فكرا وسلوكا وممارسة

لديمقراطية المشروع التي دعا لها وتمثلها كلمة وفاء أقولها للقائمين على أمر الجماعة بصدق ودون مجاملات... وهو نداء في الوقت نفسه لكل من يقف عقبة في طريق الديمقراطية تحت ذريعة أن الإسلاميين يتسنمون حصن الديمقراطية ليقوضوه من الداخل بعد أن يستتب لهم الأمر!

ولأجل دعاوى زائفة كهذه يحللون لأنفسهم المبادرة بتتزوير الديمقراطية وملأ صناديقها بالنتائج ذات التسعات الخمس!! وفي هذا الادعاء المفترى، كما في هذا التصرف المقيت، مصادرة على المطلوب، تجعل الاستبداد المتوقع مسوغاً للاستبداد القائم!! من هنا أبدى المشروع السياسي لسورية المستقبل في معرض حديثه عن الديمقراطية والتعددية، استهجانه واستغرابه من دعاوى المصادرة المستبدة فقال في صفحته الثلاثين: (إنه لمن المستغرب، أن يصادر بعض الديمقراطيين (العلمانيين) على الديمقراطية، فيضعوا شروطاً مسبقة للأسس العامة لتكوين الأحزاب السياسية، وذلك  باستبعاد الأحزاب الإسلامية التي تقيم بنيانها على عقيدة الإسلام، وتشتق برامجها السياسية من شريعته، وهذا ينافي قيمتين أساسيتين من القيم الإنسانية، وهما الحرية والمساواة. فأما منافاته للحرية فلأنه مصادرة لحق سياسي مشروع، وأما منافاته للمساواة، فلأن هذه المصادرة الانتقائية تحرم المواطن المتدين من ممارسة حقه وحريته السياسية، في حين يتمتع غير المتدين بذلك دون حرج!)

ولن يتسع المقام هنا لمناقشة الدعاوى الهزلية التي تساق لتسويغ المنطق المعوج، غير أن نشير إلى أن هذا الموقف هو تعبير مسبق عن الإحساس بالهزيمة أمام قوة الحق التي مازال خلفاء أتاتورك يسوقون الأمة بعيداً عنه منذ مطلع هذا القرن.

المشروع السياسي لسورية المستقبل يدعو لديمقراطية تسع الجميع، فكلنا شركاء في هذا الوطن، وكلنا حريص عليه، وكلنا يتأذى من وصاية فصيل منه على فصائل أخرى! فضلا عن هيمنة حزب على الدولة والمجتمع... ولا أجمل من تلك الخاتمة التي أنهى إليها مشروع سورية المستقبل كلامه حيث قال: (وجماعة الإخوان المسلمين إذ تتحمل مسؤولياتها للبدء في خطوات التنفيذ العملي لهذا المشروع، فإنها تطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم أيضا، بمد يد التعاون لما فيه خير سورية الوطن والمواطن، في أجواء من الحرية والتنافس الديمقراطي الشريف.).

*باحث سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ