ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 07/08/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من يحاسب من ؟

نواب من حزب البعث يجمعون تواقيع لاعتماد قانون "محاسبة أمريكا" ..

بقلم: الطاهر إبراهيم *

نظرياً هناك في سورية مجلس للشعب "برلمان"، يجدد كل أربع سنوات. أما واقع الحال فإن هذا البرلمان غير موجود على الصعيد الوطني والسياسي. لماذا؟ هذا السؤال يجيب عليه المواطن السوري بتلقائية، خصوصا إذا كان هذا المواطن ممن أدرك مجالس النواب منذ بداية عهد الاستقلال، وحتى قيام الوحدة مع مصر عام 1958 من القرن الماضي.

ولعل من لا يزال حيا من جيل "حقبة الاستقلال" ما يزال يذكر حيوية تلك المجالس وما كان يجري فيها من نقاشات ساخنة بين نواب الكتل النيابية (حزب الشعب، الحزب الوطني، الاشتراكيين، الإسلاميين)، التي ربما انتهت باشتباك بين النواب بالأيدي أو بالكراسي، ما اضطر أحد رؤساء تلك المجالس أن يأمر بتثبيت الكراسي على الأرضية تحت قبة البرلمان، تفاديا لما يمكن أن يحصل.

حكومات تلك الحقبة التي كان يصفها إعلام حزب البعث بأنها حكومات رجعية، كان يقف فيها الوزراء أمام نواب "البرلمان"، يتصبب العرق من وجوههم، يكاد يرتجف أحدهم كما يفعل الطالب أمام أستاذه، بعد أن ضبطه متلبسا في الغش في الامتحان.

ولعل الذاكرة ما تزال تحتفظ في تلافيفها، كيف وقف "حكمت الحراكي" وزير المواصلات، أمام أعضاء مجلس النواب، بعد أن وُجّه إليه الاتهام بشق طريق زراعي إلى قرية "الهلبّة" وما جاورها من قرى في منطقة معرة النعمان، كانت "للحراكي" فيها أملاك، مع أن التهمة كانت كيدية ولم تثبت عليه بشكل قطعي.

وقارن - إن شئت أيها القارئ - هذه الحادثة بما أشيع، مؤخرا، عن ملف اتهام بالفساد يتعلق (بتعديل في أتوتستراد يمر في منطقة "التل"، بلدة الأستاذ عبد الله الأحمر الأمين العام المساعد لحزب البعث، كلف الخزينة نحو 400 مليون ليرة سورية، لكي يمر بالقرب من منزل وأراض يملكها، وهو ما رفع سعرها أضعافاً مضاعفة .. انظر أخبار الشرق 20/7/2004)، وزاد بالتالي في كلفة الطريق، مع أن اسم الأستاذ الأحمر أقل الأسماء تداولا في سوق مافيا الفساد في سورية.

جلسات مجالس الشعب، ومنذ أول مجلس في عام 1974، اتسمت بكل ما يبعث على الهدوء والشاعرية، حتى لكأنك في ناد من نوادي لاعبي الشطرنج. كل شيء يجري فيه بانسجام كامل، حتى لتشعر كأن النواب نسخة واحدة، تم استنساخها عددا من المرات يساوي عدد أعضاء مجلس الشعب. أما عملية التصويت فتتم بإيقاع موسيقي متناغم .. من يوافق؟ .. العدد إجماع .. حتى بمن فيهم الغائبون عن الجلسة!

مرت في ذهني هذه الأفكار، وأنا أتابع ما يقوم به أعضاء في مجلس الشعب الحالي، نشطوا لجمع تواقيع - بلغت حتى بداية الأسبوع الثالث من تموز أكثر من 130 نائباً - على مشروع قانون سماه بعضهم "قانون محاسبة أمريكا" .. تصوروا محاسبة أمريكا دفعة واحدة!

وعاد ذهني سريعاً إلى ما قبل ثلاثة شهور عندما وافق الرئيس الأمريكي جورج بوش على وضع قانون "محاسبة سورية" موضع التطبيق، وكيف أن رموزا كثيرة في حزب البعث وفي الحكومة وفي أجهزة إعلام النظام، قللوا كثيرا من التأثير السلبي لهذا القانون. ثم جاءهم من ينصحهم بخطأ سلوكهم هذا، لأن أمريكا تريد فعلا أن تضيّق على النظام السوري، وأنها قد تزيد من الجرعة العقابية وتنتقل بها إلى التضييق السياسي الأكثر نفاذا، إذا شعرت بأن العقوبات لم تكن مؤثرة. ثم سمعنا بعدها وقرأنا أن رموزا في نظام الحكم، صرحوا بأن سورية تتأثر فعلا بقانون "المحاسبة". وكأن القضية كلها لعبة "كشتبان". فما لم نجده تحت "كشتبان" التهوين من شأن العقوبات الأمريكية، قد نجده تحت "كشتبان" إظهار الجزع منها.

الشعب السوري كله مع الوقوف في وجه الابتزاز الأمريكي، على أن يكون هذا الموقف موقفا مبدئيا، مبنيا على حسابات وطنية، لا على حسابات ضيقة، همها الأول الحفاظ على بقاء نظام الحكم في السلطة، ولو ترتب على ذلك التفريط بالكرامة الوطنية.

المواطن السوري له رأي آخر في الموضوع. فهو يسمي أعضاء مجلس الشعب "نواب المرسيدس". لأن الدولة تسمح لمن يصبح نائبا بشراء سيارة مرسيدس معفاة من الجمارك. هذا من حيث التصنيف. أما من حيث طريقة وصولهم إلى المجلس، فإن أكثر من النصف تعينهم القيادة القطرية من بين البعثيين، والربع الثالث "كوتا" ممنوحة لأعضاء أحزاب في الجبهة الوطنية التقدمية، وأقل من الربع هم من المستقلين المرضي عنهم في دائرة صنع القرار البعثي في كل محافظة.

وعلى هذه الخلفية فإن المواطن السوري يعتبر أن هؤلاء النواب غير مؤهلين لاتخاذ أي قرار يتعلق بالمصلحة الوطنية. ولذا تسمعه يتمثل بقول الشاعر:

ومكلف الأشياء ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار

ويضيف قائلا: إن مجلسا للشعب تم اختياره حسب الأجندة السابقة، لم يخطط له لكي يصنع سياسات، وإنما "ليبصم"على السياسة التي تريدها القيادة السياسية في سورية. ويزيد محدثك تفصيلا فيقول: كنا نرى رئيس مجلس الشعب كأنه الخروف "المرياع" الذي يضع الراعي في عنقه "جرسا"، وكل أعضاء مجلس الشعب يمشون على صوت جرس المرياع. أما ما كان أكثر من ذلك، فليس من مهمة هذا المجلس.

وإذا حدثتْ أحدَ النواب نفسُه أن "يتفلسف" ويذكّر رئيس المجلس باللائحة الداخلية للمجلس، فإن هذا الرئيس "المرياع" يهزه الجرس في وجهه، إشعارا له بأن "نفسه الأمارة بالسوء" قد تجاوزت حدود المسموح به.

أما أن تتهم بالفساد رموزا أو مؤسسات عليا في النظام، حتى وإن لم تسمهم، فإنك تكون قد جئت أمر إدّاً، وتجاوزت كل الخطوط الحمر. وعندها ستقوم قيامة من يفعل ذلك، كما حصل مع "رياض سيف"و "مأمون الحمصي"، (مسّاهما الله بكل خير) عندما خرجا عن الطريق التي رسمها الرئيس "المرياع"، فألقي بهما في السجن، ومن رأى العبرة بغيره فليعتبر.

يا إخوتنا يا حبايبنا النواب:

أمريكا قوة جبارة غاشمة منفلتة من عقالها. من صانع سياستها بمعزل عن شعبه، فقد دخل بيت الطاعة، وليس له أن يقف في وجهها ليقول لها لا! وويل لمن أراد أن يتمرد فقد حكم على نفسه أن يوضع ضمن محور الشر.

الذين قالوا لها "لا" قالوها وقد تسلحوا بشعبهم يسندهم ويقف معهم في وجه أمريكا. ظهورهم محمية لا يخافون من عدو الخارج بعد أن رصوا الصف الداخلي. هذا هو الطريق، وليس هناك من طريق غيره. كما أن سياسة الترقيع - عين على أمريكا وعين على كرسي الحكم - لا تجدي ولا تنفع على المدى الطويل.

يا إخوتنا يا حبايبنا النواب:

إن أمريكا ليست أخطر من سوس الفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة، حتى أصبح أكثرها خارج الخدمة، والباقي يعمل بأقل من نصف طاقته. وهي بعبع أجوف، لا يخيف إلا الأنظمة التي لم تأت إلى الحكم من خلال الخيار الديمقراطي. ولذا نحن نتساءل ويتساءل معنا كل المخلصين من أبناء الشعب السوري، الذين تزعمون أنه انتخبكم: ألا يستحق هذا الشعب أن تستشيروه في قضايا خطيرة تمس أمنه وسلامته؟ أم أن هذا الشعب هو آخر من يعلم، ولا يحق له أن يبدي رأيه في مصيره المهدد بالخطر؟

يا إخوتنا يا حبايبنا النواب الكرام:

سورية بحاجة إليكم في ما هو أهم من قانون "محاسبة أمريكا". سورية تتعرض لما هو أهم وأخطر من تهديد أمريكا لها، لأن معاول التخريب بدأت في اجتثاث أرومتها قبل أغصانها، بعد أن بقيت أربعة عقود عرضة لسياسات ارتجالية، لا ترى أبعد من أنف مصلحة أكثر رموز الحكم.

المواطن السوري يسأل: كيف نحاسب أمريكا ونحن نستجدي رضاها؟ وكيف نحاسبها وما يزال عناصر من (سي آي إيه) ينقبون - بإذن رسمي سوري - في آثار قلعة حلب عن آثار "محمد عطا" القائد المزعوم لتفجيرات 11 سبتمبر؟

لعل القانون الواجب دراسته في مجلسكم الموقر، يا حبايبنا الكرام، هو قانون "محاسبة من أوصل سورية إلى ما نحن فيه؟"

__________ 

* كاتب سوري مقيم في المنفى، عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ