ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/06/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


النفس العربية المقهورة

الدكتور عبد الفتاح دويدار*

        كان للسينما الفضل في تعريف الجمهور إلى الجوانب السوداء لاستخدام العلوم النفسية في الميدان السياسي. وهو استخدام محفوف بالغموض و السرية. فقد ظهرت أفلام عديدة تصدت للموضوع وعرفت نجاحا جماهيريا واسعا أدى لطرح مسألة أخلاقيات استخدام المعارف النفسية في المجال السياسي. من أنجح وأهم هذه الأفلام نذكر:

      البرتقالة المعدنية: حيث لا يمكن لمشاهد هذا الفيلم أن ينسى تلك النظرة اليائسة، وذلك التعبير عن الرعب الذي يظهره بطل الفيلم أمام محاولة سلبه لإنسانيته بتحويله إلى مجرد مجيب آلي على الإثارات التي تعرض أمامه. وصولا لاستغلاله وتحويله إلى خاضع للقواعد التي يفرضها عليه عالم النفس (المعالج بالطريقة السلوكية) والتي تمليها جهات سياسية وليس علمية. وفي النهاية ينجح علم النفس السلوكي في شفاء هذا المريض ؟.

      شارلي: في هذا الفيلم إدانة للرغبة في إنتاج الإنسان العبقري المتفوق. حيث يمكن للمجموعة المنتجة لهذا الإنسان أن تتحكم في العالم. وبطل الفيلم شارلي يخضع لعملية غير مؤكدة النتائج ترفده بذكاء اصطناعي لبضعة شهور. مشاهدو الفيلم يذكرون تلك النظرة الفارغة الخاوية من التعابير، والمليئة بالحمق، التي رافقت تمتع البطل بجرعات ذكاء اصطناعية ؟.

      طيران فوق عش الكوكو: حيث الظهور الشعبي للبطل بعد تعرضه لعملية جراحية تهدف إلى شفائه !؟.

      إن هذه الأفلام، وكثيرة غيرها، أعادت طرح حقوق الإنسان فتخطت مسألة حريته إلى مسألة كرامته. بل هي تخطت كرامة الفرد إلى طرح قضية كرامة النوع البشري. فماذا يبقى من هذه الكرامة إذا ما استبيح الدماغ الإنساني عبر عمليات جراحية والعقل عبر برمجة تفكيره وتقنين تصرفاته والمجموعات البشرية عبر استغلال نقاط ضعفها وحساسياتها كي يتم توجيهها بالاتجاه المناسب لأحد الأطراف. سواء كان دولة أو فكرا أو فردا أو مجموعة بشرية متمايزة.

      لقد جرى التركيز الإعلامي المكثف خلال عقود على إساءة استخدام العلوم النفسية (الطب النفسي خاصة) في الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية سابقا. حيث كان المعارضون السياسيون يحولون إلى المصحات العقلية وهنالك توضع لهم التشخيصات المناسبة لبقائهم في هذه المصحات. حتى أدى هذا التركيز إلى رفض عضوية الاتحاد السوفياتي في الجمعية العالمية للطب النفسي (قبلت عودته إليها في مؤتمر أثينا العام 1989).

      في المقابل فقد تكتمت الولايات المتحدة وعدة دول غربية أخرى على إساءة استخدامها لهذه العلوم بدءاً من استخدام مخدرL.S.D. في التحقيقات (مما أدى إلى انتشاره في ما بعد كمخدر) و وصولا إلى الجراحة الدماغية مرورا باستخدام السيكولوجيا الجماعية وتسخيرها في خلق الإيحاءات التي تدفع الجمهور بالاتجاه المناسب للسياسة الأميركية. وهذا ما دفع المفكر الأميركي نعوم تشومسكي لتخصيص فصل خاص في كتابه "قراصنة وأباطرة" للمقارنة بين التجاوزات الأميركية (التي جعلتها القوة و السيكولوجيا مباحة) وبين الإدانة الجماهيرية (الرأي العام الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة) للتجاوزات السوفياتية الأقل حجما ووقاحة كما يقول تشومسكي.

      لكن نقطة ضعف السيكولوجيا السياسية هي أنها تعطي مفعولا قابلاً للارتداد. فهذه الإيحاءات (الموجهة للجمهور الواسع) هي كناية عن تنويم مغناطيسي جماعي لكنه مؤقت. فلو نحن عدنا إلى فترة فضيحة نيكسون المسماة ب: "ووترغيت " لرأينا أنها كانت مناسبة أفاقت الجمهور الأميركي من غفوته المغناطيسية وجعلته يراجع إيحاءات السلطة فظهرت عندها انتقادات مكثفة. يقول البعض أنها كانت موجودة لكنها لم تكن تجد مستمعين. فظهرت في تلك الفترة مجموعة من الكتب التي تفضح الاستخدام السياسي السيئ للسيكولوجيا ولغيرها من العلوم الإنسانية وتسخيرها لخدمة مصالح النخبة الأميركية. ثم جاءت فضائح كلينتون بدءا من الفضيحة المالية "وايت ووتر" وصولا إلى الفضائح الأخلاقية. والتي بدورها أيقظت حاسة النقد لدى المواطن الأميركي ولكن بفوارق ملحوظة. إذ أن هفوات نيكسون شكلت تحدياً للمفاهيم الليبرالية الأميركية في حين كانت هفوات كلينتون اقرب إلى الشخصية منها إلى العمومية والمبدئية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في الحالتين هو: ما هي السلطة الخفية التي تتصدى لأعلى مراكز السلطة الأميركية وتسيطر عليها؟ وما هي دوافع هذا التصدي وخلفياته؟.

 على أية حال فان أصعب أزمات علم السياسة هي تطور فروعه على حسابه كأصل. إذ أن علم السياسة التقليدي خسر مكانته تدريجيا بسبب السرية المحاطة به والتي حاولت تكريسه كموهبة غير قابلة للتدريس. في حين تمكنت العديد من الفروع المنتمية أصلا إلى علم السياسة من تكريس أكاديميتها و قابليتها للتدريس وللقياس العلمي. و هكذا تطورت علوم من نوع علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والاقتصاد والإحصاء وحتى المستقبليات على حساب علم السياسة. الأمر الذي أدى إلى تراجع المفهوم الشمولي لعلم السياسة وحوله إلى مجموعة غير متماسكة تدعى بالعلوم السياسية. ومن هنا القول أن التعمق في دراسة أي موضوع سياسي يقودنا للاستعانة بعلوم أخرى حتى تبدو السياسة وكأنها منساقة قسراً لهذه العلوم.

      هذا الانسياق يبرر تنوع وتفرع التطبيقات التي يوردها الدكتور محمد احمد النابلسي في كتابه " النفس المقهورة - سيكولوجبة السياسة العربية " . كما يشرح العلاقة التبادلية المعقدة بين السياسة وعلم النفس ويفسر وجود علوم وسيطة بينهما.

      هذا ويبدأ الكتاب بفصل أول يشكل مدخلا إلى علم السياسة يتبعه المؤلف بفصل عن المستقبليات يتضمن عروضاً لعدد من أهم نظريات وكتب المستقبليات مع شرح أو إشارة إلى رؤية شخصية أو عربية من هذه الطروحات. ويتضمن الفصل الثاني عروضا نقدية للكتب المستقبلية التالية: أ- تحول السلطة (توفلر) و 2- نحو بناء حضارة جديدة (توفلر) و3- صدام الحضارات (هنتنغتون) و 4- تآكل المصالح الأميركية (هنتنغتون) و5- الألفية الجديدة (أتالي) و6- الإسلام والغرب (هاليداي) و 7- نهاية العلم (بارتنح) و 8- الأبعاد الدولية للصراع الداخلي (براون) ر 9- الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية (غارودي) و 10- مثلث الشؤم (تشومسكي) و 11- قراصنة وأباطرة (تشومسكي) و 12- النظم العالمية (تشومسكي) ر 13- اله المعارك - الحروب المقدسة (بارتز) و 14- العولمة (فيرانديزي) و15- النظر غير المتساوي. ولقد اخترنا لهذا الفصل عنوان "المستقبليات بين السيكولوجيا والسياسة". أما الفصل الثالث من هذا الكتاب فهو بعنوان: "السياسة بين الفردية والعولمة" ويتضمن المواضيع التالية: 1- سيكولوجية المعلومات و 2- العولمة والمعلوماتية هذا المزيج القاتل و 3- الانهيارات المالية في البورصات- الفردية تهدد العولمة و 4- ثقافة الطفل العربي في الألف الثالث.

      ويحمل الفصل الرابع عنوان "سيكولوجية الصراع العربي- الإسرائيلي " ويتضمن: 1- سيكولوجيا الأسطورة في الإرهاب الصهيوني و 2- الأساطير الإسرائيلية المؤسسة لتنفيذ القرار (425) و 3- إعادة تصدير اليهود العرب و 4- الهوية الإسرائيلية و5- دينامية الرأي العام العربي و 6- نهاية الأيديولوجيات- فرضية ساذجة و 7 المؤرخون الجدد والخطيئة الإسرائيلية و 8 الكابوس النووي وضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.

      " العرب والنظام العالمي الجديد" هو عنوان الفصل الخامس ويتضمن: 1 " النظام العالمي الجديد والمثقف العربي و 2 " أزمات الخطاب السيكولوجي العربي و 3- صور العري الأربع و 4- قضية الأخلاق في السياسة الأميركية وه- الثورة الثانية في أميركا و 6- استعراضية اللوبي اليهودي و 7- هل الإيدز صناعة أميركية و 8- التحليل النفسي لشخصية كلينتون و 9- عبثية الراهن العلمي و10- العرب بين الإرهاب والبحث العلمي. ونأتي إلى الفصل السادس وعنوانه (سيكولوجية الكوارث العربية- لبنان نموذجاً ) ويتضمن: 1- الانحراف والإحصاءات الوهمية في مجتمع الحرب اللبنانية و 2- التعيين والعدائية... سياسة الجمهورية الثانية و3- سيكولوجية الزعامة في الانتخابات اللبنانية و 4- العوامل النفسية المؤثرة في الانتخابات و5- الآثار النفسية- المستقبلية لعناقيد الغضب و 6- صدمة قانا و 7- عقدة الخجل وشرعية الحياء.

      أما الفصل السابع فيحمل عنوان: الشخصية العربية في عالم متغير وهي ورقة قدمها المؤلف في مؤتمر جامعة دمشق ونشرتها مجلات: "دراسات نفسية [مصر] و "دراسات عربية" و "الثقافة النفسية" "لبنان".

      ويحمل الفصل الثامن عنوان "الشخصية العربية والوفرة الاقتصادية" وهو يربط بين الأمة (ككائن ذي استمرارية) وبين كل من السيكولوجيا والاقتصاد والسياسة.

      ثم فصل "سيكولوجية الشائعات " وهو التاسع ويتضمن: 1- تعريف الشائعة و 2- قانون الشائعة و3- تصنيف الشائعات و 4- نماذج عن الشائعة السياسية.

      ونأتي إلى الفصل العاشر والأخير الذي يحمل عنوان "السيكولوجيا السياسية في مجال الجاسوسية". ويتضمن: 1 التأثير على الوعي وفيه يتوقف الكتاب عند التعذيب الإسرائيلي وأساليبه و 2- العقاقير النفسية في الجاسوسية و 3- الجراحة النفسية و 4- غسل الدماغ و5- تجنيد الجواسيس و 6- علم نفس الحروب و 7- فخ تحويل العلماء إلى جواسيس.

      بعد كل ما تقدم سيخرج القارئ بانطباعاته الخاصة.  وقد يفيده في تكوين هذه الانطباعات أن يعلم بأن بعضهم يعتبر السياسة قمة الهرم و يرى أنها تسخر العلوم الأخرى، ومنها النفسية، لخدمتها. فهي تستفيد من هذه العلوم كافة لتدعيم قدرتها الاتصالية (بالرأي العام المحلي والخارجي وبالمؤسسات والدول... الخ) وبالتالي قوتها. في حين يرى رأي آخر بان السياسة عجزت عن التحول إلى علم حقيقي وبأن العلوم الإنسانية و الاتصالية خاصة ستأخذ منها مكانة الصدارة لتحولها إلى مجرد تطبيقات. بحيث يصح الحديث عن علم الاجتماع السياسي وعلم النفس السياسي وغيرها. وهكذا بحيث تتحول السياسة إلى مجرد ميدان تطبيقي لهذه العلوم.

     أما عن الرأيي الشخصي للمؤلف (الذي دفعه لكتابة جملة مقالات هذا الكتاب) فيقدمه على الوجه التالي: لقد وضع أرسطو السياسة في خانة العلوم التطبيقية وقرنها بالأخلاق بدءا من سلوك الشخص وتدبير الاقتصاد العائلي وصولاً إلى تشكيل المدنية (أي السياسة التي وضعها في قمة الهرم). وسواء تكلمنا عن علم السياسة التقليدي أو علم النفس (أو الاجتماع أو الانثربولوجيا... الخ) السياسي فان الأهم هو الجانب الإنساني- الأخلاقي في تطبيقاته. وهذا مهمل في التعاطي مع القضايا والمصالح العربية. انه النظر غير المتساوي الذي يحتاج للتقويم...

 هذا الرأي ورد في تقديم المؤلف للطبعة الأولى من الكتاب الصادرة عام 1999 وهو يطرح بإلحاح أكبر في ظل الظروف العربية الراهنة التي صدرت فيها الطبعة الثانية. ومع ذلك فإن النابلسي لم يتدخل بالإضافة على هذه الطبعة. فهو بحسب قوله لا يريد إدعاء الحكمة بمفعول رجعي وحسبه أنه طرح في حينه قراءات ورؤى مستقبلية تجد تحقيقها اليوم. وخاصة لجهة علاقة السياسة بالأخلاق. فالحرب تكون دائماً خاسرة إذا ما غابت الأخلاق عن ميدان المعركة. وحسب القاريء أن يتوقف عند الفصل الأخير من الكتاب ليطلع على الأصول والمحاولات التي مهدت لفقدان الأخلاق في سجن أبو غريب وغيره من المعتقلات.

*أستاذ علم النفس / جامعة الاسكندرية

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ