ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 27/01/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مذبحة جسر الشـغور

خالد الأحمـد*

في أوائل عام (1980) كانت الطليعة المقاتلة في أوج تقدمها العسكري ، وارتبك نظام الأقلية في سوريا ، وظهر ذلك واضحاً في خطاب الرئيس حافظ الأسد يوم(8/3/1980م) ، وعندئذ طلب نظام الأقلية في سوريا من الخبراء السوفييت المتخصصين في قمع الشعوب ، والذين ساعدوا ستالين على ذبـح ملايين المسلمين ، طلب منهم حافظ الأسـد دراسة الحالة السورية ، وتقديم النصائح للنظام ، ووصل عدد من هؤلاء الخبراء المجرمين ، وتجولوا في حماة وغيرها ، وتعرفوا على أوقات وأماكن اغتيال  عناصر السلطة ؛الذي كان يومياً في حماة وحلب ، وبعد تفهم الموقف من قبل هؤلاء المجرمين ( اليهود) السوفييت قدموا نصيحتهم وهي :

أن يقتل النظام خمسين مواطناً على الأقل في المكان والزمان الذي تقع فيه حادثة الاغتيال ، فلعل القاتل يكون أحد هؤلاء الخمسين . وبدأ نظام الأقلية الطاغي الديكتاتوري يطبق هذه النصيحة السـتالينية اعتباراً من نهاية الربع الأول من عام (1980م) . ومن تطبيقاته لها ما فعله في جسر الشغور :

تقع بلدة جسر الشغور في نهاية سـهل الغاب ، قبل أن يدخل نهر العاصي لواء اسكندرونة ، وتتوسط المسافة بين حلب وحماة واللاذقية ، ويمتاز أهلها بالمحافظة على دينهم وعاداتهم العربية الإسلامية ، وقد هبت هذه البلدة مع حماة وحلب وإدلب وحمص في آذار ( 1980 م ) ، حيث انتفضت هذه البلدان تعلن رفضها لنظام أسـد ، وتؤيد مجاهدي الطليعة المقاتلة  الذين أنهكوا وحدات الأمن الأسـدية أنذاك ، قبل أن يتسلم الجيش العقائدي المهمة من وحدات الأمن ويخمد انتفاضة الشـعب بالدبابة والصاروخ والمدفع .

أضربت بلدة جسر الشغور يومي السبت والأحد ، وفي يوم الاثنين ( 10/3/1980م ) خرجت مظاهرة بدأها طلاب المدرسة الثانوية ، وانضم إليهم عدد كبير من المواطنين ، فجابت الشارع الرئيسي في البلدة يهتفون ( ياأسـد مانك منا ، خذ كلابك وارحل عنا ) .

هاجمت المظاهرة المؤسسة الاستهلاكية رمز الجوع والحرمان في النظام الأسدي ، وحرقتها ، ثم توجه المتظاهرون إلى مكتب حزب البعث ففـر البعثيون وتركوا أسلحتهم التي غنمها المتظاهرون ، وكذلك أخذوا أسلحة مخفر الشرطة . ( ولابد من القول أن الإخوان المسلمين كانوا غير راضين عن هذه الأفعال ، لتوقعهم الجرائم التي سيرتكبها النظام في رده على هذه المظاهرة ،ولم يشاركوا بهذه المظاهرة ، وإنما حركها عدة تيارات من الشعب كالناصريين والشيوعيين والبعثيين القوميين ) .

ومع العصر وصلت أكثر من خمس وعشرين طائرة عمودية محملة بجنود الوحدات الخاصة يقودهم العميد علي حيدر ، ويعاونه عدنان عاصي ،قائد مخابرات إدلب ، وتوفيق صالحة ،محافظ إدلب وصلت هذه الطائرات المحملة بالرجال والعتاد إلى جسر الشغور وليس إلى الجولان ، ولما أقلعت هذه الطائرات اتجهت شمالاً ، وكان المفروض أن تتجه جنوباً نحو العدو الصهيوني ، ولكن البعثيين أعلنوا ذلك صريحاً منذ أن استلموا الحكم في سوريا ، قالوا أن القضاء على الرجعية ( الإسلام والعلماء والدعاة والحركة الإسلامية ) قبل محاربة الصهيونية ، وهاهم اليوم يفاوضون الصهاينة من أجل تطبيع العلاقات معهم ، وكي يتعاونوا معهم على القضاء على الأصولية كما يريد معلمهم الأكبر ( أمريكا ) .

نزلت الطائرات حول البلدة ( في معمل السكر ، والثانوية ، وطريق حمام الشيخ عيسى ، وساحة البريد ، ومحطة القطار ... ) ، ونامت البلدة بعد أن طوقتها الوحدات الخاصة وفرضت منع التجول .

مذابح الليلة الأولى

وبدأت الوحدات الخاصة تعتقل كل من تصل يدها له وتقتله في الحال ، دون معرفة شيء عنه ، وهكذا قتلوا قرابة خمسين مواطناً مسلماً ومسيحياً وكل من وقع في يدهم خلال الليلة الأولى . كما أنهم أحرقوا قرابة ثلاثين محلاً تجارياً للمواطنين بعد أن نهبوا مافيها من البضائع ، ومنها محلات الذهب ، ومحلات الأقمشة ومحلات الأدوات الكهربائية ، ومكتبة داسوا مصاحفها ومزقوها قبل حرقها ، في الشارع الرئيسي للبلدة .

مذابح اليوم الثاني

بدلت الكتيبة الأولى بعد أن ذبحت خمسين مواطناً ، لاذنب لهم سـوى أنهم من أهالي جسر الشغور ، واستلمت كتيبة ثانية صارت تعتقل الرجال من البيوت ويجمعونهم في مراكز تمركز الوحدات الخاصة ، ثم يسومونهم أقسى أنواع التعذيب كالضرب بالكابلات الحديدية ، ويحرقون لحاهم ، ويصعقونهم بالكهرباء ...إلخ .

وكانوا يسألون الرجال المعتقلين من هم من طلاب الجامعات ، فيقتلونهم حالاً دون تحقيق معهم ، وكأن جريمتهم أنهم من طلاب الجامعات ، وقد استشهد قرابة خمسة عشر طالباً من طلاب الجامعات بعضهم من آل الشيخ ، والحلي ، وغيرهم .

وفي اليوم الثاني أو الثالث قامت الجرافات بتحميل الجثث من الشوارع ودفنوها في حفر جماعية بدون كفن أو صلاة جنازة .

حفلة الوداع قبل نقل الرجال إلى إدلب :

وبعد النحقيق المبدئي ، والتعذيب الرهيب نقلوا عدداً كبيراً من رجال الجسر إلى إدلب ، وبعد تحميلهم في السيارات مكبلة أيديهم وأرجلهم بالأسلاك الشائكة ، يضربونهم ضرباً شديداً وكأن الوحدات الخاصة تودعهم قبل أن تسلمهم للمخابرات العسكرية لتكمل معهم التحقيق . ويصل الضرب إلى حد الإغماء فيظنون أنه مات لذلك يتركونه وينشغلون بغيره .

الوحدات الخاصة تفتش القرى المحيطة بجسر الشغور

وفي اليوم الثالث ذهبت الوحدات الخاصة بطائراتها العمودية إلى القرى المحيطة بجسر الشغور مثل الجانودية ، وزرزور ، والحمامة ، والشغر ، وخربة الجوز ، وبكسريا ( حيث قتلوا معلم المدرسة في هذه الأخيرة ) .

أســكتوا المؤذن

وفي قرية الحمامة نزلت الطائرات مع آذان العصر ، فأمر الضابط جنوده ( أسكتوا هذا الحمار حالاً ) فأسرع الجنود إلى المسجد وهددوا المؤذن بالقتل إذا هو أكمل الأذان فتوقف المؤذن ولم يكمل الأذان ، ثم تناول الضابط مكبر الصوت في المسجد ونادى أهل القرية أن يسرعوا ويجتمعوا عنده أمام المسجد حالاً ، ثم قال الضابط : كل من يسمع إسمه يأتي إلى عندي ، وأخرج ورقة كتب فيها عدة أسماء حصل عليها من البعثيين في جسر الشغور ، شملت كل المواطنين المتدينيين ، وبعض البعثيين القوميين ، وحتى البعثيين المحافظين على صلاتهم ( وكأنه توجد حزازات شخصية بينهم وبين رفاقهم فاتهموهم بأخطر تهمة وهي أنهم إخوان مسلمون ) ، وصار الضابط ينادي على أسماء معظمهم من المجاهدين المعتصمين بالجبل ، وبعضهم معتقل قبل يومين في جسر الشغور ، ولما لم يتقدم أحد غضب الضابط ، وقال :كل ما ناديت على واحد يتقدم واحد منكم ، الشخص نفسه ، أو أخوه أو والده أو ابنه ، وإذا لم يتقدم أحد فسأقتلكم جميعاً الآن ... وهكذا تقدم أقرباء المجاهدين خوفاً على الأطفال والنساء من الذبح ، وبعد الانتهاء من القائمة ، عذب الباقين بما يحلوله ، ثم صرفهم ، وقامت الوحدات بتفتيش بيوت هؤلاء المواطنين ومعظمهم رهائن تقدموا بدلاً من أقاربهم ، ثم قامت الوحدات الخاصة بضربهم حتى ملوا من ضربهم ، ثم نقلوهم إلى إدلب وسلموهم إلى المخابرات العسكرية لتكمل معهم الضرب والتعذيب ، ثم تودعهم السجون حيث مات بعضهم فيها ، ومكث آخرون اثنتي عشرة سنة كرهائن عن أقاربهم .

لقطات من التعذيب

يقول ( أبو حيان الجسري ) أحد الناجين من مذبحة جسر الشغور :

اعتقلوني من بيت قريبي في الثانية والنصف من مساء الليلة الأولى بعد أن بدلت الكتيبة الأولى ( كتيبة الذبح ) واستلمت الكتيبة الثانية ( كتيبة التعذيب ) ، وربطوا رجلي بقطعة أسلاك شائكة ( وأراني آثارها بعد عشرين سنة ) وكذلك ربطوا يدي خلف ظهري بأسلاك شائكة ، كانت تدخل في يدي وقدمي كلما ركلوني بأحذيتهم . ثم انهال علي الضابط ضرباً بكل مايملك من قوة ، بالعصا والكابلات وبحذائه العسكري ، حتى تعب الضابط من الضرب ، فسلمني لجندي معه عصا صار يحاول إدخال العصا في بطني من الجلد ، واستمر الحال حتى الفجر حيث نقلوني بعد ذلك إلى البريد فشاهدت عدداً مخيفاً من حيث الكثرة من جنود الوحدات الخاصة بلباسهم المبرقع ولهجتهم المكروهة عندنا ، وحالما شاهدوني هجموا علي كما تهجم الوحوش الجائعة على فريستها ، وشحطوني من السيارة على سلم البريد شحطاً ، واللكم والضرب مستمر حتى تغمدني الله برحمته فأغمي علي لمدة تزيد على يوم كامل .

ويقول لي أحد الممعتقلين زملائي أنهم صاروا يقولون : مات ، فطـس ، وكانوا يقولون عني : هذا رمى برشاش على الطائرات العمودية قبل هبوطها ، وفي يوم الأربعاء استيقظت على صوت عدنان عاصي ( مدير مخابرت إدلب ) يسألني أين وضعت الرشاش ، ووجدت في جيوبي طلقات من الرصاص ، بعد أن أخذوا أوراقي وساعتي ونقودي من جيوبي ووضعوا بدلاً منها هذه الطلقات ، ولما أنكرت ذلك قال لي : دليلنا مادي ولاتستطيع انكاره ، هذه الطلقات مازالت في جيبك .

وعرفت فيما بعد أن بعض المجاهدين أطلق النار على الطائرات ، ولم يتمكن أزلام الأسـد من معرفة هؤلاء المجاهدين ( وربما قتلوا في الليلة الأولى ) ، وأرادوا أن يثبتوا لرؤسائهم أنهم تمكنوا من معرفة هؤلاء الذين أطلقوا النـار على الطائرات .

وبدأ عدنان عاصي يحرق لحيتي بولاعة الغـاز ، وأحضر الجنود فأوجعوني ضرباً حتى تمنيت الموت كي أخلص من هذا العذاب ، حيث صار جسدي مبرقعاً مثل ثيابهم ، وصاروا يتندرون علي ويقولون لي : صرت من الوحدات الخاصة . لذلك قلت لهم : أنا أطلقت النار على الطائرة ، والرشاش دفنته في البستان ، ففرحوا بهذا الكشف ( وأقسم لي الراوي أنه لم يفعل ذلك ، ولكنه قال لهم ذلك لعلهم يقتلونه فيرتاح من العذاب ) ، فذهب معه مجموعة من الجنود إلى البستان لإحضار الرشاش ، وفي الطريق قال قائدهم : أنت تأخذنا إلى البستان وهناك رفاقك يقتلوننا ، فأقسمت له أني لاأعرف أحداً منهم ولاأعرف أين هم ، ومع ذلك عاد ولم يجرؤ على دخول البستان .

وفي إدلب وضعوني في الدولاب وعددت أربعين ضربة ، ثم صرت أصرخ ولم أعد أطيق التحمل فصرخت وقلت لهم أعترف لكم بكل ماتريدون .

( أنا منظم مع الإخوان ، ودخلت مقر الحزب يوم المظاهرة ، وأخذت سلاحاً ، ورميت على الطائرة .. ) ( ثم أقسم بالله أمامي بعد عشرين سنة أنه لم يسبق له دخول أي تنظيم ، وأنه ليس له سوى المحافظة على دينه ومنه اللحية وهي واجبة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنه قال لهم ذلك على أمل أن يقتلوه فيرتاح من تعذيبهم ) .

وبعد هذا الاعتراف صاروا يتوددون إلي وقالوا لي سوف نفرج عنك بعد كل ذلك إذا وعدتنا أن تتعاون معنا لمصلحة وطنك ، وقد ألهمني الله أن أعدهم بذلك ، على أن أعود إلى محلي التجاري في جسر الشغور ، وأطلق لحيتي كما كانت ، ويمرون علي دورياً لأخبرهم بكل ماشاهدت وسمعت عن جسـر الشـغور .

وبعد خروجي استمر العلاج تسـعة شـهور حتى كتب الله لي الشـفاء وخاصة من جروح رأسي التي كادت أن تقضي علي لولا رحمة الله . ثم رزقني الله تأشيرة عمل في إحدى دول الخليج ، فخرجت من بلدي ولم أعدله حتى الآن ( بعد خمس وعشرين سنة ) ، وتابعت العلاج خارج سوريا حتى عادت لي الصحة والعافية ولله الحمد . [ وكشف عن رأسـه فبدت آثار الجروح العميقة التي أبى الشعر أن ينبت عليها بعد ربع قرن ] .

ولابد من التنويه إلى أن الأخوة المجاهدين من أبناء جسر الشغور كانوا في الجبل ، ولم تجرؤ الوحدات الخاصة يومها على مهاجمتهم ، ولكنها انتقمت من أهليهم كما فعلت في حماة وحلب وإدلب وغيرها ، بناء على نصيحة خبراء الجريمة الروس .

نسأل الله عزوجل أن يتقبل الشـهداء في جنات النعيم ، وأن يجزل الثواب لكل من لحقـه التعذيب على يدي هؤلاء الجلادين ، وأن يرشـدنا السداد والصواب ، وأن تعود سوريا خالصة لأبنائها المخلصين ، وأن يرينا بأسـه وجبروتـه في هؤلاء الظالمين ، إنه على كل شيء قدير .

والحمد لله رب العالمين     

* كاتب سوري في المنفى

ــــــــــــ

ملاحظـة ورجـاء : أرجو من كل قارئ عنده معلومات عن مثل هذه المذابح الجماعية في أي مكان من قطرنا العربي السوري ، ان يرسلها لي على هذا العنوان ، لأنني أعد كتاباً عن المذابح الجماعية في عهد حافظ الأسد . والعنوان هو :

Abothaer_s@hotmail.com

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ