ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 08/12/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هل من مُنقذ لكتاب شيخ الأدب في سوريا

"عبد المعين الملوحي في السجن"؟!

شاهر أحمد نصر

في مقدمته لكتاب "عبد المعين الملوحي ـ أمير شعراء الرثاء" كتب المفكر العربي الحر المرحوم هادي العلوي تحت عنوان "زيتونة الشام" ما يلي:

" كان اسمه من الأسرار التي نخفيها عن أعين الشرطة. في أواسط الستينات اعتقل العارفيون صديقي الكردي محمد ملا كريم، وكانت في منزله مجموعة كبيرة من المدونات والكتب اليسارية والماركسية التي صدرت قرارات انقلابيي شباط بمنعها. وقبل أن تقع عليها أعين الشرطة العارفية حملها أخوه محمد إليَّ لإخفائها في منزلي. وكنت في ذلك الوقت من نشطاء القيادة المركزية المنشقة عن الحزب ومحمد ملا كريم مع الحزب ولو أنه من ناقديه المجاهرين. ووفرت لي المجموعة المخبأة فرصة لقراءة ما فاتني قراءته من كتب لم تقع في يدي سابقاً. وكان من بينها كتابان عليهما ذلك الاسم وهما "دور الأفكار التقدمية في تطور المجتمع" وكتاب لمكسيم غوركي نسيت عنوانه. وعندما التقيت بعبد المعين الملوحي في عاصمة الصين ـ تذكرت الاسم السري حين قرأته على وجه ذلك الكهل الوقور القادم للتو من منابت الزيتون إلى بلاد التاو، وقلت في نفسي أتراهم يخافون من الوجوه الوديعة، ترى أين سيشعرون بالأمن ومتى؟! لكن العرب قالت  "يكاد المريب يقول خذوني" وخوف المريب من البريء والوحش من الوديع والقاتل من المقتول قاعدة مقررة في علم النفس السياسي".

وتراني بعد إطلاعي على مخطوط "بيت الأحياء ـ عبد المعين الملوحي في السجن" أتابع فكرة المفكر هادي العلوي وأقول: إن خوفهم من الوجوه البريئة، يجعلهم لا يكتفون بمنع كتبها وفكرها وثقافتها، بل يدفعهم هذا الخوف لسجن هذه الوجوه البريئة.. وهذا ما حل بالعلم المعطاء عبد المعين الملوحي.

من هو هذا الإنسان الذي يخافونه ويخافون كتبه، ويجعلون اسمه من الأسرار؟!

إنّه عبد المعين بن سعيد بن زكريا الملوحي، ولد في حمص (أم الحجار السود)، في عام 1917. رضع مع حليب أمه العربية، حليب الغجريات والأرمنيات، فاختلطت في دمه كل دماء العالم، وآمن منذ طفولته بالإنسانية، وضرورة وحدة الشعوب..

كان جده الشيخ زكريا شاعراً، وكان أبوه المرحوم الشيخ سعيد شيخ حمص وإمام المسجد النوري الكبير، تولى زواج النساء والرجال، وكان له رأي في الطلاق، يقول إنّه يتبع مذهب الإمام زيد الذي يعتبر الزواج شركة بين الرجل والمرأة، لا يحق لأحد الشريكين أن يلغي الشركة إلاّ برضى الفريق الثاني، والمرأة حين يطلقها زوجها وحده، ولا تقر هذا الطلاق تجعل الشركة قائمة إلاّ إذا رضيت طلاقها من زوجها... مما يدل على أنّ الملوحي عاش في بيئة دينية محافظة ولكنّها غير متزمتة. كما كانت بيئته بيئة وطنية، كان أخوه الكبير أنيس قومياً عربياً، سجن عندما قامت الثورة السورية عام 1925، وكان عبد المعين يزوره في السجن وهو طفل صغير. وكان بيتهم بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى مأوى للمجاهدين والثوار. وأضيفت إلى الانطباعات القومية العربية التي عرفها في طفولته انطباعات اجتماعية طبقية، وشهد في حياته حوادث كثيرة عززت إيمانه بالشعوب وضرورة العمل على تحريرها ورفع مستواها وعلى تجنيبها الفقر والجوع..

بدأ عبد المعين الملوحي كتابة الشعر منذ كان عمره اثني عشر عاماً.. تجمعت ثلاثة عناصر رئيسية: الحب ـ الألم ـ الثورة في دفعه للأدب والشعر.. نشر أول قصيدة في عام 1936، ونشر أول كتاب مترجم له "ذكريات حياتي الأدبية" لمكسيم غوركي عام 1944 في القاهرة... ليصل مجموع ما نشره من الكتب، حتى الآن 96 ستة وتسعين كتاباً في الشعر، والترجمة، وتحقيق التراث، والأدب الذاتي، فضلاً عن عشرات المخطوطات لديه تنتظر النشر.. وأزعم أنّه لم يكتب شاعر في العالم ما كتبه عبد المعين الملوحي في شعر الرثاء، من حيث الأصالة والعمق والكم: في رثائه لزوجته بهيرة، وابنته ورود، ولأصدقائه، وأبطال شعبه ووطنه، ورثائه لنفسه.. مما يؤهله أن يكون أميراً لشعراء الرثاء دون منازع..

عمل مدرساً للغة العربية ومفتشاً، في أغلب محافظات القطر، من ثم مديراً للمركز الثقافي في حمص، وفي دمشق، وعينه المرحوم الدكتور نور الدين الأتاسي مستشاراً في القصر الجمهوري.. وتخرج العديد من المثقفين والأدباء ومن تبوأ المناصب العليا من المدارس التي علّم فيها..

منحته حكومة فيتنام أرفع أوسمتها.. واختارته الصين أستاذ شرف في جامعة بكين، كما حصل على وسام الثقافة من جمهورية بولونيا، وكرمته جامعة البنجاب في الباكستان..

ولقد وفق الشاعر الفلسطيني خليل خلايلي عندما قال عنه: "أرأيت كيف يقف الإنسان أمام البحر المحيط، وقد تلاطمت أمواجه واشتد هديره، واصطفقت أجنحته على الشواطئ الصخرية الصلبة.. وقد امتدت زرقته اللازوردية إلى مدى النظر البعيد، ذلك هو حالي تماماً، عندما وقفت متهيباً أمام سيرة أستاذنا أديب الشام الكبير عبد المعين الملوحي الذاتية". (صوت فلسطين ـ العدد 328، التاريخ أيار/ مايو 1995)

وفي حياته الحافلة بالنضال والعمل والعطاء ظلّ متمسكاً بالمثل العليا، لم ينافق، ولم يخادع، ولم يبع قلمه، وربما كان ذلك أحد أسباب التعتيم عليه، وعدم نيله حقه في دنيا الفساد، وملاحقته وسجنه.

تلاميذ يسجنون معلميهم العطوفين المعطائين

لم تشفع عطاءات الملوحي له، فتم نقله في وظيفته ليخدم في أغلب المحافظات السورية منفياً.. وجرت ملاحقته، وسجنه.

ولعل محنته في سجنه مضاعفة، فهو فضلاً عن براءته، وأنّ ذنبُه دفاعَه عن المبادئ التي يدّعي من سجنوه تبنيها، فقد كان تلامذته الذين حنا وعطف عليهم وعلّمهم مبادئ القراءة والكتابة، هم من سعى لسجنه ظلماً وبهتاناً.. ضاربين عرض الحائط بكل الأخلاق العربية والإنسانية، التي تؤكد على حقوق الإنسان وحريته، فضلاً عن القيم الداعية لاحترام وتكريم المعلم: "من علّمني حرفاً، صرت له عبداً"،

قم للمعلم وفه التبجيلا

   كاد المعلم أن يكون رسولا

ولعلّ هذا الموقف المشين من قبل تلامذته هو أحد الأسباب التي دفعته لأنّ يخصّهم بالأبيات التالية في ملحمته "عبد المعين الملوحي يرثي نفسه":

غرَسْتُ غِراساً وارتقبتُ ثِمارَها

                   فلم تُعطِ إلاّ الشوكَ صلداً غِرَاسِيا

إلى اللهِ أشكو من رعيتُ عُهودَهم

                  فَلَمْ أرَ مِنْهم في المُلمّاتِ  راعِيـا

...

غداً سوف يبكون المعلّم جثـةً

                   وقد صار عظماً في المقابر عافيا

تناسوا حقوقي في الحياة فإنْ أَمُتْ

                   تباكوا على القبرِ الوفيِّ تباكيــا

وعلى الرغم من موقفهم الجاحد هذا فقد سامح منهم من اعترف بخطيئته، وهذا ما حصل مع أحد تلامذته الذين سعوا لسجنه والذي قابله بعد سنوات من سجنه، وسامحه بعد اعترافه بخطئه وندمه على ما فعل. ص13

وقد يختلف البعض مع هذا الرأي، ويرى ضرورة إحالة الجلادين وحماتهم إلى محاكم العدالة لينالوا جزاءهم، وليكونوا عبرة لمن يفكر في سجن واضطهاد وظلم الإنسان على رأيه وتفكيره. إلاّ أنّ موقف الملوحي مبني على قناعته بأنّ "القضية الوطنية ليست قضية شخصية، ومخطئ كل من يتخذ من قضاياه الشخصية معياراً لقضايا شعبه ووطنه". ص13 فضلاً عن أنّه يجمع خصالاً إنسانية لا تعرف الحقد:

وأصبرُ أحياناً وأغضي على القذى

   فيعصف بي عصف الرّياح إبائِيا

وما أنا من يبكي على الناس حاقداً

   ولكنني أبكي على الناس حانيـا

صَبرتُ على حلو الزمان ومُرِّه

    فلأياً تساوى جورُه واصطباريـا

      (عبد المعين الملوحي يرثي نفسه)

من دروس السجن

والملوحي قلما يتحدث عن سجنه، إذ أنّه طوال اللقاءات والحوارات التي دارت بيننا على مدار أكثر من خمسة عشر عاماً لم يتطرق إلى موضوع سجنه إلاّ لماماً إن سألناه عنه، وهو إذ يصدر هذا الكتاب عن سجنه، فهو يريده عبرة للجميع: للسلطات ولمساجين الرأي، وللشعوب.. فهو يدعو السلطات إلى الكف عن هذه الوسيلة غير المجدية، لأن "السجون لا تستطيع، مهما طالت مدة الإقامة فيها ومهما اشتدت الظلمات في زنزاناتها أن تبدل مبادئ الإنسان وتغير عقائده". كما يريد أن يعزز من معنويات مساجين الفكر والرأي الحر، وكأنّ لسان حاله يقول لشباب الوطن لا تخافوا السجون، فهي وجلادوها إلى زوال.. والبقاء للوطن والإنسان..

يقسم الكتاب إلى فصلين رئيسيين، يتناولان موضوعي: ـ السجون العربية في العصر الحديث ـ عبد المعين الملوحي في السجن.

نتعرف في الفصل الأول على آراء وذكريات عدد من الكتاب والمناضلين العرب حول السجون من بينهم: محمد محمود الزبيري، مصطفى أمين، محمد فريد، فرج بيرقدار، حسن البحيري، إنجي أفلاطون، مطر عبد الرحيم، عبد الله البردوني، معروف الرصافي، كما نتعرف على موضوع السجن السياسي في الرواية العربية..

ونتعرف في الفصل الثاني على عبد المعين الملوحي في السجن:

يتساءل الملوحي: "ـ بأي حق تحتجز السلطات وأصحاب القوة المادية رجال السياسة وأصحاب المبادئ وتحرمهم شهوراً وسنين وعقوداً من أن يعيشوا أحراراً في وطنهم وبين أسرهم وأطفالهم؟

إن كل سلطة تقوم بسجن الأحرار لا تعتمد إلا على سند واحد هو أن الحكم في أيديها وأنها تمتلك القوة، كما تعتمد الأفعى على قوتها في التهام بيوض العصافير والحمام، وكما يعتمد الثعلب على مكره في أكل فراخ الدجاج. ولكن متى كانت القوة معيار الإنسانية؟...

لقد طال عذاب الإنسانية وامتد اضطهاد الإنسان للإنسان منذ ظهرت السلطات وفرضت نظامها بالعنف والاستبداد والطغيان، وقد آن الأوان بعد هذا التاريخ القاسي الطويل أن تتحرر الإنسانية، وأن يتخلص الإنسان من السجون والعذاب، آن الأوان لكي يصبح الإنسان إنساناً لا سجاناً..". ص5

وهو يريد أن يقدم تجربته لسجناء الرأي والحرية علّها تساعدهم في صمودهم:

"إن أهم ما يساعد السجين على الصمود هو أن يتخذ القرار بالصمود... وعندئذ سيعذب ويموت دون أن ينطق بكلمة". ص26

وفي الكتاب كثير من العبر والفوائد، فضلاً عن كونه وثيقة تاريخية هامة تؤرخ لمرحلة عصيبة مرت بها بلادنا، وما زالت تترك آثارها على كافة مناحي الحياة.. فبعد أن نتعرف على مشاعر سجناء الرأي البريئين، ومشاعر أم السجين عند اعتقاله، وبعد الإفراج عنه، ومع تعرفنا على بعض من حياة السجين في المعتقل وصنوف التعذيب التي يتعرض لها، نتعرف على حالة استثنائية في تاريخ شعبنا، وهي: "كيف كان يتم اعتقال المعتقلين وسجن المساجين؟" ص15

ويطلعنا الملوحي كيف تبدل الكراسي مبادئ بعض الناس، خاصة إن لم يكونوا أهلاً وجديرين بالمناصب التي يتبوأونها، وفي هذا المجال يورد بيتاً من الشعر ذا دلالة جنسية، ولكنّه أكثر دلالة على الوضع الاجتماعي والسياسي، حين قال الشاعر:

لما رأته قائماً كبّرت     

      كذلك الناس مع القائم

 

وعن رفاقه في السجن يقول عبارة ذات دلالة كبرى، تصلح للتأريخ لمرحلة بكاملها: "كنت أينما تلفتُ لا أجدُ إلاّ ضابطاً مسرحاً، أو أستاذاً مطروداً، أو نقابياً معزولاً، أو فلاحاً مناضلاً، أو شاباً قومياً، أو فلسطينياً لاجئاً، فأحس أني بين أهلي وإخواني، وأني جزء لا يتجزأ من هذه الفئة المضطهدة، والتي تناضل مع ذلك من أجل الوحدة والحرية، فأشعر بالفخر أولاً، ثم بالحسرة ثانياً، فأصيح من أعماقي:

ـ يا ربّ رحمتك بوطني وشعبي". ص35

ومن المهازل التاريخية التي عاشتها بلادنا ذلك الأسلوب الغريب من الاعتقال والسجن دون أية محاكمة..

"كان يتم إطلاق سراح المساجين كيفياً، كما تم اعتقالهم كيفياً، وإلقاؤهم في السجن كيفياً.

لا ضرورة     لمحاكمة تجرى.

لا ضرورة     لحكم يصدر.

لا ضرورة     لزمن يحدد.

المسيطرون وحدهم يحاكمون ويحكمون ويحددون أزمنة السجن، ويسجنون ويطلقون.

وتسألون: كيف تم إطلاق سراح المساجين؟

اجتمع عدد من الأفراد الذين قرروا منذ أشهر اعتقالنا، وأمروا بسجننا، وحددوا سلفاً مدد هذا السجن، واجتمعوا مرة أخرى وقرروا الإفراج عنّا بعد أن قضينا المدد التي حددوها لسجننا، وهكذا تم إطلاق سراحنا...

ورأيت الحرية تبكي، وسمعت القانون يعـول.

ورأيت العدل يسيل دمه من أبواب السجـون.

لم آسف على نفسي، ولكني أسفت على وطني." ص46

ومع هذه الروح الوطنية والقومية العالية الجادة، لا ينسى أن يمتعنا ببعض النكات والتسليات التي كانت تحصل في السجن. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على روح التفاؤل والثقة التي يمتاز بها، وفهمه وتقبله للحياة بموضوعية وأمل.

ولم ينس الملوحي الفيتناميين ولا الفلسطينيين في كتابه، وهم أخوة له بل جزء من كيانه: "ولعلّ أقسى كلمة سمعتها من أحد الفلسطينيين حين قال لي وهو يهز رأسه في أسى:

ـ لماذا غادرنا أرضنا في فلسطين إلى البلاد العربية، مادام نصيبنا هنا وهناك أن نعيش في السجون؟ ثم تنفس نفساً كاد يقطع أضلاعه، وقال:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

  على النفس من وقع الحسام المهند"   ص40

 

سبل التكفير عن ظلم سجناء الرأي والحرية

لا يشفع لهذا الشيخ الجليل، مرضه وملازمته منزله، إثر الجلطة الدماغية والشلل النصفي الذي أصابه في الصين، ولا يشفع له سنه إذ قارب التسعين من العمر، كما لا تشفع له عطاءاته وإبداعاته ومؤلفاته التي قارب المنشور منها المائة كتاب، لا تشفع له أمام بعض أجهزة المخابرات التي لا تزال تنظم الملفات الخاصة به، ليس فقط في دمشق حيث يعيش، أو في حمص حيث ولد، بل وفي محافظات أخرى.. ويرسل تلامذة تلامذته، وربما بعضهم من الفاشلين، مندوبيهم إليه للحصول على معلومات حوله، فيوجهون إلى هذا الإنسان الموسوعي المعطاء، والثروة الوطنية الحقيقة، أسئلة ـ كما حدثني في أحد اللقاءات ـ تدعو للغثيان، منها:

 

"ـ اسمك؟

ـ اسم والدك، ووالدتك؟

ـ تاريخ ميلادك؟

ـ من هم أصدقاؤك؟!!!

..."

ويبقى الملوحي على الرغم من ذلك كله، بعد السجن كما كان قبله نصيراً للمظلومين، يدعو لإلغاء قوانين وحالة الطوارئ التي أرهقت الشعب والبلاد، وتسببت في الكثير من المآسي التي تضعف الوطن، ولقد كان من أوائل الموقعين بل الداعين لتوقيع بيان الـ 99 مثقفاً ومفكراً سورياً للدعوة إلى إلغاء تلك القوانين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإشاعة الحرية والديموقراطية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في إطار دولة القانون، كما أنّه من أوائل الموقعين على جميع الرسائل والعرائض والبيانات الوطنية اللاحقة بهذا الخصوص، بل إنّه نتيجة وضعه الصحي الذي يحد من حركته ويلزمه قلة الخروج من منزله يفوض بعض الموثوقين بالتوقيع عنه كي لا تفوته أية مناسبة للدعوة إلى حرية أبناء شعبه وتمدنه وتحضره..

 

يزعم البعض أنّ عبد المعين الملوحي يُحسب على هذا الحزب أو يوالي هذا التنظيم أو ذاك، وأزعم أنّ هؤلاء لا يعرفونه على حقيقته؛ فعلى الرغم من انتمائه التنظيمي في فترة من شبابه في أواسط القرن الماضي إلى الحزب الشيوعي، وتركه لهذا لتنظيم لأنّ تلك التنظيمات تضيق على أصحاب الفكر الحر، وعلى الرغم من أنّه يكتب في بعض الصحف الناطقة باسم هذا الحزب أو ذاك، فإنّه شخصية وطنية وقومية وإنسانية، وهو ليس حكراً على أحد.. ويؤيد ذلك التقارير التي تسطر بحقه والتي تبين أنّ "عبد المعين الملوحي شيوعي كبير... ناصري خطير... من زعماء الإخوان المسلمين" ويعلق على ذلك: "إذن فقد جمعت المجد من أطرافه... إنني أنا المسكين أعلن أنني:

أولاً: مؤمن بالله دون تعصب

ثانياً: مؤمن بالقومية العربية دون تعصب

ثالثاً: مؤمن بالاشتراكية دون طغيان".ص10

فعبد المعين الملوحي شخصية وطنية للوطن ككل، بل للإنسانية جمعاء..

 

وتبقى القضية الوطنية، والإنسانية هي الهم الأساسي والناظم لحياة وسلوك الملوحي، وهو بإهدائه هذا الكتاب إلى: نيلسون منديلا، وإلى رياض الترك، والدكتور عارف دليلة، وجميع سجناء الرأي والحرية... يعبر عن موقفه الإنساني البعيد عن أي تعصب مهما كان نوعه، ويطلق نداء ودعوة من شيخ جليل ـ قدم وأعطى لأبناء شعبه والإنسانية ما تعجز مؤسسات عن تقديمه ـ (دعوة) مفادها أنّ سبيل التكفير عن ظلم سجناء الرأي والحرية يتم بالإفراج عنهم جميعاً، وإلغاء حالة الطوارئ وكافة القوانين التي تكبل حرية الشعوب، واستبدالها بقوانين ديموقراطية مدنية إنسانية حضارية..

 

ويأتي إصدار هذا الكتاب كتحية لجميع سجناء الرأي والحرية من كل صنف ولون ومشرب فكري، ودعوة لتحريرهم ليعودوا إلى أبنائهم وأسرهم أحراراً، وليساهموا في بناء وطنهم الحر الديموقراطي الكريم .. ليعيش الإنسان العربي بعد كل هذه التجارب القاسية حياة ديموقراطية حرة متحضرة، في وطنه الحبيب يحميه من كل النوائب، ويعلي شأنّه بين الأمم..

فهل من مجيب لنداء هذا الشيخ الجليل والوطني الغيور؟!

كانت تلك المقدمة التي كتبتها في طرطوس بتاريخ 1 / 7/ 2004 لكتاب أستاذنا وأديبنا أمير شعراء الرثاء "عبد المعين الملوحي في السجن".

قدم الكتاب إلى وزارة الإعلام بدمشق في صيف عام 2004 للحصول على الموافقة على طباعته، إلاّ أنّ الوزارة مع الأسف لم توافق على نشره.

تحدثت مع الأستاذ عبد المعين حول إمكانية نشر كتابه خارج سوريا، فأجابني: "إنني أخاف عليك"!

أيعقل أن نعيش في القرن الواحد والعشرين، ونخاف من نشر كتاب!

أيعقل أن يعيش في جو من الخوف مثل هذا الإنسان المعطاء والشيخ الجليل الذي ناهز التسعين من العمر، وعلّم الأجيال وتخرج من تحت يديه المئات من أبناء هذا الوطن، ونشر حوالي مئة كتاب، ولديه أضعافها من المخطوطات، وحصل على أوسمة من عدة دول في العالم ، وألقاب شرف من جامعاتها.. أيعقل أن يعيش في أجواء الخوف من نشر كتبه!! أيعقل أن تمنع كتبه من النشر في وطنه!!..

 وبدلاً من الاستفادة من خبرات معلمينا ومبدعينا وشيوخنا، تتم ـ وا أسفاه ـ محاصرتهم وسجنهم ومنعهم من نشر أعمالهم.. لينطبق علينا ما قاله شبنجلر ـ في حديثه عن انحطاط الغرب ـ بأنّ الأمم التي تخلد أعمال رجالها إحساسها بالتاريخ عميق ودقيق، وهي جديرة بالحياة، أما الأمة التي تحرق هامات رجالها وهم أحياء، فإنّها أمة ضعيفة الإحساس بالتاريخ..

إننا لن نفقد الأمل.. ونتطلع إلى أولئك الفرسان الوطنيين الغيورين على الوطن وعلى أبنائه ومبدعيه، ونأمل منهم مساندة شيخ الأدب في سوريا، والعمل على نشر كتبه، ومن بينها كتابه "بيت الأحياء ـ عبد المعين الملوحي في السجن". ونأمل من وزارة الإعلام أن تعيد النظر في موقفها السابق، معللين أنفسنا بالتغيرات الأخيرة في الوزارة ونهجها..

ونشكر كل من يتقدم بأية مبادرة في هذا الخصوص، آملين تلقيها على العنوان التالي:

Shaher5@scs-net.org

المهندس: شاهر أحمد نصر / طرطوس

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ