ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 09/09/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ما هي الأسباب الحقيقية

 لارتفاع أسعار النفط

عبد الحميد حاج خضر* / المانيا – بوخم

بعد الحرب العالمية الثانية ، أصبح النفط السلعة الاستراجية الأولى في العالم . على أساس هذه السلعة تحدد سعر السلع الأخرى ، بما في ذلك أسعار الصرف للعملات الرئيسية الدولار واليورو والجنيه الاسترلني وعملات محلية أخرى ، كعملات دول الشمال الأوربي ، التي تمتلك أبار من النفط والغاز في بحر الشمال . كما أن سعرالصرف لمعظم عملات الدول المصدرة للنفط كدول الخليج والمكسيك وفنزولا ، تعتبر تابعاً ذليلاً للدولار . هذا بتبسيط شديد لعلاقة النفط كسلعة استراتيجية . ولكي لايصبح التبسيط تسطيحا شعاراتي ، لابد من الإشارة إلى العلاقة الحميمية بين النفط والنظام المصرفي العالمي ، والمضاربات ، التي تعتبر نوع من الشعوذة المالية .  الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن على صناعة الأسلحة والحروب لفرض موازين قوى عسكرية " متناغمة " مع السياسة النفطية ، إضافة إلى النظام المصرفي والمضاربات المنبثقة عنها . ولكن لتوضح هذه العلاقة نحتاج إلى معادلات تفاضلية بمنتهى التعقيد وحل هذه المعادلات قد يخرجنا عن إطار المقالة الصحافية . لا يوجد دولة في العام تدرك أهمية النفط مثل الولايات المتحد الأمريكية ، فبفضل نفط ولايتي تكساس وكليفونيا ، التي انتزعتا من المكسيك واسبانيا تباعاً ، تمكنت الولايات المتحدة من دخول التاريخ الامبراطوري من بابه العريض . عندما سأل تشرشل ، الوزير الأول في المملكة المثحدة ، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترومان ،  وقبل أن تضع الحرب الثانية أوزارها، عن الحصة التي تطمح الولايات المتحدة في الحصول عليها من نفط العراق ؟ أجاب وبلا تردد 100% ، علماً أن نفط العراق كان ملكاً لشركات انكليزية وفرنسية . الدرس كان قاسياً للامبراطورية العجوز ، ولكن قسوته تجلت ميدانياً في حرب السويس عام 1956 حيث وافقت الولايات المتحدة الامريكية مع الاتحاد السوفيتي ، كل حسب رؤيته الاستراتيجية ، على ةرار مجلس الأمن الذي يدعوا دول العدوان الثلاثي للانسحاب إلى حدود ما قبل الحرب ، وعزز القرار بتهديد جدي بالتدخل عسكرياً ، من قبل الاتحاد السوفيتي وموافقة ضمنية أمريكية . عادت بريطانيا العظمى وفرنسا أدراجهما  مكتفين بمراجعة جذرية لسياستهما القديمة . النخب البريطانية وصلت إلى قناعة مفادها " لا طاقة لنا بجالوت " وقبلت بدور العبد المأمور والتابع الذليل لسياسات البيت الأبيض . أما سياسة  النخب الفرنسية فكما وصفها دبلماسي روسي فهي تبدأ بلا كبيرة وتنتهي بنعم عذراء خجولة . وخطها الدفاعي الأخير الاعتماد المفرط على الطاقة النووية وتطوير سلاحها النووي . لم تلتفت النخب السياسية العربية والمصرية بشكل خاص على خطورة وضع مضائق تيرانا المصرية تحت الحماية الدولية والسماح للسفن الاسرائيلية بالعبور ، لأن معظم النخب العربية والجماهير العربية جعلت السياسة حصراً اتباع رجل ، وعاشت نشوة الخطب الرنانة ، التي توحد البلاد وتشبع العباد ، فدفعت ثمن تلك النشوة مرارة وقهراً في حرب الأيام الستة عام 1967 . لو تنبهت ، النخب على الأقل ،  لكتشفت ، وفي وقت مبكر ، أن في مصر سياسة معلنة عربية وحدوية اشتراكية وأخرى أطلق عليها سياسة ( البؤرة الفاسدة ) التي كان يمارسها الحرس الانكليزي القديم ممثلة بالبوليس السياسي ، ذلك الجسم السياسي ، الذي صاغته المخابرات الانكليزية ، وبأمر من الجنرال كرمر ، على عينها وتحت إشرافها ، ليمارس القيادة الفعلية بعد رحيل المستعمر عن أرض الوطن . البؤرة الفاسدة هذه تم بناؤها في نهاية في الثلاثينات تحت إشراف ضباط انكليز أولاً وبعقيدة معادية لكل توجه وطني وإسلامي ، ومارست فعلياً التصدي لكل تحرك سياسي وطني ، بالرصد وإشعال الفتن وصناعة التلفيق ، بل والتعذيب الوحشي حتى الموت  وهدر كل قيمة دينية أو إنسانية أو عرف كريم ، كما مارست الاغتيال والقتل ( راجع كتاب الأستاذ محمود عبد الحليم ، الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ، رؤية من الداخل ؛ الجزء الثاني ، فصل البوليس السياسي والتعذيب من الصفحة 245 – 278 ) البحث موثق أفضل التوثبق ، والمصادر محاضر القضاء المصري والمجلس النيابي . هذا الجهاز الخبيث لم يحل بعد ثورة 23 من يوليو ( تموز ) واستعان به بعض رجال الثورة للقضاء على خصومهم السياسين ، بل رفد البوليس السياسي رجال الثورة بالخبرة اللازمة لأليات الربط والضبط ، وكل الذين كتبوا معاهدات الذل والعار مع الصهانة والأمريكان . وهو اليوم الأمر الناهي وليس بتوع الكرشة كما يقول الأخوة المصرين ، بعد هذه الشطة التي لابد منها لنعرف ولا ننسى من باعونا وخدعونا .

أعود إلى السياسة النفطية الأمريكية . اتبعت أمريكا سياسة الأسعار الزهيد بعد حرب السويس ، ومدت حلفائها بالطاقة الضررية والمادة اللزجة للصناعات الكيمياوية ، وعندما زرت معرض دسلدورف في خريف عام1971 للصناعات البلاستيكية لم  أستطيع أن أصدق أن كل هذه التقنيات تقوم على النفط ، واليوم هي أمامنا سلع حسية بصائرية . ولكن كنت على يقين أن سياسة أسعار النفط الرخيص بدأت تحتضر . ولكن السؤال الكبير ؛ ماهي نسبة الارتفاع المقبوله للنظام الرأسمالي وسياسة التحالفات التي اعتمدها أمريكا لتطويق الاتحاد السوفيتي تمهيداً لإسقاطه ؟ سيما وأن سياسة الحرب في فيتنام أثقلت الاقتصاد الأمريكي بديون خيالية للبنوك الأوربية وتعالت الأصوات من فرسا الديغولية تطالب باعتماد الذهب أساساً للتعامل الدولي لضمان استرداد الديون ، بقيمتها الحقيقية  وليس الدولارية ، وحسب التعهد الامريكي في إعلان برتين وودز Bretton woods  الذي يحدد سعر صرف ثابت للدولا مقابل الذهب . الأحداث تتساع ولم يعد أمام الأمريكان متسع من الوقت ، خاصة وإن الدول الحليفة بالمنطقة العربية تعاني من ضغوط جماهرية عارمة تهدد بالانفجار . ووعود السادات العرقوبية ، أعوام الحسم الكثيرة ، لم تعد تنطلي على الأمة وجيوشها الوطنية . عقد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك ، هنري كيسنجر ، في نيسان عام 1973 في جزيرة مقابل للسواحل النروجية اجتماعاً ضم كل الشخصيات النفطية العالمية ، وقرروا رفع أسعار النفط الخام إلى أربع أضعاف ، حسب تصريح  الدكتور زكي اليماني ، وزير النفط السعودي السابق ، على قناة الجزيرة في العام الماضي في برنامج بلا حدود ، وأضاف أنه ليس من مصلحة أمريكا تخفيض أسعار النفط الخام ، إلا أن رفع أسعار النفط بشكل حاد سيدفع بالدول المستهلكة للبحث عن طاقة بديلة . في أكتوبر (تشرين الأول ) من نفس العام اشتعلت الحرب بين مصر وسوريا من  جهة واسرائيل من جهة أخرى . لم تدار حرب في العالم من قبل الطبقة السياسة بالدقة التي أديرت بها حرب تشرين ، وكأن قادة الحرب الميدانين عبارة عن بياذق تحركها أيدي لاعب الشطرنج الوحيد . بل مقدار النصر أو الهزيمة يقرره صاحب القرار السياسي ، وليس موازين القوى أو الفرص المتاحة . لا أريد أن أجرح مشاعر القارئ ، الذي لا يزال يعتقد أن حرب تشرين كانت حرب تحرير ، ولا أشك أن الضباط والجنود الذين  شاركوا في الحرب بإيمان وصدق ، فعلوا ذلك عن قناعة بالحق العربي وثورة للكرامة الجريحة في حرب حزيران عام 1967 . لقد ارتفعت أسعار النفط إلى أربع أضعاف بل تجاوزت الحد المرسوم بقليل ، خلال سنة من حرب تشرين . لقد كان صدمة للاقصاد الأوربي والياباني ، ولكن لم تكن كارثة ، فقد استمرت معدلات النمو بزدياد ، ولكن ليس بالسرعة التي كانت عليها من قبل . والبحث عن الطاقة البدلية بقي في الإطار النظري والتجريبي ، بل إن سرعة بناء المفاعل الذرية لتوليد الطاقة أخذ بالتراجع لأسباب أمنية وبيئية ، بعضها حقيقي والبعض الأخر مفترض أو دعائي ، ومولت الشركات النفطية سراً وعلانية أحزاب حماية البيئة بل حملتها إلى سدة الحكم ، كما حدث في ألمانيا . إن تراجع صناعة استخراج الفحم في الدول الأوربية وخاصة المانيا ، التي تملك احياطي ضخم من الفحم ، وتقنيات تعتبر الأولى في العالم ، دليل على أن أسعار النفط حتى في حدود 40 دولار للبرميل أرخص من أي مصدر آخر للطاقة . في الثمانينيات حدد الاقتصاديون أن سعر  مابين 22-29 دولار للبرميل الواحد مقبول عند المنتج ومرحب به عند المستهلك . اللعبة في هذه المعادلة مكشوفة ، فالقيمة الشرائية للدولار في الثمانينيان هي نصف ماهي عليه الآن . فلكي تصبح المعادلة مقبولة اليوم يجب أن يكون سعر البرميل الآن مابين 44-58 للبرميل ، ولكن الضرائب المفروضة علي مشتقات النفط والتي يدفعها المستهلك المباشر (صاحب السيارة ، أو المسافر بوسائل النقل الأخرى ) من جيبه قد تضاعفت ثلاث مرات ، وذلك بعد أن شحت موارد الدولة من الضرائب بسب تلاعب وبتزاز  الشركات الكبرى للدولة في المسائل الضربية ، وأصبت الشركات الكبرى خاصة ،  متلقي للدعم الحكومي المستوفاة من الضرائب بدلاً من دافع للضرائب ، وخاصة بعد سياسة العولمة اللعينة . وتتكرم الشركات الكبرى على الدولة والمجتمع  بالحفاظ على فرص العمل ، وعدم تسريح العمال ودفعهم عالة على الدولة . ووصل الأمر بالشركات إلى ابتزاز العمال أنفسهم ، وإجبارهم على التنازل عن مكاسبهم وبعض أجورهم لقاء الحفاظ على فرصة العمل المتاحة . أمريكا التي تعتبر كل قطرة نفط في العالم ملكاً خالصاً لها ولشركاتها هي التي تفرض السعر قل أو كثر وفق أجندتها السياسية ومغامرتها العسكرية .  منذ أن نادي أدم سميث Adam Smith بسياسة السوق " وقانون " العرض والطلب ، الذي يفسر  بشكل صوري ، عملية تحديد سعر السلعة ، والاقتصاديون يتعاركون ويتنابزون بالألقاب حول موضوعية هذا " القانون " ، وأعتقد أن الفقهاء المسلمون عندما قسموا السلع إلى ضروري ، وحاجي ، وكمالي . كانوا أقدر على تفسير زيف هذا " القانون " من ماركس Marx الذي كتب رأس المال واستفاض في شرح نظرية فضل القيمة . كما كان فقهاء الإسلام  أكثر حصافة من كينز الذي يدعوا الدولة لاستقراض رأس المال الفائض من الأغنياء وتوظيفه بمشاريع تمنح فرص عمل للعاطلين ، وتوفر السلع أي سلع . إنه من الفطرة والطبيعي أن تكون ، سلعة المأكل والملبس والمشرب ، أشد إلحاحاً من قطعة الماس وعقد اللؤلؤ ويخت الأمراء . لهذا كان احتكار النفط والحبوب أحدى الدعائم التي تقوم عليها الهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية ويتبعها بشكل تلقائي صناعة السلاح وصناعة الحرب . ظلت أسعار النفط في صعود مستمر ، وخاصة بعد الحرب الإيرانية – العراقية حتى عام 1986 ، حيث لامس سعر البرميل لمزيج برنت الأربعين دولار . لقد خاض صدام الحرب حفاظاً على السلطة واستقوى على عدوه بدول الخليج ومصر وفصيل من أباطرة النفط والسلاح ، وواصلة إيران الحرب ، وخاصة بعد عام 1983 ، حيث جنح صدام للسلم بعد أن اكتشف اللعبة ، أيضاً حفاظاً على السلطة وخوفاً من خصوم الداخل مستقوية بحافظ الأسد وليبيا وجناح آخر من أباطرة النفط والسلاح . عندما عاد الفريقان المتقاتلان إلى صوت العقل والضمير، وقبلا بإيقاف القتال . جيشت أمريكا كل سفيه وطريد وشريد ، لمعاقبة الفارين من اللعبة القذرة دون أخذ الإذن من العم سام ، فنخفضت أسعار النفط إلى الحضيض 10 دولار للبرميل الواحد ، عادت الاسعار إلى الأرتفاع من جديد قبيل حرب الخليج الثانية وحتى إعادة الكويت إلى آل الصباح ، ومكافأة العائلة الطريد الشريدة ببعض الأبار النفطية العراقية . وكمكافأة للدول التي شاركت بالحرب وملأت خزينة الحرب الأمريكية بالمارك والين والدعم اللوجستي ، بدأت أسعار النفط تنحدر تدريجياً إلى حضيض آخر يدغدغ مشاعر الدول " الحليفة " ، واستأثرت الشركات أمريكا بعقود الإعمار والاستثمار والتحديت والتسليح . هناك مقولتان طريفتان في هذه المهزلة : طويل العمر ولي العهد الأمير عبد الله يروي متذمراً ، وعلى الطريقة البدوية : كانت الذئاب تهاجم بين الحين والحين بيت أحد مربي الماشية وتفترس أحد الماشية ، فذهب صاحب البيت إلى صاحب كلاب الحراسة ، وستأجر كلباً عظيما بأجر غير قليل ، وتعهد بإطعام الكلب لحم العجول غالية الثمن ، لأن الكب لايأكل غيرها ، وبعد مدة اكتشف أن ثمن اللحم الذي يقدم للكلب مضافاً إليه أجرة الكلب ، التي يجب أن تدفع نقداً وبدون تأخير ، أضعاف ما كانت الذئاب تفترس من الماشية وهو الآن في حيرة من أمره ، فلا الذئاب تجرؤ على الاقتراب من البيت وتفترس الكلب ، ولا يستطيع التخلص من الكلب لعظم جسمه ، ولايمكن فسخ العقد مع صاحب الكلاب . والقصة الثانية جاءت من أوربا ، فعميد السلك الدبلماسي الأوربي ، وفي حفلة دبلماسية في الرياض ، شكي بمرارة وبحضور السفير الأمريكي ، شحت العقود التي تحضى بها دول الاتحاد الأوربي من السعودية ودول الخليج ، بل تلغى العقود ،  التى وقعت بالحروف الأولى ، لتستبدل بعقود لشركات أمريكية ، على الرغم أن الدول الأوربية شاركت في الحرب بالمال والسلاح . التفت السفير الامريكي إلى زميله الأوربي وبنبرة لا تخلو من التهديد وقال له : يا صاحبي ألا يكفيكم أن تدفعوا فقط 13 دولار للبرميل الواحد ، وكان سعر النفط آنذاك هو 13 دولار ، لو لم تشاركوا بالحرب لكان سعر البرميل اليوم 40 دولار ، فسكت الرجل . أمريكا تدير سياسة الهيمنة كما تدير شركة تجارية أو صناعية ، وحسب قاعدة ذهبية معروفة في عالم المال والاعمال : الأرباح تخصص والخسائر تعمم . واليوم أسعار النفط ترتفع بدون توقف ، وقد تصل إلى 60 دولار خلال ستة أشهر . السبب بسيط جداً . ما زالت المقاومة في العراق وفلسطين مستمرة ومتصاعدة ، بإذن الله ، فالاسعار في صعود مستمر . إن حجة تزايد الطلب على النفط من الصين أو المضاربات في أسواق النفط أو الهجمات على أنابيب النفط وتعطيل الانتاج أو قلق المستثمرين والأكثر سخافة في هذا الموضوع الحديث عن "قانون" العرض والطلب ، الشئ الوحيد المقبول هو اتفاع كلفة حماية أنابيب النفط فالسعودية تجند حوالي 30 ألف جندي لحماية أنابيبها ولكن هذه الكلفة الإضافية لا تبرر صعود الاسعار بهذه القوة  . أمريكا احتلت العراق لمزيد من الهيمنة والطمع ، وحسابات الاحتلال لا تختلف عن حسابات تمكين كابيلا ومن بعده ابنه من السلطة في العاصمة كينشاسا ، عاصمة الكونغو الديمقراطية ، التي أطلق عليها الدكتاتور السابق موبوتو زائير . التي تبلغ مساحتها خمس أضعاف مساحة العراق ، والغنية بالماس والذهب والنحاس وحتى النفط . يدير كابيلا الأبن ، بعد قتل أبيه ، العاصمة فقط، وتتفرد الشركات الصهيونية والغربية ببقية البلاد ، حيث مناجم الذهب والماس والنحاس فتقيم سلطات مستقلة من المرتزقة ، أشبه بحكومات ذات سيادة  وشركات "الأمن" الخاصة يديرها ضباط متقاعدون من أجهزة الأمن الأمريكية والاسرائيلة والأوربية. حسابات فولفوفيتس ، وبرل ، وشارون في العراق لا تتختلف عن حسابات طرد موبوتو من السلطة وإشاعة الفوضي والتناحر لسرقة ثروة البلاد والعباد . ربما الفارق الأساس بين الحالتين هو الإنسان والثروة ، الإنسان في العراق مسلح بعقيدة الجهاد ضد المعتدين ، ويملك السلاح والخبرة فيه . أما الثروة التي يراد سرقتها من العراق فهي من السلع الضرورية للحضارة والإنسان ، مما يجعل تدخل أطراف أخرى أمراً هو من طبيعة الأشياء ، والثروة العراقية التي يراد سرقتها مادة سريعة الاشتعال ، للاسفادة منها لابد من الأمن والأمان . على العكس من ثروة الشعب الكنغولي التي تستخرجها وتسوقها في الاسواق العالمية ، دون سلطان يذكر، الشركات الغربية أصلاً ، ولا تعتبر من السلع الضرورية ، فالماس والذهب  والمعادن النفيسة هي سلع كمالية وغير مشتعلة ، ومسألة الأمن تقتصر على إرضاء  الغلام الذي يدير العاصمة كينشاسا، او حسم الخلاف والتنافس بين اللصوص أنفسهم .

ولتوضيح صورية مقولة العرض والطلب ، أشفع قولي بالنكثة الروسية التالية : قام أحد المغامرين برحلة استكشافية على متن منطاد ، فعصفت به الريح إلى فوق قمة جبل ينكرها ، بعد أن تعطلت لديه أجهزة الملاحة والاتصال ، فأطل من سلة المنطاد فرأى رجلاً ، وكان الرجل عالماً في الرياضيات ، فصرخ مستغيثاً : أين مكاني الآن ؟ فأجابه الرجل ؛ ياهذا إنك توجد في سلة المنطاد . إن عالم الرياضيات على حق بلا أدنى شك ، ولكن  ما فائدة هذا الجواب لذلك المستغيث المسكين؟ يطل علينا من شاشة التلفاز رجالاً ونساءً ، في مقتبل العمر زادت الثياب الأنيقة والرياش الوثيرة وسامتم وجمالهن وسامة وجمالاً ، يفسرون  أو يؤولون لنا سر ارتفاع الأسعار "بقانون" العرض والطلب ، ولا يخالجهم أو يخالجهن الشك في مذهبهم الذي ألفوه ، فهم بهذا الزخرف من القول إما  يعيدون اختراع العجلة ، أو يفسرون الماء بالماء . بقيت مسألة تحز في نفسي أريد ذكرها ، قبل أن أصل إلى خاتمة المقال ، والتي لن تكون مسك .  وهو موقف الدول العربية والإسلامية المجاورة ، التي تقف عل منصة المتفرجين أو المتعاونين أو المذعورين . ينهلون من الأوهام ويتملقون العدوان ، مسرفين في التقية مغرقين في الأحلام ، مثالهم ومقالهم في سابق العصور وغابر الأيام ، آخر "خلفاء" بني العباس المستعسم بالله ، عندما زحف المغول على ممالك الإسلام فقال :  " إن بغداد تكفيني ولا يستكثرونها عليّ إذا تنازلت لهم عن بقية البلاد ". وقد يقول البعض لا طاقة لنا في جالوت ، ودعني أبادرها بما ملكت يدي ؛ فمنهن اهتبال السوق بصفقة ، من النفط الثمين نعم المغنم . وأخر يقول : يداك أوكتا وفيك نفخ ، وينتظر غرق الغريق وصفاء الماء من حوله ، ليجعل من جبنه حكمة ومن هلعه فطنة . وفريق آخر ينطبق عليه المثل القائل ، شر البلية ما يضحك . فالقوم أسرفوا في الحيطة والتحسب ، وأكثروا من التطير والتدبر ، ورجموا بالغيب والغيبة ، ولورجعوا إلى كتاب كليلة ودمنة ، وهو سر حكمتهم وناموس سلطانهم ، لوجوا  بيدبا الفلسوف يحدث دبشليم الملك عن مثل الرجل الصّابرعلى اللص يقول بيدبا الفليسوف : زعموا إن سارقاً تسور عليه وهو نائم في منزله فعلم به فقال : والله لأسكتن حتى أنظر ماذا يصنع ، ولا  أذعره ولا أعلمه إني علمت به . فإذا بلغ مراده قمت إليه فنغصت ذالك عليه . ثم إنه  أمسك عنه وجعل السارق يتردد ، وطال تردده في جمعه ما يجده . فغلب الرجل النعاس فنام وفر اللص مما أراد وأمكنه الذهاب . فستيقظ الرجل فوجد اللص قد أخذ المتاع وفاز به . فأقبل على نفسه يلومها وعرف أنه لم ينتفع بعلمه باللص إذ لم يستعمل في أمره ما يجب . نذكر القوم بمقولة علي ، رضي الله عنه ، في نهج البلاغة يخاطب المتخاذلين فيقول : اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا . إن الأسعار المرتفعة للنفط اليوم قد تغري الطامع وتطمئن الخائف بحكمة اللص ، وقد لاترى في اللص إلا لصاً ظريفاً أو نوعاً من أنواع الصعاليك الذين يسرقون أموال الأغنياء ويردونها إلى الفقراء ، ولا يتذكرون العهد القريب الذي كان النفط يباع بثمن بخس دراهم معدودات . إن شركة الهيمنة الصهيوأمريكية التي احتلت العراق للهيمنة على العالم القديم قد وقعت بما وقع به نابليون عندما غزا موسكو ، وستعود كما عاد نابليون مذموماً مدحوراً ولكن متى وعد الله ألا إن وعد الله قريب . أمريكا اليوم توزع المغارم وتجمع المغانم ، وإذا خرجت من العراق ، وهي ستخرج ، بإذن الله ، عند ذلك سيتسأل أهل العرض والطلب ماهو السعر الذي سيقبل به المصدر ويرضي المستهلك ؟ ونسأل نحن الآن من سيقرر سعر هذه السلعة الضرورية وهل ستبقى ضرورية ؟ أستثمارات ضخمة في صناعة الغاز الطبيعي ، تعادل إن لم تفوق الاستثمارات في صناعة النفط ، ولو أخذنا الفقرة المتعلقة بالطاقة ببرنامج الحزب الديقراطي المنافس لأباطرة النفط والسلاح في الحزب الجمهوي مأخذ الجد ، التي تدعوا إلى تكثيف الجهود والاستثمارات في مجال الطاقة البديلة ، وعلمنا أن كل الشركات العالمية لصناعة السيارات تملك نماذج لسيارات تندفع بنفس القوة والكفاءة والأمان مستخدمة غاز الهدرجين السائل ، الذي يعتبر الأكثر ملائمة لحماية البيئة ، وعلمنا أيضاً أن تقنيات الغاز الطبيعي المعروفة جيداً لأهل الاختصاص ، بل أصبحت شائعة الاستعمال حتى في محطات الوقود العادية ، سنصل إلى يقين أن معركة الطاقة في طريقها إلى الحسم . فالهدرجين طاقة رخيصة ونظيفة وستنافس أرخص أنواع الطاقات الأخرى عندما تدخل صناعة الطاقة الشمسية مرحلة الاستغلال الاستراتيجي ، وخاصة في الحزام البني المعرف عند خبراء الطاقة الشمسية . هذا السناريو قد يخيف الجهلة من أباطرة النفط مصدرين أو مستغلين ولكن هو صوت العلم والعقل ، الذي لا يقهر،  في عالم الحضارة والعمران . هذا السناريو لا يلغي النفط ، تلك المادة اللزجة العجيبة التى تعتبر عصب الصناعات الكيمياوية ، يكفي معرف أن كل سيارة في العالم يدخل في بناؤها حوالي 150 كيلوغرام من النفط . إن عملية إعادة الاستعمال للمواد البلاستيكية وغيرها من المواد هي الأخرى تسير من نجاح إلى نجاح يكبح الطيش والسفه والإسراف الذي أعطى لحضارة القرن العشرين والقرن الحالي معالم مخيفة . وكما كان اختراع  الآلة البخارية بداية عصر القوة والقهر والحروب ولاستغلال والعبودية المقنعة فسوف ، تكون الطاقة الشمسية بداية عصر الحضارة والعمران لشعوب وأمم لم تعرف إلا القهر .

*باحث في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ