ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 07/11/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العمال السوريون ضحايا دولتهم

بمناسبة العدوان على عمال سوريين في لبنان

بقلم : محمد الحسناوي *

في كتابه ( العالم 1982) رسم الروائي البريطاني جورج أورول صورة باهرة للنظام الشمولي الذي يزيف الشعارات جهاراً نهاراً ، تعبيراً عن الإفلاس المزمن في الحكم ، فيسمي وزارة الدفاع ( وهي تخوض حروباً تدميرية ) بوزارة السلم ، ووزارة الداخلية ( وهي تنتهك حقوق المواطنين الإنسانية ) بوزارة المحبة ، وهكذا بقية المرافق العامة والمؤسسات الرسمية وحتى الشعبية بفرمانات سلطوية ، لا مردّ لها . وهو نفسه مؤلف ( مزرعة الحيوانات ) التي تدين النظام الشمولي رمزياً بأداء بارع ، وهو يعني أول ما يعني ( الاتحاد السوفياتي ) والنظام الشيوعي الحديدي الذي طبق في روسية آنذاك والمنظومة الاشتراكية الدائرة في فلكه ، لكن الاتحاد السوفياتي سقط ، وسقطت معه سلسلة من الحكومات الشمولية ، إلا نظام الحزب القائد في سورية الذي سار على النهج السوفياتي لم يتغير ، بل زاد تخشباً وتزييفاً للشعارات التي ينادي بها ، كالاشتراكية مثلاً .

مناسبة هذا الحديث هو العدوان الجماعي الذي تعرض له مجموعة من العمال السوريين( 12 عاملا) في بلدة < شحور اللبنانية > داخل سكنهم ، استخدمت فيه العصي والأدوات الحادة ، ضرباً بالرفوش والمعاول من قبل سكان البلدة ، ما تسبب في إصابة عدد من هؤلاء العمال ، على خلفية إشكال حول مزاحمة العمال السوريين لأبناء البلدة في قطف الزيتون ، وتطور الأمر إلى مشكلة استدعت تدخلاً أمنياً وحزبياً . وقد نقل العمال الجرحى إلى عيادة أحد الأطباء ، فيما بقي ثلاثة منهم تحت المراقبة الطبية لإصابتهم البليغة في الرأس والعظام ، وهم : سيار السيار وشقيقه رجب السيار وقدورة السيار . لكن السوريين الذي يعيشون في بلدة < شحور > من سنوات طويلة حزموا كلهم  أمتعتهم وغادروا البلدة . ( أخبار الشرق 20/10/2004)

وأهمية الخبر أنه جزء من ظاهرة متكررة متصلة الحلقات منذ دخل الجيش السوري الأراضي اللبنانية ، بل قبل ذلك أي منذ ادعى الحزب الحاكم في سورية حق ( الوصاية ) على لبنان والعرب أجمعين .

قبل شهر تقريباً أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية أحكامها بالسجن على /19/ عاملاً سورياً متهمين بالاعتداء على رجال الأمن بالعنف والشدة والتظاهر وإثارة الشغب والتخريب ، وذلك على خلفية تحرش واعتداء تعرض له بعض السوريين ، انتقاماً لمقتل المغدور (بيار عفارة) في محلة برج حمود على يد مواطن كردي سوري قبل أسبوع ( الشرق الأوسط 23/9/2004) ، وكانت العاصمة بيروت شهدت مظاهرة ضخمة للعمال السوريين بتاريخ 20/9/2004 على أثر إشاعة اعتداء على عمال نظافة سوريين بجدع أنف أحدهم وصلم أذن آخر ، تقاطر لحضورها العمال السوريون من شمال وجنوب لبنان ، ولم تنفض المظاهرة إلا بعد تدخل قوات الأمن والجيش .

وقبل ثلاثة أشهر أعلن عن وفاة عامل سوري بانفجار في بيروت ( أخبار الشرق 29/7/2004) .

هذا بعض ما نشرته الصحافة مؤخراً ، وليس ما كل ما يحدث للعمال السوريين ينشر ، ولا كل ما تنشره يصل إلى علمنا . ولكن وصل إلى علمنا أن العمالة السورية في لبنان معضلة من معضلات العلاقة السورية اللبنانية ، وأن الأشقاء اللبنانيين يعانون منها الأمرين بقدر معاناتهم من تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية في تفاصيل حياتهم . وهي معاناة مضاعفة لأن العمال السوريين أيضاً يعانون منها ما يعانون .

الدكتور بسام الهاشم أقلقه هذا الموضوع فألقى محاضرة بعنوان ( الاتفاقات الاجتماعية وانعكاساتها الديموغرافية في العلاقات السورية اللبنانية ) برعاية ( الحركة الثقافية في أنطلياس ) بتاريخ 14-15/10/2000م ، ردّ عليها الكاتب السوري محمد علي الأتاسي بمقالة تحت عنوان ( تقدير العمال السوريين في لبنان بمليون ونصف .. بحث سياسي عن رقم ذهبي ) ( جريدة الحياة 18/4/2001).

أما النائب اللبناني نعمة الله أبي نصر المهتم بهذه المشكلة فتنسب إليه مجلة الوطن العربي قوله :    ( إن هناك عاملاً لبنانياً واحداً بين كل عشرة عمال سوريين وخصوصاً في مرافيء بيروت وصيدا    وطرابلس ) ، كما تذكر المجلة ( أن هذه المشكلة تستلزم حلاً قبل تفاقمها وتحويلها إلى أزمة اجتماعية في لبنان . ولذلك فإن هناك أكثر من عشرة نواب يعدون اقتراح قانون في المجلس النيابي يقضي بتنظيم العمالة في لبنان ) ( الوطن العربي 26/3/2004 ) . وتضيف المجلة قولها : (من الناحية المالية ، فإن هناك ثلاثة ملايين دولار تخرج من لبنان إلى سورية يومياً ، أي ما يعادل 90 مليون دولار شهرياً ، لأن العامل السوري يوفر ثلاثة دولارات يومياً على أقل تقدير ...أي هناك حوالي مليار ونصف المليار تخرج سنوياً من لبنان إلى سورية )( إضافة إلى اليد العاملة ، هناك سوريون يشتغلون في قطاع النقل البري سواء من خلال الشاحنات أو عن طريق التاكسي < سرفيس> في بيروت وسائر مدن البقاع والشمال ، وهذا مخالف للقانون وحذر منه رئيس اتحاد النقل البري عبد الأمير نجده . ويقدر عبد الأمير نجده عدد السائقين السوريين في لبنان بحوالي 50 ألفاً ، وهم يشكلون مضاربة غير شرعية لأصحاب سيارات التاكسي اللبنانيين ) .

من المعلوم أن أجر العامل السوري اليومي في لبنان يتراوح بين 6و8 دولارات ، في حين أن العامل اللبناني لا يكتفي بأقل من 20 دولاراً ، والعامل السوري  لا يدفع ضريبة الدخل ولا بدل إقامة ولا رسوماً إضافية للدولة مثل الطبابة والاستشفاء ، لذلك فإن مدخوله يبقى بدون مصاريف جانبية باستثناء وجبات الطعام المتواضعة وقليلة الثمن .

والسؤال : لماذا يهاجر العمال السوريون بهذه الأعداد الضخمة إلى لبنان تاركين حقولهم ومعاملهم ووطنهم ومسقط رأسهم وذوي رحمهم : آباء أمهات زوجات أطفال ... متحملين الغربة والإهانة وشظف العيش وحتى دخول السجون والتعرض للأذى بأنواعه ؟ والقطر السوري أحد الدول المصدرة للنفط وفيه من الأنهار والخيرات ما ليس في لبنان . الجواب بكل بساطة : لأن في سورية أزمة بطالة ضاربة الأطناب ؟ ولماذا توجد بطالة ، والنظام يسمي نفسه ( دولة العمال والفلاحين ) ، والحزب الحاكم حزب اشتراكي ، وجبهته الحاكمة أحزابها أحزاب اشتراكية من شيوعية ومحسوبة على الناصرية وقومية ، وفي الجبهة تمثيل خاص لاتحادي العمال والفلاحين ، ونصف مجلس الشعب ( بالكوتا) للعمال والفلاحين ، والنظام متهم    بـ( ترييف الدولة ) أي ليس بتشجيع الهجرة من الريف إلى المدن وحسب ، بل استيلاء أبناء الريف على مفاصل الحزب والدولة والمؤسسات الأمنية من جهة ، وطبع ذلك كله بالعقلية الريفية المخالفة للتحضر والمجتمع المدني من جهة ثانية ؟ والجواب أيضاَ : أن الاشتراكية ( في النسخة السورية ) تعني إفقار الغني وليس إغناء الفقير . أما الريفيون المستفيدون المتنفذون ، فهم شريحة ( أقلية ) طفيلية مستبدة وليس مجموع أبناء الريف . نعم هناك أباطرة فساد لا تزيد عن 5 % تنهب ما يعادل 80%من الدخل السوري كما صرح الاقتصادي الأكاديمي الدكتور عارف دليلة ، وحكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن عشر سنوات على ذلك التصريح . ويضيف الدكتور دليلة قوله : إن ما يهدر من الأموال العامة على سيارات المسؤولين وذويهم وأتباعهم وأولادهم يكفي لرفع رواتب موظفي الدولة 15 عاماً . ولما احتج النائب رياض سيف على صفقة  ( الخليوي ) التي غنمها شادي مخلوف ابن خال الرئيس ، وخسرت الدولة فيها ملايين الدولارات ، تمت محاكمة سيف  بعد رفع الحصانة عنه ، والحكم عليه بالسجن عدداً من السنوات أيضاً . أما عمّ الرئيس رفعت فلم يغادر سورية ولم يرفع يده عن ( البقرة الحلوب ) إلى قصوره في ( ماربيا) حتى دفع له أخوه الرئيس الراحل ( مبلغاً كبيراً ) مع أن الأمير عبد الله بن عبد العزيز كان يدفع له شهرياً 5 ملايين دولار ، كما لم يقصر معه الشيخ خليفة آل ثاني ومثله ياسر عرفات والشيخ سحيم آل ثاني .. على حد رواية العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري السابق في مذكراته المنشورة ( وقائع ثلاثة أشهر هزت سورية – ياسين الحاج صالح – جريدة النهار 25/1/2004 ) .

لم تولِ الحكومات السورية المتعاقبة مشكلة البطالة الاهتمام الذي يجب أن ترقى إليه ، ولم تجتهد في إيجاد حل جذري لهذه المشكلة الاجتماعية خلال عقد التسعينات ، وهو العقد الذي بدأ يشهد تزايداً في عدد العاطلين عن العمل . والمتابع لبيانات وتصريحات رؤساء الحكومات السورية المتعاقبة حتى نهاية 2000 يلحظ بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه المشكلة لم تكن تحظى بالأولوية على الرغم من خطورة تزايد حجمها على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حتى فرضت نفسها فرضاً أجبر حكومة محمد ميرو الثانية على إصدار ( القانون 71 لعام 2001 ) القاضي بإحداث ( هيئة لمكافحة البطالة ) تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ، تتبع في عملها رئيس مجلس الوزراء . وقد مضى على إحداث الهيئة قرابة عامين ويزيد ، إلا أنها لم تبدأ عملها بشكل فعلي إلا بتاريخ 14/7/2004 ، وإلى الآن لم تظهر نتائج ملموسة لعملها . ومتى كان القانون وحده يعمل عمله في ظل الفساد المستشري والبيروقراطية ؟ وكم من مرسوم أصدره الرئيس الجديد ، وعطلته الأجهزة الأمنية وشبكات المافيا الحزبية والترهل الإداري ؟

الجهات الرسمية الحكومية في سورية تعترف بمعدل البطالة في اليد العاملة بنحو 5 و11% في حين تقر ( هيئة مكافحة البطالة ) المعدل بنحو 15% أي نحو 850 ألف عاطل عن العمل عام 2003 ، وفي دراسة صادرة عن  مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ومنظمة العمل العربية بعنوان ( البطالة في الدول العربية ) تشير إلى أن معدل البطالة في سورية يقدر بحوالي 30% ، في حين يقدرها البنك الدولي بحوالي 37% ( انظر : البطالة في سورية : الوضع الراهن – الأسباب – الآثار – السياسات - زياد عربية ابن علي – مجلة دراسات استراتيجية- دمشق –ع11- ربيع 2004) . مع العلم أنه يدخل إلى مربع البطالة ربع مليون مواطن سوري سنوياً .

في الدراسة التي نشرها زياد عربية ابن علي حول البطالة في سورية ( مجلة دراسات استراتيجية – ع11- ربيع 2004)  ذكر عشرة أسباب لحدوث البطالة في المجتمع من مثل :

-عدم كفاية ملاءمة المنظومة التعليمية من مواكبة نسق ووتائر التطورات العلمية والتحولات الاقتصادية المتلاحقة .

- تراجع دور الدولة كصاحب عمل في إيجاد فرص العمل ، سواء في القطاع الحكومي الإداري أو في القطاع العام والمرافق العامة ، وانسحاب الدولة تدريجياً من ميدان الانتاج وتقديم الخدمات ، مما ترتب عليه نوع من التشبع الوظيفي واللجوء في بعض الأحيان إلى الاستغناء عن خدمات بعض الموظفين أو تقليص فرص العمل . وما إضرابات طلاب كلية الهندسة في جامعتي حلب ودمشق احتجاجاً على مرسوم وقف توظيف خريجيهم إلا صدى لهذه الإجراءات ، اقتضى فصل قسم منهم من الجامعة وحبس آخرين .

- ضعف أو عدم استقرار بيئة اقتصادية كلية سليمة تكفل اتباع سياسة مالية ونقدية ملائمة ، ومن ثم تعزيز تشجيع العمالة والتشغيل للشباب .

وهي كلها أسباب تعود بالمسؤولية على الدولة بشكل أو بآخر ، لاسيما أن الحزب الحاكم  (الاشتراكي ) يقود الدولة والمجتمع بحسب المادة 8 من الدستور !! والقطاع العام هو القطاع الأكبر المهيمن .

إنها لمفارقة حقاً أن تهلك دولة ( العمال والفلاحين ) أبناءها الكادحين باسم العمال والفلاحين .

* كاتب سوري عضو رابطة أدباء الشام

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ