ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/09/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

الشيخ عبد الله المطوع -أبو بدر- الذي عَرَفْت ....

مكة المكرمة / طاهر إبراهيم   

عندما يصاب المسلم بموت عزيز كريم الشمائل، يحار من أي هذه الشمائل يبدأ، ويندر أن يجتمع بعضها في عظيم قوم. وإذا كان أبو بدر -يرحمه الله- لم يتطلع إلى منصب سياسي -فقد كان أكبر من السياسة ورجالها-، فقد دخل ميدان العمل العام من أوسع أبوابه.

عرفت أبابدر من خلال لقاءاتي به أثناء زياراته إلى مكة المكرمة -فقد كان جاراً لي فيها- لحضور مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي، فقد كان عضوا مؤسسا فيها، أو من خلال أدائه فريضة الحج أو العمرة. وأكثر ماكنا نلتقي كان في العشر الأواخر من رمضان، فما عهدته انقطع عن عشرٍ منه على مدى عشرين عاما عرفته فيها.

وفي هذا العشر الكريم من الشهر الفضيل كان بيت "أبو بدر" في مكة المكرمة قبلةً لأهل الإسلام، ومحجا يقصده القاصي والداني من رجالات العالم الإسلامي، وفيهم العلماء والوزراء ورؤساء الهيئات الإسلامية وقادة الأحزاب، وأكثرهم كانوا يقصدونه لتدارس الأوضاع التي يتعرضون لها وبسط حاجات الأقطار التي قدموا منها.

وفي العشر الأواخر من رمضان كانت مكة المكرمة لا يكاد ليلها يغمض فيه أجفان زائري البيت الحرام إلا قليلا. وهكذا كان ديدن الشيخ "أبو بدر" عندما يستقبل ضيوفه على مائدة السحور يحضرها معه أكثر من عشرين قادم. وكانت المائدة مناسبة لتبادل الأحاديث التي تهمّ شئون المسلمين وما أكثر المحزن منها وأقل المفرح. ولا تخلو تلك اللقاءات من أشعار، كان الدكتور "عصام البشير" يتحفنا بالطريف منها من محفوظاته التي لاتنضب. فإذا ما أذن لصلاة الفجر شمر الشيخ عن زنوده للوضوء، ولا يكاد يصل إلى المسجد القريب إلا وقد أقيمت الصلاة، يقطع الطريق إليه في أحاديث مع أصحاب الحاجات، الذين أرادوا أن يكون ذلك منهم بعيدا عن أسماع باقي الضيوف. فإذا قضيت الصلاة انصرف معه إلى البيت أصحاب الحاجات الكبيرة التي  تشمل قطرا أو أكثر.

وإذا كان الرجال يعرفون في أو قات الشدائد، فقد كان "أبو بدر" من الذين لا تنحني قاماتهم في مواجهة أعتى العواصف. ولقد كانت أزمة اجتياح "الكويت" من قبل الجيش العراق في آب "أغسطس" عام 1990 عاصفة هوجاء ما تزال تلقي بتبعاتها على كثير من الأقطار العربية وعلى كثير من قيادات الجماعات الإسلامية. ولقد كان "أبو بدر" واحدا من مواطني الكويت تألم لما حل بوطنه، لكنه لم يتغير عطاؤه المستمر لجماعات إسلامية ناصرت قياداتها العراق بشكل أو بآخر في معركة تحرير الكويت.

واستطرادا أنقل هنا جانبا من لقاءات لجنة ضمت قيادات إسلامية جاءت إلى مكة المكرمة من أقطار إسلامية والتقت مع علماء سعوديين وخليجيين في مبنى رابطة العالم الإسلامي. وكان أحد الضيوف المشاركين قد شدد النكير على التدخل الأمريكي في المنطقة، وأنه يستهدف المسلمين في العراق ودول الخليج. وهنا وقف الشيخ "أبو بدر" متداخلا فقال: إني أقول في أمريكا أكثر مما قال أخي (فلان)، ولكني أسأل هذا الأخ: هل اجتاحت جيوش "صدام حسين" الكويت لإقامة دولة الإسلام فيها؟

ولم تمض سنة واحدة أو أكثر قليلا حتى تعرض هذا الأخ (فلان) وجماعته الإسلامية إلى ملاحقات واعتقالات من أجهزة أمن النظام في بلده وشردت آلاف الشباب الإسلامي إلى الآفاق، ورأينا الشيخ "أبو بدر" يتعالى على جراحه  ويقود حملة خيرية لإسعاف عائلات المعتقلين والمشردين في ذلك القطر.

أما نحن السوريين فقد غمرنا هذا الشيخ الكريم بصنائع معروفه وبذله. فلا تكاد تجد أسرة معتقلٍ أو في المنفى إلا وقد وصل إليها بعضٌ من نوله ومن جود كفه وكريم سعيه مع الميسورين لنجدة الأسر التي غُيب عميدها في المعتقلات أو نفي في الأفاق. ولقد كان وسام الاستحقاق الذي يحق لأسرة فقيدنا الغالي الشيخ أبو بدر أن تفخر به أن يده البضاء كافأه عليها النظام القمعي بأن أرسل حقيبة متفجرات وضعها ضابط مخابراتٍ مجرم عام 1981 في مبنى جمعية الإصلاح الاجتماعي ومجلة المجتمع اللتين حظيتا بشرف رعاية الشيخ الكريمة، وذلك ردا على جميله بحق  السوريين.

لعلي لم أذكر إلا النذر اليسير من فضل هذا الجبل الشامخ. وما ذكرته هو بعض ماأعرف. ولا أزعم أن معرفتي القاصرة به قد أحاطت بما يكفي للتنويه بفضل عملاق النصف الثاني من القرن العشرين ،وإلا فهو علمٌ من أعلام الفضل، لا يمكن أن يدانيه ،فضلا أن يزاحمه، فيه أحد. وإذاكان كثيرون هم الذين جمعوا نصيبا من الدنيا مع ابتغاء الدار الآخرة علىمدار التاريخ الإسلامي عبر الأجيال، إلا أن معرفتي القاصرة به تجعلني أزعم أني لم أكد أسمع أن رجلا من معاصريه انطبقت عليه آية سورة القصص:"وابتغ في ماآتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك" كما انطبقت على الشيخ "أبو بدر" رحمه الله.

كان آخر عهدي بالشيخ "أبو بدر" هو يوم السبت 2 أيلول. فقد اتصلت به هاتفيا أسأل عن أحواله وصحته. فعلمت منه أنه غادر مدينة "أبها" ( 600 كيلومتر جنوب مكة المكرمة) إلى الرياض، في طريقه إلى الكويت حيث وافاه الأجل فيها في اليوم التالي.

رحم الله الشيخ "عبد الله المطوع"، فقد كان أمةً في رجل، وعلماً من أعلام الهدى، حريصا على الخير، حاضرا في أسواق الكرم والمعروف، لا تهزه أعاصير الدهر.

ومعذرة أيها الشيخ الكريم إن قصرت كلماتي عن الإفصاح عن معروفك بما يكفي. وإن القلب لينفطر أنا لن نراك في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم القريب، هذا إن بقي في العمر بقية، وإنا على فراقك يا أبا بدر لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

تغمد الله الفقيد بواسع مغفرته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ