ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 06/07/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

صراع الديوك و مزرعة الأسد  ؟

د. هشام الشامي :

إثناء الاستعمار الفرنسي لسوريا أقر الزعيم الفرنسي الجنرال ديجول بالحقيقة  قائلاً : "واهم من يعتقد أنه بالإمكان إركاع سوريا" . و عندما تنازل الرئيس السوري شكري القوتلي عن الحكم للرئيس المصري جمال عبد الناصر لصالح مشروع الوحدة بين القطرين العربيين ؛ الذين توحدا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة ، أراد الرئيس القوتلي ( الذي أصبح اسمه المواطن العربي الأول ) أن يمازح الرئيس جمال أثناء تهنئته بهذه الوحدة و برئاسته للجمهورية العربية المتحدة الوليدة ؛ فقال له : "أسلّمك شعباً ، ثلثاه زعماء ، و الباقي أنبياء ، أعانك الله على قيادته" .

لا شك أن الرئيس القوتلي قد قال كثيراً من الحقيقة بأسلوب مازح  لطيف ، و هو الخبير بهذا الشعب المعتز بنفسه إلى حد الغرور ، و قد كان القوتلي على رأس الكتلة الوطنية ، التي كان لها دوراً رياديّاً في مقارعة الاستعمار الفرنسي ، و في تحقيق الاستقلال ، و كان أول رئيس لسوريا بعد الوعد الذي قدمته الحكومة الفرنسية باستقلال سوريا ، و أول رئيس لها بعد إعلان الاستقلال بشكل رسمي في السابع عشر من نيسان عام 1946م .

ثم عانى الرئيس القوتلي مع شعبه من غرور العسكر و طموحاتهم الرئاسية ، فانقلب عليه من عينه بنفسه قائداًً للجيش ، وهو الزعيم حسني الزعيم في 30/3/1949م ، و أودعه في السجن ، و بدأ الزعيم بأولى محاولات إركاع الشعب السوري ، فكان يستدعي الفتوّات و القبضايات و زعماء الأحياء الشعبية و شيوخ العشائر و القبائل و زعماء الأحزاب السياسية ، فقط ، لإذلالهم و شتمهم و كسر شوكتهم ، و كان يشبع غروره و طغيانه و جبروته بشتمهم و توبيخهم و تهديدهم و الاستعراض أمامهم ببدلته العسكرية و نياشينه وأوسمته و عصاه ، ثم يأمرهم بالانصراف ، و قد كان هذا التصرف الطائش أحد المسامير الهامة التي دُقّت في نعش الزعيم و عجلت بنهايته ، إضافة لجملة قرارات لم يعتد عليها شعبنا من قبل ، فبينما كان الشعب بأغلبيته الساحقة مسلحاً ببنادق و رشاشات و مسدسات ، منع الزعيم بقرارات رئاسية حمل حتى المُدى و الخناجر و السكاكين ، و أمر بسجن من يحمل أي قطعة سلاح حتى و لو كان سلاحاً أبيضاً .

و لكن هذا الزعيم المغرور سقط بانقلاب دموي بعد حوالي مئة يوم من استلامه السلطة بانقلاب ، و تم تنفيذ حكم الإعدام به و برئيس وزرائه محسن البرازي رمياً بالرصاص . و استلم الحكم العقيد سامي الحناوي الذي سقط أيضاً في نفس العام و بعد حوالي ستة أشهر بانقلاب العقداء برئاسة العقيد أديب الشيشكلي .

و لكن العسكريين فشلوا في إخضاع الشعب السوري ، و تطلع هذا الشعب الحر إلى الحياة البرلمانية المدنية من جديد ، و بدأ العصيان المدني و العسكري بوجه أديب الشيشكلي يتفاقم ، خصوصاً عندما عطل الشيشكلي البرلمان و الأحزاب و الحياة السياسية و أسقط حكومة هاشم الأتاسي المنتخبة ، و أسس حزباً قائداً!!؟؟ ( هو حزب التحرير العربي ) و حاول فرضه على المشهد السياسي السوري ، و عطل البرلمان و الدستور ، و فرض الحياة الديكتاتورية العسكرية على المجتمع السوري .

و أمام المعارضة الشعبية و العسكرية المتفاقمة ، اضطر الشيشكلي إلى مغادرة البلاد  ، و عاد الرئيس المنتخب هاشم الأتاسي لإكمال فترته الرئاسية ، و تشكل وفد شعبي لإقناع الرئيس القوتلي الذي كان يعيش في منفاه في الإسكندرية في مصر بالعودة إلى وطنه ، حيث أعيد انتخابه من جديد رئيساً للبلاد ، و استمر في هذا المنصب حتى إعلان الوحدة مع مصر ، حين تنازل طواعية عن الحكم للرئيس عبد الناصر .

حاول الرئيس عبد الناصر أن يسيطر على المجتمع السوري ، بعد أن ألغى الأحزاب ، بتفعيل دور الأمن و المخابرات و التي بدت كمحاولة لتصدير أسلوب حكمه المعتمد في مصر ، فدعم رئيس المكتب الثاني ( المخابرات ) العقيد عبد الحميد سراج و أطلق يده على البلاد و العباد في سوريا ، و أصبح الرجل القوي في الإقليم الشمالي ( سوريا )  ، و كان لهذا الأسلوب القمعي المخابراتي الذي لم يعتد عليه الشعب السوري دور بارز في تقويض أول مشروع وحدوي عربي في العصر الحديث ، رغم أنه كان حلماً شعبياً وردياً .

و أذكر أن ناظري قد وقع على كاريكاتير في أحدى الصحف العربية الصفراء - التي كان والدي يرحمه الله يحتفظ بها - تلخص تلك الفترة بأسلوب ناقد ، حيث رُسم عبد الناصر و تمشي خلفه ثلاثون نعجة ( كان تعداد سكان مصر آنذاك ثلاثين مليوناً ) مطأطئات الرأس ذليلات ، بينما كان ست قرود ( كان تعداد سكان سوريا آنذاك ستة ملايين ) يتعربشون و يتسلقون رأس و أكتاف و ظهر و يدي عبد الناصر و هم يشاكسونه ويعاكسونه.

و سقطت الوحدة بعد حوالي ثلاث سنوات من إعلانها ، معلنة سقوط أول و أخر حلم وحدوي عربي في القرن الماضي ، و حاول انقلابيو الانفصال إعادة الحياة البرلمانية ، و اصطدم العسكر مع السياسيين من جديد ، و بينما كان الصراع على أشده بينهما ، عادت تجارب المغامرين العسكر المتعطشين إلى السلطة من جديد ، و حدث انقلاب الثامن من آذار من عام 1963م و الذي كان بتدبير مجموعة من الضباط الناصريين و البعثيين و المستقلين ، و كان البيان رقم واحد إعلاناً للانقلاب ( الثورة!!؟ ) ، و البيان الثاني إعلاناً لحالة الطوارئ في البلاد منذ اليوم الأول لوصول هؤلاء المغامرين المتعطشين إلى السلطة ، و ألغيت الأحزاب و الحياة المدنية و أغلقت الصحف ، إلا الناطقة باسم الانقلابيين ، و بدأ الصراع على السلطة بين أطراف المجموعة الانقلابية ، الذين كانوا كما الديوك في مزرعة ، كل منهم سيقاتل بقية الديوك حتى الموت أو الانفراد بالمزرعة ، و حسمت معركة الديوك هذه لمصلحة البعثيين ، و تم التخلص من الضباط الناصريين و المستقلين ( رغم أنهم كانوا الأكبر رتباً ، كما أنهم لعبوا  الأدوار الرئيسية في الانقلاب ) ، ثم بدأ الصراع داخل الفصيلة الواحدة في مزرعة البعث ، و بدأت الديوك البعثية تصفي بعضها البعض ، فتم إبعاد من اصطلح على تسميتهم اليمينيين و القوميين و المؤسسين أولاً إثر حركة شباط 1966م كميشيل عفلق و صلاح البيطار و الفريق أمين الحافظ و اللواء محمد عمران ( علوي ، و أعلى رتبة من مجموعة اللجنة العسكرية السرية التي شكلها ضباط بعثيون إبان الوحدة مع مصر ) ، ثم بدأ الصراع داخل مزرعة الشباطيين فتمت تصفية الحاطوم و الشاعر ( من الدروز ) ، كما تم التخلص مجموعة السويداني ( من الحورانيين ) ، ثم من المير و الجندي ( إسماعيليين ) ، و شيئاً فشيئاً انحصر الصراع بين الديكين العلويين ( صلاح جديد و حافظ الأسد ) .

و استطاع الأسد أن يحسم الصراع لمصلحته في تشرين الثاني من عام 1970م ، بعد أن قضى على كافة خصومه العسكريين و السياسيين ، و تفرغ لتحويل سوريا ( بلد الحضارة و التاريخ ) إلى مزرعة خاصة له و لأولاده .

استطاع الأسد عبر سنين طويلة من الحكم الشمولي الأمني العسكري الإجرامي من الانفراد بالسلطة ، و أن يكون الديك الوحيد المهاب في المزرعة الأسدية ، و الذي كان ينفش ريشه كالطاووس و يصيح على الدوام ( يقاقي ) و يقول : أنا ربكم الأعلى ، و كلما كبر أحد الديوك و نفش ريشه و بدأ بمنافسة الديك الأسدي في أحد أطراف المزرعة ، كان الأسد يقوم بقص ريشه أو نتفه أو بتصفيته نهائياً أو بعزله داخل أقبية و مهاجع السجون ، أو بنفيه و طرده من المزرعة ، و في أحسن الأحوال كان يكتفي بخصيه و تحويله إلى خنثى لا يهش و لا ينش ، و الأمثلة كثيرة لا تخفى على أحد من الشعب السوري ، الذي تحول بدوره ( في نظر الديك الأسدي ) و تحت ظروف القهر و القتل و الإجرام و التنكيل و السجن و النفي و الإرهاب الأمني المنظم إلى مجموعة من الدجاجات و الصيصان المسالمة و القنوعة ، التي لا تحلم بأكثر من نوع الحبوب و الغذاء الذي ستحصل عليه ، و لا يحق لها أن تفكر أبعد من ذلك .

هذه الصورة التي انطبعت في رأس الديك الأسدي المغرور ، جعلته يظن نفسه أنه الوحيد الذي يحق له أن يتصرف في هذه المزرعة ، فيبيع ما يشاء منها لمن يشاء ، و يهدي ما يشاء ، و يقتل من يشاء ، و يسجن من يشاء ، و يبعد من يشاء ، و يقرب من يشاء ، و لا يحق لأحد مناقشته أو سؤاله عن أي أمر يتعلق بمزرعته الخاصة ( حتى و لو كان الأمر يتعلق بالحرب و السلام ، أو بالتنازل عن قسم من الأوطان ، أو باختيار النواب في البرلمان ، أو بانتخاب خليفة السلطان ) ،و لا يسمح لأحد أن يقول إلا ما يرضي و يسعد السلطان ، و يشبع غروره و جنون العظمة عنده ، تماماً كما وقف أحد الشعراء الصيصان  ( يصوصي ) و يقول مخاطباً ديكه الأكبر :

ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ  **  فأحكم فأنت الواحد القهارُ .

و كما كانت مجموعة الصيصان الهتيفة تصرخ بأعلى صوتها :

حلك يا الله حلك  **  تحط حافظ محلك .

و أختصر آخر ( و يحسب على المعارضة !! ) تاريخ سوريا ( أقدم بلد في التاريخ ، و عاصمتها أقدم عاصمة ) بثلاثة زعماء و هم : زنوبيا ، و معاوية ، و ديكه الأسد قدس الله سره !!!؟؟.

فهل حقاً استطاع الأسد تحويل الزعماء و الأنبياء ( حسب تعبير الرئيس القوتلي ) و القرود ( حسب كاريكاتير الصحيفة العربية ) ، و الشعب الذي لا يقهر ( حسب ديجول ) إلى نعاج و دجاجات و صيصان ؟ .

واهم حقاً من يظن ذلك ، و ستظهر الحقيقة المرعبة لهذا الطغيان قريباً ، و سيكتشف العالم أجمع أن نظرة ديجول و حكمته أقرب إلى حقيقة هذا الشعب العريق من نظرة الطاغوت الطائفي الضيقة و القاصرة ..

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ