ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 14/06/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

جند الشام و أبو القعقاع و فتة الحمص

د.هشـام الشـامي

بعد حوالي شهرين من التعذيب الجسدي و النفسي في أحد فروع المخابرات ( و ما أكثرها في أسدستان ) ، و بعد استعمال كل أساليب التعذيب ( الطائفية و البعثية ) اللا إنسانية  و اللا حيوانية ، من الدولاب الوطني إلى الكرسي الألماني إلى بساط الريح الروسي... ، و الجلد بالكرابيج و أسلاك الحديد و عصا الخيزران و بنود الخشب ... و تعرية الجسد و دفق المياه عليه -المثلجة تارة و الحارة تارة أخرى- ، و وضع أسلاك الكهرباء على المناطق الجنسية و الحساسة من الجسد و توصيل الدارة الكهربائية في الجسد المتلف من الجَلد المتواصل على كل مناطق الجسم ، بعد ربط اليدين خلف الظهر ، و تعصيب العينين بعصابة سوداء ( طميشة ) ، و رغم أن هذا السجين فقد وعيه عدة مرات من شدة التعذيب ، و كسرت ساقه اليمنى ، و فتحت أخمصا قدميه ، حتى أصبحت في كل منهما حفرة تتسع لبيضة دجاج ، بعد هذه الحملة الشعواء المستمرة ، كان المطلوب منه شيء و احد فقط و هو أن يعترف أنه منظم ، و كانت الأسئلة التي تتكرر : من نظمك ؟ ؛ متى التحقت بالتنظيم ؟ ؛ من كان معك بالتنظيم ؟ ؛ من هو أميرك بالتنظيم ؟ . و لأنه لا يعرف شيئاً عن التنظيم ، و لأنه يعرف أن إقراره بهكذا تنظيم يعني الإعدام ؟ ؛ حاول أن يصبر و يصبر على الضغوط الكبيرة ، و حملات التعذيب المستمرة ، و الإهانات الفظيعة و ألفاظ السباب التي لم يسمع بمثلها في حياته ، و لم يكن يتصور أن هناك قلوب بشرية تحمل مثل هذا الحقد الدفين ، و لا ألسنة بشرية يسيل منها مثل هذا الفحش و القبح ، و لم يصدق أنه أستطاع أن يتحمل كل هذا العذاب اللامعقول و اللا منطقي و الذي لا يستطيع أن يتحمله أقوى كائن غير بشري على الإطلاق ، و كان في كل مرة يخرج فيها للتعذيب يظن أنها المرة الأخيرة ، و أن جسده لم يعد يتحمل أكثر من ذلك ، و كثيراً ما أغمض عينيه و لفظ الشهادتين و ظن أنه سيسلم نفسه إلى بارئها ، لكنه يصحو بعد ساعة أو ساعتين و ربما يوم أو يومين – لا يدري – ليجد نفسه مرمياً في أرض زنزانة إفرادية ضيقة مضرجاً بدمائه ممزق الثياب أشعث أغبر لا يجد قطعة من جسده المتورم لا تألمه .

بعد كل حملات التعذيب هذه ، دُعي أخيراً إلى غرفة الذاتية ، و لأول مرة رفعت العصابة عن عينيه ، و وجد أمامه مساعداً ضخم الجثة ، مفتول الشاربين ، جاحظ العينين ، أحمر بياضهما ، ينفخ أمامه كرشاً مقذعاً ، طلب منه أن يوقع على ورقة قدمها له ، و لأنه يأس من حياته ، و لم يعد يحتمل أكثر مما رآه و عاناه ، لم يسأل ما كتب بها ، و حاول أمساك القلم بأطراف بنانه المتورمة لكنه لم يستطع ، فأخذ المساعد بيده و ساعده كي يمرر القلم في مكان كتب اسمه فوقه ، و هنا دخل ضابط عليهما ، فوقف المساعد و قدم له التحية ، فقال الضابط : وقّع هذا الكلب . فأجابه : نعم سيدي . فالتفت الضابط إلى السجين المحطم قائلاً : يا حمار ، أكلت فتة حمص مع هؤلاء المناي.. و تقول لست منظماً . و الله لأعدمك من بيضاتك ، خذوه إلى جنة الرضوان في تدمر ، خذوه إلى النعيم المقيم مع الأنبياء و الصالحين . و خرج و هو يقهقه . فوجه المساعد كلامه للسجين بلهجة أقل حدّة : ما لقيت تاكل فتة حمص إلا مع هالعرصات ؟. فأجابه السجين : هؤلاء زملائي في المدرسة . فقال المساعد : بتعرف أنو ثمن هالفتة الموت ، روح يا حمار الله لا يقيمك .

نعم يا سادة هكذا كانت نهاية التحقيق المأساوية مع مواطن سوري شاب في معتقلات أسدستان في السبعينات من القرن الماضي ، و لم تكن قصة خيالية ، أو رواية أسطورية ، و ليست من قصص الأدباء ، أو من كتب الحكماء و الفلاسفة ، أنها تكررت مئات بل آلاف المرات في فروع المخابرات العديدة في شامستان ، فهؤلاء ثبتَ عليهم التنظيم لأنهم تناولوا فتة الحمص في منزل زميلهم ، و آخرون كان دليل الإدانة بحقهم أقوى و أكثر حجة ، لأنهم خرجوا يوم الجمعة معاً إلى مزرعة زميلهم في الغوطة و تناولوا صفايح اللحم و السبانخ و الجبن و الزعتر ، و بذلك تجمعت قرائن الإدانة أكثر ، و آخرون أعدموا بتهمة التنظيم لأنهم خرجوا إلى النزهة و الاستجمام ، و نصبوا الخيمة ( التنظيمية ) على شواطئ بانياس للتدرب على السباحة و استنشاق الهواء النقي المحرم بعثياً . ألم تسمعوا بالطبيب البيطري الذي حكم عليه القاضي العسكري الرائد سليمان الخطيب بالإعدام ؟، لأن الخطيب ذكّر الطبيب ببقرتهم المريضة التي جاء بها والده و التي ماتت على يديه عندما كان الطبيب يعمل في الوحدة البيطرية في دريكيش بلد الخطيب ، و دارت الأيام ، و وقف الطبيب البيطري أمام المحكمة الميدانية في سجن تدمر الرهيب برئاسة هذا الرائد الحاقد ، و عضوية رفيقه الكاتب فقط ، فاكتفى بتذكيره بتلك الحادثة ، و قال له : اذهب سوف أعدمك من بيضاتك .

كل هذه القصص المأساوية و أكثر منها بكثير بإمكانكم قراءتها من الكتب التي صدرت عن بعض المساجين الذين قُدّر لهم أن يخرجوا ناجين من سجون الحقد الطائفي البعثي ( ككتاب تدمر شاهد و مشهود للسجين الأردني محمد سليم حماد ، و كتاب خمس دقائق و حسب - تسع سنوات في سجون سوريا للسجينة السابقة هبة الدباغ ، و سنتان في القاع  ... ) ، أو حتى بإمكانكم سمعاها مباشرة من أحد الخارجين من كهوف سجون أسدستان ، إن قُدر لكم الاجتماع به ، و إن تجرأ على شرح بعض معاناتهم التي لا تحيط بها الكلمات ، و لا تصفها أبلغ العبارات  .

ذكرت بعض التهم التي وجهت لعشرات الآلاف من الذين قضوا في سجون قمعستان لأتساءل معكم  : كيف يعدمون طلاباً ثانويين لمجرد أنهم تناولوا فتة حمص مع بعضهم ؟؛ أو آخرين نصبوا خيمتهم للنزهة في شواطئ طرطوس أو بانياس ؛ ثم يسمحون للمجاهد الكبير و العلامة الفاضل و ناصر الدين و حامي حماه الشيخ الحلبي / أبو القعقاع بإعلان الجهاد و تدريب المقاتلين على السلاح و الكاراتيه و فن القتال الفردي في قلب مدينة حلب ثاني مدن شامستان ، و في حي الصاخور الشعبي ؛ حيث كنا نجد خطب و مواعظ أبو القعقاع الحماسية تباع في المكاتب و على الأرصفة و أمام المساجد ، مع العلم أن الشيخ المجاهد أبا القعقاع كان يستلم من عنصر الأمن المكلف ما سيقوله ( كبقية خطباء سوريا ) قبل خطبة الجمعة ، لكنه لجرأته النادرة و شجاعته الفريدة و لتفانيه في حب الجهاد ولشوقه إلى الشهادة في سبيل الله كان لا يهتم بإملاءات المخابرات و البعثيين ، و لا يخاف من أحد إلا الله !!!؟؟؟؟...

هذا المجاهد العظيم و الفريد من نوعه ، كانت خطبه و نصائحه و كتبه في حوزة تلاميذه و مريدينه ( الأطفال العشرة ) الذين استشهدوا و جرحوا و اعتقلوا و هم يجاهدون في سبيل الله متسللين إلى بناء مهجور في ساحة الأمويين وسط دمشق فجر الجمعة الثاني من حزيران الماضي ، و كان بحوزتهم – إضافة لخطب و مواعظ و كتب المجاهد الأعظم أبي القعقاع – أسلحة أمريكية !! ( وصلتهم من دولة مجاورة جغرافياً!! ) و بعض الكتب التي تشرح كيفية استعمال السلاح ، و كيفية الهجوم على الأماكن المهجورة و الكهوف المظلمة في ساحة الأمويين ، أو في أعالي جبل قاسيون ، أو في محيط قرية كفرروما قرب معرة النعمان ؛ أو في قرى حماة النائية ؛ أو في المناطق الصحراوية في الحسكة و الرقة ؛ هذه الأماكن التي أكتشفت فيها قواعد تنظيم جند الشام كلها كانت بعيدة و مهجورة ، و للعلم فإن كل الأسماء التي عرفت ممن قضوا في هذه الحوادث ، كانوا من المهربين و المجرمين و المطاردين و المطلوبين جنائياً و بعضهم كان مطلوباً من الأردن وفق طلب رسمي مقدم للانتربول كما فضح ذلك الأمن الأردني ( و هو المسؤول عن حادثة جبل قاسيون )، لكن مشيئة المخابرات في سوريا أن تجعل منهم شهداء رأي قضوا في سبيل الله ، في أوقات نوم الناس ( قبيل الفجر ) و في أماكن بعيدة عن البشر ( أي في الوقت و المكان المناسبين للرفاق حسب تعبير الرفيق مصطفى طلاس وزير الدفاع السابق ) ، تماماً كما قضى الشهيد ( أبو العدس ) و هو يدافع عن فلسطين أثناء تفجير موكب اليهودي رفيق الحريري !!! .

هذه بعض حكايا و بطولات تنظيم جند الشام أو غرباء الشام أو قل جند مخابرات أسدستان ، أو شهداء أبو القعقاع الأسدي الذي كان يقبض على كل رأس من الشباب المتحمس الذاهب إلى الجهاد ، و بذلك يكون الشباب المجاهد قد حقق أمنيته بالشهادة ؛ و يكون شيخ المجاهدين أبو القعقاع قد مارس هوايته في الخطابة و الحماسة ، و بيع رؤوس البشر ؛ أما السادة الأفاضل الأذكياء الساهرين على أمن الوطن و المواطن فيكونون قد ضربوا عدة عصافير بحجر واحد ، حيث كشفوا و تخلصوا من الشباب المسلم المتحمس للجهاد أولاً ، و أظهروا للعالم أجمع و للأمريكيين خصوصاً أنهم مستهدفون من الإرهاب العالمي مثلهم ، و كأنهم يقولون لهم : تعالوا إذاً نضع أيدينا بأيديكم لمحاربة الإرهاب  ثانياً ، و أوصلوا لإسرائيل رسالة مفادها :أن هؤلاء هم الذين سيشعلون جبهة الجولان بعد أن استطعنا حمايتها لكم و إخمادها و إسكاتها تماماً منذ حرب تشرين و حتى الآن ثالثاً ، و برروا استمرارهم في فرض قوانين الطوارئ و القوانين الاستثنائية التي ما زالت مسلطة على رقاب شعبنا المظلوم و المغلوب على أمره منذ أكثر من أربعة عقود رابعاً ..

هذه هي ( فتة الحمص ) التي طُبخت في كهوف الظلم و الظلام الأسدية ، فهل استطاع أحد أن يهضمها ، رغم كل ما وضع عليها من الكمون و التوابل و البهارات ، و الحقيقة أنها زكمت أنوفنا بروائحها الكريهة ، و نفخت عقولنا و قلوبنا  قبل أن نسمم أمعاءنا بها .

فمتى سينتهون من طبخ الحمص و العدس و بقية البقوليات في مطابخهم الأمنية المفضوحة ؟!!.

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ