ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 29/05/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

فذلكــات  بعثيــة

د. هشـام الشـامي

عندما كنت طالباً في الثانوية العامة في سبعينات القرن الماضي ، استدعاني الموجه إلى مكتبه مع عشرة من زملائي الطلاب ، يجمع بيننا أننا كنا الأوائل على المدرسة ، و بعد أن أغلق باب مكتبه ، بدأ بإلقاء خطبة عصماء ، بيّن فيها أنه يفتخر بوجود أمثالنا في مدرسته و أننا مثال التفوق و الالتزام و الأدب ، و بعد أن سألنا عن عمل والد كل واحد منا ، عاد لمتابعة خطبته البليغة ، و بين لنا أننا أبناء الطبقة الكادحة ، أبناء العمال و الموظفين و صغار الكسبة ، و نحن أحق بأن نكون طليعة المنتسبين لشبيبة الثورة ، و بيّن استغرابه لعدم التحاقنا بحزب البعث العظيم ، حزب العمال و الفلاحين و الكادحين ، الحزب الذي أعاد الحقوق لهذه الطبقات المسحوقة ، و أنهى احتكار الإقطاعيين و الرأسماليين و التجار الطامعين .

لقد كانت  خطبة مؤثرة فعلاً ، جعلتنا نجلس صامتين خاشعين مصغين مستغربين مفاجئين من هذا الاجتماع الأول من نوعه ، و بعد حوالي نصف ساعة من الجمل الحماسية و الكلمات المثيرة ، و كيل المديح للحزب و الثورة و قائد المسيرة ، وجه إلينا السؤال التالي :

- ما الذي يمنعكم من الالتحاق بهذا الحزب العظيم ؟.

تسمرنا للحظات في أماكننا و كأن على رؤوسنا الطير ، ثم تجرأ أحدنا و أجاب متسائلاً بانفعال و توتر : - من هم الطلاب المنتسبون لشبيبة الثورة من زملائنا ؟

فأجابه الموجه الحزبي : - إنهم ثلاثة طلاب فقط و ذكر أسماءهم ؟

فتابع زميلنا الجريء قائلاً : - أتريدنا أن نكون مع هؤلاء الطلاب الكسالى سيئي السمعة ، عديمي الضمير و الأخلاق و الانتهازيين  ؟

فاجأنا جواب زميلنا و شجاعته ، و حسبنا أن أستاذنا سيوبخه على هذه الإجابة المباشرة ، لكن الموجه حافظ على هدوءه ، و رد عليه بكل أدب و احترام : - يا بني ، لو كنتم أنتم المنتسبون إلى الحزب ، لما تركتم لأولئك الفاسدين أي دور ؛ و على كل ادخلوا أنتم في الشبيبة ، و سأفصل هؤلاء الثلاثة إن شئتم .

استمر الأستاذ في مفاجأتنا ، و تأثرت بكلامه تأثراً شديداً ، و خصوصاً عندما بين لنا نزاهته ، و شرح لنا نضاله الطويل في صفوف الحزب ، و دفاعه عن الجماهير الكادحة و المسحوقة ، و تابع قائلاً : أنتم تعلمون أنني بعد انتهاء دوامي في المدرسة ، أعمل في محل صغير ، و هو عبارة عن غرفة من بيتي الصغير ، فتحتها على الحي ، و أبيع بها بعض الحاجات المنزلية ، لكي أستطيع أن أضاعف دخلي ، و أدرّس أولادي ، ليعيشوا بالحلال من جهدي و عرق جبيني .

لقد كانت كلماته تقتحم قلبي بسلاستها و رقتها ، و كنت أنتظر أن يسبقني أحد زملائي بالموافقة لكي أوافق معه ، و لا أريد أن أكون أول الخارجين عن الصف العام ، و عندما لم يرد أحد بالإيجاب ، استمر في أدبه الجمّ ، و أخلاقه الرفيعة و لم يضغط علينا أكثر من ذلك ، و قطع صمتنا قائلاً : - على كل حال ، سأترككم الآن ، و أرجوا أن تفكروا في كلامي جيداً ، و انتظر منكم الإجابة قريباً ؛ تفضلوا إلى صفوفكم من فضلكم .

خرجت مع زملائي ، و أنا أفكر في كلامه الجميل ، و منطقه السليم ، و عاهدت نفسي أن أدرس الموضوع بجدية ، و أرد عليه بالإيجاب ، و لو كنت وحيداً.

و بعد انتهاء اليوم الدراسي ، انصرف الطلاب ، و توجهت إلى حائط المدرسة قرب باب الخروج ، حيث كنت أضع مع بعض الزملاء دراجاتنا الهوائية ، و كنت أقطع على دراجتي كل يوم حوالي ست كيلومترات ذهاباً و مثلها إياباً من و إلى منزل الأهل في الحي البعيد .

و لكنني لم أجد دراجتي ، فسألت عنها الآذن فرد : أنه لم يرها ، فتوجهت إلى الموجه ذاته ، و قلت له بانفعال : لم أجد  دراجتي يا أستاذ ، لقد سرقت !! .

فهدّأ من روعي ، و قال هل سألت الآذن أبا جاسم عنها ؟ ، فقلت : نعم ، لكنه يقول أنه لم يرها . فأمسك بيدي كأب حنون ، و ذهب بي إلى غرفة المدير ، و بعد أن أستأذن بالدخول ، دخلنا عليه ، و وجه كلامه للمدير : هذا الطالب هشام من أفضل و أنشط الطلاب في المدرسة ، و يأتي إلى المدرسة من حي بعيد حرصاً على استمراره في مدرسة المتفوقين ، و قد سُرقت دراجته هذا اليوم .

فأجاب المدير : ما الذي يحصل يا أستاذ ، هذه خامس دراجة تسرق من المدرسة هذا الأسبوع ، يجب أن تشددوا الرقابة ، و تأتوني بالسارق في أقرب وقت لأقطع يده .

فخرجنا من غرفة المدير ، و كان الموجه ما زال يمسك بيدي بحنان ، و قال لي : استعن بالله ، و أمشي إلى بيتك راجلاً هذا اليوم ، و إن شاء الله سنمسك بالسارق ، و نعيد لك دراجتك .

و ذهبت إلى بيتي و الحسرة  تخنقني ، و عندما رأتني أمي كئيباً تنحصر الدمعة بين جفنَيّ ، سألتني عن سبب ذلك فشرحت لها ما حصل لدراجتي ، فحزنت لحالي ، و رقت لحزني . و عندما عاد والدي من عمله ، شرحتْ له حزني على دراجتي ، و قالت له : بيدي خاتم ذهب ، بعه و اشتري له دراجة . فقال لي والدي متأثراً : لا تحزن يا بني ، سوف أشتري لك دراجة مستعملة من سوق الجمعة إن شاء الله .

و انتظرت يوم الجمعة ، و فعلاً رافقني والدي إلى السوق الشعبي ، و بدأنا نبحث عن غايتنا ، و بينما كنت أبحث عن دراجة جيدة ، رأيت دراجتي التي كانت قطعة مني ، و كنت أعرفها كما أعرف نفسي ، و أصرف كل مصروفي في تزيينها و الاعتناء بها ؛ فصرخت : بابا ، انظر ، هذه دراجتي هناك . و عندما رآها أبي عرفها ، فأسرع و أمسك بمن يجرها ، و صرخ به : لمن هذه الدراجة ؟ فأجاب : أنها لي اشتريتها بالأمس . فسأله أبي : ممن اشتريتها ؟ . فأجاب : من صاحب البقالية قرب ثانوية الثورة في حي البعث . فقال والدي : هي مدرسة ابني ، و هذه دراجته ، تفضل معنا إلى هناك .

و ذهبنا ثلاثتنا إلى البقالية ، و إذ نحن أمام نفس محل الموجه البعثي المشرف علينا ، و عندما رآنا أحمر وجهه ، و وقف مرتبكاً . فسأل والدي الشاب الذي معنا : ممن اشتريت هذه الدراجة ؟. فأشار إلى موجهنا و هو يقول : من هذا الرجل .

فبدأ أستاذنا بالصراخ و كأنه غير الموجه الذي عرفت : لماذا تبتليني ؟ من سلّطك علي ؟ أنا لا أعرفك ، لم أرك في حياتي ، لا بد أن أحداً يريد أن ينال من سمعتي و مكانتي ، لا شك أنه مؤامرة مدروسة ، أنا رفيق بعثي شريف كادح مناضل...، سوف أسجنكم جميعاً ، سأتصل بالمخابرات لتأخذكم إلى ما خلف الشمس  ...

و بينما موجهنا يصرخ و يزمجر و يرعد و يزبد و يهدد ، و تمسك يده المرتجفة بسماعة الهاتف ، إذ دخل زميلي في المدرسة ، و معه والده ، و رجل يدفع دراجة أخرى وهو يقول : لقد اشتريتها من هذا الرجل . و كان يشير بأصابع الاتهام إلى الموجه البعثي نفسه !!!.

 المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها    

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ