ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 02/05/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

القمـع الرهـيب  (3 / 10)

حماه (23 - 26 نيسان عام 1981)

الدكتور خالد الاحمد*

يقول تقرير منظمة رقيب الشرق الأوسط :

تعد حماة واحداً من مراكز المعارضة القوية وقد نالها النصيب الأكبر من الثأر والانتقام في الربيع التالي. وحسب بعض التقارير فإن (المجاهدين) المسلحين نصبوا كميناً بتاريخ (21) نيسان لنقطة تفتيش أمنية بالقرب من قرية (علوية) بضواحي حماة فأجاءها الانتقام سريعاً بعد يومين فقط. تحركت القوات الخاصة ومعها اللواء (47) إلى داخل المدينة، وبدأت تفتيشاً من بيت لبيت. نشب قتال شوارع بصورة متقطعة إذ عزل الجنود المدينة عن المناطق المجاورة واستمروا بالتفتيش ودخلت قوات أخرى مضافة إلى المدينة التي فرض عليها منع التجول.

مساء الجمعة، في الرابع والعشرين من نيسان، اقتحم رجال الأمن البيوت واصطحبوا الرجال عنوةً وأطلقوا عليهم النار في الشارع من غير أن يدققوا في هوياتهم مطلقاً. وقد قتلوا في الفترة بين الثالث والعشرين والسادس والعشرين ثلاث مئة وخمسين شخصاً وجرحوا ست مئة شخص غيرهم في الأقل. سجل مستشفى حماة وحده (255) حادثة وفاة ، وقد عبر أحد مواطني حماة  ( شاهد عيان ) عن معاناته وتجربته بما يأتي:

لم يجاوز الوقت الساعة الواحدة والنصف قبل الفجر في يوم الجمعة الرابع والعشرين من نيسان، لم أكن نائماً فرأيت طائرتي هيلوكوبتر تهبطان على الأرض في المقبرة المجاورة لنا. غادر جنود الطائرتين وعزلوا المناطق القريبة والمجاورة حيث بدأوا رمياً يبلغ (200) إطلاقة قصفوا بها المنازل ثم كسروا أبواب الدور وانتزعوا جميع الرجال من عوائلهم، وكلما جمعوا خمسة عشر رجلاً أو عشرين اقتادوهم إما إلى طريق مشجّر كثيف الأشجار أو أدخلوهم إلى بيت واحد ثم رموهم بالرصاص، وهكذا يذهبون إلى مجموعة أخرى بعد كل عملية.
وفي الساعة الخامسة تقريباً جاء دور منزلنا، أخذوا رجلين من الشقة المجاورة لنا حيث كان هناك أربع شـقق في الموقع الذي نحن فيه من الطابق الأرضي. إلا أن الشقتين: الثالثة والرابعة لا يمكنني رؤيتهما بسبب الظلام الدامس في (الكوريدور)، ومن قبيل المصادفة تماماً لم يداهموا مسكننا. غيرت ملابسي وتهيأت للمغادرة معتقداً أن المسألة لا تختلف عما حصل في العام الماضي ( 1980) بحجزنا (في السجن) مدة أربعة أيام أو خمسة ومن ثم يطلق سراحنا.
هذه هي الطريقة التي اتبعوها في العام الماضي: الرمي في الهواء في كل اتجاه لإرهاب الناس وترويعهم، أما في هذه المرة، فلم يكن بوسعنا فهم ما يجري فعلاً وهذا هو السبب الوحيد لغياب المقاومة في منطقتنا وما يجاورها في الأقل. استمر القتل رمياً بالرصاص حتى الساعة التاسعة ضحى أو التاسعة والنصف، كنت طوال هذا الوقت أستمع إلى عويل النساء في الشقق المجاورة بل وصرخات الرجال أيضاً إذ يبدو لي أنهم تعرضوا للضرب المبرح قبل تنفيذ الإعدام بهم.
بحدود الساعة (11) ضحى استطعت تمييز صوت أخي في الشارع، وهو الذي لم يعش يوماً في دارنا، فهو متزوج ويسكن بعيداً عنا سمعته يصيح "لم يتركوا رجلاً أو صبياً في ديرتنا!" نزلت إلى الطابق الأسفل وسرت خطوات معدودات فقط قبل أن أطأ أكوام الجثث، خطوة أخرى فكومة ثانية من الجثث.. نظرت إليها طويلاً.. ولم أستطع تصديق ما تراه عيني. ففي كل كومة جثث نحو (15) قتيلاً أو عشرين وحتى ثلاثين جسداً ميتاً. . كانوا من جميع الأعمار.. أربعة عشر عاماً فأكثر.. في (البيجامات) أو (الدشاديش) - الجلابيات- منتعلين أو حفاة الأقدام .

 وقد تمكنت من مقابلة أحد الناجيين من هذه المجـزرة ورواها لي كما وقعت .

يقول ( أبو حيـان الحمـوي ) كنت زائراً عند بعض أقاربي في حـي باب البلـد ، أتفقدهم لغياب رب أسـرتهم الذي غيبـته المخابرات العسكرية ، ومازال غائباً حتى اليوم ، وشـاء الله عزوجل أن أشـهد أقسى تجربـة يشاهدها إنسان في حياتـه ، عندمـا يشـاهد الموت على بعـد ثـوان فقط منـه :

( في الرابعة من فجر يوم : 22/4/1981م كانت مجموعة من الطليعة المقاتلة  تختبأ في مقبرة باب البلد ، وتكمن منتظرة سيارات الوحدات الخاصة ، ولما مرت سيارة للوحدات الخاصة اشتبكوا معها ، وقتلوا سبعة عناصر منها ، ويبدوا أنهم تمكنوا من الفرار .

لذلك قرر قائد الكتيبة ( رائـد من السويداء ) الانتقام من الحي المجاور للمقبرة وهو حي باب البلد وبجواره البرازيـة ، عملاً بالاستشارة التي قدمها الخبراء السوفييت ( يـهود) ، الذين استقدمتهم الحكومة السورية عام (1980م) لدراسـة الحالـة الأمنيـة في حماة  ، وقد عاينوا عدة مواقع في حماة جرى فيها اغتيال بعض أعوان السلطة ، وكان خلاصة تقريرهم أن هذه المدينـة كلها مجرمـة ، وهي متعاونـة مع هؤلاء ( المخربين ) ،  لأن ( المخرب ) يقتل ضحيته ويفـر ثم يختبئ أمام هؤلاء المواطنين ، ولايسهمون في القبض عليه ، أو على الأقل إرشاد وحدات الجيش المنتشرة في كل مكان من المدينة ، والتي تصل إلى موقع الاغتيال بعد بضع دقائق فقط ، ولاتتمكن من القبض أو معرفة الجاني ، لذلك ننصح بقتل عشرات المواطنين ، في الموقع الذي جرى فيه اغتيال أي عميل للسلطة ، حالاً وبدون تحقيق ، وبدون التعرف على الأسماء ، يكفي أنهم من ذلك المكان ، كي نجبر أهالي مدينة حماة على الوقوف مع السلطة ضد ( أفراد العصابـة  ) ، وعلى الأقل يمنعونهم من البقاء بينهم أو التحرك في حييهم . هكذا كانت نصيحة الخبثاء اليهود السوفييت ، وطبقها النظام السوري بحذافيرها عام (1981م) ، وكانت هذه النصيحة بدايـة رجحان الكفة عسكرياً نحو جانب السلطة ، بعد أن كانت الكفة العسكرية ترجح نحو مقاتلي الطليعة خلال (1979 ، 1980 ) .

في الخامسة فجراً تقدمت وحدات خاصة من الشارع المحاذي لكلية الطب البيطري ، وأخذت المواطن مصطفى دياب من بيته ( أصله من قرية بسيرين ، ويسكن حماة منذ ربع قرن ) ، ثم أخذوا سبعة مواطنين وجدوهم في فرن ( عفشـة ) ، ثم أخذوا ولدين شابين من أولاد أبي صالح الزعبي ، ثم أخذوني من بيـت أقاربـي ، وكنت الحادي عشر ، والحمد لله أنهم لم يعرفوا أنني من خارج الحـي ، ولو عـرفوا لقتلوني منفرداً ، ولكن شـاء الله أن أبقى حيـاً ،  وقبل وصول شارع باب البلد صفونا في الشارع  وأهل الحـي يتفرجون علينا من نوافـذ بيوتـهم ، ورمونا بالرصاص فوقعنا جميعـاً ، وقد أصابتني ثلاث رصاصات إصابات غير قاتلة والفضل لله ، وكان غيري جريحاً أيضاً ، وتركونا ممددين في الشارع ، وتابعوا سيرهم إلى باب البلد فأخذوا المواطن خالد الرزوق وأولاده الثلاثة من بيته ( وهو صاحب بقالـة كبيرة ومشهورة في المنطقة ، يشتهر بدماثـة خلقـه وسـماحتـه في البيـع ، وغيـرتـه على الديـن يرحمه الله ) ، وأخذوا المواطن شــمدين الملـي ، وأبا أكرم الحلاق وولده ، ( استطاع أن يهرب الأب من خلفهم ويدخل في زقاق جانب خان سليم حمادة ولم يلحقوه وبقي ابنه معهم ، فنجا الأب وقتلوا الإبن ) ثم أخذوا عبد المنعم حداد ( شقيق الشاعر عبد القادر حداد ) ومواطن من آل البرازي وآخر من آل تركماني ، وكلما وصل عدد المواطنين معهم إلى مايزيد عن عشـرة رشـوهم في الشارع وتركوهم ممددين تحت المطر . كما أخذوا عدداً من المواطنين من بيوتهم من شارع أبي الليث الذي يصل البرازيـة مع باب البلد ورشـوهم عند سـوق النحاسين .

ووصل عدد المواطنين الذين رشـوهم في صباح ذلك اليوم إلى اثني وسبعين مواطناً أخذوهم من بيوتهم ، وقد استشهد منهم سبعون يرحمهم الله ، ونجا منهم اثنـان كنت أحدهم .

بقينا ممددين حتى السادسة صباحاً حيث رجعوا إلينا ، وكنت ممـدداً على بطنـي ، وشـعرت أن المـوت اقترب مني ، وصرت أهمس في قلبي ـ دون أن أحرك عينـي المغمضتين ، وكنت أتمنى لو أستطيع أن أسـد أذني كي لا أسـمع الجندي وهو يطلق عليّ رصاصات الإجهاز ،  وأجهزوا على مصطفى دياب يرحمه الله ، وقال أحدهم لزميله القريب مني : تفقـد ذاك الذي نـام على بطنه يبـدو أنه لم يمت ، واقترب العسكري مني ثم ناداه الضابط بسرعة فذهب إلى الضابط ولم يتفقدني [ لأن أجلي لم ينتـه ]  ، وبقينا ممددين أمام أعين أهلنا وأقاربنـا حتى العاشرة صباحاً تحت المطر ، حيث انسحبت كتيبة الوحدات الخاصة من المكان .

كنت مصاباً بجرح كبير حول الكلية ، ولما تأكد أهلونا من ذهاب الوحدات الخاصة أسرعوا إلينا ، ووجدوني حياً فنقلني أحد هـم إلى مخفر الشرطة لكنهم رفضوا أن يفعلوا شيئاً ، فأعادني وفي شارع العلمين صادفتنا سيارة الإسعاف فأوقفهم وحملتني إلى المستشفى الوطني ، وهناك وجدت عشرات الجثث مازال دمها ينـزف ، ووجدت مسؤولين من المخابرات وغيرهم من وحدات الأمن ولما حققوا معي [ ولأن أجلي لم ينتـه ] ؛ هداني الله ولم أقل لهم أن الوحدات الخاصة ضربوني ، وإنما قلت لهم جماعة مجهولين وغالباً يكونوا من عصابة الإخوان ، لذلك  تركوني وشـأني ، أمـا المستشفى فكان مكتظاً بالجرحـى ، ولم تسمح لـي المخابرات العسكرية بالمعالجـة فيـه ، فأعادني أقاربـي إلى بيتـي ، لأعالج هناك بحقن مضادة للالتهاب ، وينظفون لي الجرح بالمعقمات ، وبقيت خمسة عشر يوماً فيه حتى كتب الله لي الشفاء .

وقد عرفت فيما بعد أن جريحاً كان معنا نقله أهله إلى دمشق للعلاج ، ولما حققت معه الوحدات الأمنية وقال لهم ضربتني الوحدات الخاصة أجهزوا عليه في الحال .

وعرفت في المستشفى أنه في نفس اليوم ( 22/4/1981م) وفي المسـاء وقعت مجزرة جماعية في حي بستان السعادة ذهب ضحيتها قرابة سبعون مواطناً .

هذه عينـة من المجازر الجماعية التي ارتكبها نظام الطاغيـة المستبد في سوريا ، ارتكبها ضد المواطنين الأبرياء ، عملاً بنصيحة أسياده اليهود السوفييت . نسأل الله عزوجل أن ينتقم من الظالمين في الدنيا وفي الآخرة ، وأن نرى بأعيينا ذلهـهم ومهانتـم ، و أن يذيقهم عذاب الخزي في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير  .

*كاتب سوري في المنفى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ