ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 09/04/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

تعذيب النساء في سورية - 3

أخبار المهجع 

إعـداد الدكتـور خالد الاحمـد*

الشعب كله متهم في سوريا ، رجاله ونساؤه ، أطفاله وشيوخه ، كلهم متهمون ، يجب أن يسحقوا ، وأن تملأ بهم السجون والمعتقلات ، ويذبحوا ويتسلى بهم الساديون ، أزلام النظام الأسـدي ، الذين نفخ فيهم أسـد الحقـد الطائفـي ، وسـخرهم لذبـح المواطنين رجالاً ونسـاء ، من جميع الفـئات ، والأعمـار والأجناس ...

قدم لنـا الأخ محمد سليم حمـاد ( يحفظه الله ، وجعل ذلك في صفحات أعماله الصالحة يوم القيامة ) ، قدم لنا كتاب ( تدمر ، شاهد ومشهود ) بين فيها صفحة من صفحات التعذيب الذي  صبـه أزلام النظام الأسدي على رجال سوريا الأحرار ، على خيرة أبناء الشعب السوري .

وتـذكر لنا هذه المـرة ( هبـة الدبـاغ ) يحفظها الله في كتابها ( خمس دقائق فقط : تسع سنوات في سجون الأسد ) ، هبـة الدباغ ، الوحيدة التي بقيت من أسرتها الحموية ، التي أبادوها بكاملها في عام (1982) ، ونجت هي لأنها فس السجن ، وشقيقها ( صفوان ) لأنه خارج سوريا .... وقتل أزلام الأسد حوالي ( عشرة ) من أفراد أسرتها ، من الأب إلى الأم ، إلى الأطفال الصغار ، والبنات الصغيرات ، في مجزرة حماة الكبرى (1982) التي عجـز المغول والتتار والصليبيون والفرنسيون على أن يفعلوا مثلها ... فلنسمع ماتقوله هبـة الدبـاغ ( واسأل الله أن يجعله في صحائف أعمالها يوم القيامة ) ... فقد قدمت وثائق نادرة وحقيقية ضـد نظام القتلة الأسـدي ...

 

تقـول هبـة الدبـاغ :

الكمين !

كانت والدتي - علية الأمير - قادمة من حماة لتحضر لي بعض أغراض كنت قد نسيتها أثناء الإجازة هناك ، ولتكمل بعدها إلى الأردن حيث استقر أخي صفوان مع كثير من الشباب الملاحقين بتهمة معارضة الحكومة والإنضمام إلى تنظيم الإخوان . . ومع والدتي حضرت أسرة ال مرقة ترافقها لزيارة ابنهم المقيم في عمان لنفس السبب . قالت والدتي - استيقظ أبوك ليلة اعتقالك على منام مزعج أولمه شرا أصاب أخاك صفوان ، فقال لي اذهبي وا نظري أحواله ، فمضيت يرافقني ال مرقة وقد اتفقنا على المبيت عندكم ليلتها والتحرك إلى عمان في اليوم التالي . ، ولما وصلنا قرب بيتكم في دمشق وبت على خطوات من مدخل البناية سمعت صوتا يأتيني ويقول برجاء ظاهر : يا خالتي ارجعي . . لا تدخلي ! كان أحد الجيران ينادي من جهة لا أراها ويحذرني من الصعود بعد أن تم اعتقالكم قبل ليلة ، ولكنني لم أرد وما ظننت النداء كان لي ، فما أن طرقنا الباب حتى استقبلتنا الرشاشات وأيادي جذبتنا إلى الداخل بغلظة ، ووجدنا أنفسنا بعد ساعة زمن في سجن كفرسوسة !

أحكم الأحكمين . .

كنت وأمي تحدثني عن اعتقالها لا أقل تأثرا وحزنا على حالها من تأثري وألمي على حال هؤلاء المساكين أسرة عمر مرقة الذين اعتقلوا معها ، فوالدتهم لم تكن قد أفاقت بعد من صدمة مقتل ابنها أيمن 18 سنة وأخته مجد 14 سنة حينما رشهما الخابرات في الشارع انتقاما من أهالي الملاحقين وحسب ! وكانت الأم حتى هذه الفترة فاقدة لتوازنها العقلي وقد نزعت حجابها وعصبت رأسها بعصابة تشد بها على الألم . . فلما وجدت نفسها قيد الإعتقال المفاجيء انهارت المسكينة . . وكنت وأنا في أول ليلة لي في المنفردة أسمع المحقق يصرخ في أذنها بأعلى صوته فيصل الصوت عندي وهي كالبلهاء لا تجيب . . وأما الزوج فكان أسوأ حالا وقد جاوز المسكين السبعين من عمره . . تجره والأم ابنتاهما اللتان اعتقلتا معهما وأغمي عليهما على باب المحقق ، فاضطرت والدتي أن تصفعهما لتفيقا ! وعندما لم  يجدوا ما يهمهم من التحقيق مع هؤلاء البؤساء أرسلوهم للمبيت في القبو تلك الليلة ، لكن ولاغتصاص المكان ليلتها بالمعتقلين لم يجدوا مساحة يضعون العجوز فيها فتركوه بهرمه وشيخوخته ينام على أرض الممر أمام منفردتي ، فكنت أدعو الله أن يخفف عنهم المصائب التي تتوالى عليهم واحدة بعد الأخرى .

رهــائـن !

ولقد استمر الكمين من بعد اعتقال أمي ومرافقيها ، فاعتقلوا من زميلات السكن ومن الزائرات من غير أي تهمة أو علاقة أكثر من عشر أشخا ص : -فاطمة : من قارة ،طالبة تسكن معنا . - سوسن س : خريجة طب أسنان من حلب كانت في سنة التدريب بعد التخرج وتسكن معنا . أختين من ال جاموس إحداهما كانت تسمى منى فيما أذكر ، وهما طالبتا علوم من التل وتسكنان معنا أيضا . - يسرى ح : وهي أردنية كانت تدرس في جامعة دمشق كلية العلوم الطبيعية وتسكن معنا ، وقد اعتقلوا والدتها أيضا التي كانت في زيارة لها أيام الإمتحان . مها أ : طالبة طب في دمشق وهي فلسطينية لبنانية . طالبة أخرى من اللاذقية من ال درويش . كذلك اعتقلوا غادة ع طالبة جامعة تسكن معنا كما اعتقلوا أخاها وصديقا له حضرا لزيارتها فاعتقلا معا .

أمـىوالإضــراب

لم ينته اليوم الثاني علي من غير تحقيق جديد . . كنت خلال ساعاتي التي مضت في السجن قد أدركت مجمل ما يدور حولي ، وتذوقت في أول قدومي أشد العذاب وأبشع التهديدات ، فلما نادوني للتحقيق من جديد لم يكن هناك ثمة جديد ! أعادوا طرح نفس الأسئلة وتوجيه نفس الإتهامات بنفس الطريقة ونفس الأسلوب . . وعلى مدار أسبوع كامل استمر البرنامج نفسه ، ولم يتغير فيه إلا طريقة الضرب بعض الشيء ! فمع الضرب بالخيزران والعصي أرادوا مرة أن يضعوني على الدولاب فلم يكن على مقاسي ، فصار المحقق يعوض عن ذلك بالضرب بالخيزرانة وأنا واقفة ، فطال بذلك كل جسدي ، وزاد من بقع الألم وآثار المعاناة ، ولكن شيئا في الأسئلة أو الإجابات لم يتغير ! أما في المنفردة فكانت المتغيرات مستمرة هناك . . والمشاهد المفجعة والحوادث المحزنة لم تتوقف : كانت استغاثات السجناء لا تكاد تكف ليلا أو نهارا . . والويل كل الويل لمن يضبطه العناصر وهو يصلي ! كانوا يمرون عليهم بلا ميعاد ، فإذا ضبطوا أحدهم من الطاقة يصلي أخرجوه فأوسعوه ضربا وتعذيبا بلا رحمة ، وأما الكفر بالله والشتائم البذيئة فكانت ديدنهم حتى عندما يتخاطبون فيما بينهم .

 وأما والدتي فلم تكن تدخر فرصة للإتصال بي إلا واغتنمتها . . حتى ولو كلفها ذلك الكثير . كانت كلما أرادت أن تخرج إلى "الخط" توقفت عند زنزانتي وتعلقت بقفلها لا تريد أن تتزحزح حتى يفتحوا لها فتراني وتحدثني ولو كلمتين ، فإذا ملوا أحيانا من سحبها ومدافعتها فتحوا لها الطاقة وقالوا : - هيا شوفيها ولكن بلا كلمتين . . فترفض وتطلب أن يفتحوا الباب لها . . فيقولوا : ممنوع . ولم تلبث في اليوم الثاني من اعتقالها وبعد خروج بقية البنات من دوننا أن أضربت عن الطعام وعن الخروج إلى الحمام وحتى عن النوم حتى تراني . . ولم أدر بذلك إلا عندما حضر أبو عادل رئيس النوبة يقول لي : -إذا التقيت أمك مرة ثانية فأعطيها دروسا في الدين . . قولي لها إن لجسدك عليك حقا . . ألم تدرسي ذلك في الشريعة؟ خليها تأكل . قلت له : هي أم وأنت تعرف كيف يكون قلب الأم . . والحق معها . وفي اليوم الثاني ومع استمرارها بالإضراب أتى الأمر بالسماح لها أن تراني وأراها ، فجاء أبو عادل ثانية وأخذني إلى زنزانتها وهو يذكرني بحديث الأمس ، وقال وهو يدفعنى إليها : -مثلما اتفقنا . .قولي لها . . قلت له : ماذا أقول ؟ هي حرة . قال : ألا تريدين أن تساعدينا لتفك إضرابها ؟ قلت : ماذا يمكن أن أفعل . . ألا ترى وضعها ؟ الله يعينها ويساعدها . فالتفت إليها بغيظ وسالها : هل رأيت ابنتك ؟ ولم تكن رفعت نظرها إلي طوال ذلك الوقت لتقهرهم . . فقالت : لا . فقال : إذا ماذا تريدين ؟ والله حيرتينا ! قالت : أنت تعرف ماذا أريد . . وحتى يأذن الله . . هو أحسن منكم جميعا وهو أحكم الحاكمين . . وهو قادر على أن يقصف رقابكم !

 

إلى المهـجـع

لم نكن خلال الأيام الثمانية قد رأينا أيا من المعتقلات أو اتصلنا بهن باستثناء منيرة التي فتشتنا أول وصولنا ، لكنهن كن قد رأيننا من شق صغير في طاقة باب المهجع وعرفن بوجودنا كما أخبرننا لاحقا ، وذات مرة وأنا في طريقي إلى الحمام رأتني الحاجة مديحة إحداهن بجلبابي الأسود أعبر من أمام مهجعهن فدقت الباب تنادي أحدا من العناصر ، فلما جاءها حسين بادرته قائلة : -أريد أن أنفض البطانية . . افتح لي ! فأدخلني الحمام بسرعة ليخرجها ، فصارت تتحدث بصوت عال لنسمع صوتها ونعلم بوجود نساء وتصيح :فلانة . . هيا تعالي نظفي البطانية معي . . ثم مضت كعادتها تحاول استدراج حسين وسألته : - كأن هناك أحدا في الحمام . . أنا أسمع صوت نساء ! أجابها وقتذاك : لا . . لايوجد أحد . . لوأن هناك نساء لأتينا بهن إليكن . لكنها استمرت تلح عليه حتى ضجر وسألها : -خبريني أنت . . ماذا على بطانيتك ؟ لك ساعة تنفضين فيها ! قالت : صرصور . . ووالله ماعرفنا وين راح ! قال لها : إي يالله ادخلي وخلصيني . . فعادت وهي تلم البطانية تسأله بصوت خافت : - هناك نسوان أليس كذلك ؟ فأجابها أخيرا : نعم . . وبكرة سيأتون إليكم فاطمئني . لكنها عادت تسأله : ألا تعرف من أين ؟ فأجابها : بكرة جايين لعندكم وستعرفي . . وتجلسوا تتحدثوا معا حتى تشبعوا حكي ! ثم أدخلها وأرجعني المنفردة ، لكنني كنت أسمعهما وأنظر بين حين واخر إليهما بدوري من شق باب الحمام ، فاستأنست بذلك بعض الشيء واطمأننت إلى أن هناك نساء غيرنا في هذا المكان الموحش . . وفي اليوم الثامن وبينما أنا في المنفردة جاء مدير السجن وأعطاني استمارة معلومات عامة عن الإسم وتاريخ الإعتقال وسببه وعدد الأيام التي أمضيت في المنفردة . . فأجبت بشكل عادي وكتبت أنني اتهمت بالإنتماء إلى تنظيم الإخوان ووقعت ، وبعد حوالي نصف الساعة حضر حسين وفتح الباب بسرعة وطلب مني القيام ، فسألته وقد ظننت أنها جولة أخرى من التحقيق والتعذيب والأ خذ والشد والإتهامات : - إلى أين ؟ إلى التحقيق ؟ قال :لا . قلت : إلى الإعدام ! قال : الان سترين . قلت له : إذا كان الإعدام فسيكون أريح ! فأجابني ساخرا : لا . . لن نعدمك الان . قلت : واذا فمتى ؟ قال بلؤم : حتى تعترفي أنك منظمة . قلت له : طيب . . هل تعدمونني فعلا إذا اعترفت ؟ قال : اعترفي أولا والأمر بعد ذلك بينك وبين رئيس التحقيق ! أخرجني من المنفردة وساقني عبر الممر إلى باب اخر كبير وأسود فقلت لنفسي : خلاص . . رحت فيها . . إلى التعذيب من جديد ! فلما فتح الباب ودفعني باتجاه الداخل مددت رأسي بحذر فرأيت المكان مليئا بالنساء وكلهن يضعن شاشيات صلاة بيض على رؤوسهن فارتحت قليلا وخطوت نحوهن سلمت ،ولكن الخوف كان لا يزال يتملكني ،فيما أغلق السجان الباب ورائي وعاد بعد هنيهة بأمي وماجدة فأدخلهما وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ،ومضى يعذبها على ومضى، وجعلنا في البداية نتلفت حذرات خشية أن يكون بين هؤلاءالنسوة جاسوسة أو مخبرة ،ولم تلبث أمي أن انفجرت بالبكاء في اللحظة التي اندفعت أنا نحوها وعانقتها ، وكأنها أحست أنهم وضعونا في المهجع ولن يخرجونامنه إلى الأبد. . فجعلت تزدادبكاءوتدعوعليهم بحرقة  وتجهربالدعاء. . في تلك اللحظة تقدمت واحدة من النساءوهي تمدإليهايدهاوتقول : ابوي . . لا تبكي ولا على بالك . . حطي إيديك ورجليك بمي باردة واقعدي .. ولاراحة لمؤمن إلابلقاءربه ! كانت هذه هي الحاجة مديحة أول من دخل السجن من النساء  كانت الأيام التي أمضيناها معها أكثرمن كافية لنسسع منهاومن بقيه السجينات حكاية اعتقالهن وقصص تعذيبهن ومآسيهن .                                     

 

تعـريـة . . وتعـذيـب . . وقـص اللسـان!

كانت الحاجة مديحة في الأربعينيات من عمرها ، وهي امرأة معروفه في حلب تدرس النساء دروسافي الدين على الرغم من أنها تكادتكون أمية لاتقرأ أوتكتب وكانت قد جعلت من بيتهاقاعدة سكن فيها بعض الملاحقين ،وبينما كانت ذاهبة إلى موعدخارج البيت لتسليم رسالة ألقوا القبض عليها نتيجة فسادة من سامح كيلاني - عميل المخابرات الآخروجاسوسهم داخل تنظيم الإخوان - وحملوها مباشرة إلى فرع مخابرات أمن الدولة ، وهناك ازدادت نقمة رئيس الفرع عمرحميدة عليها حينما استطاعت رغم التعذيب الشديد أن تراوغهم فترة كافية تمكن الشباب في بيتهامن الهرب بعدمضي فترة أمان كانوامتفقين عليها فيما بينهم . . ونتيجة جرأتها وصلابة ردودها ازداد حميدة غيظا منها فختم لها حفلة التعذيب بأن قص لها طرف لسانها بالمقص . . وفقدت قطعة منه بالفعل ! ولقد قصت علينا أن حميدة عراها في البداية من ملابسها وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ، ومضى يعذبها على هذه الحالة ويسمعها أقذع الشتائم وأبشع العبارات . . ثم أمر بإحضار أخيها الأصغر وعرضها عليه بهذه الحالة وساله :هل عرفتها؟ قال الولد بصدق : لا . . من هذه ! أجاب حميدة بتشفي : أختك مديحة . فأغمي على الولد فورا ولم يعد يحس بشيء ، وأعادوه إلى البيت وهو لا يزال في غيبوبته . . واستمرت حفلة التعذيب ساعات عديدة تأكدت بعدها أن الشباب غادروا البيت كما يفترض فدلتهم عليه ، ولما لم يجدوا هناك إلا آثارهم وحسب عاد حميدة غاضبا يقسم أنه سيقص لها هذا اللسان الذي كذب عليهم وخدعهم . . وقصه بالفعل ! لكنها ولله الحمد شفيت بسرعة وعاد اللسان فنما بشكل طبيعي ، بل إن مدير السجن المدني بدوما المقدم عماد وكان سيىء الخلق جدا قال لها بعد ذلك بسنوات : - قطعنا لك لسانك ليقل كلامك فلا أراه إلا ازداد طولا ! وبعد اعتقالها الذي كان قد مضى عليه نحو الشهرأتوا بها إلى كفر سوسة مرورا بسجن المسلمية بحلب مع مجموعة السجينات الأخريات : أم شيماء ، وزوجة عبد العزيز سيخ ، وعائشة ق . فيما أفرجوا عن عدد اخر من البنات والنساء كانت بينهن - فيما روين لنا - سناء . . . . . ، و . . . . . . وكانت تسكن مع الحاجة مديحة وتلازمها في بيتها ، ولذلك كانت تدعوها الحاجة ابنتها ، وزوجة عبد القادر حربلي ووالدتها من بيت القطان ، وسيدة أخرى وكانت عروسا في شهرها السادس وفي السادسة عشرة من عمرها ، أمسكوا زوجها نتيجة وشاية من سامح كيالي أيضا وجعلوا يعذبونه ليعترف بمكان القاعدة التي اتهم أنه يديرها ، فلما لم يفعل أحضروا الزوجة بأمر من حميدة أيضا واعتدوا عليها أمامه قبل أن يرسلوه إلى تدمر فيقتل لاحقا هناك في المجزرة الكبيرة التي جرت . .

 

وتـرك لـها جـوربـان

تقدمت الحاجة مديحة تخفف عن أمي وعنا ، وتبعتها بقية البنات : أم شيماء ، وعائشة ق . ومن ورائهما كانت منيرة التي فتشتني أول دخولي تنظروتبتسم ! وأما عائشة فهي طبيبة من حلب قامت بعلاج جريح من الشباب الملاحقين فبلغ النبأ المخابرات واعتقلوها من بيتها ، وقالت لهم وقتها إن أشخاصا أتوا إليها كأي طبيب وسألوها أن تعالج جريحا ففعلت ، ولم تسألهم عن هويتهم لأن مهمتها الإنسانية خدمة الناس لا التحقيق معهم ، لكن جوابها لم يرق لهم ، واعتقدوا أنها تداوي كل جرحى الملاحقين ومصابيهم ، وقد تولى التحقيق معها مصطفى التاجر أول الأمر فسألها في البداية : -أترضي أن تبقي بلا حجاب ؟ قالت : لا طبعا . . قال : فما رأيك إذا أن تبقي بلا جلباب ؟ فانتفضت تتطلع إلى مكان تلتجئ إليه ، لكن المجرم لم يترك لها فرصة وهجم عليها كالوحش يصفعها ويضربها وهو يمزق ثيابها قطعة بعد قطعة وهي مكبلة تقاوم بكل ما أوتيت من قوة دون أن تستطيع الدفع . . فلما مزق كل شيء ووصل إلى جواربها قال لها : -سأتركهم عليك حتى لا تبردي ! وأمر فمددوها على "بساط الريح " ومر عليها بكافة أنواع التعذيب : الخيزران والعصي والكهرباء . . علاوة على نزع نظارتها الطبية وحرمانها من استعمالها فترة من الزمن . . ثم أتى دور عمر حميدة فأجلسها على كرسي وقد كبل أيديها وأرجلها من الخلف ببعضهم البعض وجعل يطفىء أعقاب السجاير فى اعف منطقه ببدنهاليطفىء بعضا من نيران حقده الاسود ويودعها الزنزانه من ثم بضعه ايام قبل ان تنقل مع بقيه المجموعه الى كفر سوسه .

 

فنــون التعـذيـب !

كانت إيمان ت . "أم شيماء" راجعة إلى بيتهم مع زوجها وابنتها الرضيعة شيماء وكانت في الشهور السبعة أو الثمانية من عمرها ، وعندما بلغوا مدخل البناية لاحظوا مؤشرات غير طبيعية في المنطقة ، فتقدمت ايمان ووضعت المفتاح في القفل لتفتح ، فيما كان الزوج والطفلة معه ينتظر أسفل الدرج ، فما أن فعلت حتى أحست كما روت من بعدصوت تلقيم السلاح من الداخل ، فأعطته إشارة سريعة بالهرب ، في الوقت الذي فتح عناصر المخابرات الباب بسرعة وأمسكوا بها وسحبوها إلى الداخل ، وفي إحدى غرف البيت دخل عليها رئيس الـدورية يسألها عن زوجها وعن الشباب الذين كانوا معها في البيت لأ نهم دخلوه ولم يكن فيه أحد ، وهؤلاء جميعا أبلغ عنهم سامح كيالي ، فقالت إنها لا تعرف شيئا ولا تعرف أين ذهب زوجها ولا من كان معه ، فجعل يهددها بالإعتداء عليها إن لم تبلغه المعلومات فأصرت على الإنكار ، فنفذ تهديده بالفعل وحاول فعل ذلك ، لكنها قاومته بشدة وراحت تتصارع معه فأنجاها الله وألقى في قلبه الرعب فلم يتمكن منها كما أراد . . وبعد ذلك نقلوها إلى الفرع عند عمر حميدة الذي اتبع نفس الطريقة معها ، فشبحوها في السقف بأن كبلوا أيديها خلف ظهرها وعلقوها منهما مرفوعة عن الأرض فكأنما هي الذبيحة بين يدي الجزار ، وجعلوا يضربونها ويعذبونها وهي على هذه الحالة لا حول لها ولا قوة ، ثم وضعوا لها الكهرباء في صدرها والحليب يقطر منه زيادة في التعذيب والإهانة . . وبعد انتهاء التحقيق ومن غيرأن تدان المسكينة بشيء نقلوها إلى كفر سوسة مع عائشة والحاجة مديحة ، لنجتمع واياهن في هذا المهجع المقيت !

 

ســحل القـتلى

أما رابعة نزيلات المهجع وقتها فكانت أما من إدلب لأربعة أو خمسة أولاد من إدلب اسمها فوزية ح . هذه السيدة استشهد زوجها وهو يقاوم أثناء مداهمة قاعدتهم بحلب ، وقامت السلطة بعد مقتله بسحل جثته أمامها بالدبابة في شوارع المدينة ثم اقتادوها للسجن وعذبوها أشد العذاب . وعلى الرغم من أنها لم تتحدث عن ذلك كثيرا وكانت من النوع الذي يؤثر الصمت إلا أننا بقينا نرى اثار التعذيب على أرجلها والزرقة مكان أظافرها المقلوعة إلى حين ، وبقيت فوزية في الشهور الأولى معتدة على زوجها لا تكاد تكلم أحدا وتسارع كلما فتحوا الباب أو الطاقة فتغطي رأسها بالبطانية وتدير وجهها إلى الجدار .

 

أبنــاء الطائفـة العلـويـة ضد النظـام !

هؤلاء كن السجينات الأربع المتهمات بالإنتساب أو التعاون مع الإخوان ، وأما الخامسة منيرة كامل مصطفى فكانت من تصنيف اخر وحال مختلف : كانت البنت التي لم تجاوز الثامنة عشرة من عمرها واحدة من بنات القرى الساحلية العلويات ، شكل والدها وأخوتها وبعض أصدقائهم تنظيما ضد الدولة شيوعي التوجه وصاروا يصدرون منشورات تحض على كراهية النظام ، وكانت معتقلة مع أخيها أيضا الذي لم يكن يجاوز السادسة عشرة من عمره ، فاعتبروهما مجرد مراهقين يقومان بأعمال طائشة ، وقالوا بأنهم سيتركونها في السجن حتى يكتمل عقلها وينضج تفكيرها ، وكنا فى البدايه نشك بها جميعا ونحذر أن تكون متعاملة مع المخابرات ، لكنها كانت لطيفة جدا وطيبة القلب ، حتى أن الحاجة مديحة سالتها مرة بين المزاح والجد : - نحن لن نبين لك أي شيء ولن نتكلم أمامك عن وضعنا لأننا نخاف أن تذهبي إلى المقدم وتحكي له . . فأجابتها منيرة بطيب خاطر : تأكدي تماما أنني لست من هذا النوع ، ولو كنت لما وجدتني معكم هنا . وعلى الرغم من أنها ظلت متمسكة بشيوعيتها بعد العديد من المناقشات بينها وبين البنات ، إلا أنها كانت تحترم تديننا ، فكانت تخفض صوت الراديو إذا كنا في صلاتنا أو تلاوتنا وتراعي مثل هذه الأمور ، وعندما أضربنا في وقت لاحق شاركت معنا ووقفت إلى جانبنا حتى النهاية .

ويبدو أن أمي قررت بعد أسبوعين تقريبا من اجتماعنا في المهجع أن تكسر هذا الجو المرعب بطريقتها وتخترق أسوار الارهاب . . فطرقت الباب بلطف في البداية وسألت حسين أن يحضر لنا مصحفافقال لها باستغراب : -وهل تظنين أنك في بيتك أو في قصرلتطلبي على كيفك ! ألا تعلمين أن المصحف ممنوع هنا؟ فسألته وهي لا تزال محافظة على هدوئها : لماذا ؟ قال بشراسة : لأنه لا توجد مصاحف هنا في الفرع . فقالت له : رأيتهم بعيني مكدسين في غرفة التحقيق وأصحابهم جالسين في المنفردات . وكانت تتحدث عن الشباب الذين أحضروهم يوم اعتقالنا الأول من المسجد دفعة واحدة ووجدوا معهم مصاحف حفاظ صغيرة فصادروها . . فأجابها بصلف : -لكن تلك المصاحف للحرق لا للقراءة ! فعادت ترجوه بلطف وتقول له : أعطنا واحدا منهم فقط ولن يراك أحد أو يحاسبك . . وحتى لو كان صغيرا فليست مشكلة . . فقال لها ممنوع وأغلق الطاقة . فعادت ودقت وكررت عليه الرجاء فأجابها نفس الجواب وصفق الطاقة بوجهها من جديد . فعادت ودقت بقوة فحضر عنصر أخر علوي اسمه ابراهيم فسألته نفس الطلب ، وكانت أجابته كما أجاب من قبله :  ممنوع . . المصحف هنا ممنوع . . . فقالت له إذا أعطني ورقة لأقدم طلبا إلى رئيس الفرع . فقال لها:لايوجدلدي ورق .. وبعدمماطلات ومشادات كل ومل وأعطاها ورقة قدمت عليها طلبا للمقدم ،فأرسل ذاك وراءها وبهدلها وقال لها: لاتوجد مصاحف هنا. وأضاف: لماذا تريدينها لتقرأى وتدعى علينا فلما عادت وأخبرتنا بذلك قررنا الإضراب عن الطعام . . وامتنعناعن استلام وجبتي الإفطار والغداء . .فهددونا إن لم نفك الإضراب بالعودة إلى المنفردات ، وقطعوا الماء عن المهجع زيادة في الضغط ، وكانت أول تجربة لنا فتوقفنا عن المطالبة وما عدنا تكلمنا بشيء  وفي اليوم الثاني عادت أمي فطلبت ورقة وقلما لتقدم طلبا اخر للمقدم فحضرأبوعصام  مديرالسجن وسألها ماذا تريدين فقالت اننانعاني ضيق الخلق ونريد أن نتسلى بالمصحف فقال لها ولماذا لا تتسلي بأشياء ثانية . قالت : مثل ماذا ؟

*كاتب سوري في المنفـى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ