ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 02/07/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


في سورية يعضون البعوض

بقلم : محمد الحسناوي

في ليلة من ليالي هذا الصيف أفاق الكاتب على عضة بعوض وهو في الغربة ، فتألم ، حاول استئناف النوم فلم يستطع ، لأنه تذكر بعوض الوطن ، فحنَّ إليه ، فكتب هذه الخاطرة :

في كل بلاد العالم يوجد بعوض ، وفي كل بلاد العالم يعض البعوض المواطنين ، فيكافحونه بالمواد الكيميائية المخلوطة بالنفط أو أحد مشتقاته ، كالكاز والبنزين ، وما سوى ذلك ، فيتخلصون منه ومن عضه .

أما في سورية ، فالمسألة تختلف كل الاختلاف ، لأن سورية ، لها خصوصية : شعباً وحكومة ونظاماً . في سورية يوجد بعوض عظيم ، وهو بعوض وطني ، وهو محترم ، ذو نفوذ وانتشار واسعين في مفاصل الدولة والمجتمع ، بنص الدستور . وهذا يفسر انتشار القمامة وتكدسها على شكل إهرامات لطيفة في مفارق الطرق والشوارع والساحات العامة والمتنزهات وأمام مباني البلدية أيضاً ، ولا أحد يستغرب ذلك ، لأنه أصبح فولكلوراً شعبياً محبباً . ومن العادة أن المواطنين هم الذين يعضون البعوض ، بدلاًَ من أن يعضهم ، وذلك من قلة شرفهم ، ولتواطوئهم  مع بعوض الخارج .

وقد حاول بعض الأذكياء أن يؤصِّل للبعوض السوري ، فتساءل في رسالة جامعية : هل هذه الظاهرة مستمدة من حضارة شرقية تقدس الحيوانات كالحضارة الهندية ، حيث الراهب الناسك هناك يفتح فمه ، ويدلق لسانه بكل طواعية للبعوض أو الذباب ، كي يعيش على لسانه ، فلا يغلق فمه بخلا وجحوداً . فاشتم البعوض الوطني السوري من هذه الرسالة الجامعية مؤامرة ، ففتكوا بالرجل وانتهى أمره . والذي جعلهم يستنتجون هذا الاستنتاج الذكي هو أن حضارة تقديس الحيوانات ارتقت إلى تقديس الإنسان والأخذ بالديموقراطية الحقيقية ، وحصر سياسة العض في أضيق حدودها ، أي تركها مسألة شخصية ، غير مقننة بالدستور تقنين الماء والهواء .

والحقيقة أن المواطنين السوريين متألمون من بعوضهم الوطني ، ولا يجدون طريقة فعالة لمواجهته المستمرة إلا العض ، لأن النفط الوطني ومشتقاته محتكرة للحزب القائد للدولة   والمجتمع ، من أجل بيعه في السوق السوداء بأسعار خيالية ، تزيد من حجم الأرصدة المودعة في المصارف الأجنبية للأيام القادمة الأشد سواداً .

أحد عناصر البعوض المكلفين بحماية المساجد في مدينة (حمص ) ، حيث الرطوبة والمستنقعات التي تزين وسط سورية ، كشف عن هويته لرواد أحد المساجد من المواطنين الأغبياء السذج ، وأراد أن يمارس هوايته بأن يمص دم إمام المسجد . وسبب اختياره الإمام أنه خفيف الدم ،  ظريف لطيف كالغالبية العظمى من أهالي حمص ، ولأن عض المواطن الشريف الهمام خير من عض المواطنين الطغام اللئام :

إذا غامرتَ في أمرٍ مَـرومِ       فلا تقنـع ْ بما دون  النجومِ

فعضُ المرء من شعب لئيم       كطعمِ العض من شعبٍ كريمِ

والطريف أن إمام المسجد سكت عن عض البعوض الوطني ، وسلَّم له أعضاءه للعض أكثر من مرة ، لكن الخطأ أن رواد المسجد أخذتهم الحمية الحمصية على إمامهم المعضوض ، وتطوع بعضهم لإنهاء هذا العدوان الحضاري ، وهم ذوو إمكانية في العض لا يُستهان بها ، فترصدوا لعنصر البعوض ، وأوسعوه عضاً ، ولما كانت أنيابهم قاطعة ، والصحيح موتورة ، وعنصر البعوض هش العظام ، كانت النتيجة أن مات عنصر البعوض الأمني من عضات المواطنين الشرسين والصحيح الموتورين ، فما كان من جيش البعوض الوطني إلا شنَّ حملة فعالة على المواطنين رواد ذلك المسجد وإمامه ومؤذنه وخادمه وعلى الحارة المحيطة به والحارات المجاورة ، وأشبعوهم عضاً عنيفاً ، كانوا قد نسوه ، ونقلوا المصابين بالعض العنيف إلى زنازن وسجون مشهورة بالعض المؤلم ، يشبهه بعضهم بعضّ الكلاب (المكلوبة ) أي ( الكَلَب) ، وهو مرض مُعدٍ ، كما هو معلوم ، فانتشر الخبر في أرجاء سورية بشكل مضخَّم ومشوَّه بسبب الشائعات المغرضة المتآمرة على الأمن الوطني ، وتعلَّم الناس أن الاستسلام لعض البعوض الوطني عضاً عادياً خير من الاعتقال والسجن والتعرض لعض البعوض الأشد ، وبعض العض أهون من بعض .

هذه قصة البعوض الوطني في سورية . وهي الرواية الموثقة التي تنقض الروايات الأجنبية .

على كل حال انتشرت الواقعة خارج سورية ، وبلغت إلى مسامع الكبار في السوق الأوروبية ، وإلى الوفد الأوروبي المكلف بتوقيع معاهدة شراكة مع الحكومة السورية ، فأشفقوا على المواطنين السوريين ، فتدخلوا في الشؤون الداخلية استنكاراً لشدة العض الذي يمارسه البعوض الوطني السوري ، فزاروا سورية ، وطلبوا زيارة بعض سجناء العض في سجونهم ، مثل النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي ، فرفضت السلطات هذا الطلب غير الحضاري ، لكن أعضاء الوفد الأوروبي استطاعوا الاجتماع ببعض رجال المعارضة ، وسألوهم عن المشكلة الوطنية ، فتجرأ أحد رجال المعارضة ، ووضح الحائق تماماً ، ثم تجاوز الحدود المرسومة أو الخط الأحمر ، وطلب من الوفد الأوروبي مساعدة المواطنين السوريين بالتخلص من سياسة (العض العام ) الذي يمارسه البعوض الوطني ، وذلك بوقف التوقيع على معاهدة الشراكة الأوروبية السورية ، لكيلا يستفيد البعوض الوطني السوري من دعم إضافي من السوق الأوروبية قبل أن يكف عن هذه السياسة ، فيشتد العض على المواطنين ، مع العلم أن المواطنين السوريين المؤدبين قد بلغ بهم الصبر الشديد مبلغاً ، لم يعد يحتمل العض من البعوض الوطني ، وأن المواطنين يكادون ينفجرون من الغيظ المكتوم طوال أربعين عاماً ، وحرصاً على التهدئة الوطنية ، واستمرار التعاض الوطني المخفف ، يطلبون هذا الطلب !!

ومع ذلك لم تتفهم أجهزة البعوض الأربعة عشر نوايا المواطن المعارض فهماً حسناً ، فكشفت خيانته للوطن البعوضي ، ولمكتسبات الوطن من البعوض ، وهددته وتوعدته عبر الصحافة الوطنية إن عاد لمثلها ، وكشف سياسات البعوض الوطنية الممتازة ، خشية حصول تقليد أجنبي لها أو سرقتها .

وهذه هي آخر أخبار البعوض الوطني المظلوم من مواطنيه .

عاش البعوض الوطني رمزاً للخصوصية السورية .

يسقط البعوض الأمريكاني والبريطاني وكل بعوض أجنبي .

عاش التعاض الوطني

عاش الصبر الشعبي السوري الذي لا ينفد .

وكل عضة وأنتم بخير .

التوقيع : مواطن معضوض هارب من العض الوطني منذ ربع قرن .

* كاتب سوري وعضو رابطة أدباء الشام

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها  

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ