ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 06/03/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

هجوم غربي جديد بعنوان

تحالف الحضارات

د. محمد الغزي

نشهد هذه الأيام حملة محمومة من الجهود الدبلوماسية الغربية الرامية إلى احتواء الغليان الشعبي في البلاد العربية والإسلامية الذي أججته الاعتداءات المستمرة على المقدسات الإسلامية، وقد بات واضحا مدى ارتباط هذه الاعتداءات بنظرية "صدام الحضارات" التي تستند إلى أيديولوجية مقيتة اتخذت من العداء للإسلام والمسلمين وسيلة للحفاظ على الهوية الوطنية الأمريكية والحضارة الغربية، ويبدو أن تلك الحملة الدبلوماسية أخذت منحنى جديدا يتمثل في احتواء الثقافة الإسلامية وإذابتها من داخلها بجهود أبنائها تحت غطاء جديد باسم "تحالف الحضارات."

لا شك أن نظرية "صدام الحضارات" غير مقبولة لدى شرائح واسعة من الشعوب الغربية، فكثير من الغربيين يرون أن التصادم مع الحضارة الإسلامية ليس أمراً حتمياً ويدعون إلى الحوار والتفاهم مع الحضارة الإسلامية بدلاً من التصادم معها، ولكن يجب أن لا تخدعنا هذه الدعوات الغربية التي لا تعني سوى استخدام وسائل دبلوماسية لمواجهة الحضارة الإسلامية بطريقة لا تثير حفيظة المسلمين وغضبهم وتتم بأقل الخسائر الغربية المادية والبشرية، من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية غربية مارست ولا تزال تمارس صدام الحضارات المتمثل بالاعتداء على الدول العربية والإسلامية واحتلالها وإعلان الحرب على الإسلام بذريعة "محاربة الإرهاب" وإطلاق حملات كثيرة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه الصد عن الإسلام.

فالإدارة الأمريكية الحالية تنتمي في غالبيتها إلى اليمين المسيحي الصهيوني المتطرف المتحالف مع اللوبي الصهيوني، ويسيطر هذا التحالف على أكثر من ربع الولايات الأمريكية وله نفوذ كبير في نحو نصف باقي الولايات الأمريكية ويبلغ عدد أعضاء هذا التحالف نحو عُشر الأمريكيين، لذلك فإن هذا الائتلاف المسيحي الصهيوني يستأثر بمراكز صنع القرار السياسي ويمتلك شركات الإعلام العملاقة ويدير دفة الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة، ودعاة ومنظري هذا التصادم في العالم الغربي كثيرون وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية أمثال صمويل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما، الذي يتهم الإسلام بالفاشية، ودانيال بايبس، صديق فليمنج روز مدير تحرير القسم الثقافي في الصحيفة الدنمركية التي نشرت الرسوم المسيئة، وبات بيترسون، أكبر منظري المحافظين الجدد الأمريكيين، وغيرهم.

وتطبيقا لنظرية "صدام الحضارات"، تشن الولايات المتحدة الأمريكية الحروب الاستباقية ضد أي قوة في العالم لمجرد شعور الأمريكيين أنها تهدد حضارتهم وخاصة إن كانت هذه القوة إسلامية، وهم يبحثون عن أي عدو كمحفز لحشد قواتهم وطاقاتهم للصدام معه، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي كان المحفز هو ما يسمونه "الإسلام السياسي" الذي يرفض الهيمنة على الأمة ويقاوم الغزاة والمحتلين، لهذا يسعى الغربيون بالسياسة والدبلوماسية إلى احتواء الإسلام السياسي وترويضه بطرق مختلفة أهمها إشراكه في العمل السياسي الرسمي تحت هيمنة الأنظمة الحاكمة وإبراز قيادات بديلة من العلماء والمفكرين الإسلاميين "المعتدلين" لمكافحة ما يسمونه بالإرهاب الإسلامي.

والغريب أن الاقتراح بتشكيل تحالف الحضارات جاء على لسان رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه ثاباتيرو الذي أعلن بكل وضوح أن الهدف من هذا التحالف هو "مكافحة الإرهاب" وذلك بحرمانه من الذرائع التي تضفي عليه شرعية، بحسب تعبير وزير الخارجية الإسباني ميغيل موراتينوس، وقد سارع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للإعراب عن تأييده لإقامة تحالف حضارات يضم بلدانا غربية وإسلامية من اجل محاربة "الإرهاب الوحشي" على حد تعبيره، لذلك فإن هذه الدعوة إلى تحالف الحضارات لمكافحة الإرهاب هي جزء من الصدام الذي يمارسه الغرب ضد حضارتنا وثقافتنا الإسلامية.

وتأتي الدعوة إلى تحالف الحضارات مع وصول العدوان الغربي على شعوبنا وأوطاننا ومقدساتنا إلى ذروته، فمن المفترض أن الدعوة إلى تحالف الحضارات تكون تعزيزا لصداقة بين الشعوب وليس توظيفا لعدوان متواصل على شعوبنا لإخضاعنا ثقافيا ودينيا، فما الذي تهدف إليه هذه الدعوة سوى توظيف الأمم المتحدة والأنظمة العربية وفئة من العلماء والمفكرين الإسلاميين "المعتدلين" من أجل تخدير الشعوب العربية والإسلامية وتهدئتها لتصبح مسالمة ومتسامحة مع العدوان المستمر على الدين والأوطان ومستسلمة لإرادة الغرب الذي يسعى إلى مسح الهوية الثقافية الإسلامية؟! ولماذا لا يطلق الغربيون مشاريع أكثر إنصافا ومنطقية مثل "تعايش الحضارات" وتفاهمها بدلا من تحالف الحضارات؟! إنهم يريدون إنشاء تحالف بين الضحية والمعتدي ضد من يقاوم الاحتلال ويصد العدوان ممن يسمونهم بالإرهابيين.

ولو كان المنادون بتحالف الحضارات جادين في الدعوة إلى بناء الثقة بين الشعوب ومد جسور التواصل بين الحضارات، كما يدعون، لكفوا عدوانهم وتسلطهم على شعوبنا وأوطاننا ولوضعوا القضايا الهامة، مثل الفقر والمجاعة والتصحر والتلوث وانتشار الأوبئة والظواهر البيئية الخطيرة، نصب أعينهم وعالجوها في منتدياتهم ومؤتمراتهم، ولو كانوا صادقين في محاولاتهم للحفاظ على الاستقرار العالمي لتوقفوا عن الاستغلال والاحتلال وعالجوا المشاكل التي سيؤدي حلها إلى تعزيز التفاهم والتحاور والتعايش بين الحضارات بدلا من التركيز على الإرهاب وهم أكبر ممارسيه ودعاته.

إنهم يطمحون إلى تغيير ما لا يروق لهم من مفاهيمنا وأفكارنا الإسلامية التي تحول بيننا وبين استسلامنا لهم وتجعلنا نقف عثرة في طريقهم نحو صدنا عن الإسلام، لماذا يتهموننا بأننا نملك تصورات ومفاهيم خاطئة تؤدي إلى صدام الحضارات وهم الذين يُنَظرون لهذا الصدام ويمارسونه في كل مكان وزمان؟! ومن الذي يهدد الاستقرار العالمي غيرهم وهم يمتلكون من الأسلحة ما يدمر الكرة الأرضية عشرات المرات ويشنون الحروب على بلادنا ويدمرون حضارتنا ظلما وعدوانا؟!

إنهم يهدفون إلى فرض مشروع "تحالف الحضارات" على شعوبنا كبديل سياسي وليس ثقافيا فحسب لإنشاء خطط وبرامج عملية تتبناها الأمم المتحدة لتجنيد الجهود على مستوى المؤسسات والمجتمعات المدنية في البلاد المشاركة في المشروع لتغيير ثقافتنا الإسلامية بذريعة مكافحة التمييز والأفكار الخاطئة والتصورات المعادية التي تحرض على العنف، ولهذا تسعى مجموعة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات إلى وضع خطط وبرامج لإحداث تغيرات جوهرية في التعليم والثقافة وتوظيف الإعلام ووسائل الاتصالات من أجل تحقيق أهداف هذا المشروع، وطبقا لهذا المشروع سينال الشباب والمفكرون والمثقفون القسط الأكبر من الاهتمام والتركيز، وستنال الجاليات الإسلامية في الغرب حظا كبيرا من الخطط الرامية إلى صهرهم في المجتمعات الغربية.

ونلاحظ أن هذا المشروع يأتي في فترة يحاول فيها الغربيون احتواء الحرات الإسلامية والسماح لهم في الدخول إلى قباب البرلمانات في العديد من الدول العربية ليصبحوا ديكورا يضفي الشرعية على الأنظمة الحاكمة المستبدة ويكبح جماح الشعوب المطالبة بالحرية والانعتاق من الدكتاتورية، ونلاحظ أيضا في هذه الأيام ظهور فضائيات تعلن بكل صراحة أن من ضمن أهدافها محاربة التطرف الإسلامي! وهذا لا بأس به لأنه لا يوجد تطرف في الإسلام، ولكن هل تحاول هذه الفضائيات إزالة أسباب ما يسمونه بالتطرف الإسلامي؟ وهل فكر القائمون على هذه الفضائيات الإسلامية أن يحاربوا تطرف الأنظمة المستبدة التي أفسدت البلاد والعباد؟ وهل ستقوم هذه الفضائيات بتحريض الناس على الجهاد في سبيل الله لتحرير الأوطان والدفاع عن الإسلام؟

ومهما تقم به هذه الفضائيات من جهود سوف لن يرضي الغربيين طالما أنها تنشر الإسلام بأمانة وصدق وإخلاص، وهذا ما نبأنا الله تعالى به إذ يقول: {... وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ...}البقرة217 وكذلك {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ...}البقرة120، أم أن هذه الفضائيات ستحاول إقناعنا بغير ما تقتضيه هذه الآيات الكريمة تحقيقا لتحالف الحضارات؟!!

وللمفارقة العجيبة، فقد صدرت في قمة برازيليا في العام الماضي دعوة لتحالف الحضارات ولكن بأسلوب مختلف تماما عن الدعوة الإسبانية، وللأسف الشديد فلم تنل الدعوة البرازيلية لتحالف الحضارات ما نالته الدعوة الاسبانية من اهتمام وتركيز رسمي عربي وإسلامي وعالمي، وقد توالت الجهود الصهيونية والأمريكية لطمس الدعوة البرازيلية لتحالف الحضارات لأنها كانت دعوة صادقة تقوم على العدل والاحترام والتفاهم المتبادل وجاءت تعزيزا لصداقة قائمة واستغلالا لعلاقات جيدة بين أمريكا اللاتينية والجاليات العربية والإسلامية.

إن الشعوب العربية والإسلامية هي الأولى بالتحالف والوحدة للوقوف في وجه الطغيان الغربي وتحالف الإرهاب العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وشعوبنا التي تصدت بكل بسالة للعدوان والاحتلال في العراق وفلسطين وغيرها لهي قادرة على صد هذه الهجمة الجدية وإفشال كل المخططات الغربية الرامية إلى ترويضنا وإذلالنا، فبإيماننا ووعينا وجهادنا سنفشل هذا المشروع ولن يستطيع هؤلاء المعتدون على النيل من ديننا تحقيقا لقول الله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}آل عمران111.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ