ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 02/03/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

و يحكى أن -9-

د/ محمد الحكيم 

و يحكى أنه في بلد كان اسمه سوريا ، و بعد مرض الرئيس حافظ الأسد و دخوله المستشفى أواخر عام 1983م ، شكل لجنة سداسية لتسيير الحكم خلال فترة غيابه (تشكلت اللجنة من وزير الخارجية عبد الحليم خدام و وزير الدفاع مصطفى طلاس و رئيس الأركان حكمت الشهابي و من الأمين العام المساعد للبعث عبد الله الأحمر و الأمين القطري المساعد للبعث زهير مشارقة ، و رئيس الوزراء عبد الرؤوف الكسم ) ، و هذه اللجنة ( و كل رجالها من أهل السنة ) ، كانت  واجهة أما الحكم فكان بيد كبار الضباط  ( وهم الحاكم الفعلي وخاصة العميد رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع ، واللواء علي دوبا رئيس المخابرات العامة ، واللواء علي أصلان نائب رئيس الأركان  ، واللواء شفيق فياض قائد الفرقة الأولى، واللواء علي حيدر قائد الوحدات الخاصة ، و اللواء محمد الخولي قائد المخابرات الجوية، وغيرهم من كبار الضباط العلويين) رأت أن استبعاد رفعت الأسد من هذه اللجنة غير صحيح ، لذلك دعوا إلى اجتماع عاجل للقيادة القطرية ، لم يتغيب عنه سوى حافظ الأسد لمرضه ، وأحمد اسكندر أحمد ( وزير الإعلام وكان يومها على فراش الموت ). وقررت القيادة القطرية أن تكون هي المشرفة على البلد والحكم في غياب حافظ الأسد ، كخطوة تمهيدية لتسليم السلطة لرفعت الأسـد .

ولما شفي حافظ الأسد ( ... وعلم بما حدث ، وهو في فترة النقاهة ، شعر بالسخط الشديد ، لأن إي انحراف عن الطاعة الكاملة الخالية من أي تساؤل كان يثير شكوكه ، فاستدعى كبار ضباطه ووبخهم على الابتعاد عن تنفيذ رغباته الصريحة ، وبذلك فتحوا الباب أمام أخطار غير متوقعة ، أولم يروا أن دفع رفعت إلى المقدمة كان خطة أمريكية ـ سعودية !!؟ ) كما ذكر باترك سيل  في كتابه الصراع على الشرق الأوسط الصفحة/690 .

و لذلك بدأ حافظ الأسد يضع الخطط لإنهاء قوة أخيه رفعت ، الذي قوي  كثيراً بعد أحداث نهاية السبعينات و بداية الثمانينات بين السلطة في سوريا و بين الإسلاميين، عندما كانت يد رفعت تطال كل شيء في الدولة وخزينتها ، بأمر أخيه الرئيس ، و ذلك لتكون اليد القوية التي تبطش بالإسلاميين و ترهب الشعب ، و ترتكب المجازر و تدمّر المدن ، فبينما كان الرئيس يرى أن أخاه رفعت قد تجاوز الحدود الحمراء التي رسمها له، و بدأ يطمع بالسلطة التي كان في رأس الرئيس تصور مختلف لها ، كان رفعت يرى أنه الأحق بالرئاسة ، بعد أن كان السبب الرئيسي لتثبيت سلطة أخيه ، خلال الأحداث الدامية ، التي قمعها بكل ما أوتي من قوة سلاح و نفسية  مجرم0

و نقلنا في حلقة سابقة من كتاب مصطفى طلاس " ثلاثة أشهر هزت سوريا " كيف رسم رفعت الخطة للوصول إلى الحكم ، و أنه و بعد السيطرة على منزل رئيس الجمهورية و مقر القيادة العامة ، و احتلال مقر الإذاعة و التلفزيون ، و إعلان نبأ استلام رفعت مقاليد السلطة في البلاد، و لإشعار سكان العاصمة بأن القبضة التي استلمت الحكم هي قبضة فولاذية  ، تقوم المدفعية بقصف دمشق عشوائياً لإرهاب السكان و قطع أنفاس الناس بعد ذلك تقوم مفارز المشاة من سرايا الدفاع بعملية نهب و سلب للمدينة  المنكوبة ، و قد أبلغ رفعت ضباطه و جنوده أن المدينة ستكون حلالاً زلالاً مدة ثلاثة أيام بلياليها ، و بعدها لا يجوز أبداً أن يظل فقير واحد في سرايا الدفاع . و إذا طلب جندي بعدها مساعدة أو إكرامية ستقطع يده.( و يذكر حديثاً دار بين رفعت و مستشاره السياسي محمد حيدر – نائب سابق لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية - ، و كانا يمشيان في ضوء القمر بمعسكرات القابون المطلة على دمشق قال رفعت : مو حرام وا أسفاه أن تهدم هذه المدينة الجميلة .. فأجابه حيدر : والله صحيح حرام و أسافه و لكن شو طالع بأيدينا غير هيك ).

     و يتابع طلاس فيقول : ( كما أرسل علي عيد قائد " فرسان البعث " من طرابلس الشام مفرزة من اللصوص قوامها مئتي عنصر مع عشرين سيارة متنوعة و هم محملون ببنادق و مدافع مضادة للدروع و قنابل يدوية و مسدسات ، بالاتفاق مع رفعت لتشارك في نهب محلات المجوهرات عندما تحين ساعة الصفر لاستباحة المدينة ثم تهرب بالمسروقات إلى لبنان و هناك تتم عملية الاقتسام0و كُلّف اللواء شفيق فياض قائد الفرقة المدرعة الثالثة في القطيفة باعتقالهم ، و بعد أن تم له ذلك قال له طلاس : يجب أن يعاملوا باحتقار كما يعامل البدوي الجمل الأجرب، و كما يعامل الفلاحون الكلاب الشاردة. فقال فياض : لا توصي حريصاً ، فهم موضوعون في العناية الثورية المشددة ، و سينالون عقاباً و ضرباً شديداً على مؤخراتهم بعد رشهم بخراطيم المياه ، حتى لا ينسوا هذا الحدث في حياتهم . ثم يتابع طلاس : و تم احتجاز اللصوص شهراً و نيف و لم يطلق سراحهم إلا بعد أن انتهت الأزمة و سافر رفعت إلى موسكو).

و أريد أن أوضح للذين لا يعرفون علي عيد هذا أنه من الأقلية العلوية في لبنان الموجودة شمال طرابلس ، و قد شكل عصاباته من شباب الطائفة الحاقدين ، بأموال و أسلحة سورية  و بدعم مباشر من الرفيق رفعت الأسد و سرايا الدفاع التي كانت تدرب هذه العصابة على القتل و السرقة و الإجرام ، و قد نصح رفعت علي عيد بتشكيلها من صغار العلويين ، على شاكلة النويات الأولى لسرايا الدفاع ، عندما كان رفعت يرسل عصاباته المجرمة إلى جبال العلويين بغتة ليقوموا بخطف الأطفال و اليافعين ( من عمر 9إلى 18 سنة ) من حارات و شوارع القرى و بدون علم أهلهم ، ثم يأتي بهم إلى معسكرات السرايا في القابون بدمشق ليخضعوا لتدريب عسكري صارم و مكثف ، و غسيل دماغ بحيث تملأ أدمغتهم بالأفكار الفاسدة ، و بتأليه و تقديس الرئيس و القائد ( حافظ و رفعت ) فقط ، و بالحقد الأعمى على بقية أبناء الوطن ، و عندما يتأكد رفعت أنهم أصبحوا كما يحب و يرضى ، و أرتبط مصيرهم و مستقبلهم بالسرايا ، و لم يعد لهم طموح أكثر من طاعته و عبادته، عندها يسمح لهم بالاتصال بأهلهم و زيارتهم 0 و  كنا قد تكلمنا عن عقوبة رفعت على محاولة انقلابه هذه و تدمير و استباحة دمشق ، أن كافأه الرئيس وسمح له بمغادرة سوريا مع رجاله و عصابته بعد أن استقرض له مبلغاً ضخماً من المال من العقيد القذافي ، و أعطاه إياه قبل مغادرته ، أما هنا فنجد أن عقوبة العصابات القادمة من خارج القطر لتنهب و تسرق ما خفّ حمله و غلا ثمنه ، و تشارك في استباحة عاصمة الأمويين ، و أقدم عاصمة في التاريخ ، هي السجن لمدة شهر مع التأكيد أن شفيق فياض قد دغدغ مؤخراتهم بخراطيم المياه .

و هنا يتبين لنا أن النظام طائفي حتى في عقوباته ، فقد كان الشباب المسلم المثقف المسالم  يجرون من مدارسهم و جامعاتهم و مساجدهم و عياداتهم و مكاتبهم و معاملهم و مزارعهم ، بلا ذنب ارتكبوه ، و لا جرم اقترفوه سوى أنهم ملتزمون بدينهم و عقيدتهم ، و كانوا مثال الأخلاق الحميدة ، و الآداب الرفيعة ، من عوائل كريمة ، و أسر شريفة ، ربوا على الفضيلة ، و حب الوطن و أبناء الوطن ،  و التفاني في خدمته و رفع شأنه ، كانوا يساقون إلى فروع الأمن بإسلوب همجي مهين ، و هناك يخضعون في أقبية الظلام لجلسات الحقد و الكراهية و تصفية الحساب، على الدولاب البعثي  و الكرسي الألماني و الفلق الروسي و يضربون بالكرابيج  القومية و عصي الخيزران الثورية  و أسلاك حديد الصمود و التصدي ( و ليس المصدي )، و هم مكتوفي الأيدي إلى ظهورهم ، وعيونهم مغطاة بعصابات الحقد الأسود ،  و يغمرون بالمياه الباردة ، و تمزّق ملابسهم ، ثم توصل أسلاك الكهرباء إلى عوراتهم فتتقلص عضلاتهم و تلتوي أطرافهم و تصطك أسنانهم، و منهم من وضع على الخوازيق ، و قلعت أظافرهم ، و نتفت و حرقت شعور رؤوسهم و لحاهم ، و منهم من جيء بزوجته أو أخته أو ابنته ، و تم الاعتداء على عفتها أمام ناظريه ، و منهم من أعتقل أبواه العجوزان  ليتم الضغط عليه بهما ، و كل ذلك حتى يُقر بأنه منظم ، ليرحّل بعد ذلك إلى سجن تدمر الرهيب ، في بادية الشام ، هناك حيث الجحيم المقيم على الأرض ، و من منا لم يسمع ماذا كان يجري في تدمر ، و من لم يسمع فأنصحه أن يقرأ كتب خطها أصحابها بدمائهم و دموعهم ( ككتاب تدمر شاهد و مشهود للسجين الأردني سليم حماد ، و كتاب خمس دقائق و حسب – تسع سنوات في سجون سوريا للسجينة هبة الدباغ ، و سنتان في القاع ) ، فقد عاشوا هناك مأساة العصر العظمى ، و كانوا من النسبة القليلة التي كُتب لهم الخروج من ذاك الجحيم ( حيث الداخل مفقود و الخارج مولود )، و كانت مأساتهم يومية ، بل لحظية ، على مدى سنين طويلة ، فبعد خمس أو ست سنين من القتل و الجلد و التجويع و المرض و الذل و الإهانة ، في أبشع صورة و أقبح مشهد للإجرام البشري البغيض ، يعرض من بقي منهم حياً – فقد تُوفي الآلاف تحت التعذيب ، و بالأمراض المزمنة الخطيرة كالسل و التيفوئيد و المالطية و الكوليرا و نقص التغذية - على المحاكم الميدانية العسكرية ، لتكتمل فصول المأساة ، و يقابلوا الرائد سليمان الخطيب - ذلك الوجه الطائفي الكالح الحاقد القبيح - مع كاتبه فقط ( هما أعضاء المحكمة البعثية العربية الاشتراكية )، و هو الخصم و الحَكَم ، فالحكم معروف مسبقاً ، و مشرّع بموجب الأحكام العرفية ، و معلن من قبل وزير الداخلية السابق / عدنان دباغ منذ عام 1980 ، و وافق عليه مجلس المرسيدس السوداء المظللة الزجاج بالإجماع ( كالعادة ) ، و له اسم مشهور ، و علامة مميزة ، لا يقلدها أحد في الكون ، و هو القانون ذي رقم/ 49 ،  ليبشرهم بقرب الفرج ، و انتهاء سنوات العذاب ، و يصرخ فيهم ساخراً مستهزئاً : سأرسلكم إلى جنات النعيم التي تحلمون بها ، سأرسلكم إلى الرضوان و إلى زعيمكم محمد ، إلى الباحة السادسة ، حيث أعواد المشانق تنتظركم يا .... ، يا ...... و يفرغ ما بجعبته من أحقاد دفينة، وألفاظ بذيئة تعبر عن تربيته و بيئته الوضيعة .

و بعد هذه المحكمة الهزلية التي لا تستغرق إلا دقائق معدودة ، ينتظرون دورهم في ملاقاة وجه المولى الكريم ، و يجلسون كل صباح بعد صلاة الفجر ، ليتوضؤوا بكأس من الماء هو حصتهم و ربما تيمموا لانقطاعه ، و يصلوا صلاة الشهادة ( كما صلى خباب بن عدي رضي الله عنه )  ، فربما يكون هذا اليوم هو يوم الراحة من العذاب المهين و الذل المقيم ،و آخر يوم في هذا المهجع المزدحم الكئيب و هذا السجن البعثي الرهيب ، و لكن  يتأخر دورهم شهوراً و حتى سنوات ، فأمامهم قوافل كبيرة ، و أعداد غفيرة ، و لم يرو الجلاد الحاقد بعدُ غله من تعذيبهم و إهانتهم . و بعد طول انتظار يأتي الفرج ، و يودع الشهيد إخوانه ، و يوزع عليهم ثيابه البالية ، التي دخل بها منذ سنين طويلة ، و يخرج كالأسد الجموح ، رافعاً رأسه و مهللاً ، ليحيط به كلاب السلطة الهائجة و يوثقوا كفيه وراء ظهره ، و يعصبوا  عينيه ، و يكمموا شفتيه ، و يسوقوه تحت السياط و اللكمات و الشتائم إلى الباحة السادسة ، ليشدوا الحبل على رقبته ، و يسحبوا المسند من تحت قدميه ،  و ربما تعلق بعض الكلاب بساقيه ، و هم يضحكون ، و يتمازحون ، و يشربون نخب نور الأنوار و عميد الطائفة و أول رئيس من المحرومين  يصل إلى قمة الحكم على أنقاض وطن كان اسمه سوريا .

فهل بعد ذلك من حقد دفين ؟؟!!

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ