ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 22/01/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

ويسألونك عن دمشق ؟ 

قواعد المنهج في الإقتراب من الحقيقة

أ.د. محمد أحمد الزعبي*

تعرض ويتعرض كاتب هذه المقالة ، وفي هذه المرحلة القلقة من حياة النظام السوري الراهن ، تلك الحياة التي قاربت الجيل الكامل (والذي هو بموجب عبد الحمن بن خلدون أربعون عاما )، إلى عدد من التساؤلات عن رأيه فيما يجري في دمشق  وحولها ، وإلى م ( بالفتح) سينتهي بنا / ببلدنا المطاف ؟ . ورغم أن بعض هذه التساؤلات لم يكن بريئا ، فإن الكاتب كان لايتوقف عند هذا الأمر ، ويقول كل ماعنده بصراحة ووضوح ، وهو ماسيحاول القيام به في هذه المقالة ، التي سيغلب عليها الطابع المنهجي ، ولكن وفق المفهوم الخاص بالكاتب .

1.

تقوم وسائل الإعلام العربية ، ولا سيما الفضائية منها ـ وإن على درجات متفاوتة ـ بتضليل القارئ والسامع والمشاهد العربي وليس تنويره ، أو بتعبير آخر إخفاء الحقائق عنه ، وليس كشفها له ، وتبدو هذه النقيصة الإعلامية بارزة للعيان عندما يتعلق الأمر بالجانب السياسي المحلي منه أو العربي أو الدولي . إن السبب الكامن وراء هذه الخصيصة  للإعلام العربي الراهن ، هو القاعدة الشعبية المنطقية التي تقول " إن من يأكل من خبز السلطان لابد وأن يضرب بسيفه " ، ولا أراني بحاجة إلى توضيح أن الغالبية الساحقة من الجماهير العربية ، ومن القوى السياسية النظيفة والنزيهة الممثلة لهذه الغالبية والمنبثقة عنها ،إنما  تعيش عمليا على خط الفقر زيادة أو نقصانا  ، وبالتالي فإنه قد لايمكنها شراء الجريدة اليومية ، فما بالك بشراء الآلات التي تطبعها ، وبقية مستلزمات إخراجها ، وما بالك بوسائل الإعلام المليونية الأخرى التي لايستطيع امتلاكها وتشغيلها سوى الدول الغنية ، وفي بعض الحالات الأشخاص الأثرياء .  

إن مايرغب الكاتب قوله هنا ، أنه إضافة إلى التعقيد والجمود  السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي في الوضع العربي عامة والسوري خاصة ، فإن الإعلام العربي والسوري  ، إنما يزيد طين هذه الإشكالية بلّة ، وبالتالي فهو لايساعد على أن يكون المسؤول في كثير من الأحيان بأعلم من السائل .

2.

تتداخل في الأحداث الجارية على الساحة العربية عامة  وفي القطر العربي السوري  خاصة ـ الذي هو موضوع هذه المقالة ـ الأسباب مع النتائج  بصورة  يصعب معها  معرفة  سواء ماجرى ويجري  أو ماسيجري في دمشق . فالظواهر الإجتماعية  لاتأتي من العدم ، وإنما هي نتيجة لسبب ما  أو لجملة أسباب ، منها ماهو رئيسي وجوهري ومنها ماهو ثانوي ، والتي ( أي النتيجة ) سرعان ما تتحول بدورها إلى سبب جديد لنتيجة جديدة ( جدلية السبب والنتيجة ) . ويتمثل الدور الأساسي للباحث الإجتماعي ولعالم الإجتماع هنا في  سبرغور الظاهرة الإجتماعية المعنية  ( ماذا جرى ويجري وسيجري في دمشق مثلا ) للوقوف على السلسلة السببية ، والتمييز بين ماهو رئيسي وما هو ثانوي في هذه السلسلة . إن اختلاط الحابل بالنابل في دمشق ، والذي يتجسد اليوم ، بالتداخل بين العوامل الداخلية والخارجية ، وبين الاستراتيجية والتكتيك ، وبين النظرية والممارسة ، وبين القول والفعل ( أسمع كلامك يعجبني أشوف فعالك أستعجب ) ، وبين الصدق والكذب ، وبين الأب والإبن ، وبين الحزب والطائفة ، وبين الياقات البيضاء والزرقاء والكاكي ، وبين النحر والانتحار ، وبين المقاومة والإرهاب ، وبين الديمقراطية والديكتاتورية ، ...الخ ، نقول إن هذا التداخل  والتشابك  إنما يجعل طريق الباحث السوسيولوجي النزيه والجاد محفوفا بالمخاطر والأشواك ، وإشارات الإستفهام  بل وربما المسائلة ( القانونية !! ) التي قد تقوده إلى السجن ، كما هي الحال مع الدكتور عارف دليلة و من معه  من مناضلي ربيع دمشق ( العشرة الأفاضل )، وكما قد تكون عليه الحال مع نشطاء إعلان دمشق في مقبل الأيام  . 

وإذا ماتوقفنا قليلا عند الوضع الحالي في سوريا ( والتي أطلق عليها سماحة الشيخ حسن نصر الله " سورية الأسد " ) ، فإن السؤال الي يطرح نفسه هنا  بوضوح ودونما التباس : هل إن مانحن فيه الآن في سورية ، من ذلّ وهوان وانكسار وانكشاف ، والتحول المؤسف من دولة عربية المحتد ، وحدوية الهوى ، ديمقراطية التوجه ، فعالة ومؤثرة ، إلى دولة وراثية ، دولة للصمت  الذي لا يقطعه سوى التصفيق الحاد ، والردح المعيب ، ونعيق بالروح بالدم ... ، وهدير الطائرات بين دمشق وفيينا ، وهي تنقل من سمموا العلاقات القومية والأخوية بين سورية ولبنان للمثول أما لجنةالتحقيق الدولية ، ونداء الآباء والأمهات الذين تتعانق أصواتهم ودموعهم عبر الأسلاك الشائكة  في مدينة القنيطرة عاصمة هضبة الجولان " السليب " !! ، نقول : هل إن كل هذا ( وغيره الكثير ) هو نتيجة لهيمنة فئة عسكرية معروفة على السلطة في دمشق ، أم أن هذا الذي وصلنا إليه بات يمثل الزاد ( السبب ) الذي تتغذى عليه ومنه هذه الفئة ، وهو مايفسر ولوغها في غيها والذي بدأ بتغييب الشعب ، وانتهى بالتنازل عن لواء الإسكندرون ، وبالسكوت على احتلال الجولان ، مرورا بنقيصة الإشتراك في الحرب على العراق إلى جانب أعداء

العروبة والإسلام في حفر الباطن . ناهيك عن النقائص والخطايا الأخرى ، التي لاتمثل مذابح حماه وحلب وجسر الشغور ، وكذلك القانون 49 لعام 1980 السئ الذكر ، سوى  مجرد حلقات في سلسلة الإرتكابات التي يختلط فيها السبب مع النتيجة ، والتي تسمح للمعارضة وللموالاة بأن " يغني كل على ليلاه " . إن الإختلاط بين السبب والنتيجة هنا يتمثل أساسا ، في التداخل بين الظاهر والباطن في سياسة النظام ، تلك السياسة التي سمحت للأب وهي تسمح الآن للإبن ، وبالتالي للنظام الحالي في دمشق ، بأن يرفع بإحدى يديه ، ومن فوق الطاولة السيف والعصا ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ، في الوقت الذي يعتقد الكثيرون أنه يقدم لهما بيده الأخرى ومن تحت الطاولة  باقات السلام والإستسلام !! . ترى ما ومن هو السبب ، وما ومن هي / هو النتيجة في هذه اللعبة القذرة العابرة الحدود والقارات ، تلك اللعبة التي سبق لبوش الأب والأسد الأب أن لعباها ، ويقوم ابنيهما الآن بمتابعة هذه اللعبة ، وفق الشروط التي حددها لهما الأبوين .

3.

إن الحديث عن لعبة عابرة للقارات ، يحيلنا عمليا إلى مايعرف منهجيا بالعلاقة الجدلية بين الداخل والخارج ، من حيث أن العالم بات كما يقال عبارة عن قرية واحدة ، وذلك في ظل شبكات الإتصال والإعلام ، وفي ظل عالم الكومبيوتر والإنترنت  ، وبات بالتالي التأثير المتبادل بين الأمم والدول والشعوب أمرا واقعا لامفر ولا مهرب منه . إن ماينبغي الإشارة إليه هنا ، هو أن الطرفين الداخلين في علاقة تبادلية بينهما ( كما هي الحال بين الأنظمة العربية الراهنة والولايات المتحدة الأمريكية ) لايشترط أن يكونا متساويين في وزنهما السياسي  و/ أو العسكري و/ أو الاقتصادي و/ أو الثقافي و/ او الديموغرافي و/ أو الجغرافي ،الأمر الذي لابد وأن ينعكس على العلاقة الجدلية بينهما ، بما يحولها من علاقة ذات اتجاهين ( أخذ وعطاء ) إلى علاقة ذات اتجاه واحد يكون فيها المرسل هو القوي والمتلقي هو الضعيف . وعادة مايتم إخفاء هذه العلاقة غير المتوازنة من قبل الطرفين باللجوء إلى الحيل اللفظية ، وإلى عرض العضلات  الشكلي والخالي من أي مضمون عملي وواقعي بالنسبة للجانب الضعيف ( العنتريات التي ماقتلت ذبابة : نزار ) ، إضافة إلى القيام ببعض الإجراءات التنموية المظهرية التي تصب في طاحونة الفئات الاجتماعية المرتبطة بالخارج ، ومن هذه الطاحونة ( الوطنية !! ) تنساب إلى طاحونة الطرف الخارجي القوي ( أمريكا ) .

4.

وفي تطبيقنا لما أوردناه أعلاه  حول العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج  ، على مايجري في سورية هذه الأيام ، وبالذات منذ الإحتلال الإنجلو ـ أمريكي للعراق الشقيق ، فإن الإجابة العلمية الصحيحة هنا ، تبقى ـ من وجهة نظرنا ـ رهنا بمعرفة كافة الأبعاد الحقيقية للعلاقة من جهة بين النظامين السوري والإيراني ، ومن جهة أخرى بين كل من هذين النظامين والولايات المتحدة الأمريكية ، وبدون هذه المعرفة لايمكن للباحث أو المهتم  أن يقدم رأيا سليما بعيدا عن المزايدة وعن أن يهرف بما لايعرف .

لقد سمع الكاتب بام عينيه وأذنيه رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السابق محمد خاتمي يقول مامعناه ، إن أمركا تعرف أنها بدون المساعدة الإيرانية لها ماكانت لتقدر على احتلال أفغانستان والعراق ( !! ) ، وسمع الكاتب من جهة أخرى ، و أيضا بأم عينيه وأذنيه الرئيس الحالي السيد محمود أحمدي نجاد يؤكد على ضرورة مسح إسرائيل من على الخارطة ، وعلى عدم صحة أسطورة الهوليكوست اليهودي  .

إننا هنا أمام موقفين متناقضين لنفس الجهة ، فأيهما نصدق ، وأيهما نكذب ؟ ، أم أن الأمر يدخل في باب التكتيك المشروع ، من أجل كسب الوقت للوصول إلى القنبلة النووية الإسلامية  الضرورية لتحقيق التوازن الإستراتيجي بين إسرائيل وإيران ، وبالتالي العرب والمسلمين .

إن الكاتب لايملك هنا إلاّ أن يرجئ رأيه حول حقيقة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية  من اليوم إلى الغد ، حيث ( ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا / ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد ) .

5.

أما بصدد النظام السوري ، فليس هناك من لايعرف ، أن القوات السورية قد دخلت لبنان عام 1976 بموافقة أمريكية وإسرائيلية !!، وأن هضبة الجولان المحتل  تنعم بالهدوء غير الحذر منذ 1973 وحتى يومنا هذا !! ، وأن أمريكا سكتت على مذبحة حماه أسبوعين كاملين ، وأن تعاون النظام السوري الأمني مع  وكالة الإستخبارات الإمريكية ( CIA ) كان موضع إشادة مستمرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأن العدو الرئيسي لكل من البوشين والأسدين كان صدام حسين ، وبما أن " عدو عدوي صديقي " ، فإن التعاون السياسي والأمني بين النظام السوري والولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق الشقيق  كان من قبيل تحصيل الحاصل .

 ومن جهة أخرى ، فإنه ليس هناك من يجهل الآن أن النظام السوري في حالة اشتباك  مقنن ( خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء ) مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن سلاحه الفعال في هذا الإشتباك  كان وما يزال تخويف الولايات المتحدة من البديل الذي قد يكون " الإخوان المسلمين " اللذين هم أعداء الطرفين ، وأيضا تذكيرها المستمر ، بدوره الكبير في القضاء على " الإرهاب " في سورية عبر القانون 49 لعام 1980 ، واستعداده الدائم للتعاون معها ( أمريكا ) في هذا المجال ، سواء داخل سوريا أو خارجها !!! . إن الكاتب لايعرف ولا يعلم مدى أبعاد وجدية هذا الإشتباك  السياسي  بين نظامي واشنطن ودمشق ، وخاصة أن واشنطن تقف وراء كل القرارات الدولية التي صدرت ضد النظام السوري مؤخرا ، وبالذات القرارين 1559 و1336 ، وكذلك وراء دخول هذا النظام في دائرة الإتهام في قضية الإغتيالات السياسية التي طالت عددا من الرموز الوطنية اللبنانية المعارضة للهيمنة السورية على الشؤون اللبنانية ، ولا سيما رئيس وزراء لبنان السابق المرحوم رفيق الحريري  ، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني  الرفيق جورج حاوي ، والتي ماتزال تنتظر تقرير اللجنة الدولية النهائي في هذا الموضوع .

إن مجموعة هذه الوقائع المتناقضة ، إنما تضع الباحث أمام إشكالية منهجية  تتمثل في غياب المعالم البارزة والمؤكدة لحقيقة العلاقة بين النظامين السوري والأمريكي  في هذه المرحلة ، تلك الحقيقة التي لايرى المرء منها  سوى نصفها المعروض فوق الطاولة ، بينما يغيب عنه  نصفها الآخر الذي  يخفيه الطرفان معا (وبالإتفاق ربما) تحت الطاولة  ، الأمر الذي معه لانملك ـ هنا أيضا ـ سوى  أن نرجئ  الإجابة والموقف  حول هذا الموضوع  من اليوم إلى الغد " وإن غدا لناظره قريب " ،  أو بالتعبير الشعبي "غدا تذوب الثلجة وتظهر المرجة" .

6.

يقتضي عنوان هذه المقالة ( ويسألونك عن دمشق ؟) التوقف عند الإشكالية التي طرحتها تصريحات وتلميحات السيد عبد الحليم خدام الأخيرة التي بما أحدثته من ردود فعل سورية وإعلامية صارخة  كادت تحل ( بالضم ) صاحبها محل المتنبي باعتباره " مالئ الدنيا وشاغل الناس " .

ويرى الكاتب هنا ضرورة أن يشير إلى معرفته الجيدة بالسيد خدام ، ولكنها معرفة تعود إلى ماقبل مغادرته ( اي الكاتب ) سورية عام 1974 وكغيره من المواطنين السوريين ، المقيمين في الخارج ، كان الكاتب يسمع ويقرأ ، عن حالة الفساد العامة التي عليها النظام السوري ، ولاسيما في المجال الإقتصادي ، والتي شملت هرم السلطة من هامة رأسه حتى أخمص قدمه ، ومن الطبيعي ألا يكون عبد الحليم خدام استثناء في هذا المجال ، أي أنه و بالإستنتاج المنطقي لابد وان يكون داخلا في خانة الفساد السياسي ( التعاون مع نظام ديكتاتوري عسكري وطائفي  أكثر من ثلث قرن من الزمان ) ، والفساد الإقتصادي الذي لايختلف عليه لاالقاصي ولا الداني . ناهيك عن الفساد القيمي والخلقي الذي سمح

له بالوقوع في فخ الفساد السياسي والإقتصادي . هذا مع العلم أن الكاتب قد قرأ البيان الذي رد فيه نجلا السيد خدام على ماأسمياه " مسرحية مجلس الشعب " والذي برءا فيه أباهما وبرءا نفسيهما من كل التهم الموجهة لهم بالفساد المالي ، وأيضا من تهمة  طمر النفايات السامة  المعروفة في مكان ما من التراب الوطني  . وللأمانة  فإن دفاعهما بشان النفايات السامة كان قويا ومقنعا  إلى حد بعيد . 

إن ماأورده عبد الحليم خدام من تهم سياسية وإقتصادية  للنظام السوري ، الذي كان هو نفسه جزءا أساسيا منه وفيه  إلى أمد قريب ، إنما تمثل الشهادة التي ينطبق عليها قوله تعالى " وشهد شاهد من أهلها " ، وكان جدير بمجلس الشعب ، كي لاتنطبق عليه صفة " مجلس الردح " أن يتوقف عند التهم المحددة التي وجهها النائب السابق لرئيس الجمهورية  ، ويشكل لجانا للتحقيق في هذه التهم  التي مسّت النظام من ألفه إلى يائه  وبمن فيهم خدام نفسه .

ويرغب الكاتب أن يشير حول هذه المسالة ، إلى أن ترحيب البعض بانضمام عبد الحليم خدام إلى جهة المعارضة لنظام دمشق ، إنما هو ترحيب مقبول ، ولكن شرعيته تظل رهنا بمطالبة المعني بتقديم كشف حساب علني عن وضعه المالي ، وبيان ماله وما عليه ، وعندها فقط يصبح الترحيب به ليس مقبولا فقط وإنما مشروع أيضا . إن خروج عبد الحليم خدام من عباءة النظام في دمشق اليوم ، إنما هو خطوة إيجابية على الطريق الصحيح ، ولكن لابد من استكمالها غدا ، بتطهير نفسه من الأدران التي لحقت به وبأسرته طوال تعاونه مع نظام نكتفي بما قاله هو عنه . وبانتظار هذا الغد الذي نرجو أن يكون قريبا ، لانملك إلاّ أن نرحب بضيف المعارضة ، أبي جمال ، الذي نأمل من أصدقاء آخرين (يعرفون أنفسهم) أن يحذوا حذوه ، بعد أن بدأت أسهمهم في البورصة السياسية تترنح ، و بعد أن فقدت تيتانك دمشق توازنها ، وبدأت تجتاحها أمواج التغيير الكاسحة ، وبات مصيرها في مهب الريح .

7.

لقد لفت نظر الكاتب أن عددا من المثقفين السوريين الذين ينتمون الى " المعارضة " ، يماهون في كتاباتهم بين النظام السوري وبين حزب البعث العربي الإشتراكي ، قافزين بذلك فوق عدد من الحقائق التي أبرزها :

> أن قواعد الحزب مافتأت تعيش منذ حل الحزب عام 1958 ، وإعادة إحيائه بين عامي 1961 و1963  صراعا داخليا مريرا ، من جهة بين اليمين واليسار ، ومن جهة ثانية بين المدنيين والعسكريين ، ومن جهة ثالثة بين الروابط الأيديولوجية والعقائدية للعضو الحزبي ، وبين روابطه القبلية والطا ئفية والجهوية  ، والتي تتناقض كليا مع مبادئ وقيم الحزب . علما أن الكاتب يرى في هذا الصراع الحزبي ، صراعا بين الذات ( الانتماء العقائدي / الأفقي ) والموضوع ( الإنتماءات القبلية والطائفية والجهوية / الإنتماء العمودي ) ، وهو يحاكي في بعض صوره الصراع الذي شهده التاريخ المبكر للإسلام  ، حيث شهدت مرحلة الخلفاء الراشدين  انتصار الذات على الموضوع ، بينما سجل استيلاء معاوية على السلطة في دمشق انتصار الموضوع على الذات ، ولكن الإسلام بقي هو الإسلام في الحالتين .

> أن حافظ الأسد قد زج بأعضاء القيادتين القومية والقطرية ( حركة 23 شباط 1966 ) في السجن عام 1970 ، وتناساهم المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العربية والعالمية طيلة ربع قرن ، حيث  استشهد الرفيقان نور الدين الأتاسي  ( الأمين العام للحزب ورئيس الجمهورية ) وصلاح جديد ( الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري ) في السجن ، وحيث أن من أطلق سراحهم من أعضاء القيادتين مايزال محروما من جواز السفر وبالتالي من مغادرة البلاد ، فكأنهم خرجوا من السجن الصغير إلى السجن الكبير .

> أن ارتداء عباءة حزب البعث من قبل النظام السوري ( نظام سورية الأسد !! ) ، إن هو إلا ورقة التوت التي أراد النظام أن يخفي تحتها عورته الطائفية والعسكرتارية . لقد كان عدد الأعضاء العاملين في الحزب عام 1966 بحدود الأربعة آلاف ، وهم الآن بالملايين  ( ماشاء الله  !! ) ، إنه غثاء السيل الذي لايسمن ولايغني ، وبالتالي فإنه من الظلم لهذا الحزب ، أن نسبغ عليه صفة الحزب الحاكم ( المادة الثامنة من الدستور ) ، علما أنه حزب محكوم ، مثله في ذلك مثل مايسمى بالجبهة التقدمية ، بل ومثل الشعب السوري كله  المغلوب على أمره . 

> أن من قام بحل حزب البعث في العراق هو الحاكم العسكري للعراق " بريمر " ، والذي أسس لجنة اجتثاث البعث وأوكل أمرها إلى أحد عملاء المخابرات المركزية الأمريكية ( أحمد الجلبي ) أيضا هو " بريمر " ، فهل يرضى بعض الإخوة من مثقفي المعارضة بتياراتها الرئيسية الثلاث ( الإسلامين والليبرالين والماركسيين ) لأنفسهم هذا الدور البريمري . إن حزب البعث العربي الإشتراكي كما نعرفه وكما نفهمه وكما أراد له مؤسسوه أن يكون هو بريء من هذا النظام الطائفي في دمشق ، براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام .

> إن حزب البعث في القطر العراقي بجناحيه العسكري والمدني ، يقف اليوم في طليعة المقاومة العراقية الباسلة للإحتلال الإنجلوـ أمريكي ، تلك المقاومة التي حفظت وتحفظ للعرب جميعا ومنهم  الإخوة الذين  يماهون بين النظام السوري الراهن وحزب البعث كرامتهم في هذا الزمن العربي الرديء . إن حزب البعث في القطر السوري ، لن يكون ـ على مانظن ونأمل ـ بأقل من شقيقه العراقي دفاعا عن الوطن والأمة  عندما تدق ساعة " حي على الكفاح " .

8.

بقي أن نقول أن المعارضة الوطنية اللبنانية ، التي انبثقت عن اغتيال الشهيد رفيق الحريري ، كثيرا ماتقع بدورها بنفس مطب الخلل المنهجي عندما تماهي هي أيضا بين " سوريا " الشعب والدولة ، وبين النظام المتهم باغتيال المرحوم الحريري . إن الشعب السوري أيها الرفاق اللبنانيون هو شعب مضطهد مثلكم من قبل نفس النظام ، ونفس الأشخاص ، وهو يشارككم  نفس  الآمال والآلام ، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التماهي بين الشعبين العربيين في خطابكم السياسي والإعلامي . إن خسارتكم في رفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وغيرهم من الرموز الوطنية اللبنانية ، هي خسارة لنا أيضا ، ولابد أن تتكاتف جهودنا معا لدحر هذا الإرهاب المنظم أيا ً كان مصدره .

* أستاذ جامعة ووزير سابق

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ