ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/10/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هدم جسور التطبيع مع اليهود

د. محمد الغزي

التطبيع هي كلمة حلوة إيجابية ذات مدلول إنساني إذا ما انتزعت من سياق الصراع العربي الإسرائيلي، فهي لها نفس مدلول كلمة السلام، إلا أن مفهوم "التطبيع" الذي تسعى إليه (إسرائيل) يحمل في طياته معان خطيرة كثيرة.  فالتطبيع هو التضييع، أو تضييع الحقوق العربية والفلسطينية والتعامل مع المحتل والمعتدي وكأنه جار صديق مسالم، والتطبيع هي الاختراق، أي اختراق الصف العربي ليصبح الشرق الأوسط مسرحا لشيطنة اليهود والصهاينة وخلق الفتن، ومنطلقا لعمليات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وبيئة مناسبة لعمليات تسخين المنطقة وإبقاء الصراع بين الأنظمة الشعوب على أشده.  والتطبيع هو التخريب، حيث أن إسرائيل تسعى إلى تخريب الدول العربية بتلويث مياهها وتربتها، وتخريب أخلاق شبابها بنشر الإباحية الجنسية، وتكوين جيوش من العملاء لها من أبناء شعوبنا العربية.  والتطبيع هو الاستغلال للأيدي العاملة العربية في ظل البطالة المنتشرة في عالمنا العربية، وللمصادر والثروات الطبيعية العربية، وللقدرات والكفاءات العلمية والأكاديمية، وهو الاستعمار للبلاد العربية وللإنسان العربي.

لذا يجدر بنا أن نختار مصطلحا أكثر إيحاء للدلالة على كل هذه المعاني التي تهدف (إسرائيل) إلى تحقيقها من وراء ما تسميه بالتطبيع، والتطبيع Normalization هو مصطلح إسرائيلي غربي تم اختياره بعناية فائقة كباقي المصطلحات التي صنعتها الصهيونية العالمية مثل الإرهاب والتطرف والكراهية الدينية والأصولية... الخ.  ونحن باستخدامنا لمصطلح "مناهضة التطبيع" أو "مقاومة التطبيع" نكون قد وقعنا في الفخ الصهيوني الغربي، من حيث أننا نقاوم ونناهض أمرا طبيعيا ايجابيا يحدث بين كل الدول المتجاورة وحتى المتباعدة في العالم.  لذا الأحرى بنا أن نستخدم مصطلح "الاختراق" أو "التخريب" أو "الغزو الصهيوني" الاقتصادي والثقافي بدلا من "التطبيع".

و (إسرائيل) التي ضربت حول نفسها الجدر والسدود لحماية كيانها، وتستخدم كل التكنولوجيا في تشديد الرقابة على المداخل والمخارج والمعابر، وتضع مئات نقاط التفتيش حفاظا على نفسها من الفلسطينيين والعرب، تريد من العالم العربي أن يكون مفتوحا لشرورها ومطامعها، وتعمل على مد الجسور للوصول إلى قلوب العواصم العربية، ولا تجد من يمنعها من الوصول إلى كل مكان في أي زمان.  والجسور ليست تلك التي تصنع من الإسمنت المسلح فحسب، ولكن هناك جسور بشرية من أبناء الأمة العربية تعمل على تمكين (إسرائيل) من تحقيق نواياها الشيطانية، وأقصد بذلك ثلاث فئات من الناس: أهل الفن والموسيقى والسينما، والأساتذة والأكاديميين والباحثين، والمفكرين والسياسيين والإعلاميين، ورجال الأعمال والتجار والمقامرين، بالإضافة إلى الأنظمة الحاكمة التي تعمل على استحياء من شعوبها –وليس من ربها– على تمكين (إسرائيل) من الوصول إلى مآربها في النيل من الأمة العربية والإسلامية.

لن تستخدم (إسرائيل) كل هذه الأدوات والجسور في عملية اختراق البلاد العربية وتخريبها ونهبها فحسب، بل تريد أن تكون هذه الجسور والأدوات وسيلة لخروجها من عزلتها والتخلص من أزماتها الخانقة المتمثلة في فقدانها للشرعية، واقتصادها المتردي، وصفوفها الممزقة، وانحسار المشروع الصهيوني الغربي الذي يقوم على التوسع وابتلاع الأراضي العربية حتى الوصول إلى "إسرائيل الكبرى".

لقد كتب المفكرون والمثقفون العرب أطنانا من المقالات والمؤلفات عن التطبيع ومقاومته، وقد آتت كل الجهود المبذولة نتائج جيدة في الحد من التطبيع في الفترة السابقة، ولكن هذه الفترة بالذات مختلفة تماما، إذا تتظاهر (إسرائيل) بإنهاء احتلالها لغزة والضفة، وتُظهر الأنظمة العربية –التي هي أهم أدوات التطبيع– أن حل المشكلة الفلسطينية بات مرهونا بالتطبيع وبإنهاء المقاومة الفلسطينية.  لذلك فالمقاومة للاختراق الصهيوني تتطلب إعادة دراسة وتقدير للأمور، وتحتاج إلى أساليب أكثر فاعلية وجدية، وتحتاج بشكل خاص إلى زيادة الوعي الجماهيري بمآرب (إسرائيل) من وراء التطبيع، فلا بد أن تعلم الشعوب العربية والإسلامية خطر المشروع الصهيوني والحملة الأمريكية على المنطقة العربية.  إن المشكلة الفلسطينية لم تُحل بعد، فهناك أراض عربية وفلسطينية مازالت محتلة، واللاجئون الفلسطينيون مازالوا ينتظرون ساعة العودة إلى ديارهم، والقدس تخوض معركة التهويد ومسح الهوية الإسلامية والعربية، والمشروع الصهيوني الغربي مازال يعمل بجد ونشاط للهيمنة على بلادنا.

وفي هذا الوقت الحساس تشيع عدد من القنوات الفضائية العربية ووسائل الإعلام الأمريكي الموجه للعرب والمسلمين أخبار تطبيع العديد من الأنظمة العربية مع اليهود في المجال الدبلوماسي والتجاري والفني منذ سنوات عدة، وذلك إيحاءا من هذه الفضائيات بأن التطبيع جار على أقدام وسيقان عربية ويتقدم بتؤدة نحو التوسع والانتشار، وأن على الشعوب العربية أن تستجيب وترضخ للواقع.  والحقيقة التي يعرفها الكثير أن التطبيع يبدأ من الأنظمة الحاكمة وينتهي عندها، مع استثناء بعض فئات الباحثين عن الثراء والشهرة الذين سلبتهم الحياة الغربية قدرتهم على التمييز والتفكير، فباعوا أنفسهم وشعوبهم وأوطانهم من أجل الدولار واليورو.  ولكن تطبيع الأنظمة وتلك الفئات اللاهثة وراء المتعة لا وزن له مقارنة مع مساوئهم وعملهم الدؤوب في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية التي تضغط على هذه الأنظمة للتطبيع مع اليهود.

أيها النخب المثقفة والمفكرة في العالم العربي والإسلامي: نحن بحاجة إلى جدار أطول وأعلى من جدار العزل العنصري اليهودي لمنع الاختراق الصهيوني لبلادنا العربية والإسلامية، لقد وصلت جبهات المعركة الغربية الصهيونية إلى بيت ومخدع كل مواطن عربي ومسلم، ولا يوجد أي مجال لتجاهل هذه الجبهات، ولا مجال للتعذر فالتصدي للاختراق الصهيوني لا يحتاج إلى حمل سلاح أو اجتياز حدود للذهاب إلى ساحة المعركة، كل ما نحتاجه هو الفاعلية والإبداع والعمل المخلص للوقوف أمام الهجوم الصهيوني السلمي.  إن الواقع يفرض علينا أن نقوم بواجبنا تجاه أوطاننا وأبنائنا وديننا، فليشمر كل واحد منا ويأخذ مكانه في هذه المعركة الفاصلة، وليعمل كل واحد منا على سد الثغرة التي تليه، والمرأة العربية المسلمة لها أكبر دور في التصدي للجبهة الأخيرة.

لقد استنفدت (إسرائيل) كل ما في جعبتها وانثلم –بل تكسر– سهمها الأخير "شارون" ولم يعد لديها غير سلاح الاختراق والتخريب والتضييع، وما بقي لها من أدوات غير الأنظمة والفئات اللاهثة وراء متع الحياة الغربية ودولارات بوش واليورو، فلا ننقذها بأيدينا، ولا نمد لها يد الإنقاذ من مآزقها الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.

وفي محاولة لاختراق الجامعات الفلسطينية والعربية واستخدام الأكاديميين والباحثين جسرا للتطبيع مع اليهود، تبذل جهات غربية وأمريكية –بتمويل أمريكي وأوروبي وآخر من البنك الدولي– جهودا مضنية للقيام بمشاريع مشتركة بين الجامعات العربية والأوروبي/ الأمريكية والإسرائيلية.  وتجد الجامعات ضعفا شديدا في مقاومة إغراء الدعم المقدم لها لتمويل البرامج وفتح الأقسام والتخصصات وإنشاء المختبرات، ومجال تكنولوجيا المعلومات هو من أكثر المجالات فرصة لتلقي الدعم من تلك الجهات لما له من أبعاد اقتصادية وثقافية لا مجال للحديث عنها في هذا المقال.  وهنا يجب على الجامعات أن تتعامل بحكمة وذكاء في التعامل مع هذا الإغراء، فلا تقبل بالشروط التي تتنافى مع رسالتها ووطنيتها مثل الشراكة مع الجامعات العبرية، أو التعاون الأكاديمي والبحثي مع أساتذة يهود، وعلى الأساتذة والباحثين والأكاديميين أن لا يجعلوا هذه المشاريع التمويلية طريقا لهم للثراء في مقابل التخلي عن الالتزام الوطني والقومي والديني.

وفي بعض بلاد الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا، حيث يتزايد دعم الأساتذة والباحثين من أصل عربي لنظرائهم من الفلسطينيين، يسعى بعض الأوروبيين المتعاطفين مع (إسرائيل) والأساتذة اليهود الذين يتظاهرون بتأييدهم لحقوق الشعب الفلسطينية أن يركبوا الموجة ويوجهوا مسار الدعم العربي الأكاديمي في الجامعات الأوروبية إلى عمل شراكة وتعاون بين الجامعات الأوروبية والإسرائيلية والفلسطينية.  فعلى هؤلاء الداعمين من العرب والمسلمين أن يتعاملوا بحذر مع هذه القضية بما يمليه عليهم الواجب الوطني والديني، وأن يرفضوا التعامل مع اليهود في الغرب وفي الجامعات الإسرائيلية.

أما بالنسبة لرجال الأعمال والتجار، فعليهم أن لا يجعلوا مصالحهم فوق كل الاعتبارات الوطنية والقومية والدينية، وعلى الجماهير العربية أن تقاطع هؤلاء الناس حتى تتحول تجارتهم إلى كساد، وأعمالهم إلى خراب.  وعلى المخلصين من رجال الأعمال والاقتصاديين وأصحاب رؤوس الأموال أن يعملوا على حل مشكلة البطالة المتفشية في بلادنا العربية، فالولايات المتحدة و(إسرائيل) تسعى بمكر ودهاء لاستغلال مشكلة البطالة للضغط على الشعوب العربية واستغلال حاجة أنباء أمتنا في إقامة المناطق الصناعية المؤهلة "QIZ" أو الكويز، لتمرير خططها باستغلال الشعوب، وإتاحة إمكانيات التطبيع مع الكيان الصهيوني.

إن أول خطوة في مقاومة الاختراق الصهيوني لبلادنا تبدأ بتوعية الجماهير، ثم إقامة البرامج المؤسسات والجمعيات الأهلية المدنية التي توحد جهود المقاومين للاختراق والغزو، وتأخذ بيد كل من يعمل على المقاومة وتساعده على البذل والعطاء، ثم تشكيل لجان لمعاقبة كل من يصنع من نفسه جسرا لليهود للوصول إلى شعوبنا وبلادنا.  وحسب نصيحة دكتاتور الباكستان "برويز مشروف"، الذي قال "لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم"، على الفلسطينيين أن يحجموا عن كسر مقاومة التطبيع وتخريب الجهود المبذولة لعزل (إسرائيل) حتى لا يقتدي بهم ضعفاء النفوس ويجدوا لهم عذرا للتملص من التبعات والحقوق.

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ