ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 31/08/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


في تفسير

ظاهرة التطرّف العنفي

صبحي غندور*

مقولتان تتقابلان في محاولة تفسير أسباب ظاهرة التطرّف العنفي الذي يحصل باسم "جماعات إسلامية":

المقولة الأولى، وهي في معظم مصادرها غير عربية وغير إسلامية، تحاول ربط هذه الظاهرة المعروفة الآن باسم الإرهاب، بغياب الديمقراطية في المجتمعات العربية والإسلامية وأيضاً بالفقر الاجتماعي وانعدام فرص العمل في هذه المجتمعات.

المقولة الأخرى، وهي في معظم الأحيان من مصادر عربية وإسلامية، تعيد الأسباب في تفسيرها لظاهرة التطرّف العنفي، إلى مسؤولية الغرب عموماً، وأميركا وإسرائيل خصوصاً، عن اضطرار هذه الجماعات لاستخدام أسلوب العنف المسلّح ضدّ المدنيين والأبرياء، وهذا مضمون كلمة "الإرهاب" الآن.

وفي المقولتين إجحاف للحقيقة، وقصور عن الرؤية الشاملة للواقع.

فالمقولة الأولى "الغربية" تحاول أن تنفي مسؤولية الغرب عن "ظاهرة الإرهاب" وتعيد المشكلة فقط إلى الأوضاع الداخلية في الدول العربية والإسلامية، بل إنّها لا تشير إلى مسؤوليتها حتى في هذا الجانب "الداخلي" بالرغم من حقيقة هذا الأمر عملياً منذ مطلع القرن العشرين، وما قامت به الدول الاستعمارية الأوروبية ثمّ أميركا من إعداد ورعاية لهذا الواقع الداخلي العربي والإسلامي وفي كلّ مجالاته الجغرافية والدستورية والاقتصادية.

أيضاً، كيف يفسّر أصحاب هذه المقولة "الغربية" ما حدث في ولاية أوكلاهوما الأميركية (عام 1995) من عملٍ إرهابي كانت خلفه جماعات إرهابية أميركية رغم وجود الديمقراطية في أميركا و"وصفة" واشنطن كلّها المطروحة الآن للعرب والمسلمين؟!

وكيف يفسّر الأوروبيون ما كان يحدث في بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وأسبانيا من عمليات إرهابية يقوم بها أتباع لجماعات متطرّفة، وبعضها كان يمارس العنف المسلّح بطابع "وطني تحرّري" مثل "الجيش الجمهوري الأيرلندي" في بريطانيا وجماعات "الباسك" في أسبانيا؟!

أن المتهمين الآن بأعمال التفجير الأخيرة في لندن هم من مواليد وسكان بريطانيا - وهي دولة ديمقراطية عريقة - ولا تنطبق عليهم مقولة "التفسير الغربي"، ومن الواضح أن الاعداد الفكري لهم هو المسؤول عن قرارهم وليس ظروف وطنهم الجديد أو القديم.

أمّا المقولة الأخرى "الشرقية"، فهي أيضاً تحاول التملّص من مسؤولية الذات العربية والإسلامية عن بروز ظاهرة الإرهاب، وتسعى إلى تغليف الأزمات الفكرية والسياسية والاجتماعية بأثواب من الوطنية والتحرّر من الاحتلال. إذ كيف تفسّر هذه المقولة ما حدث في أفغانستان عقب سقوط النظام الشيوعي في كابول وانسحاب القوات الروسية منها، حيث شهدت أفغانستان أعنف المعارك وأقصى درجات الإرهاب على المدنيين حصيلة الصراع بين الجماعات المسلّحة التي كانت تقاوم ضدّ النظام الشيوعي؟

إنّ هذا ما حدث أيضاً في الصومال في مطلع التسعينات، وما حدث بين اللبنانيين أنفسهم خلال سنوات الحرب الأهلية، وهو ما يحدث الآن في العراق بأشكال مختلفة ..

وكيف يفسّر أيضاً أصحاب هذه المقولة "الشرقية"، نجاح التجربة الفيتنامية في مقاومة الاحتلال الأميركي لفيتنام، وقبله الاحتلال الفرنسي، دون أن تنقل عملياتها العسكرية إلى داخل أميركا أو أوروبا، ودون الخلط بين المقاومة ضدّ الاحتلال وبين الإرهاب ضدّ المدنيين الأبرياء حتى ولو كانوا من أتباع جنسيات الطرف المحتل؟!

وكيف يمكن أن نجمع بين إدانة ما قامت به أميركا من إرهاب دولي كبير، حين استخدمت لأوّل مرّة في التاريخ القنابل النووية ضدّ شعب اليابان لإجباره على الاستسلام في الحرب العالمية الثانية، وكذلك بين ممارسات المستعمر الأوروبي سابقاً، وممارسات الإدارة الأميركية الآن، والاحتلال الإسرائيلي ماضياً وحاضراً .. كيف نجمع بين إدانة ذلك كلّه، ثمّ نعطي لأنفسنا الحقّ باستخدام الأساليب نفسها تحت حجّة "توازن الرعب"؟! والأمر في حقيقته هو "توازن الخطيئة" بكلّ المعايير الدينية والإنسانية.

إنّ التمييز مطلوب بين حالات ثلاث: التطرّف، العنف المسلّح، والإرهاب. فالتطرّف الفكري والسياسي قد يكون حقّاً مشروعاً لمن يشاء السير فيه من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال .. أمّا العنف المسلّح، فهو محكوم بضوابط دينية وأخلاقية وقانونية على مستوى الدول والجماعات والأفراد، ولا يعني مخالفة طرفٍ لهذه الضوابط أنّ استخدامها بات مشروعاً لدى أيِّ طرفٍ آخر.

وهناك بلا شك مسؤولية "غربية" وأميركية وإسرائيلية عن بروز ظاهرة الإرهاب بأسماء "إسلامية"، لكنّ ذلك عنصر واحد من جملة عناصر أسهمت في تكوين وانتشار هذه الظاهرة.

ولعلّ العنصر الأهمّ والأساس هو العامل الفكري/العقيدي حيث تتوارث أجيال في المنطقة العربية والعالم الإسلامي مجموعةً من المفاهيم التي يتعارض بعضها مع أصول الدعوة الإسلامية، ومع خلاصة التجربة الإسلامية الأولى منذ فترة الهجرة النبوية إلى المدينة وصولاً إلى نهاية عهد الخلفاء الراشدين. فقد كانت هذه الحقبة الزمنية غنيّة بالدروس والمفاهيم السليمة وتجارب الحكم المبنيّة على الشرعيّة، وليس فقط على التفسيرات الضيّقة للشريعة. وللأسف لم يتمّ استيعاب خلاصاتها بشكلٍ جيّد لدى عموم المسلمين، ولا جرى اعتماد هذه الحقبة كمرجعية في فهم كيفيّة الحكم أو في مجال نشر الدعوة الدينية أو في التعامل مع الآخر غير المسلم في زمني الحرب والسلم..

ولقد ساهمت الحقبة العثمانية، ثمّ فترة الاستعمار الأوروبي من بعدها، في محاصرة الاجتهاد الإسلامي وفي الابتعاد عن المضمون الحضاري الإسلامي، والاتجاه نحو "حكم العسكريتاريا" الذي بدأه العثمانيون بانقلاب الجيش الإنكشاري على الدولة العباسية.

أيضاً، كان للصراعات الدولية الكبرى إسهام واسع في تأجيج ظاهرة التطرّف المسلّح باسم الإسلام. حدث ذلك في كلّ حقبة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وكانت حرب "المجاهدين الأفغان" هي الخميرة التي صنعت لاحقاً جماعات "القاعدة" وأساليبها الإرهابية في أكثر من مكان وزمان.

هي كذلك أزمة فكرية في مسبّبات ظاهرة التطرّف المسلّح باسم الدين، حينما تضعف الانتماءات الوطنية وتسود بدلاً منها هويّات دينية، جامعة في الشكل لكنّها طائفية ومذهبية في المضمون والواقع. ولعلّ بروز ظاهرة "التيّار الإسلامي" بما فيه من غثٍّ وسمين، وصالحٍ وطالح، في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ما كان ليحدث بهذا الشكل لو لم يكن هناك في المنطقة العربية حالة من "الانحدار القومي" ومن ضعف للهويّة العروبية كحصيلة لطروحات وممارسات خاطئة جرت باسم القومية وباسم العروبة فشوّهت المضمون ودفعت بالنّاس إلى بدائل أخرى تجد فيها الهويّة والسياج وقوى الدفع اللازمة في معاركها السياسة والاجتماعية والوطنية.

وكان لحكم "العسكريتاريا" في معظم دول العالم الإسلامي، مسؤولية كبيرة في غياب الحرّيات السياسية والفكرية ممّا دفع بعض الجماعات الدينية إلى أسلوب العمل السرّي وإصدار الفتاوى بلا مرجعيات شرعية دينية.

ولعلّ هذه العناصر كلّها هي المسؤولة معاً عن وجود ظاهرة الإرهاب باسم الدين، لكن سيبقى إصلاح الفكر هو المقدّمة الأولى لبناء مستقبل أفضل متحرّر من الهيمنة والاحتلال.. ومن إرهاب الدول والجماعات.. في الداخل والخارج.

*مدير "مركز الحوار" في واشنطن

alhewar@alhewar.com

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ