ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 04/12/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

 ( أدبيات سياسية )

الظلم : الشِيمة.. والعِفّة.. والعِلّة

عبدالله عيسى السلامة

قال المتنبّي :

والظلمُ مِن شِيَم النفوسِ ، فإنْ تَجِدْ       ذا عِفّة ، فَـلِعلّةٍ لا يَظلِمُ

احتجّ بعض الباحثين على المتنبّي ، لجعله الظلمَ شيمةً لازمة من شِيَم النفس البشرية ـ أي طبيعة من طبائعها ـ .. ورأوه قد ظَلم النوع الإنساني كلّه ، بإلصاق هذه التهمة به..! فقد جعلَ الظلم هو القاعدة ، وجعلَ العِفّة عنه ، استثناء لايحصل إلا لسبَب ( علّة ) يقتضي وجوده ..!

ولِما لهذا الموضوع من صِبغَة فلسفية ذات أبعاد شتّى ( نفسية.. اجتماعية .. خلقية .. تربوية ).. كان لابدّ من وقفة قصيرة عنده ، لأهميته للنوع الإنساني كله..!

أ‌-  الظلم أنواع ، منها :

   الظلم الأعظم : وهو الشرك بالله .قال تعالى على لسان لقمان: (  يابنَيّ لا تُشركْ بالله إنّ الشِركَ لَظلمٌ عَظيم ). سورة لقمان / آية 13/ . ففي هذا الظلم اعتداء على أعظم حقيقة في الوجود ، وهي وحدانية الله سبحانه وتعالى ، التي بعث الأنبياء والرسل جميعاً، لتأكيدها في حياة الناس ، وترسيخها في عقولهم وقلوبهم . والقرآن الكريم حافل بالآيات التي تدلّ على هذا المعنى ، بأشكال متعدّدة ..!

   ظلم الإنسان لنفسه : وهو متعدّد الصور والوسائل والأساليب..!

   ظلم الإنسان لأخيه الإنسان : وهو كذلك متعدد الصور والأساليب والوسائل..!

   ظلم الإنسان لمخلوقات الله الأخرى من غير النوع الإنساني : كالحيون بأصنافه وأجناسه ، وعناصر البيئة : من نبات وماء وهواء وتراب..!

ب‌-        الظلم بأنواعه المذكورة آنفاً ، موجود في الحياة البشرية ،على امتداد الزمان والمكان، وهو مَظهر من أبرز مظاهرهذه الحياة ، ومَعلَم من أجلى معالمها ، تؤكّد ذلك رسالات السماء ، وحقائق الأرض المحسوسة ، التي يراها الإنسان ويسمعها ، أينما كان في عالم البشر..!

ت‌-        أكثر الناس يمارسون الظلم بطريقة ما ، بنوع واحد من أنواعه ، أو اثنين ، أو أكثر من ذلك. وقد قال عزّ وجلّ ، في كتابه الكريم : ( وما أكثرُ الناسِ ولوْ حَرَصْتَ بمؤمنين) سورة يوسف /آية 103/. ومعلوم أن عدم الإيمان – أي الكفر – إنما هو ظلم من أسوأ الأنواع ! وقد وُصف به أكثر الناس.

ث‌-        قال تعالى : (وإنّ كثيراً مِن الخُلَطاءِ لَيَبغيْ بَعضُهمْ على بَعضٍ إلاّ الذينَ آمَنوا وعَمِلوا الصالحات ). سورة ص / آية 24/. ومعلوم أن البغيَ ظلم.

ج‌- ومن يستعرض أنواع الظلم التي يراها في حياته اليومية ( ظلم الأفراد للأفراد ، وظلم الحكّام لمواطنيهم ، وظلم الدول للدول) لابدّ له أن يتساءل: هل  الظلم حالة طارئة على حياة الناس ، أم هو أصل ثابت مستقرّ من أصول هذه الحياة!؟ وإذا كان أصلاً ثابتاً ، فهل هو طبيعة من طبائع النفس البشرية ، كما زعم المتنبي ، أم استعداد كامن في هذه النفس ، يَظهر في أكثر صور الحياة ، وتمارسه أكثرية أفراد النوع الإنساني !؟ إن سورة العصر تؤكّد خسارة الإنسان عامّة ، وتستثني فئة منه: ( والعَصرِ. إنّ الإنسانَ لَفيْ خُسْرٍ . إلاّ الذين آمَنوا وعَملوا الصالحاتِ وتَواصَوا بالحَقّ وتواصَوا بالصَبْرِ). ومعلوم أن الخسر لايكون ، إلاّ نتيجة لظلم يمارسه الإنسان نفسُه، فالله لايظلم أحداً.

ح‌- وعند العودة إلى الآية الكريمة ، نرى بوضوح ، أن الظلم ليس جبلّة جبِل عليها الإنسان لافِكاكَ له منها ، بل هو استعداد كامن في النفس لممارسة الظلم ، كالاستعداد الكامن لممارسة العدل والخير . قال تعالى : ( إنّا هَدَيناهُ السبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً).سورة الإنسان / آية 3/.

خ‌- وبناءً على ماتقدّم ، ندرك أن الظلم ليس حكْماً ربّانياً حكَم الله به على الإنسان ، ولا قَدَراً لازماً قدّره عليه..! بل هو حالة إنسانية ، يمارسها الإنسان على نفسه ، وعلى أفراد نوعه ، بطَوعه واختياره .. ويَـقبلها الآخرون أو يرفضونها ، بطوعهم واختيارهم . فلا عذْرَ لمن يمارسها ، ولاعذرَ لمن يَـقبلها.. ( والمضطرّ إلى السكوت على الظلم ، وهو كاره له ، يعذربحسَب ضرورته).

د‌- وهنا نقف عند حالتين من حالات الظلم الشائعة اليوم :

   ظلم الحاكم لشعبه : وهو حالة من الظلم المزدوج: الحاكم ظالم ، وعليه أن يدفع ضريبة ظلمه ، والشعب المظلوم ظالم ، لأنه قبل الظلم ، وعليه أن يدفع ضريبة ظلمه.( في الحديث الشريف: إذا هابت أمتي أن تقول للظالم : ياظالم .. فقد تُودِّع منها..). وفي الحديث الشريف أيضا ( سيّد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر، فامَره ونَهاه ، فقتله ).

   ظلم الدولة للدولة : والظلم هنا ثلاثيّ الأبعاد : الظالم الأول فيه الدولة التي تمارسه. والظالم الثاني هو الحاكم الذي يقصّر في تقوية دولته ، حتى يستضعفها الآخرون فيعتدوا عليها . والظالم الثالث هو الشعب الذي يقبل من حاكمه التقصير في تقوية الدولة وحمايتها ، حتى يستبيحها أعداؤها ، وينكّلوا بشعبها ، وينهبوا ثرواته..!

ذ‌- وهنا نصل إلى العفّة وعلّتها ، لنكتـشف أن العلّة التي تَمنع من الظلم ، أو تَردع عنه، أنواع، منها:

-  الخوف من الله عزّ وجلّ : وهذه أسماها وأكرمها.

-  الأخلاق والمروءات التي يربّى عليها الفرد : وهذه تأتي بالدرجة الثانية ، من حيث الرفعة والسموّ.

-  العجز عن ممارسة الظلم ، إذا كان العاجز راغباً فيه . وهذه حالة سلبية لا فضلَ للعاجز فيها ، وإن تَظاهَر بالعفّة !

-  القوّة الرادعة : وهي التي تمنع المرء من الظلم وتردعه عنه ، سواء أكانت قوّة قانونية ، أم قوّة واقعية ( عسكرية .. ونحوها). وهذه القوّة تَحديداً ، هي التي تكشف حقيقة الديموقراطية بوضوح وجلاء ـ في الدول التي تدّعيها ـ ..! فالحاكم في الدول الديموقراطية ، لايمنعه من الاستبداد والتجاوز على الحقوق العامّة والخاصّة في دولته، إلا القوّة الرادعة التي  ترصده وتتربّص به ( قوّة القانون.. قوّة الخصوم السياسيين.. قوّة وسائل الإعلام التي تَفضح المُخالف ، وتُشهّر به ، وتسقطه..). ولعلّ الديموقراطي الحقيقي الوحيد ، هو الذي يَجد مَن يَتصدّى له ، ويردعه عن التجاوز..! لايقول له : لا .. ثم يصمت . بل يقنِعه بحزم ، بأن كلفة التجاوز أكبر بكثير من مكاسبه ..!

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ